الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستطيع احتلال كريت التي تعج بالجنود، والتى كانت السفن الإنكليزية تحميها من جميع الجهات، واعتبرت الإنكليز في ذلك الوقت أن الاستيلاء على الجزيرة من المستحيلات، ثم تقدمت إيطاليا وبدأ هجومها في شمالي أفريقيا، ذلك بأنه قد انضم أكثر دول البلقان إلى المحور، بل راح بعضها يحارب معه، وكانت إيطاليا تملك في ليبيا وأفريقيا ما يقارب نصف مليون جندي، بينما لم يكن بمقدور الإنكليز أن يضعوا أمامهم أكثر من مئة ألف جندي، وتعرضت المواصلات الإنكليزية لأشد الأخطار وأقصاها.
وكانت الخطة الإيطالية لغزو مصر تقوم على أن تبدأ الحملة في جبهتين، الأولى من طرابلس الغرب والثانية من الحبشة بقيادة الدوق أوف أوستا، وأما الحملة الأفريقية من طرابلس الغرب فكانت بقيادة المارشال غرازياني، وتم لهم بعض ما يريدون لولا أن حملة الإنكليز بقيادة الجنرال ويغل في 9 كانون الأول 1940 م على مواقع الإيطاليين فارتدوا من حيث أتوا، وسقطت البردية وطبرق ودرنة وبنغازي في أيدي الإنكليز، وأسر من جنود إيطاليا 130 ألف إيطالي، ولما أخذت الإنكليز تهاجم بمدافعها الثقيلة البردية لتدمير مراكزها العسكرية واستحكاماتها شوهت الأراضي التي حولها من ضرب القنابل والانفجارات النارية، وقد قام الطراد الإيطالي يدافع عن طبرق بواسطة مدافعه البعيدة المدى والمدافع الأخرى المضادة للطائرات، غير أنه أصيب ببعض القنابل البريطانية من الجو فاشتعلت فيه النار وأصيب بالعطب.
موقف أمريكا
لما نشبت الحرب أقرَّ الرئيس روزفلت قانون الحياد الأميركي الذي حظر فيه تصدير الأسلحة على اختلاف أنواعها إلى جميع الدول المتحاربة ودون استثناء، وكان هذا القانون بالتأكيد ضربة شديدة لإنكلترا وفرنسا، ولكن موقف الحكومة الأميركية ما لبث أن تبدل بعد شهرين من إعلان الحرب، وبعد أن ربحت ألمانيا
الجولة الأولى وهذا لأن أميركا كما هو معلوم ومشهور منحازة بعواطفها إلى جانب الحلفاء، وقد قدمت لهم مساعدات عظيمة من اقتصادية وحربية ومالية، وتعمل جاهدة لتقوية سلاحها وتعزيز دفاعها، كأنما هي تتوقع الحرب بين لحظة وأخرى مما يقطع بأن السياسة الأميركية أخذت تسير باطراد نحو المشاركة في الحرب إلى جانب إنكلترا، فأخذ الرئيس روزفلت بحض الكونغرس على تعديل أحكام هذا القانون، فأقرَّ الكونغرس قانونًا سمح فيه للدولة المتحاربة أن تبتاع نقدًا من الأميركيين ما تحتاجه من الأسلحة، ولما وقفت إنكلترا ومستعمراتها تحارب بمفردها القوة الألمانية الظافرة تعاظم اهتمام أميركا بمصير بريطانيا وخشيت أن يتمكن الألمان من إبادتها وسحقها، فأعلن الرئيس الأميركي في خطاب ألقاه: بأننا سنمد أعداء العدوان بجميع الموارد المادية التي تملكها أمتنا، كما أعلن أن قيامه ذلك يحول دون انتقال مستعمرات فرنسا وهولندا بعد استسلام هاتين الدولتين في أمريكا الجنوبية إلى قبضة الألمان، وبعد قيام الحرب بسنة تم الاتفاق بين الولايات المتحدة وإنكلترا على أن تقرض الأولى الثانية خمسين مدمرة أميركية مقابل تأجير بريطانيا إلى الولايات المتحدة عددًا من القواعد البحرية والجوية في جزر الهند الغربية وجزيرة نيوفوند لاند لمدة تسعة وتسعين سنة، وآخر ذلك أن اعتمد المستر روزفلت قانون الإعارة والتأجير الذي جعل من الولايات المتحدة مصنعًا لتزويد الحلفاء بكل ما يحتاجونه، وسنعود عن قريب.
أما ما كان من أمر هتلر فإنه تقدم كهماته وملأ رعبه كل قلب وكل بيت، وتوهم المتوهمون لفرط ما ظفر به من انتصارات أنه متصل بالسماء قبحهم الله أنى يؤفكون، وقد ظل علمه المعقوص خفاقًا في جميع ميادين القتال التي امتدت جبهاتها إلى أميال بعيدة من شرق أوربا إلى غربها، كما ظلت جيوشه ومدرعاته تجوب جميع الميادين في البر والبحر والجو تكتسح الممالك وتدمر وتقصف بسرعة عجيبة حتى وصلت إلى اليونان بعدما دمرت في طريقها ما تقدم ذكره، واحتلت جميعها احتلالًا عسكريًا صارمًا بعد أن دكت حصونها ونسفت قلاعها وأزالت خطوط دفاعها من الوجود.
وكانت اليونان إذ ذاك مشتبكة في حرب مع إيطاليا حلفاء ألمانيا، وكان الظنون أن تكون إيطاليا هي الغالبة لوفرة جيوشها وكثرة عتادها واعتمادها على مساندة حليفتها الجبارة، وبما أن إيطاليا هي البادئة بالعدوان فإن اليونان ردتها على أعقابها على رغم ما يظهره الدتشي زعيم إيطاليا من الجعجعة الجوفاء، حتى أنه كان يخطب مزهوًا فخورًا بكثرة جيوشه وهو واقف على ظهر المدفع يهدد ويرغي ويزبد ويسمي البحر الأبيض الذي يقف عليه بحرنا.
ولما أن وصلت جيوش الألمان في الزحف إلى الحدود اليونانية لم ترَ أن تسلم حليفتها إيطاليا الخسف، بل عزمت على أن تقيمها من كبوتها وتنهضها من عثراتها وترد إليها شرفها واعتبارها بالاستيلاء على اليونان وضمها إلى قائمة الدول التي سقطت تحت عجلات مدرعاتها.
فكر هتلر ورجاله في أيسر طريق إلى بلوغ تلك الغاية فاتجهت أنظارهم إلى جزيرة كريت القائمة في الجنوب الشرقي من البحر الأبيض، وكانت مملوكة لليونان، وباستيلائهم على هذه الجزيرة يضربون عصفورين بحجر واحد إذ يجعلون منها أيضًا قاعدة حربية لغزو الجزر البريطانية وتهديد قوافل الإنكليز أعدائهم الألداء حين تمر في البحر محملة بالمؤن والذخائر ويقطعون الطريق على أسطولهم الحربي والتجاري، وفطنت إنكلترا إلى الأهداف التي ترمي إليها ألمانيا من سعيها في الاستيلاء على هذه الجزيرة، فوقفت بجانب حليفتها اليونان تساندها وتساعدها وتمدها بجيوشها لصد الغزاة عنا بأي ثمن إذ لم يفتها أن غزو كريت مقدمة لغزو موعده الجزر البريطانية.
ولما كانت ألمانيا لا تملك الأسطول البحري القوي الذى يمهد لها غزو جزيرة كريت عن طريق البحر، وكان الأسطول الإنكليزي الضخم غول البحر يجول ويصول شمالًا ويمينًا طول الجزيرة فلا يمكنها من بلوغ ما تريد، فقد تركت البحر للإنكليز يجولون فيه ويصولون بأسطولهم وأعدت لغزو الجزيرة خطة جهنمية لم يسمع بمثلها في التاريخ من قديم الزمان وحديثه، ففي ذات صباح كان أهل الجزيرة
ماضين إلى أعمالهم آمنين مطمئنين في حراسة الأسطول الإنكليزي الرهيب فما راعهم إلا أن سمعوا من فوقهم دويًا كقصف الرعد يصم الآذان ويبعث الفزع في القلوب تنهد له الجبال الرواسي وتشيب منه النواصي، فتطلعوا إلى السماء مذعورين مأخوذين لينظروا ما دهاهم، فإذا السماء تمور مورًا وإذا جو الجزيرة كله ملئ بالطائرات، وما هي إلا لحظات قصار حتى هبط عليهم جنود المظلات ألوفًا مؤلفة بأسلحتهم المختلفة فملؤا آفاق الأرض وسدوا منافذ الطرق، ونظر أهل الجزيرة فإذا أرضهم وديارهم تموج بالعجلات والدبابات والسيارات والمراكب المختلفة التي تحمل الذخائر والمؤن والعتاد، ولم يمضِ على هذا الجيش العجيب غير دقائق معدودات حتى صارت الجزيرة في قبضته، وسرت الجنود كالجراد المنتشر يملأون الطرق يتجولون يطلقون المدافع فتنبعث نيرانها ذات اليمين وذات الشمال حتى غدت الجزيرة الأمنة المطمئنة كبركان منفجر، واستولوا على المطارات، وبما أن سربًا من طائرات الإنكليز شرعت تضرب الغزاة فقد قابلته ألمانيا في معركة رهيبة فوق الجزيرة وجعلت قاذفات القنابل تتهافت ساقطة محرقة فوق الأرض أو غائصة في أعماق البحر.
ولما قام أهل الجزيرة يكافحون مستميتين ضربتها ألمانيا ضربًا مزعجًا حتى طفئت الأسماك على ظهر البحر وأصلتهم نيرانًا حامية، وامتد اللهيب وأظلم الجو ثم نشر الألمان عيونهم وأرصادهم وبثوا طابورهم الخامس وأقلام استعلاماتهم في كل مكان حتى لم يبقَ شبر واحد من الأرض بعيدًا عن أعينهم الراصدة.
ولما أن استسلمت فرنسا في 17 حزيران 1945 م دخلها هتلر على رأس جيشه الظافر المنتصر ووقف تحث قوس النصر الحافل بأسماء مواقع انتصاراته يستعرض جيشه الألماني المنتصر الظافر الذي تدفقت أفواجه وفرقه من شارع الجيش الكبير على ما سوى ذلك من الشوارع إلى مختلف الثكنات والمواقع التي أعدت لإيواء جيوش الرائخ، واحتلت القوات الألمانية بذلك الهجوم الخاطف على الجبهة الغربية في مدة لا تزيد على 35 يومًا خصص منها 17 يومًا لاحتلال فرنسا.
ولما أن سحقت ألمانيا فرنسا التفت هتلر إلى بريطانيا التي أصبحت وحدها