الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنعمة لم تحصل لأحد ولا للملوك، وقد يكون في بعض الأيام بأعلى كرامة، وفي بعضها بأدنى مهونة فلا يتأثر لذلك بل يصبر على حلو الزمان ومره، ولست أقول أنه كامل الصفات، بل كل بني آدم خطاء، غير أننا إذا سبرنا حالة أبناء الزمان فإنه من خيارهم، قد عافاه الله من أكل أموال الناس ظلمًا ومن أذية المسلمين، بل كان محسنًا إلى الفقراء ومكرمًا لرفقته، فقلَّ أن يصاحب أحدًا فتنقلب صحبته عداوة، وكان في طريقته للتعليم والإفادة أنه لا يجلس للتعليم فيتحلق عليه الطلاب، إنما كان يأتيه المتعلم فيجلس إلى جانبه ويمر عليه القطعة التي يريد أخذها من التوحيد، أو الفقه، أو الحديث وغيرهما فيفيده عن إعرابها ويوضحها ويبين له الغوامض من ألفاظها، وقلَّ أن يوجد أحد من أقرانه أو أقل منه سنًا إلا ويستفيد منه برفق ولين، ويتواضع لمن يتعلم منه.
وكان ينتابه الأصحاب والطلاب من كل قادم ومقيم فيجتمعون به ويظهر لهم الود والمحبة، وقد جعل الله له قبولًا ومحبة في قلوب الناس وذلك لما وقر في نفسه من التواضع وسعة الرأي بعد النظر، ولولا ما قام به من كراهته للرئاسة لكان له شأن غير هذا، بل كان ورعًا همه إصلاح دينه ونفسه وتهذيبها، وكان ذا أصل عظيم وبصيرة في دينه، وله يد طولى في علم الرجال والعروض.
الباب الرابع: في علمه ومؤلفاته
أما علمه ومعرفته فكان عالمًا بالتوحيد والفقه والحديث والرجال والنحو، ومن أشهر مؤلفاته رسالته المطبوعة بمصر المسماة الهداية والإرشاد إلى طريق الهدى والرشاد في هذا الزمان الذي عم فيه الفساد وضل فيه أكثر العباد وحرموا فيه السداد، وهي مفيدة تقع في 40 صفحة.
ومنها تهذيب مناقب الإمام أحمد بن حنبل تأليف ابن الجوزي، وقد شطر ميمية الشيخ سليمان بن سحمان، وخمس أبيات ابن رجب في وداع رمضان، ومنها قصيدة في غربة الدين دالية تورد من أبياتها البعض وهي قوله:
إلى الله نشكو الحال لا رب غيره
…
ونفزع في رفع الأكف ونعتمد
ونسأله التوفيق للرشد والهدى
…
وتبصرة نحذوا عليها ونستند
عسى وعسى أن ينصر الله دينه
…
كذا المصطفى الهادي إلى الحق والرشد
وبعد فقد عم البلى وتوفرت
…
أمور الردى بين الملا بلا فند
فهذا زمان الصبر طوبى لعاملٍ
…
على السنة الغراء مقيمًا قد اعتمد
زمانٌ به الأحوال حالت بكلها
…
فلست ترى إلا الخيانة والنكد
فلا آمر بالعرف يومًا وناهيًا
…
عن المنكر المشؤوم في أغلب البدد
ترى الأمر بالمعروف أقفر رسمه
…
كذا المنكر استعلا جهارًا وقد وجد
خلت من شفيق قام لله داعيًا
…
إلى السنة المثلى مُجدًا قد اجتهد
يقرر آيات الكتاب بعزمه
…
ويشرح للغراء سليمًا من اللدد
فقد طالما ربع الشريعة مقفرًا
…
فسوق الهدى والخير والله قد كسد
تبدلت الأحوال من بعد حسنها
…
فلست ترى إلا النميمة والحقد
مع الفحش في الأقوال والسوء والبغاء
…
شمائلهم بث الفساد مع الحسد
وكلّ قد استغنى بعادات أصله
…
يرى أنها أحرى الطرائق والرشد
وظن الذي يهوى صوابًا وسنةً
…
تراه لما يهوى مكبًا على عمد
إذا قيل قال الله قال رسوله
…
تغيظ من سوء الطوية والحقد
وما همه أمر المعاد وهوله
…
فيا ويل عبدٌ للهداية قد فقد
ينافس في الدنيا لأبناء جنسه
…
يعوم بتيار البطالة قد مرد
وأعرض عن يوم التغابن عامدًا
…
وضيع أمر الله يا بئسما قصد
.. الخ وهي حسنة، وله قصيدة من هذا النمط لامية تحث على الجد والاجتهاد والتشمير وترك التكاسل في طلب العلم نذكر بعضًا منها:
تقضت ليالينا وضاعت حياتنا
…
بلا عمل يجدي على غير طائل
فوا أسفًا للعمر يمضي سبهللًا
…
فيا ضيعة الأعمار في غير حاصل
فآهًا على التفريط في زمن الصبا
…
وآهًا على فوت العلى والفضائل