الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما ولادته فقد ولد سنة 1294 هـ، ونشأ نشأةً حسنة مكبًا على الدراسة والطلب، ولما كان في تلك الوظائف كان يقضي بعض أوقاته في الأسياح، وبعضها في الأجفر، وقد يأتي لزيارة بريدة ويجلس فيها لأنه قد تزوج بها، وله فيها أولاد ومسكن، وتوفى في هذه السنة عن 73 سنة رحمه الله وعفا عنه، ولقد كان يظهر لنا الوداد والمحبة والبشر، ويضع ثقته الكاملة بنا، فأحببنا أن نرثاه بهذه المرثية، ووفاته كانت في اليوم 19 من ذي الحجة من هذه السنة:
على الشيخ عثمان الدموع تصبب
…
لمفقده أضحي ذوو العلم تندب
حبيبٌ منيبٌ للمكارم جامع
…
وللعلم والخيرات يسعى ويدأب
يميل له أهل الديانة والتقى
…
وما زال سباقًا به المثل تضرب
يدين بقال الله قال رسوله
…
وما قرر الأصحاب يومًا وهذبوا
وما كان في الدين الحنيف مداهنًا
…
لأهل الردي كلا بل الحق يطلب
لقد كان منهومًا بطاعة ربه
…
سؤولًا له نحو العبادة يذهب
يناجي لمولاه الجليل برغبةً
…
ويشفق من تعذيبه بل ويرهب
قضى عمره في طاعة الله وحده
…
وما همه دنيا تزيد وتكسب
وقد كان مأمون السريرة والأذي
…
أديبًا أريبًا للعلى يترقب
فمن بعده تهوى النفوس لرشدها
…
ويهدي لحيران شفيقًا يقرب
لأن كنت يا عثمان خير بقيةٍ
…
لأهل الهدي حتمًا مضيت محبب
فأنا لمأساك المريير غدت بنا
…
همومٌ وأحزانٌ بها نتقلب
عليك من الرحمن أوفي تحيةٍ
…
وروحٍ وريحانٍ يحف ويسكب
وكان قد خلف بعده عقبًا من الذكور أربعة وواحدة من الإناث، فقدس الله روحه.
فهد بن على الرشودي
وهذه ترجمته: هو أبو على فهد بن علي بن عبد الله بن على بن فهد بن عبد الله آل رشودي، كان من قبيلة عتيبة، وأصله من قرية الشقة المعروفة شمالي مدينة بريدة من القصيم، ولد سنة 1283 هـ، وكان رجلًا شريفًا رفيع
القدر، ومن العرب المشاهير، ثم سكن مدينة بريدة وارتفع شأنه وعلا أمره، وما زال يتقدم ويتفوق حتى أصبح رئيس أعضاء أهل الضبط والربط في القصيم، وله مقامات عظيمة في الحروب التي جرت بين آل سعود وآل رشيد لا سيما في واقعة البكيرية والشنانة، وفي جراب، فإنه رسول ابن سعود إلى ابن رشيد في واقعة الشنانة، بعثه ابن سعود حسب الثقة به إلى ابن رشيد لأنه كان مواليًا لآل سعود، ولما أن اتصل عبد العزيز بن متعب بن رشيد ووجده حانقًا على أهل نجد ويريد أن ينزل بهم بأسه وعقابه لما كان متصفًا به من الجبروت والعنف، رجع المترجم إلى ابن سعود يحمل تهديداته وتقريعاته، وباح بما عنده أمام صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن، وأمام أهل نجد وذمرهم وحذرهم من الكيد الذي يبيته ابن رشيد لهم إن ظفر بهم، فلقونه وتنفيذ إرادته تبايع قوم ابن سعود على الموت، وصدقوا اللقاء والحملة على ابن رشيد حتى هزمه الله وطرده.
وأشار على أهل القصيم بمشورة في واقعة جراب عجيبة عادت عليهم بتمام الراحة لهم.
وكان صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بن سعود يثق به ويأخذ من آرائه، ويختصه بأشياء يكتمها عن غالب الناس، وقد أخذ بيده مرة وهو يطوف بالكعبة المشرفة، فكان عن يمينه في صاعة لم يكن في الطواف سواه والحرس أمام الملك، وخلفه وعن يمينه وشماله، فوجهت الأبصار إلى هذا الرجل الذي يطوف في معية الملك بينما أن الخلائق قد كشفت عن صحن المطاف، ولقد شخصت الأبصار لرجل نحيف الجسم متقشف يطوف في معية الملك عبد العزيز، وكثر سؤال المصريين والشاميين عن هذا الرجل ومن أي جهة كان، ولقد حظي عنده حتى كان لا يرد له طلبًا، بل ينفذ أوامره بكل سرعة، وما هي طلباته؟ فما كان يطلب نقودًا ولا يطلب اقتطاعات الأراضي إنما يشفع لمسجون أو يشفع لجاهل لم يتقيد بأوامر الحكومة، فيطبق عليه النظام وتنقطع أسباب نجاته فيطلب الصفح عنه.
ولقد جرى على أناس من عقيل ذهبوا في التجارة بدون تقيد مع الشروط التي وضعتها الحكومة ليخضع لها كل مسافر، فكان جزاء أولئك أن حبسوا في السجن وصودرت أموالهم جزاء بما كسبت أيديهم، ولما أن حج هذا الرجل العظيم وأراد الإياب إلى وطنه فزعت الأمة إليه يطلبونه السعي في خلاصهم، فما كان منه إلا أنه لما ودع جلالة الملك وأمر له بسيارة وكرامة عرض عليه الملك أن ينظر في شأن هؤلاء المجرمين، وهل يجوز الصفح عنهم، فتكلم فهد على الفور قائلًا:
يا طويل العمر إن تجاركم وشعبكم بمنزلة الأقدام التي تحمل الجسم، فإن استقامت استقام وإن ضعفت فإنها لا تحمله، ولعل هذه تردعهم وأمثالهم ويكفيهم الشيء القليل من العقوبة، فأصدر جلالة الملك الأوامر بالعفو عنهم، ورد أموالهم إليهم.
ولما نودي بالجهاد لنصرة أهل فلسطين قام بالنيابة عن أهل القصيم ورفع خطابًا لجلالة الملك بأن الرجال والأموال تحت إشارتكم، وأن الطريق إلى فلسطين تمر على القصيم، فإذا قدم غزاة جنوبي المملكة فهم على أتم أهبة، فسر بذلك جلالته كثيرًا وشكر لأهل مقاطعة القصيم ذلك.
ولقد اتخذ موضعًا يقع شرقي بريدة قريبًا منها واختاره سعة للبلد فلا يوهب ولا يبني فيه، وطلب تأييد الملك لذلك فحقق رغبته وأن لا تمتد إليه يد، بل يكون كما رسم، وما زال يدافع عنه حتى توفاه الله تعالى فبطل ذلك الاختصاص، ورأت الحكومة الحاضرة أيدها الله تعالى أن يكون في ذلك الموضع المشار إليه مستشفى كبير يضم عددًا غير قليل من المجالس والغرف والمستودعات والأسرة، يشغله أطباء ماهرون، كما أنشيء فيه أيضًا مدرستان كبيرتان إحداهما المدرسة الصناعية، والثانية المدرسة الثانوية، ومعهد المعلمين وإدارة التعليم، وكلل هذه المواضع قد بني بالإسمنت المسلح على أحدث طراز.
وكان المترجم عاقلًا رزينًا، قوي الإرادة، سديد الرأي، عظيمًا لا يقعقع له بالشنان، وله غور بعيد، وجميع آرائه سديدة، وقلما تنسد أبواب الرشد
في مهمات الأمور إلا ويوجد لديه ما يكشفها، أضف إلى ذلك تواضعًا وخفض جناح لأهل الفضل، وأدبًا ومعرفة، وقد اجتمعت الكلمة في أيامه وقلت المشاغبات.
ومن مناقبه أن طبع كتبا عدة الصابرين للحافظ ابن القيم رحمه الله بالمطبعة السلفية بمصر سنة 1340 هـ على نفقته الخاصة، ووزعها وقفًا على المسلمين جزاه الله خيرًا.
كان يختصني فيسأل عن مسائل الدين والعبادات، ويأتي بمسائل تدل على عظمة الرجل وأنه فوق ما قيل فيه، ولا أن توفي الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم العبادي المتقدم ذكره جاء بعد ذلك المترجم يسأل من للمشكاة بعد يفتي الناس ويرشدهم، لأن القاضي مشغول بعمله، ومن جهة أخرى فإن ضعفاء الناس من النساء والضعفة لا يجدون مثله مفيدًا ومعلمًا ومبينًا، فأجبته أن أمثال الشيخ عبد العزيز في الناس قليل، فجعل يسترجع ويقول: من للحيض يرشدهن ويفتيهن؟ ومن ومن.
كان رحمه الله ذا ثروة عظيمة، ولديه أموال كثيرة، وبيته يقع في وسط البلد، وما كان فخورًا ولا متكبرًا، وهذه صفته:
كان طوالًا، قليل اللحم، قوي البدن، لأنه يؤثر المشي، أبيض اللون مشربًا بحمرة، دائم التفكير، شعر لحيته أبيض، ولا يحب خضبها بالحناء، ولا يضع العصا عن يده، وأمره نافد على الشريف والوضيع، فقد كانت الإمارة تخضع له، وقد قلنا فيه مرثية، بل الله ثراه بوابل الغفران، ورفع منازله في الجنان، وقد خرجت من كبد حري وفؤاد موجوع، وقلب بألم الفراق ملسوع، وذلك لما فجعت الخليفة برزئه، وعمت الأقطار مصيبته فجادت القريحة بهذه القصيدة لما قام بهذا الشخص العظيم من المصالح العامة لسائر المسلمين.
ولقد تفضل بعض الأدباء نحوي بإلقاء سؤال عن المترجم هل يستحق هذا المديح ولم يكن ملكًا ولا قاضيًا ولا مفتيًا، بل قصاراه أنه رجل يصلح بين الناس
إذا اختلفوا، ويجمع شملهم إذا تفرقوا، ويعدل بينهم بالقسط؟ فأجبته أنه فوق ما قيل فيه، وفعلًا وافق بعد مضي زمان لما لم يكن هنا من يقوم مقامه، فنسأل الله تعالى أن يجبر المسلمن ويحسن عزاءهم على فقد رجال أكفاء أصيبت بهم الأمة، وعظمت لفراقهم الغمة، وما كل إنسان يعوضك غيره:
على الشهم ذي العرفان من كان ينفع
…
ومن كان يجلي للخطوب ويدفع
تسح دموعًا من قصيم محافل
…
لفرقته أمست من البين تجزع
وحق لها تبكي وتندب دائمًا
…
على فقد حر في علاها مولع
تريق دموعًا وكفها مترادف
…
وتبكيه أقطار كثير وأربع
فما فهد فينا سوي الأمل الذي
…
يراح له في النائبات وينفع
وما فهد فينا سوي الكهف إن غدا
…
إليه ذوو الحاجات يقضي ويشفع
وما فهد في الناس إلا مدافعًا
…
فمطلبه يحصل وما رد يقمع
فمن بعده يرعى الضعفاء ويحمهم
…
إذا ما دهتهم معضلات وضيعوا
إلى من له تأتي العناة وتشتكي
…
وتقصده فيما عراها لينفعوا
إلى من له يؤتي لكشف ملمةٍ
…
وكارثةٍ تبدو وخرقٌ يرقع
إذا ما ادلهم الخطب فرج رأيه
…
بأمرٍ ونهيٍ في المطالب يسمع
فمن مثله في الناس يرجي لنفعه
…
لقد قلَّ أهل النبل حقًا ونزعوا
فكم كربةٍ لله فرج جاهه
…
يكاد لها القلب الرصين يقطع
بمالٍ وجاهٍ يفتدي كل من يري
…
مضامًا ومغلوبًا له ظلٌ يفزع
لقد كان ذا عقلٍ رزينٍ مسددًا
…
وكان لعمري في البراعة مصقع
برأي سديد ليس يومًا بطائشٍ
…
فأني لنا ركنٌ سواه سميدع
أروني أخا عدل يقوم مقامه
…
ومن ذا الذي أمسي به الشمل يجمع
ومن ذا الذي يقضي الحوائج جاهدًا
…
ومن هابه أهل الشقاء وقرعوا
فآهًا على نجمٍ تبدي بضوئه
…
عسي الله بالجبران يرفو ويرقع
فهيهات لا ننساه في كل نازلٍ
…
قفوا نبكه حزنًا عليه ونهمع