الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى كان الصليب المقوف فوق نصف بولندا الغربي، والمطرقة والمنجل فوق نصفها الشرقي، وكانت الأساطيل الجوية الألمانية قد حولت مدن بولندا إلى ركام وأنقاض، ولما اقتسمها ظن هتلر وزعماؤه أن ذلك يضمن عدم قيام ستالين بعمل ضد ألمانيا إلى الأبد، وما عملوا أنه كان يفاوض بريطانيا لعقد معاهدة دفاع مشترك مع الحلفاء لخبثه ومكره، وكانت حملة هتلر على بولندا قضت على جيوش المارشال بلسوديسكي واقتيد الكولونيل بيك وزير خارجية بولندا أسيرًا، ولعبت قوات غورينغ اللوفتوافا الدور الرئيسي في تصديع الجبهة البولندية، ولقد أثارت تلك العاصفة اهتمام العالم عامة وخبراء الطيران الدوليين خاصة، فقد قضت طائرات الرائخ على السلاح الجوي البولندي، وشلت حركته بسرعة متناهية بالرغم من قوته ومتانة أسلحته، فكانت التجربة قاسية للأسلحة الجوية البريطانية الفرنسية لأن أسلحة القوات الجوية البولندية كانت من منشأ بريطاني فرنسي أضف إلى ذلك كثرة عدد أهل بولندا، فقد قيل أنهم كانوا ثلاثين مليونًا من البشر.
وفي هذه السنة قامت بريطانيا ولجأت إلى تسكين ثورات عرب فلسطين التي ظلت تتلاحق وذلك تهدئه للأحوال، وعقدت مؤتمرًا سمي مؤتمر المائدة المستديرة في لندن اشترك فيه زعماء عرب فلسطين ومندوبون عن الدول العربية، واشترك فيه اليهود أيضًا لكن هذا المؤتمر منيَ بالفشل وإنما كان هذا من بريطانيا تخديرًا لأعصاب العرب في فلسطين حتى تضع الحرب أوزارها فيحكمون فيها بما يشاءون.
ثم دخلت سنة 1359 ه
ـ
استهلت هذه السنة ورحى الحرب العالمية الثانية طاحنة، وكانت بريطانيا لما رأت رئيس وزرائها تشمبر لن يميل إلى السلام، ويرجو هتلر باسم حكومته وباسم الإنسانية المعذبة أن يحفظ أوربا والعالم من شرور الحرب، اتهمته بالضعف وجعلت
مكانه تشرشل فلم تطل المدة بعد احتلال بولندا أكثر من سبعة أشهر حتى زحفت قوات الرايخ الثالث إلى الغرب حتى وقفت مرابطة على طول خط الدفاع الغربي الممتد من بحر الشمال إلى حدود سويسرا، وأخذوا يبدون تذمرًا صريحًا من جراء حالتهم المفجعة.
وفي صباح يوم 10 مارس 1940 م أطلق هتلر رصاصة الانطلاق فانقضت الطائرات الألمانية الشتوكا على المعاقل والحصون الهولندية والبلجيكية والفرنسية واحتلت جيوش الرايخ الدانمارك بدون أن تلقى مقاومة، بل اكتفى ملك الدانمارك بتسجيل احتجاجه على خرق ألمانيا حياد الدانمارك، وكان الجنرال رومل يوقد القوات الألمانية، والجنرال غودريان يقود الدبابات التي اشتهرت في خلال الحرب الأخيرة بقوتها ومتانتها ومناعة دروعها الواقية، وراحت قوات الرايخ المسلحة لا تخرج من نصر إلا لتدخل في نصر جديد، واحتل الجنرال غودريان خط ما جينوا إذ وصل إليه من خلفه بطريق بلجيكا من حصن ليبج فقيردان، وسيدان، وانتهت هذه الحملة بتسليم فرنسا في 17 حزيران، وتم الاتفاق بين هتلر والمرشال بيتان على اقتسام فرنسا، فيحتل الجيش الألماني شمال فرنسا بما فيها باريس، ويبقى القسم الجنوبي من فرنسا تحت إدارة بيتان، على أن تكون عاصمته مدينة فيشي الشهيرة بمياهها المعدنية الصالحة لمعالجة الأمراض على اختلافها، ووقعت بينهما الهدنة على ذلك.
إن هتلر لعجيبة تصرفاته، فكيف يقر رئيس فرنسا ولم يحتلها بعد أن ألقت السلاح واستسلمت، كما أنه لم يحتل المغرب العربي بل أعطى هتلر المارشال بيتان القسم الأكبر من فرنسا واحتفظ لنفسه بالقسم الأقل، وسمح لبيتان بأن يستمر في حكم المغرب العربي، والاحتفاظ بالمستعمرات الفرنسية وبالبلاد الواقعة تحت الانتداب كسوريا ولبنان وتخومها، وأقوى احتمال قيل في ذلك هو أن هتلر يعرف بيتان من قديم ويفظ شجاعته في الحرب العالمية الأولى وظفره وانتصاراته، ولا ينسى له يدًا تقدمت في الحرب الأولى إلى هتلر لما سقط هتلر جريحًا في المعركة في
مثانته واقتيد إلى المستشفى العسكرية بمدينة ليل، فأجريت له عملية جراحية في المثانة ثم أطلق سراحه بعد الأسر، فصارت هذه عقدة لن ينساها أبد الدهر يعظم بيتان ويحترمه حتى حانت فرصة المكافاة، فيراه شيخًا أشيب مطاطا رأسه أمامه فيتفضل عليه ويسلمه عصا المارشالية، هذا الذي حمل هتلر على أن يفرط في مقدرات جيشه هذا التفريط، فلم يتم احتلال فرنسا، وترك الباب مفتوحًا، وهذا يعد من أخطائه الفاحشة، وقد أتيحت له فرص ينبغي له أن ينتهزها كما أهمل الاستيلاء على جبل طارق بإقفاله وإسبانيا، واعتبروا إحجامه خطأ عسكريًا يضاف إلى سلسلة الأخطاء التي ارتكبها أثناء الحرب، وكان واثقًا كل الثقة بأن النصر صائر إليه، وبما أن فرنسا العظيمة التي تقف في مصاف الدول الكبرى قد ألقت السلاح أمامه وسقطت تحت قوات هتلر وذلك لما قام سلاح ألمانيا الجوي محلقًا في جو فرنسا ونزل جنود المظلات في أسطحتها لم ترى بدًا من أن تسلم أمام قوات ألمانيا فإنه عزم على أن إنكلترا لن تستطيع الوقوف في وجهه وأمام قواته، وقد خاطب تشرشل في 19 تموز عام 1940 م يقول:
على المستر تشرشل أن يصدقني حين أقول له أني أتوقع انهيار إمبراطورية عظيمة لم يكن بودي أن أعمل على تهديمها وتمزيقها وإني لواثق من أنه إذا طال هذا النزاع بيننا فإن أحد الفريقين سوف ينهار حتمًا والمستر تشرشل يعتقد أن هذا الفريق هو ألمانيا، وأما أنا فأعتقد أنه سيكون إنكلترا، ولهذا أجد من واجبي في هذه اللحظة وأمام ضميري أن أتقدم بالنصيحة إلى بريطانيا العظمى لتدرس الموقف في ضوء الحكمة والعقل، وأعتقد أن من حقي أن أنقدم بهذه الدعوة لأني لست المغلوب في هذه المعركة، ولا أرى سببًا لدوام هذه الحرب وامتدادها، وإني لحزين جدًا حين أفكر بالضحابا الكثيرة التي تسقط فيها، ولهذا أريد من كل قلبي أن أضع لكل هذه الأمور حدًا رحمةً بشعي وبالشعوب الأخرى، وكان جواب تشرشل على هذه الدعوة التصميم على المضي في الحرب إلى النهاية.
وكان المستر ونستون تشرشل رئيس الوزراء في الحكومة البريطانية جهارًا عنيدًا
وقاسيًا صلبًا وخطيبًا بارعًا، فأثار بقوته واندفاعه وصلابته ووقوفه متحديًا القوات الألمانية، وروح المقاومة في الشعب الإنكليزي، وبذلك تمكن من الثبات والدفاع المستميت لما بدأ الألمان في إرسال غارات جوية هائلة على إنكلترا تمطر أهلها موتًا ودمارًا في هجمات مروعة لما رفض تشرشل عروض هتلر واستعد غورينغ المارشال للطيران الألماني، فوجه ضرباته الشديدة وغاراته الجوية الساحقة على السلاح الجوي البريطاني وعلى المراكز العسكرية في الجزر الإنكليزية، وبدأت المعارك بهجمات قام بها سلاح الجو الألماني فضرب موانئ لندن والمطارات الإنكليزية، ثم بدأ الهجوم على لندن نفسها ثم على المدن الصناعية الإنكليزية، وبذلك أصبحت معركة بريطانيا أعظم معركة جوية في تاريخ العالم، وكان غرض الهجوم الألماني الجوي الأول تدمير المطارات الإنكليزية والقضاء على أكبر عدد ممكن من الطاثرات والطيارين، وقد ابتدأت المعركة في آب من 1940 م وامتدت إلى أواخر شهر تشرين الثاني، وكان هجوم الألمان شديدًا في شهر آب، وتتابعت موجاتهم واحدة تلو الأخرى، فلما اعتقدوا في أوائل شهر أيلول أن قد تم لهم ما أرادوه وقضوا على المطارات أو أكثرها توجهوا إلى لندن لضربها ظنًا منهم أنه لم يبق هناك قوة جوية كافية لحمايتها.
ولما كان في سابع شهر أيلول هاجمت 375 طائرة ألمانية مدينة لندن في وضح النهار وألقت عليها القنابل المتفجرة والمحرقة دون هوادة ولا رحمة فدهشت لندن لجسامة الخطب وهول الهجوم، وقامت بريطانيا في هذه العركة التي قلبت مصائر الحرب رأسًا على عقب وحاربت حرب المستميت، وقابلت السلاح الجوي الألماني بما تستطيعه من طياريها وطيارين الأميركان والكنديين والأيرلنديين واستعملت المدافع المضادة للطائرات حتى تمكنت من إسقاط كمية من الطائرات المحلقة فوق جوها يقدرها بعضى الناس بمائة وخمس وثمانين طائرة بينما كانت سيارات الإطفاء تعمل ليلًا ونهارًا لإطفاء الحرائق التي كانت تنشب في العاصمة من جراء هذه الغارات الألمانية فعدل الألمان من الغارات النهارية إلى الغارات الليلية وهذه وإن
كانت لا تأتي بالغاية المطلوبة منها تمامًا وهي إصابة الأهداف المقررة، إلا أنها لا تقل عن الغارات النهارية خسائر في الأرواح والممتلكات، وأحلت ببريطانيا خسائر من القتلى تقدر بعشرات الألوف من المنازل ودمرت ما مرت عليه، وتركت مئات الألوف جرحى، وكانت معارك البحر في تدمير بريطانيا كمعارك الجو هولًا وتدميرًا، وبالرغم من هذه الخسائر العظيمة التي أصيبت بها الدولة البريطانية فإنها جمعت أعصابها وكانت تعمل ليلًا ونهارًا لإصلاح ما أفسده العدو في مطاراتهم ومراكزهم العسكرية مع مضايقة هجمات العدو هذه، وجعلت تؤكد أنها لم تضعف وأن هجمات العدو قد دربتها على المقاومة والثبات أبدًا، وتابع الألمان هجومهم حتى انقطعت المواصلات بين بريطانيا والقارة الأوربية بسبب استيلاء الألمان على فرنسا وسيطرتهم على أكثر أوربا.
وبما أن الأسطول الفرنسي قد شارك الأسطول البريطاني في حماية البحار أول الحرب فإن الأسطول الفرنسي انسحب من المعركة بعد سقوط فرنسا وأصبح الأسطول البريطاني يكابد وحده تلك المهمات الصعبة الشديدة، وتمكنت قوات هتلر من إصابة عدد كبير من سفن الحلفاء، كما أصابت بعض السفن الحربية الكبيرة كحاملة الطائرات كوارجس والمدرعة رويال أوك وأغرقتها الغواصات الألمانية، أضف إلى ذلك أن إيطاليا قد انضمت إلى ألمانيا ودخلت في الحرب وكان لديها أسطول لا يستهان به، فأصبح الإنكليز مستهدفة للقصف الجوي وللحصار البحري الذي فرضه الألمان حول جزرها، ولقد حاولت بلغاريا الوقوف على الحياد في هذه الحرب، ولكن الضغط الألماني كان شديدًا عليها فاضطرت آخر الأمر إلى الاستسلام، وعقدت معاهدة صداقة مع المحور بحضور هتلر نفسه، وبعد إمضاء معاهدة الاتفاق والتعاون التي صدرت بين المحور وبلغاريا سارت الدبابات الألمانية في شوارع صوفيا تأييدًا وتأكيدًا للإعلان أن الجيش الألماني قد أصبح في داخل بلغاريا.
ولما كان في 27 من شهر أيلول 1940 م عقدت اليابان مع دولتي المحور وإيطاليا ميثاق صداقة ومساعدة لمدة عشرة أعوام، وقد نص هذا الاتفاق على أن