الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحرب العامة في قصر المستشارية يوم 2 شباط 1941 م، ولما عرض عليهم مشروعه الجبار ساد الصمت قاعة الاجتماع، ولم يتجرأ قائد ألماني على أن ينبس ببنت شفة، واتجهت الأنظار إلى الجنرال فون براوخيتش الذي كان يخط بقلم الرصاص الذي بيده عبارة غيرت مجرى التاريخ، فالتفت إليه هتلر وهو يصيح بصوت عالي وبعصبية ظاهرة: ماذا تقول يا جنرال؟ فقام فون براوخيتش رئيس أركان الحرب العامة الألمانية وأدى التحية العسكرية لهتلر ثم تقدم إلى منصة الزعيم والأبصار شاخصة إليه، والجمع ساكت كأن على رأسه الطير، وقدم إلى هتلر الورقة التي كتب عليها بقلمه الرصاص، وهنا انفجرت مراجل غيظ الزعيم هتلر وهبَّ من مقعده ساخطًا ناقمًا وهو يصيح لقد صدق ظني فيكم يا أيها الجنرالات، إنكم تخونونني في وقت الحاجة إليكم، أنا لا أقبل استقالتك يا جنرال فون براوخيتش، إن استقالتك طعنة نجلاء في صدر جيوش الرايخ، طعنة لا يستطيع ستالين أن يركز مثلها في صدر جيشي لا أقبل. . أفهمت لا أقبل، وصمم على الاستقالة، ولما لم يفد الكلام شيئًا وأبدى الجنرال عذره عيّن هتلر مكانه الجنرال كايتل، وفي الخفاء تقرر الهجوم على روسيا في 2 شباط 1941 م، ولا يلام هتلر فإن هؤلاء الحمر يأتمرون منذ عدة أشهر بهتلر للهجوم عليه، فأراد هتلر أن يتغدى بستالين قبل أن يتعشا به، وأعتقد أنه على أثر انتصاراته الصاعقية الخاطفة في الجبهة الغربية قد كانت الجبهة الشرقية الروسية مفتوحة أمامه.
ذكر نصيحة قواد الجيوش الألمانية لهتلر ورفضه ذلك
لقد كانت الجيوش الألمانية موزعة تحت قيادة الجنرالات الهتلرية في الغرب والشرق ينفذون الخطة التي رسمها لهم ويتعاونون تعاونًا تامًا يدعو إلى التقدير والإعجاب، ولما أصدر أمره بالزحف على روسيا صار الرأي العام السديد عندهم بأن الحرب مع روسيا ستكون حربًا خاسرة، واجتمع القادة وعلى رأسهم الفيلد مارشال فون روندشتيت، والفيلد مارشال فون براوخيتش، والجنرال هالدر،
والجنرال كوسترينغ الذي كان ملحقًا عسكريًا لألمانيا في موسكو، وعرف روسيا جيدًا، وارتبط مع ستالين بصداقة شخصية وأجمعوا على الوقوف ضد الهجوم على روسيا منذ البداية، وقدموا نصيحة خالصة لهتلر بأنه إذا كان مصممًا تصميمًا جديًا للهجوم على روسيا الشيوعية فإن عليه قبل كل شيء أن يعقد صلحًا عاجلًا مع بريطانيا، وبناء على ما تقدم فإنه وقف هتلر أمام أعضاء الرايخشتاغ النازي يلقي خطابه المشهور الذي عرض فيه لأول مرة بعد تسليم فرنسا على بريطانيا الصلح حقنًا للدماء في الغرب، وكان يعتقد بأن في استطاعته أن يصنع ميونخ جديدة يحمل فيها بريطانيا على التسليم بمطالبه وعقد صلح معها، ولكن المستر تشرشل الذي تسلم الحكم في بريطانيا بعد حكومة سلفه تشمرلن قد تعلم الدرس الكافي من محاولة ميونخ، وأصرَّ على مواصلة القتال، ولقد صرح الفيلد مارشال فون روندشتيت بأن الحرب مع روسيا هي فكرة جنونية، وإذا كان هتلر لا يتجنب هذه الحرب فلمرارتها وقسوتها تكون بضعة أشهر لا تكفي لقهر روسيا، فعلينا أن نستعد لحرب طويلة، وأن نسير نحو أهدافنا خطوة خطوة، وإن صيفًا واحدًا لا يكفي لكسب النصر، وفي ذلك الحين زار برلين الرحالة الأسوجي الشهير سفن هيدين وكان من أكبر الشخصيات الأوربية التي تعطف على ألمانيا، فروى أنه التقى في ستوكهلم بتاجر إنكليزي كبير استنكر الحرب بين ألمانيا وإنكلترا وطلب هذا التاجر إلى سفن هيدين أن يدبر له زيارة خفية إلى برلين لكي يقابل هتلر ويقول له: اركب إلى لندن وقابل وزرائنا وقل لهم هائنذا، إن الاستمرار على القتال فيما بيننا هو ضرب من الجنون لا يفيد منه إلا روسيا عدوتنا وعدوتكم لكي تسحقنا فيما بعد الواحد تلو الآخر، هلموا فلنضع يدنا بأيديكم ولنتعاون بإخلاص من جديد، وهنا سأله سفن هيدين حسنًا ولكن ماذا يحدث إذا اعتقل الإنكليز هتلر حتى نهاية الحرب؟ فأجابه الإنكليزي أبدًا إن الإنكليز سيتأثرون بشجاعة هتلر ويتفقون معه، فلما أن سمعها هيس اغتر بها وبدأت الفكرة تجول في دماغه ليطير إلى الإنكليز فمنعه هتلر، وكاد بالرغم من ذلك أن يسافر على أثر زيارة مولوتوف وزير خارجية
ستالين لبلين، ولما أن صعد هيس الطائرة في كانون الأول 1940 م أصيبت بعطب بعد قليل فعاد بها إلى المطار وأوعز بتعديل بعض أجهزتها، ولما بدأ التوتر يشتد بين ألمانيا وروسيا اعتقد أن ساعة الصفر قد اقتربت، فطار نهائيًا في 11 أيار 1941 م وحلق نحو اسكتلندا ليهبط هناك بالمظلة قرب قصر دوق هاملتون وهو يتخيل أنه سيجتمع بأركان الحرب ويعقد الصلح على أهون سبب، ولما نزل منكسر الساق بالمظلة وعرض الصلح اعتقله الإنكليز وسجن، ولما علم هتلر بسفره جعل يهز قبضتيه بعدما أيس من إدراكه قبل نزوله هناك، واستمر هياجه هذا المعتوه. . هذا المعتوه لن يستطيع في هذه الحركة أن يتوصل إلى اتفاق مع إنكلترا.
ولا ريب أن استقالة رئيس أركان حربه الذي لم يخسر معركة واحدة في خلال سنتين قد أثرت تأثيرًا شديدًا في نفسية هتلر، فلقد تخلى عنه القائد الفحل وأصرَّ هتلر على الهجوم على روسيا لما قام به ستالين من التآمر ضد الرايخ لفتح جبهة ثانية في الشرق لغزو ألمانيا غزوًا مفاجئًا وطعنها من الوراء شأن الجبار الغادر الرعديد، لذلك قام هتلر يدرس مع أركان حربه خطة هجوم على روسيا في قاعة الخرائط، ولا نهمل حزمه وسياسته فإنه أراد أن يسكن روسيا حتى يسيطر على الغرب ثم يلتفت إلى الشرق، وكان نجاحه باهرًا، ولما ضايقته خيانة ستالين ولم يتوفق لعقد الصلح مع بريطانيا التي أصرت على مواصلة القتال بالرغم عن ضعفها المهلك إذ ذاك وقوة هتلر المخيفة، أدار هتلر سفينة الرايخ الثالث نحو الشرق وسلطها على رمال روسيا ووحولها وثلوجها، وحشد خمسة ملايين من فلول الجيوش الألمانية ووضعها أمام الجيوش الشيوعية التي كان عدد جنودها سبعة ملايين، وهم ليس كالجنود الألمانية الذين أهلكت قواهم حروب الغرب، فأربعة وعشرين شهرًا في المعارك الغربية هدت حيل الجيوش وأنهكت قواها، فكيف يراد منها أن تكلل جهودها في الجبهة الروسية، كان السلاح الجوي الألماني في حالة إرهاق بعد أن دوّخ الغرب فيحتاج لوقت طويل للراحة وإعادة التنظيم.
ولقد قام هتلر يشجع قواده ويعدهم بالنصر تارةً ويتهدد ويتوعد أخرى، وقد