الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان قتله في تمام الساعة الرابعة والربع من يوم الاثنين ظهرًا الموافق 13 شوال من هذه السنة، ولما جرى ذلك ذهب أحد رفقته يخبر الملك عبدِ الله بنُ الحسين في قصر الرغدان، ولما وقف أمامه وأخبره بما دبر من الكيد له نهض واقفًا يسأل ماذا جرى؟ فأجابه بقوله أطلقوا الرصاص على رياض الصلح، فتكلم مذهولًا من هم؟ وصاح وهو يخبط يديه ويشد شعر لحيته هاتوا السيارة، أريد أن أذهب، وصاح بياوره ها الفرد؟ هات المسدس؟ ثم أخذ ينادي بعصبية وبدون وعي: يا حرس؟ يا حرس؟ هاتوا السلاح واتبعوني، وجعل يقول وهو يشد شعر لحيته ويضرب كفًا بكف: ظلموك يا رياض، ظلموك يا رياض، ثم ركلب الملك سيارته وخرج يبحث بنفسه عن المستشفى الذي نقل إليه جثمان رياض بك، ثم علم أخيرًا أنَّه المستشفى الإيطالي، وتقدم الأطباء من الملك يعزونه، وكان التأثير قد بلغ به مبلغًا شديدًا، فصاح في الأطباء وهم يعزونه: ضعوه في سيارتي، فوضع فيها وانطلق عبدِ الله بنُ الحسين عائدًا بجثته، ثم جلس يحوارها في صالون القصر يصلي ويبتهل.
ثم قام يباشر التحقيق سائلًا رئيس الديوان الملكي فرحان الشبيلات أنَّه يجب أن يتضح الحق، وجعل يقول: كان الرجل عزيزًا على، وكان ضيفي، وجعل يقول: لقد ألححت عليه أن يبقى هنا ليصلي معي الجمعة في المسجد الأقصى، ولو أنَّه قبل رجائي ما قتلوه، ولقد قبض على قاتلين فأصيبا بالرصاص وقتلا وحصل الثالث على الفرار وشدد في طلبه، حتَّى قام ألف جندي يحاصرونه.
ثورة في بيروت
لما قتل رياض الصلح كانت المظاهرات فيها لا تزال هائجة تهدر كالأعاصير صائحة، وكان الشعور في لبنان جامحًا ضد الملك عبدِ الله، وكان هناك من يمضي به الجموح إلى حد القول بأن رياض الصلح دعي إلى عمان لكي يقتل، فقد كان من المستحيل التخلص منه وهو في بيروت، على أن بعض
المعتدلين في بيروت يقولون أن عبدِ الله بنُ الحسين بريء من دم رياض الصلح، بل كان ضحية الذين دبروا المؤامرة، وأنهم هؤلاء المجهولين هم الذين ألقوا في ذهن جلالته فكرة دعوة رياض الصلح إلى عمان، ولكن هنا من يقول: لماذا دعا الملك عبدِ الله رياض الصلح إلى عمان؟ ولماذا ألح عليه في الدعوة، وصمم على أن يذهب إليه رياض الصلح؟
ولما أن أحسَّ الملك عبدِ الله أن الكثيرين في بيروت ينظرون إليه بريبة سأل رئيس الوزارة سمير الرفاعي على أثر عودته من بيروت، هل يتهمونه بأنه دبر مقتله؟ ففهم أن الذين يوجهون هذا الاتهام قلة، ولا يعتد برأيهم، ولكن هناك كثيرون يقولون أنَّه حدث تقصير في حراسة رياض الصلح في عمان، وخصوصًا وقد كان من المعروف أن الحزب السوري القومي قد رتب أن يقتل رياض الصلح ثارًا لأعدام أنطون سعادة، ذلك بأن أرملته ظنت أن رياض الصلح هو المسؤول عن إعدام زوجها المذكور، وأقسمت أن تثأر له، وكانت هي إحدى الأيادي التي حركت المؤامرة لقتل رياض.
فتبين الملك عبدِ الله أن الشعور في لبنان ضده قد ازداد جموحًا، وأن الجماهير الثائرة تطالبه برياض الصلح تطالبه بأن يرده لها سليمًا على الأقل كما دعاه إليه سليمًا، وقد اتصل مسؤول رسمي في الحكومة اللبنانية بقصر الرغدان وقال: لقد علمنا أن جلالة الملك عبدِ الله يريد أن يرسل ابنه الأمير نايف في صحبة جثة رياض الصلح، ونحن ننصح أن لا يجيء الأمير إلى بيروت لأن الرأي العام هائج.
وأصدر الملك عبدِ الله أمره إلى ابنه نايف بأن يبقى في عمان، وحدث بعد ذلك أن رافقت جثمان رياض الصلح إلى بيروت بعثة شرف، ولكن المسؤولين اللبنانيين نصحوا البعثة بأن تعود على الفور، وإن لا تبقى في بيروت ولا دقيقة واحدة، وعادت البعثة.
ثم اتصل الملك عبدِ الله مرة أخرى ببيروت يقول: ثقوا أن المصاب الوحيد في هذا الحادث هو أنا، لأنه بالإضافة إلى إيثاري لرياض الصلح فقد خرَّ صريعًا في