الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التأييد له من سائر الحكومات، ولما كان من الغد 8 ربيع الثاني الموافق ليوم الأربعاء أذاع راديو صنعاء نعي الإمام يحيى وتنصيب عبد الله الوزير إمامًا لليمن، وكان في زعمه أن الأمة قد اجتمعت على ذلك قبل وفاة الإمام يحيى لصلاحيته للوطن، ولكن أني وهيهات ومن سلَّ سيف البغي قتل به قضاءً وحكمة.
ذكر آمال عبد الله بن الوزير وقتله
لما تولي المذكور اعتصم أحمد بن يحيى بالحجة وأبي أن يسمع لابن الوزير أو ينقاد، فبعث عبد الله بن الوزير إنذارًا لأحمد جاء فيه:
نري من واجبنا أن نعد العدة لملاقاته، فإن انقاد للحق الذي نحاوله كما أوجب الله سبحانه وتعالى وترك العناد الذي يغريه به الشيطان، ودخل فيما دخل فيه المسلمون فذلك فضل من الله ورحمة له يستوجب به منا كل ما يليق بمثله من تعزيز وتكريم، وإن اختار العناد فالواجب علينا يقضي بأن نقاومه أشد المقاومة.
فكان الجواب أن جاء المسافرون من الحجة إلى صنعاء يروون جمع الأنصار، وأن الأمير أحمد يعد عدته ويثيرهم مستنفرًا فيهم روح الانتقام، ويريد أخذ الثأر وقتل قاتل أبيه الشيخ الطاعن في السن، ويقولون أنه ليس بمستبعد إطلاقًا أن يعمد إلى مهاجمة صنعاء نفسها.
هذا وقد كان أحمد رجلًا في الخامسة والخمسين من العمر، كريمًا بعكس أبيه، يوصف بأنه حميد الأخلاق، عادل، ولكنه عاطفي جدًا لا يقف في طريقه شيء فهو لا بد أن يحصل على ما أراده ولو كلفه هذا كل غالٍ من الثمن، وبما أنه أرسل الإمام الجديد إنذارًا إلى الأمير أحمد في حجة بأنه إذا لم يستسلم لقوات العهد الجديد ويعلن ولاءه له فإن هذه القوات ستعلن عليه حربًا لا هوادة فيها حتى الموت، فإن الإمام الجديد أيضًا بعث إلى ناحية عدن يريد إرسال طائرات إنكليزية لتحلق نوق أنحاء اليمن فتلقي منشورات من قبله على اليمن، وفعلًا قد جاءت مدمرة وأطلقت مدافعها وعادت مبحرة إلى
عدن، أيضًا بحث ابن الوزير إلى دول الجامعة العربية يريد السلاح والذخيرة وأهمها الطائرات والدبابات والسيارات المصفحة مستعينًا في هذا أنه يريد تأديب البدو الطامعين في أموال الإمام يحيى، ويريد منهم أيضًا الحصول على اعترافهم له رسميًا، لكنه لم يحصل منهم على شيء.
وقد أكد وفده وكتبه على جلالة الملك ابن سعود نشكو سوء حالة اليمن وتمرد الأمير أحمد في الإغارة على صنعاء ونهب ما فيها من أموال وسلاح، وأن الحكومة اليمنية الآن تطلب مساعدة جلالتكم والجامعة العربية بإرسال الطائرات القاذفة والدبابات لإرهاب هؤلاء اللصوص، وقد حاول الفضيل الورتلاني أحد أعضاء الوفد أن يطعن في الجامعة العربية، فهبَّ جلالة الملك غاضبًا وقال له: بل أنت اللص، أنت وزملاؤك الذين قتلتم الإمام يحيى ولم تراعوا سنيه التسعين ولا جهاده في سبيل استقلال اليمن وحمايتها من الأجنبي أربعين سنة، فما وجد الوفد أذنًا صاغية، بل وجد الملك السعودي غضب عن استنكاره لخطة ابن الوزير، وظلَّ على الحياد في نزاع أحمد وابن الوزير.
ولما أن كان في 18 ربيع الثاني بدأ الأمير أحمد يهاجم صنعاء بعدما أبرق إلى ذوي القدر في مصر بواسطة المندوب ينذر أن لا تقوم أية طائرة إلى صنعاء لأن القبائل كلها والجيش ثائر معنا يقول في مناطق لا تبعد عن صنعاء بأكثر من كيلو مترين، هذا وقد كان راديو صنعاء يواصل إذاعته أن الأمن استتب في العاصمة وما حولها، كما أن الجيوش التابعة لابن الوزير، لكنها كانت خاطئة.
أما أحمد فبعث في 25 من الجاري إلى جلالة الملك عبد العزيز في الرياض يرجوه أن لا يقدم وفد الجامعة العربية إلى اليمن، بل يظل في جدة حتى تحتل قواته صنعاء، ثم إنها تحرجت الحالة في صنعاء، واشتد الضغط لها من قوات أحمد حتى خيف على المدرسين المصريين في اليمن.
ولما قدمت طائرتان حربيتان إلى صنعاء لنقل هؤلاء المدرسين تعذر الوصول إلى الأرض والهبوط في صنعاء للأخطار، وشوهدت القبائل المغيرة تحيط بأسوار المدينة لأن أبوابها كانت مغلقة، فعادت الطائرتان إلى جدة وأبرقتا بذلك إلى رئيس الوزراء في مصر تنتظر تعليماته.
وما زال ابن الوزير يستغيث بالجامعة العربية حتى سألها وقف القبائل بإرسال طائرات تفرق شملهم وتنقذ عشرات الآلاف من سكان صنعاء، فما استجاب له أحد وسقطت صنعاء في يد قوات الإمام أحمد، ونودي به ملكًا وإمامًا لليمن، ولقب بالناصر لدين الله، وكان ذلك في 4 جمادي الأولى الموافق ليوم الأحد 14 مارس 949 ام، وبعد 29 يومًا من ذلك أعدم عبد الله بن الوزير، وحسين الكبسي بالسيف، وانتهت الثورة، وهذه ترجمة الإمام يحيى:
هو الإمام يحيى بن محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن الحسين بن القاسم بن محمد، ويتصل نسبه بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة مقر أبي الشبلين ومثواه، كان المترجم ماهرًا وذا دهاء وعلم، ولد في صنعاء في شهر ربيع الأول 286 اه وكان تمام سبعة وثمانين إمامًا من الزيود، ربع القامة، أسمر اللون، عالي الجبين، مستدير الوجه، وتقدم ذكر صفاته في سنة ولايته، وكان في تعلمه ودراسته أنه أخذ فنون العلم والأدب عن والده المنصور، وعن القاضي العلامة محمد بن عبد الملك الآنسي، والقاضي العلامة النحوي أحمد بن رزق السياني، والشيخ العلامة محمد بن أحمد العراسي وغيرهم، وقضي أيام صباه في صنعاء مكبًا على العلم والدراسة لا يزاول غيرها، وظل هذا شأنه حتى بلغ العشرين من عمره، ثم إنه غادرها مع والده في شوال 1307 هـ إلى جبل الأهنوم فانصرف إلى طلب العلم مواصلًا الاجتماع إلى حملته وأقطابه، حتى ذاع صيته وفضله، ثم إنه بويع بالإمام بعد وفاة أبيه 1322 هـ، وله قصائد حسنة، فمنها مرثيته في ابنه محمد الذي توفى غريقًا، ومن قصيدة له يدعو إلى نصرة الشريعة والدين ويحث قومه على ذلك، وهي طويلة نذكر منها:
فلت سيوفي عند حومات الوغى
…
وكبت جيادي عند أن جد السرا
وعدمت أرمامي بمشتجر القنا
…
وجبنت عن غزوي عدوي مبكرا