المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر مقدمات وفاته - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - جـ ٤

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

فهرس الكتاب

- ‌ذكر بيعة ولي العهد سعود بن عبد العزيز سنة 1352 ه

- ‌مواعظ جلالة الملك لأبنه سعود ولي عهده

- ‌ذكر وفاة ملك العراق

- ‌ذكر الاضطرابات والمشاغبات بين الحكومة اليمنية والحكومة السعودية

- ‌ذكر ما جرى بعد ذلك

- ‌يحيى يبرم بيد وينقض بالأخرى

- ‌ذكر تقدم الجيوش السعودية في الحرب اليمنية

- ‌رجوع وفد يحيى

- ‌ثم دخلت سنة 1352 ه

- ‌صفة سقوط الحديدة

- ‌ذكر عقد الاتفاقية وانتصار ابن سعود

- ‌معاهدة الطائف

- ‌ انتهاء حالة الحرب

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌ صلات المتعاقدين

- ‌المادة الثالثة:

- ‌ خط الحدود

- ‌المادة الرابعة:

- ‌ عدم تحصين الحدود

- ‌المادة الخامسة:

- ‌ سحب الجنود

- ‌المادة السادسة:

- ‌ منع الغزو والعدوان

- ‌المادة السابعة:

- ‌ذكر الاعتداء على ابن سعود بأيد يمانية

- ‌ذكر تنصل اليمن من الحادث

- ‌ثم دخلت سنة 1354 ه

- ‌ذكر إمارة عبد الله بن فيصل في بريدة 1354 ه

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌المادة الثالثة:

- ‌ذكر عمارة المسجد الحرام 1354 ه

- ‌وفاة الأمير عبد الله بن جلوي أمير الأحساء رحمه الله وعفا عنه

- ‌ذكر شيء من صرامته وبطشه بالمجرمين

- ‌ثم دخلت سنة 1355 ه

- ‌عمارة قصر المربع في الرياض

- ‌ثم دخلت سنة 1356 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1357 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1358 ه

- ‌ذكر وفاة الشيخ العبادي 1358 هـ رحمة الله عليه

- ‌ذكر مشايخه الذين أخذ عنهم وتدريساته

- ‌ذكر تلامذته والآخذين عنه

- ‌ذكر محفوظاته وسعة علمه

- ‌ذكر مقدمات وفاته

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌ذكر وفاة ملك العراق

- ‌ذكر الحرب العالمية الثانية سنة 1258 هـ 1933 م

- ‌التعريف بهتلر

- ‌ثم دخلت سنة 1359 ه

- ‌ذكر ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌ذكر الوظائف التي نالها

- ‌ذكر أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ومقاماته في الإسلام

- ‌تغيير السكة

- ‌ثم دخلت سنة 1360 ه

- ‌ذكر جهود بذلتها بريطانيا أمام تلك الأهوال الساحقة

- ‌موقف أمريكا

- ‌ضرب لندن وفتح الجباه على هتلر

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌ثم دخلت سنة 1361 ه

- ‌تنبيه

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌ذكر العرب مع روسيا

- ‌ذكر نصيحة قواد الجيوش الألمانية لهتلر ورفضه ذلك

- ‌ضرب روسيا وانتصار الزعيم هتلر

- ‌القوة البحرية

- ‌معركة موسكو

- ‌ثم دخلت سنة 1362 ه

- ‌ذكر وفاة قاضي بريدة الشيخ عمر بن سليم

- ‌الباب الأول: في ولادته ونشأته

- ‌الباب الثاني: في ذكر الوظائف التي نالها

- ‌الباب الثالث: في مجالسه وتدريساته وما ناله من العجب العجاب

- ‌الباب الرابع: في مشايخه وتلامذته الآخذين عنه

- ‌الباب الخامس: في سعة علمه وورعه في قضائه وفتياه

- ‌الباب السادس: في عبادته ونسكه وتلاوته

- ‌الباب السابع: في سجاياه وكيفيته وهيبته

- ‌الباب الثامن: في جوده ومكارم أخلاقه

- ‌الباب التاسع: في المحن التي جرت عليه

- ‌الباب العاشر: في مرضه ووفاته وما رثي به

- ‌ذكر المنامات والمرائي

- ‌ثم دخلت سنة 1363 ه

- ‌ذكر سفر الشيخ ابن مانع للعلاج

- ‌وزارة الدفاع

- ‌عجيبة ثالثة

- ‌هتلر والتطورات

- ‌ثم دخلت سنة 1364 ه

- ‌إعلان الحكومة السعودية الحرب على ألمانيا

- ‌زيارة ملك مصر فاروق للمملكة السعودية

- ‌ذكر الاتفاق بين الأقطاب الثلاثة وسفر ابن سعود إلى مصر

- ‌وفاة رئيس أمريكا روزفلت

- ‌الجامعة العربية 1364 - هجري

- ‌ذكر سكون العرب وسقوط ألمانيا وتسليم اليابان

- ‌ضربة قاضية وسلاح فتاك

- ‌جهود ضائعة ويأبى الله إلا ما أراد

- ‌ذكر ما جرى بعد سكون الحرب

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌ الشيخ عبد المحسين بن عبيد

- ‌الباب الأول: في نشأته وطلبه للعلم

- ‌الباب الثاني: فى عبادته وورعه وصبره

- ‌الباب الثالث في طريقة تعليمه ومحبة الناس له وصفته

- ‌الباب الرابع: في علمه ومؤلفاته

- ‌الباب الخامس: فى مرضه ووفاته

- ‌ثم دخلت سنة 1365 ه

- ‌ذكر الاستقبال العظيم لابن سعود

- ‌ذكر عجائب من الحوادث غير ما تقدم

- ‌ثم دخلت سنة 1366 ه

- ‌ذكر الاستعراض وما جرى من استبسال أهل القصيم وشجاعتهم

- ‌ذكر عودة جلالته إلى الرياض

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ذكر ردة عبد الله بن علي القصيمي الصعيدي نسأل الله العافية والسلامة

- ‌ذكر فرقة الإطفاء واستعراضها

- ‌الاستعراض العسكري

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌ذكر الإصلاحات التى عملتها الحكومة السعودية في تلك الآونة

- ‌ثم دخلت سنة 1367 ه

- ‌ذكر مشكلة فلسطين

- ‌ذكر صيحة العرب وارتجاف الشرق الأوسط لأهل فلسطين

- ‌ذكر سطوة العاهل الضرغام والضيغم المقدام ملك المملكةالعربية السعودية عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود

- ‌الجواب الملكي:

- ‌الجهاد بالنفس والمال لإنقاذ فلسطين

- ‌ذكر زيارة الملك عبد الله للمملكة العربية السعودية

- ‌ذكر قتل الإمام يحيى

- ‌ذكر آمال عبد الله بن الوزير وقتله

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌عثمان بن أحمد بن بشر

- ‌فهد بن على الرشودي

- ‌محمد بن عبد الله بن سليم

- ‌ثم دخلت سنة 1368 ه

- ‌ذكر ما جرى بعد الجهاد في فلسطين

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌محمد بن عبد الله آل ربدي

- ‌إبراهيم الحبيب بفتح الحاء وكسر الباء

- ‌ثم دخلت سنة 1269 ه

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌سليمان بن علي الوهيبي

- ‌ثم دخلت سنة 1370 ه

- ‌ذكر وفاة وزير الدفاع منصور بن جلالة الملك عبد العزيز

- ‌ذكر مصرع الملك عبد الله

- ‌ثورة في بيروت

- ‌صفة قتل الشريف عبدِ الله

- ‌صدي الحادث في فرنسا

- ‌ثم دخلت سنة 1371 ه

- ‌إلغاء رسوم الحجاج

- ‌ذكر الاحتفالات الرائعة بزيارة الملك الهاشمي طلال بن عبدِ الله بن الحسين الشريف ملك الأردن للمملكة العربية السعودية

- ‌سكة الحديد السعودية

- ‌ذكر خلع الملك فاروق الأول

- ‌ذكر البرنامج الذى تمشى عليه الرئيس علي ماهر

- ‌ثم دخلت سنة 1272 ه

- ‌ذكر جبل ظلم

- ‌في ذمة الله، تنعي بريدة فقيدها العظيم

- ‌ عبدِ العزيز بنُ مشيقح رحمة الله عليه

- ‌ولادته ونشأته

- ‌ذكر شيء من مقاماته التى بذل مهجته فيها لمصالح الأمة

- ‌ظهور آثار البترول بين المملكة السعودية والكويت

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ فضيلة الشيخ عبدِ العزيز بنُ ناصر بنُ عبدِ الرحمن الشعبي

- ‌نشأته ودراسته

- ‌ذكر الآبار الأرتوازية في منطقة القصيم

- ‌جمهورية مصر

- ‌حادث مفزع في مصر

- ‌زيارة حاكم باكستان

- ‌المشروع الزراعي وتربية الدواجن

الفصل: ‌ذكر مقدمات وفاته

علم بما أوقفه وجعله لا يستمر كان يراعيه ويأخذ له إناءة حتى يخلص وهو يسأل الله الذي رزقه الخشوع أن يمن على من لا يخشع، ومن العجب أن كل من قرأ عليه وأخذ عنه أو غالبهم فإنهم أهل صلاح، وتمسك في الدين، ولهم علم ومعرفة لبركة مساعيه وحسن نيته، وإذا منَّ الله على عبد فليفعل ما شاء من خصال الخير.

‌ذكر مقدمات وفاته

رأى بعض الصالحين قبيل وفاته قمرًا مبدرًا توسط السماء ثم غاب فإذا خلفه قمر آخر ضعيف النور، فقصت عليه الرؤيا قبل مرضه فقال: الحمد لله إذا لم يفقد النور، ورأى بعض الصالحين مصباحًا مضيئًا في المسجد الذي كان يدرس فيه، فبينما الناس يمشون في ضيائه إذا انكسرت زجاجته وانطفأ فكان الناس بعده في ظلمة، فأولت بوفاته رحمه الله، ومن رأى سبقه وتقدمه ونهمته في التدريس وغربته تيقن أن ذلك لا يطابق حالة الزمان، والله المستعان، وكان مرضه خمسة عشر يومًا انحبس فيها عن الخروج، وفي ثالث الأيام علم أن بدنه في انحطاط، وجوفه متألم لأن ألمه في جوفه، وفي اليوم الثامن اصفر وجهه وأكثر لزوم الفراش وجعل يقول: الحمد لله الذي له تمام الإرادة، وكل خلقه فقراء إليه، وفي الثاني عشر جعل يسأل الله حسن الاختيار له، فلما كان في مساء الخميس الموافق 9 صفر قال لمن حوله بفصاحة ونشاط: إني لا أعلم ما يجري علي ولكن إذا أراد الله الوفاة فلا يغسلني غير فلان لصديق له من أحبابه وخاصته ألا وهو الأخ عبد المحسن بن عبيد، فلما كان السحر من يوم الجمعة 10 صفر توفى بداء الغاشية وانتقل إلى رحمة الله مخفًا من الدنيا واستراح من همومها وغمومها، وفجعت به الخليقة وبكته مجالس الذكر، وشقت عليه أقلام الشعراء في المراثي، وصلي عليه في المسجد الجامع في بريدة، ودفن في المقبرة الجنوبية فلاجة، وحضر جنازته خلائق كثيرة، ومما قيل فيه من المراثي ما رثاه به الأخ عبد المحسن بن عبيد الفاضل المشهور:

ص: 87

إلى الله رب العرش أشكو مصيبتي

وما حل فينا من عظيم المصائب

إلى الله أشكو لا إلى الناس حالتي

فهب لي اصطبارًا منك يا خير واهب

مصابٌ دهى قلبي فهيج عبرتي

سأبكيه دهري بالدموع السواكب

فجعت به فالله يبرد لوعتي

وينعشني بالصبر أسنى المراتب

فآها على عبد العزيز وفقده

وآها على فقد العلى والمراتب

وأها على تلك المجالس والبها

فمن مثله في الشرق بل في المغارب

رزئنا به طرًا فيا عظم فادح

فأعظم به صدعًا عظيم النوائب

فثلمته كبرى لدى كل عاقل

مصيبته عظمى من أعلى المصائب

فمن مثله فينا وأين نظيره

مديمًا على التعليم أسنى المراتب

حريصًا على نفع الورى واهتدائهم

عزيزًا عليه الميل نحو المعائب

يعيد دروسًا زانها الله بالبها

على عدد الساعات ليس براغب

صبورٌ على حلو الزمان ومره

شكورٌ لفضل الله مسدي المواهب

لقد كان يحنو للفقير برقةٍ

إذا عام في التطلاب صافي المشارب

يقر به طورًا وطورًا يحثه

على السعي في نيل العلى والمكاسب

به الغرباء تهتف من كل جانبٍ

يشجعهم للفقه في كل واجب

قضى عمره درسًا وتعليم جاهل

ونصحًا وإرشارًا لدى كل صاحب

مديمًا على بحث الغوامض جهده

بفكرٍ وفهمٍ مستنير وثاقب

لقد كان في علم الفرائض آية

فسبحان من قد خصه بالمواهب

يفكك تركيباتها وحسابها

له نظر في فقهها والغرائب

إذا خاض في أبوابها وعلومها

وأحكامها يومًا أتى بالعجائب

له همةً في النحو ليست لغيره

له نهمةٌ يدري بها كل طالب

له البحث والتقرير للعلم والهدى

ألذ وأشهى من وصال الحبائب

ينافس في كسب العلوم وحفظها

بعيدٌ عن الفحشا وقرب المعائب

فكم من سؤال حله يحوابه

بفهمٍ دقيقٍ جيد غير عازب

ص: 88

مجالسه كانت علومًا وحكمةً

وفقهًا وتحقيقًا لذيذ المشارب

فهمته في العلم يدري بها الورى

فسل منصفًا ينبيك عن ذي المناقب

لقد كان منهومًا وقد كان مولعًا

وقد كان مشغوفًا بنيل المآرب

وكان عفيفًا قانعًا متواضعًا

فما همه تطلاب نيل المناصب

ولا رفعةً بين الورى ورياسة

يريد بها الدنيا ونيل المكاسب

له همةٌ تسعى إلى طلب العلى

ومذهبه والله خير المذاهب

مشايخه قومٌ هداة أجلةٌ

لقد خصهم ربي بخير المواهب

يوالون في الرحمن من كان مخلصًا

يعادون أهل الزيغ من كل ناكب

يحبون في ذات الإله ذوي الهدى

ويهدونهم عن مقحمات المعاطب

ويدعونهم بالقول والفعل جهدهم

إلى الله رب العرش من كل جانب

سجيتهم بث النصائح بينهم

فهم قدوة الساري نجوم الغياهب

وهم زينة الدنيا مصابيح ليلها

مشارقها طرًا كذا والمغارب

عليهم سلام الله يترى مضاعفًا

بعد هتون الغيث بين السحائب

ويا معشر الإخوان إن وصيتي

إليكم بتقوى الله أعلى المطالب

عليكم بإخلاص المقاصد جهدكم

عليكم بدرس العلم أسنى المراتب

ولا تبعدوا عن شيخنا ودروسه

فمشربه والله عذب المشارب

وأوصيكم بالصبر وادعوا لشيخكم

فربي سميعٌ يستجيب لطالب

عسى رحمة المولى نعم لذاته

فهبه الرضا والعفو يا خير واهب

عسى جنة الفردوس تجمعنا به

ويأجرنا فيما دها من مصائب

عسى دارنا يوم المعاد وداره

بدار البقا والخلد أعلى المطالب

وصلِّ وسلم دائمًا بتصاعفٍ

على المصطفى والآل مع كل صاحب

صلاةً وتسليمًا يفوق لعدنا

يفوق لعد القطر من ذي السحائب

وهذه مرثية في المتوفى قدس الله روحه أنشأها المحب في الله الأخ نصيان بن حمد آل نصيان، وهي حسنة قوية، قال رحمه الله:

ص: 89

أعينيَ جودا بالدموع السواكب

على من دهانا موته بالمصائب

على شيخنا عبد العزيز لفقده

تبدت كلوم القلب من كل جانب

ففي موته منا القلوب تصدعت

وحارت دموع العين بين الجوانب

لقد كان ذا علم وكان مسددًا

بنحو وقرآن وإرشاد طالب

وقد كان شيخًا في العلوم جميعها

بهمته يسمو لأعلى المراتب

إلى مسلك التوحيد قد صار آيةً

بهطال وبل العلم مثل السحائب

فصار لنيل العلم مرقىً وسلمًا

بتسهيل حل المشكلات الغرائب

وصار إمامًا حاذقًا متفننًا

له القدم الطولى بحل الغرائب

إلى الله نشكو ما دهانا بموته

فلا غيره يرجى لجبر المصائب

عليه توكلنا بتسليم أمرنا

مددنا يدًا نحو السماء بالمطالب

فلا نلتجي إلا إليه ولا لنا

سوى ربنا المعبود جزل المواهب

لقد هالنا يوم دهتنا خطوبه

بموت جليل القدر سامي المناقب

فيا ثلمةً هدت من العلم جانبًا

ويا لوعة الإخوان من كل صاحب

ويا فرجة التدريس من بعد أنه

محافله محفوفةٌ بالمكاتب

لفقد إمامٍ كان يبدي دروسها

ويهدي مخباها إلى كل راغب

نعته خطوب الموت من بين أهله

ومن بين جيران ومن بين صاحب

فكم قبله جته المنية بغتةً

فعضت عليه في حداد القواضب

وكم قد دهتنا قبله من رزيةٍ

نسينا بذكرى موته كل صاعب

لقد خمدت تلك الدروس لفقده

وسفت عليها الريح رمل الكتائب

فنبكي عليه لوعةً في قلوبنا

وفي القلب حرٌ شاعل بالملاهب

لقد جدد الأحزان من بعد سليها

وأجرى دموع العين فوق الحواجب

وقد أوجعتنا فرجة الحبر شيخنا

وناهت رزاياها بهد الجوانب

لعشرٍ خلت في طلعة الفجر موته

سينبيك عن تحريرها خط كاتب

بشهر صفر في جمعةٍ من صباحها

على نعشٍ نحو المقابر ذاهب

ص: 90

ثمان سنين بعد خمسين قد تلت

ثلاث مئين بعد ألف لحاسب

وعجل في التجهيز من كان غاسلا

وسجاه ثوبًا بعد شد العصائب

ليبكي على التحقيق من كان باكيا

لأن ذويه ذاهب بعد ذاهب

فقد جاء في الأخبار عن سيد الورى

بأن ذهاب العلم موت الأطائب

فيا ربنا يا ملتجانا وجبرنا

أغث قبره من مدك بالمواهب

وأسكنه جنات النعيم تكرمًا

ونور له في القبر يا خير واهب

وأنهله من حوض النبي محمد

بكاسٍ روي سائغ للمشارب

وافرغ علينا الصبر يا خير من دعي

لجبر قلوب هدمت بالمصائب

وابق لنا بحر العلوم إمامنا

يزيل الصدى جالي ظلام الغياهب

وشيخٌ لنا يحكي المهمات كلها

ولم يثنه في الله شوب الشوائب

سمي ابن خطابٍ عفيفٌ وذو تقى

وحامي حمى السمحاء عن كل ناكب

ومن معدن بالعلم قد طاب أصله

من آل سليم من كرام أطائب

وإخواننا من كان للعلم طالبًا

ومن قرر التوحيد أعلى المذاهب

ومن كان في الإسلام يبدي ودادنا

على القرب أو في شرقها والمغارب

وصل على المبعوث من آل هاشمٍ

محمد المختار من نسل غالب

بعد الحصى والرمل والحب والنوى

وما هل في الغبراء وبل السحائب

وما غردت طيرٌ بأغصان دوحةٍ

وما وقع العصفور فوق الذوائب

وما أم بيت الله من كل ناسك

على نجب تطوي قفار السباسب

وأصحابه والتابعين على الهدى

وأنصار دين الله من كل صاحب

وهذه مرثية قلتها في المترجم وبعثت بها إلى بعض أصدقائنا بهذه المقدمة:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فإنه لما كان في 10 صفر سنة 1358 هـ توفى الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم العبادي غفر الله لنا وله، فوجل المسلمون لوفاته ومصابه، لما أن أودعوه قبره وأهالوا ترابه وعظمت لفراقه الأحزان، وهاجب له الهموم والأشجان، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فلما أن

ص: 91

رأيت مصيبته تجدد بفراته والقلب قد زادت شجونه لشدة احتراته، أبديت هذه الأبيات وإن كنت لست من أهل هذا الشأن ولا ممن يسابق في الميدان، ولكن لعظم ما جرى وما حل بأهل الإسلام ودهى:

إلى الله أشكو طارقات النوائب

ورزء كبير من عظيم المصائب

وما قد عرى أهل الديانة والتقى

فحقٌ على خل دهي بالمعاطب

يريق دموع العين سحًا ودائمًا

ويبكي طويلًا بالدموع السواكب

لموت إمامٍ قام لله داعيًا

شمائله تسمو لعالي المراتب

فأعظم بهذا الرزء أي مصيبةٍ

وخطبٌ دهى بالمزعجات اللوازب

تنادي بها السكان في كل مشهدٍ

وسارت بها الركبان فوق النجائب

لموتك يا عبد العزيز مصائبًا

تهون على أربابها في الأقارب

لأن كنت يا عبد العزيز فجعتنا

وجسمك أضحى في تخوم السباسب

وربعك أمسى دائرًا ومعطلًا

عليه رياحٌ تعتلي بالكتائب

فوا أسفًا من فقده وفراقه

فمن مثله في شرقها والمغارب

إمامٌ لشرع الله يبدي مفسرًا

يحل عويص المشكلات النوادب

يدين بقال الله قال رسوله

فوائده يهدى بها كل طالب

يقضي بتدريس العلوم نهاره

مديمًا عليها في الضيا والغياهب

يقرر توحيد الإله بجهده

ولم يكترث يومًا بكل مشاغب

لقد كان حبرًا للأنام ومفتيًا

تحيط به الطلاب من كل جانب

يبين لهم حقًا ويردي لباطل

فمورده عذبٌ زلال لشارب

يعامل أهل الخير بالود والصفا

ويرجم أعداء الهدى بالثواقب

وفي سنة المعصوم أضحى موضحًا

لتقرير مسنون وتبيان واجب

كما فاق في علم الفرائض غيره

وفي النحو والقرآن قد جاء بالعجائب

فمن مثله في الخلق يؤتى لمشكلٍ

ويجلو ظلامًا من عضال الغياهب

وفي كل فن فكره متجول

يعيد ويبدي غامضات المصاعب

ص: 92

فسبحان ربي يمنح العلم من يشاء

مواهبه ليست ترى في التلاعب

فوا حر قلبي من فقيد مفارقٍ

إلى عسكر الأموات أضحى بذاهب

مجالسه قد عطلت عرصاتها

وقد أفلت أنوار تلك الكواكب

أرى ثلمه والله ليس يسده

فئام كثير قد سعوا في المراتب

فيا ثلمةً عادت علينا بحسرةٍ

وعمت مصابًا عجمها والأعارب

فيا رب يا مولاي يا خير منجدٍ

أنله الرضا والعفو يا ذا المواهب

وبوءه في الجنات ارفع غبطةً

تقر له عينٌ بعالي المراتب

لأن كان رب العرش عنا أماته

سقته المنايا من كؤوس المصايب

فحمدًا لمولانا على كل حالةٍ

مقاديره فينا تصيب لهارب

وما من بقاء يرتجى لمؤملٍ

وفينا من الأحبار عالي المناقب

وأعني به الحبر الهمام الذي له

مناقب مجدٍ ساميات المراتب

هو الشيخ ذو العرفان نجل محمدٍ

تفرع من غر كرامٍ أطائب

جزاه إله الخلق عنا بفضله

فقد كان أستاذًا أتى بالرغائب

وأرغم أهل الزيغ من كل ملحدٍ

وكشف أستارًا لغمض المذاهب

وصل إلهي كلما هب ناسم

وما ماض برق من خلال السحائب

على المصطفى بل سيد الرسل كلهم

وآلٍ وأصحاب سموا في المناقب

بعد هتون القطر من وابل السماء

وما حج بيت الله من كل راكب

وهذه مرثية أنشأها الشيخ عثمان بن أحمد بن بشر في المترجم وقد أقمنا ما تكسر من أبياتها من غير تصرف لطلب الناظم منا لذلك:

إلى الله أشكو لوعتي ومصيبتي

على فقد أهل العلم من كل ماجد

فهذه علامات الدبور بوقتنا

إذا مات منهم واحد بعد واحد

فقد حل مصداق ما قال ربنا

ففي الوعد قد جاء بنقص الأماجد

كذلك ما قد قاله سيد الورى

بموت رعاة الدين أهل التعاضد

كمثل الفتى عبد العزيز أخي الحجا

تقيٌ نقىٌ طيب العرض زاهد

ص: 93

يقطع ساعات النهار بدرسه

ويبديه جهرًا في زوايا المساجد

إذا خاض في علم الأصول رأيته

بصيرًا خبيرًا مرشدًا كل وارد

يقرر توحيد العبادة جهرةٌ

ويبذله لكل باغٍ وقاصد

وإن خاض في علم الفرائض خلته

ففيها عليمًا قد حوى كل شارد

وإن خاض في علم الفروع وجدته

خبيرًا بأقوال الهداة الأماجد

ويحكي خلافًا قاله كل عالمٍ

ويسرده عن واحد بعد واحد

وأما علوم النحو فهو مسدد

يعيد ويبدي مظهرًا للفوائد

فيا رب تنفعه بما قد منحته

يكون له يوم اللقا خير شاهد

ويا رب بوءه من الخلد منزلًا

مع السابقين الأطيبين الأماجد

ثم أخذ يدعو للمشايخ، فلولا هم لأظلمت البسيطة، ولولا هم لمادت بأهلها الخ، وهي تبلغ واحدًا وثلاثين بيتًا، تركناها خشية الإطالة.

وقال الأخ المحب عمر الوسيدي مرثية في الفقيد جعل لها مقدمة، ثم أتى بها، وهذا نص القصيدة المشار إليها:

أتانا كتابٌ من صديقٍ وصادقٍ

قريبٍ وصاف بالوداد المقارب

فلما قرأت الكتاب وجدته

يعزي بموت من دهى بالمصائب

خررت صريعًا باكيًا عظم ما بدا

ونيران حزني أوقدت باللهائب

هو الشيخ عبد العزيز وحبرنا

إمام الهدى نسل الكرام الأطائب

صلالة إبراهيم (1) العبادي ونجله

فقك جاد نفعًا في الورى كل طالب

وقد كان ردء في القضاء لشيخنا

وتدريس سكان بها وأجانب

له مجلسٌ عن رونق الحسن والبها

يلوح ويزهو زانه كل طالب

وفيه من الأحكام در نفيسةٌ

كروضة مرباع زهت بالجوانب

(1) فيه زيادة سبب خفيف.

ص: 94

فكل بها وقت الصباح وفي المساء

يروح ويغدو زانها كل راغب

أحاط بها أمر المليك فأصبحت

معطلة تبكي على فقد طالب

فآها على تلك الرياض قد أقفرت

رياح بها تسفوا على كل جانب

فيا عين جودي من الدمع هاتفًا

وسحي دموعًا كالسحاب السواكب

على عالمٍ حبرٍ لدى القبر قد ثوى

وحيدًا وخال من جليس مصاحب

سوى ما مضى من صالح السعي خالصًا

بريئًا من الأشرار خالي الشوائب

سقى قبره الرحمن وابل رحمةٍ

وهتان عفو من جزيل المواهب

وبوأه ربي من الخلد منزلًا

ووصل حسان ناعمات كواعب

ولو كان يجدينا كثير من البكا

بكينا عليه من دم القلب رائب

فما نفع الخنسا بكاء لصخرها

ولا ثاكلًا مجروحةً بالمصائب

ولو كان نفديه بمالٍ وأنفسٍ

وجاه أتينا بالعجيب العجائب

ولكن حكم الله لا بد نافذ

وأمره غلاب على كل غالب

فما كان للمرء يقينًا يصيبه

وما أخطأ الإنسان ليس بصائب

فأعظم به خطبًا ورزء ومحنةً

وليلٍ بهيم مدلهم الغياهب

فأحسن ربي جميعًا عزاكمو

مع الغفر للميت وجبر المصائب

وهذا اقترابٌ للزمان خطوبه

كسلك نظام مثلت بالتقارب

تموت خيار الناس تبقى شرارها

وهذا قريب من ظهور العجائب

وقد أخبر المعصوم عن قبض علمنا

بموت الرواة والهداة الأطائب

وموت عليم في الخليقة ثلمة

وليس لها سدٌ يطاق لطالبٍ

كذا قيل في المنقول موت قبيلةٍ

لأَيسر من قبض الفقيه وطالب

فيا معشر الإخوان جدوا وشمروا

إلى طلب العلى وخير المكاسب

ص: 95

هو العلم قال الله قال رسوله

وأهل الهدى من كل آل وصاحب

ولا تؤثروا يومًا على العلم شهوةً

ولا لذة مطعومنًا والمشارب

أكبوا عليه باجتهادٍ ورغبةٍ

وبحثٍ طويلٍ عن مباحٍ وواجب

ولا تقتدوا بي بالبطالة والردى

فإن اقتداء بالردى غير صائب

فآهًا على عمرٍ مضى لي سبهللًا

وآها على التفريط يا ويح كاذب

فيا رب وفقني تدارك ما مضى

من العمر والتفريط تبًا لخائب

وقد قيل لو بالصين فاطلبوه (1) بجهدكم

وسيروا له باليعملات النجائب

وللعالم فضل على كل عابد

كبدر تمام مضلةٍ للكواكب

فمن في السماء والأرض تدعوا جميعها

بغفران ذنبٍ للهداة الأطائب

وحيتان بحرٍ والسباع جميعها

كذا نملةٍ في الجحر تدعو لطالب

وعالم صدقٍ يستضاء بنوره

أشد وأقوى من له ألف راهب

على ذلك الشيطان يحرق نوره

جميع العتاة من رجيمٍ وكاذب

ثم أخذ يمتدح الشيخ عمر بن محمد بن سليم ويدعو له بالبقاء، ويذكر مآثره وما له من المقامات بين أهل الإسلام التي فاق بها من سواه فقال:

فيا فالق الحب ويا فالق النوى

ويا خير مسؤول برغبة طالب

تفضل علينا بامتنان بشيخنا

وفاروقنا بدر الدجى والغياهب

وشمس تضيء للأنام منيرةً

إذا ما غشى ديجورها كل ثاقب

وحان بنا من حادث الدهر محنةً

وأظلمت أرجاء لنا بالنوائب

أزال لها بالعلم نورًا وحكمةً

بتبيان مسنون وحضر وواجعب

فسيرته في المسلمين جميلةً

وأفعاله محمودةً في العواقب

أدام لنا منه علومًا كثيرةً

وصالح نسل عاقبًا بعد عاقب

ومد له في العمر طولًا وفسحةٌ

على عمل يرضي جزيل المواهب

يكون لنا كهفًا منيعًا عن العدى

نلوذ به عند اشتداد النوائب

فضجوا جميعًا بالدعاء برغبةً

وتأمين بعض يستجاب لطالب

(1) لو قال .. وقد قيل لو بالصين فاسعوا بجهدكم، ولسلم من الانكسار.

ص: 96

كذاك صلوا على خاتم الورى

نبيٌ أتى من لؤي بن غالب

وأزكى صلاة الله جل ثناؤه

على خاتم الرسل الكرام الأطائب

محمد المبعوث للناس رحمةً

بشيرًا نذيرًا لعجمها والأعارب

وأصحابه والآل ما هبت الصبا

وما أنهل ودق من خلال السحائب

ومن مرثية قالها فيه تلميذه محمد بن صالح بن صليم مادحًا للمترجم ومنوهًا بفضله:

فتىً قد سما مجدًا وقد فاق نهمةً

عليه وقار كاللالئ ناثر

لقد كان ذا علم وبالفقه حاذقًا

مقيمًا على التدريس لله صابر

يعيد دروسًا مرةً بعد مرةً

سناها كضوء الشمس بالأفق ناشر

إذا قرر التوحيد يومًا رأيته

على منهج الأبرار باقصد عابر

وما ضره غمد ولكن مصيبةً

بفقدانه دمع على الأرض قاطر

إلى الله نشكو جميع بلائنا

وما لاعنا من فادح الدهر باهر

وقد جاء عن المعصوم نصٌ مصرحٌ

رواه ابن عمرو في الصحيحين صائر

فليس ذهاب العلم نفس انتزاعه

ولكن بموت من عليه يصابر

وذي سنة من ربنا قد قضى بها

وكل لتقادير الإله يبادر

فكم متعب في الدين والعلم نفسه

بجد وإقبال على العلم ساهر

يموت وكم مفني لعمر سبهللا

يعمر دهرًا وهو للحق باطر

فيا ربنا يا من إليه ابتهالنا

ويا من لزلات المسيء ساتر

ويا منقذًا ذا النون من وسط لجةٍ

عليه طباق البحر بالموج زاخر

ويا راحمًا أيوب من بعد ضره

أغث قبره جودًا رذاذًا يبادر

وأسكنه من أعلى الجنان محلةً

ينعم فيها يوم تبلى السرائر

فيا أيها الأخوان جدوا بجهدكم

على طلب الأرباح ذاك التفاخر

أقيموا على نيل العلوم نهاركم

كذا ليلكم سمرًا ولله بادروا

الخ وهي حسنة، وقد قيلت فيه قصائد رئي بها غير ما تقدم تركنا إيرادها

ص: 97