الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لبيك واحفظ دينك السامي واخزِ الأشقياء
* * *
سبحانك اللهم يا حامي البيت الأمين
يا مسبل الرحمات تغسل من خطايا المذنبين
إياك نعبد مخلصين ولا بغيرك نستعين
لبيك سبحنا بحمدك فاهدنا نهج اليقين
ذكر من توفى فيها من الأعيان
ففيها وفاة الشيخ عثمان بن مضيان، وهذه ترجمته:
هو العاقل البصير العالم المقبل على ربه، المعرض عمن سواه، رجل الخير والدين والصلاح، الموسوم في وسم أهل الحق والنجاح عثمان بن حمد آل مضيان، وله ذوق في العلوم الدينية، وبصيرة نافذة في تمييز الطيب من الخبيث، سكينًا عاقلًا متقشفًا، ضعيف البنية، وقد تعلم وتخرج على الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم وابن عمه محمد بن عمر بن سليم، وكان إمامًا في القرية الواقعة شرقي بريدة المعروفة بوهطان، ولبث على تلك الصفة دهرًا طويلًا، ثم إنه سكن بريدة وبضاعته العلم.
وقد كان في نشأته كابد محنًا من ولاية آل رشيد وأمرائهم، لأنه كان مواليًا لأهل الدين والعدل، فصبر وما استكان، ثم إن الحكومة جعلته قاضيًا في أبي عريش سنة 1353 هـ، فاستمر في قضاء تلك الجهة بسياسة وتسديد مبيضًا وجه صحيفته، وموضع التقدير هناك، ثم إنه طلب من الحكومة إعفاءه من قضاء تلك الجهة بصفة جوها لم يلائم صحته، فعاد إلى وطنه القصيم سنة 1358 هـ واستقر في الموضع المسمى السباخ مؤثرًا للراحة، ثم إنه حج سنة 1359 هـ، وبعد الحج جعل في وظيفة القضاء في موضع يدعى محائل في عسير، فاستمر في القضاء حتى مات في حال غربته.
ومما جرى في حال قضاءه في أبي عريش أن بعض الأئمة الذين كانوا في معيته في أبي عريش أنكر على بعض المجامع التي تكون في أوقات الزواج هناك من اختلاط الرجال والنساء، وأزال المنكر بيده، فوافق أن ضرب امرأة بالعصا فقام أقرباؤها وبعثوا بشكاية إلى الحكومة بشأن ذلك الرجل، فبعثت الحكومة هيئة للنظر في هذه المشكلة، وقد أعظم الخصماء الأمر بأن المرأة ألقت جنينها الذي في بطنها، وبعدما وضعت الهيئة سؤالًا وجوابًا وقدمته للمحاكمة أمام القاضي عثمان المذكور أخذ المعاملة فضيلته ومزقها وأجاب الهيئة بأنه إذا كانت الحكومة قد ارتضيت هذا الإمام ووثقت به يسد هذا المقام، فما فائدة الاعتراض عليه، فانحل النزاع وقنعت الهيئة.
وقد أخذ المترجم عن الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، وأخذ عن الشيخ الزاهد عبد الله بن محمد بن فدا ولازمه، وكنت أظن أنه تولى وظيفة في بلد نفي، وذلك في الفترة التي بين 37 و 45 من الهجرة النبوية.
أما ولادته فإنها حوالي سنة 1291 هـ فيكون له من العمر خمس وسبعون سنة رحمه الله وعفا عنه، ويعد من خيرة أهل زمانه، ورعًا وزهدًا وعفة ودينًا وعلمًا، وكان له أخلاق وحسن معاشرة، وليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب، ولا يمل جليسه مجادلته، أضف إلى ذلك تواضعًا وليس عريكة، فالله المستعان.
وممن توفى فيها الشاب الناسك رشيد بن عبد الله الحميضي، كان شابًا نشأ في طاعة الله وقلبه معلق بالمساجد، وما زال يدأب في طلب العلم، وله إكباب على المطالعة في الكتب الدينية ويعتكف العشر الأواخر من رمضان، وله صلاح وعبادة وحظ من قيام الليل وصيام النهار وزهد وزكاة وعفة، وقد سلم المسلمون من شره، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وقد مات ولم يتزوج، وكان عمره اذ ذاك إحدى وثلاثون سنة، نسأل الله تعالى أن يزوجه الحور الحسان وأن يجعله من جيرانه في أعالي الجنان، وقد كان فقيرًا محتسبًا متعففًا صابرًا خاشعًا.
وفيها توفى الأمير شكيب أرسلان المؤرخ صاحب التعليق والحفاوة بتاريخ حاضر العالم الإسلامي، قالت إحدى الألسن:
شاء الله ولا راد لمشيئته أن يخبو نور طالما شع في ميادين الأدب والعلم والتاريخ، فأضاء سبل السالكين، وإن يخفت صوت دوى في منابر الدفاع عن العروبة فأصاخ له العالمان الشرقي والغربي، وأن يكبو سيف طالما نزل كالصاعقة في الذود عن حمى الأمة العربية الإسلامية، وذلك بانتقال صاحب العطوفة أمير البيان شكيب أرسلان إلى الدار الآخرة بعد جهاد 80 عامًا قضى الكثير منها في الكتابة والتأليف والذود عن حمى العروبة، وخدمة قضيتها، فرحمة الله على أموات المسلمين.
وفيها أي سنة 1366 هـ وفاة الشيخ الفاضل عبد الرحمن بن عبد اللطيف رحمة الله تعالى عليه، وهذه ترجمته:
هو الشيخ الإمام العالم العلامة عبد الرحمن بن عبد اللطيف عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولد في مدينة الرياض 1288 هـ، وتربى في بيت والده الشيخ عبد اللطيف، وبعد وفاة والده تولاه أخوه عبد العزيز بن عبد اللطيف، وفي أول سن التميز أدخله مدرسة تحفيظ القرآن المعروفة باسم مدرسة ابن مفيريج، ودرس القرآن الكريم وحفظه عن ظهر قلب، ودرس مبادئ العلوم الدينية على أخيه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، ثم إنه أخذ في الدراسة على أخيه الشيخ عبد الله في الكتب المطولة كأعلام الموقعين عن رب العالمين، وإغاثة اللهفان، وأقسام القرآن لابن القيم رحمه الله، ودرس عليه في الأصل، والفقه وأمر الكتب، ودرس في عمدة الفقه، وتفقه ودرس في الفقه على الشيخ محمد بن محمود، والشيخ عبد الله الخرجي، والشيخ حمد بن فارس، أخذ عن الأخير علم النحو والفقه، وجدّ واجتهد ثم إنه عين قاضيًا في الهجرة المعروفة في السر، وهي بلدة ساجر عند الروقة، ولبث فيها أربع سنوات قاضيًا ومدرسًا وخطيبًا، ويشهد معهم عدة غزوات بأمر من ولي الأمر، بحيث لا يمكن أن يغيروا
على أحد حتى يتحققوا خروجه عن طاعة ولي الأمر فيما يجب عليهم، كمنع زكاة أو نقض، أو اعتداء بغير حق.
ثم إنه وفد على الإمام في الرياض وصادف ذلك مرض أخيه الشيخ عبد الله سنة 1339 هـ، فتولى الخطابة عنه، ثم إنه توفى الشيخ عبد الله رحمه الله تعالى، وصدر الأمر بأن يكون خلفًا للشيخ عبد الله في التدريس في بيت الشيخ والخطابة في الجامع مستمر مدة نصف سنة، فألح أهل ساجر على الملك عبد العزيز بإعادته إليهم، فأعاده إليهم واستمر بعد عودته إليهم ثلاث سنوات، وطلب الإقالة من القضاء عندهم، ثم إنه رجع إلى الرياض عام 1342 هـ، وعين في أخر السنة المذكورة في عروى لدى سلطان بن حميد.
ولما زحف ابن سعود إلى مكة المكرمة ليثبت جيشه الزاحف إليها، كان الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف من جملة رفقته، ثم إنه أقام بعد ذلك في عروى خمس سنوات قاضيًا ومدرسًا وخطيبًا، حتى جرت واقعة السبلة بحيث لم يشهد أهل عروة واقعة السبلة من أجل أنه قام القيام اللائق به من بيان حقوق ولي أمر المسلمين، فكفهم عن الخروج وكانوا على بصيرة في أمر دينهم، وبعد وفاة سلطان بن حميد بن محمد بن هندي كان الأمير بعده جهجاه بن بجاد أخو سلطان بن بجاد أمير الغطغط، فاقتضت الأمور أن طلب الإقالة من عروى، وكانت السنون الماضية حافلة بأعماله ونصحه لإمام المسلمين وللمسلمين، والجهاد في سبيل الله، وقد شهد عدة مشاهد منها حصار حائل، ومنها حصار جدة، ومنها فتح البلد المعروف بالحجاز باسم بالجرشي، وسبق أن شهد واقعة البكيرية المشهورة، وشهد عدة غزوات.
وأصيب بجراح، وبعد إعفاءه من عروى عين قاضيًا في الخرج وجميع قراه، ومقره في الدلم، وذلك عام 1350 هـ، وتخلل بين إعفاءه من عروى وتولية قضاء الخرج فترة استقر فيها في الرياض، وعين إمامًا لمسجد الحلة المعروف في الرياض، ومدرسًا، ثم إنه استمر في قضاء الدلم حتى عام 1357 هـ فطلب الإقالة واستقر في الرياض مدرسًا في مسجد الوسيط، وخطيبًا للجامع الكبير، حتى توفاه الله تعالى عن عمر يناهز الثامنة والسبعين.