الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحلك مولاك الجليل محله
…
لفصل القضاء إن هم إليك تنازعوا
وقال الإمام أحمد بن علي بن مشرف في فضل العلم والعلماء:
فجالس رواة العلم واسمع كلامهم
…
فكم كلم منهم به يبرأ الكلم
كان أمروا فاسمع لهم وأطع فهم
…
أولو الأمر لا من شأنه الفتك والظلم
هذا وإن المترجم قد منح تمام التنفيذ، غير أن الأمور التي قد كتبت على العبد لا بد أن تصيبه.
الباب العاشر: في مرضه ووفاته وما رثي به
قد أشرنا إلى أنه ابتدأ مرضه في مستهل هذه السنة، وسبب هذا المرض ما يتردد في جأشه من الأشجان، وكان لا يحب الانتقام لنفسه، فضعف لذلك جسمه وتكسف باله لما يقاسيه من الهموم والغموم، ونكد الزمان، وكثرة الفتن والمحن، وكان لا يشتكي إلى على ربه وفاطره وكفى بالله وليًا وكفى بالله نصيرًا، فتهدم لذلك جسمه وانحلت قواه، وقد أشار عليه بعض أحبابه أن يتخلى عن بعض الإرهاقات ككثرة التدريس وأن يتخلى عن القضاء ويستريح بقية عمره فرفض فأشاروا عليه بأن يذهب للعلاج قبل أن يجيده المرض ويقضي عليه فرفض، وقد رأيته لآخر مرة وهو جالس مستقبل القبلة مصفر اللون نحيف البدن عليه ثياب نظيفة فسألته عن صحته فذكر في أنه بحاجة إلى العافية ويسأل الله كشف ضره، وكان فد أثر المرض في صوته فسألت الله له أمامه أن يكفيه ما أهمه، فبكى لذلك رحمه الله تعالى وبكيت أمامه وسألت الله له أخرى أن لا يريه ما يكره، فجعل يرفع يديه ويؤمن على دعائي، وكان يوضع له قليل من العسل فيتحساه إذا عجز ريقه أن يستطلق، وقد خرج لصلاة عيد الفطر راكبًا لعجزه عن المشي، واستمر في ضعفه.
ذكر المنامات والمرائي
رأى بعضهم في منامه الشمس قد طلعت، فلما توسطت السماء انكسفت وأظلم الكون، وذلك قبيل وفاته بشهر، ورأى بعضهم قمرًا مبدرًا طلع من الشرق
فلما توسط السماء غاب عن الأبصار فطلع من خلفه نجم، قال الرائي فحمدت الله وأنا نائم اذ طلع هذا الكوكب ولم نعدم الإضاءة قطعًا، ورأى بعضهم كأن باب بيته نزع وجعل مكانه بويب صغير قدره ذراع بذراع، فلما كان في ليلة هلال الحجة رأى هو إنسانًا أتاه في منامه فناوله ستة عشر كأسًا وقال له: هذه وتستريح فلما استيقظ ذكر الله واستعاذ به من الشيطان وقال لمن حوله من أهله هكذا رأيت فأحصوا هذه الأيام.
وكان يستصحب حقًا فيه عسل ويستعين بذلك على ريقه لمرارة ويبوسة، قال بعضهم دخلت عليه وقد تضاعفت بنيته وكلت قواه وذلك قبل وفاته بيوم وهو يتلمظ شفتيه بلسان ويقول: إيهًا الحمد لله حسبنا الله ونعم الوكيل على من آذانا، ولم يصل منا إلا الخير، وهذا والله منظر مزعج، فيا ليت شعري ماذا يصنع الأحباب ومن يتولى غرسه بعد الذهاب، ومن يطيق ألم الفراق، وهذا شيخ المسلمين في كرب السياق، فلما أصبح تنظف ولبس ثيابًا جددًا وذلك بكرة الاثنين الموافق 16 ذي الحجة، وجعل يقول وهو على تلك الصفة: هل أذن المؤذن ما باله أبطأ، ويتقلب ثم يقول أقرأ سم بالله كأنه جالس للتدريس في الحلقة ثم يغشى عليه فإذا أفاق أخذ يتكلم بما سبق، ثم جعل يتكلم بكلمة التوحيد حتى خرجت روحه في الساعة السادسة من اليوم المذكور.
وقد بعث أمير بريدة قبل ذلك نبأ برقيًا في 14 من الشهر قبل وفاته بيومين لجلالة الملك يخبره بمرض الشيخ ابن سليم، وقد كان الملك لم يعلم بما آل إليه فقام من فوره وبعث بدكتور ماهر إليه يدعى عفيف المحمصاني، ركب سيارة فورد جديدة وسار مسارعًا إلى القصيم فلم يصل إلى بريدة إلا بعد وفاته بساعات، وكان قد أوصى أن يغسله تلميذه الأخ عبد المحسن بن عبيد، فغسل وكفن وصلى عليه المسلمون بعد صلاة العصر في المسجد الجامع، فامتلأ المسجد بالرجال والنساء وامتلأت الأزقة والشوارع وازدحمت رجالًا ونساءً وأطفالًا يبكون ويندبون، وعلت الأصوات بالنشيج والجشع، ولا والله لم يصابوا بمثل هذه المصيبة في أهليهم ولا
أولادهم، ودوى ذكر وفاته في أقطار الأرض وصلي عليه في سائر أقطارها بالنية وبلغت شامها ويمنها، فيا لها مصيبة عظيمة وفادحة جسيمة، بلغت القلوب الحناجر وسكبت الدموع من المحاجر، ولا شك أن ثلمته كبرى بين العالمين، ورزء عظيم أصيب به أهل العلم والدين فأصبح أهل مقاطعة القصيم كأنهم غنم بلا راعٍ، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت.
وقد رثاه العلماء والأدباء في سائر نجد، واليمن وغيرها، ولما بلغتنا وفاته ونحن في مكة المشرفة أتينا بما يأتي:
الحمد لله الملك المجيد الفعال لما يريد، المؤمل لكشف كل صعب شديد، الباقي ملكه فلا يفنى ولا يبيد، والصلاة والسلام على المبعوث إلى كافة الأحرار والعبيد، المؤيد بدرع العصمة لا بدرع الحديد، وعلى آله وأصحابه ذوي المفاخر والبأس الشديد، والدعوة إلى الله بالإيمان والتوحيد.
أما بعد: فإنه لما كان في موسم الحج سنة 1362 هـ أتانا نعي شيخنا وأستاذنا الشيخ عمر بن محمد بن سليم غفر الله له وأسكنه فسيح جنته فانبعثت بنا دواعي الهموم والغموم، وكادت الأرواح تبلغ الحلقوم وذلك لكبر ثلمته بين العالمين، وعظم مصيبته بين المسلمين، وهل ذلك إلا من النقص على أهل الإسلام ونزع العلم من بين الأنام، ولما فجعنا بهذا الرزء أصابنا من الهم والكآبة ما الله به عليم، فقلت هذه المرثية تسليةُ للنفس وتعزيةً للإخوان، وأسال الله تعالى أن يرفع منازله في الجنان ويسكن روعه يوم نصب الميزان:
بكينا عويلًا بالدموع الهوامع
…
لخطبٍ دهانا بالهموم القواطع
غداة أتانا من قصيم مخبرٌ
…
ويني بأخبارٍ تغم لسامع
أتانا بأخبار عظيم خطوبها
…
بهد ونقص للعلى والمنافع
فيا صاحي حقق كلامًا سمعته
…
رويدًا فلا تعجل بنقل المذائع
لعل إله العرش يخلف ظنهم
…
فما زال منانًا لطيفًا بخاضع
فما هذه الدنيا بدار إقامةٍ
…
فتبًا لها كم آذنت بالفجائع
فلو أنها تصفو لصافت ملوكها
…
وأحبارها أهل النها والمرافع
ولكنها غدارةٌ في فعالها
…
كما غرَّغِرٌ في سراب البلاقع
فما نالنا في ذا الزمان مصيبةً
…
ورزء دها من معضلات القوارع
غداة سمعنا بانهدام لعرشنا
…
وكسر لأهل الحق من كل سامع
وذاك لعمر الله موت محققٍ
…
حكيمٍ بصيرٍ عاملٍ بل وجامع
لأشتات علمٍ طالما حار أهله
…
فأبدى مخبأ معضلات البدائع
هو العلم المشهور في كل محفلٍ
…
حليف العلى والفضل للشر قامع
تسلسل من قومٍ هداةٍ أجلةٍ
…
ذوي العلم والتحقيق أهل التواضع
عنيت به حبر البلاد وبدرها
…
فتى من سليم فائقًا في المجامع
وذا عمر قل لي هو ابن محمدٍ
…
تقى نقي علمه خير نافع
إمامٌ همامٌ ألمعى محققٌ
…
جرى على قمع الردى والمخادع
حبيبتٌ منيبٌ بالعبادة ناسكٌ
…
مجالسه يسعى لها كل راتع
خبيرٌ بأصناف العلوم جميعها
…
مفيدٌ لطلاب العلوم التوابع
فمن لعلوم الشرع يشرح أصلها
…
ويحمي حما الإسلام من كل قاطع
ومن لبحوثٍ بعده من مجاهد
…
يقوم بنصر الحق من كل خادع
فمن لعلوم الأصل يشفي لسقمنا
…
ويهدي لحيران جهولٍ وضائع
ومن لفنون الإرث يقسم بيننا
…
ومن لعلوم النحو يكفي لسامع
فيا لوعتي من فقده وفراقه
…
وثلمته في الخلق بين المجامع
ويا حزني من بعده في ضريحه
…
فمن مثله فينا لبذل المنافع
ويا جزعي من نزع شيخٍ مهذبٍ
…
يعيد ويبدي ديننا غير نازع
ترى حوله الطلاب من كل وجهةٍ
…
يؤمونه بالكتب كل مسارع
فيعطيهمو من كل فنٍ لطالب
…
كما هل قطر بانصباب الهوامع
ولما فجعنا بالممات لحبرنا
…
وفقد نبيه القدر نافي المطامع
ترانا بهم باهتين لرزئه
…
وعبراتنا تجري كحد اللوامع
وكلٍ يبكي بانكسار خواطر
…
لدى عمهم فقد الحبيب الممانع
وقاضٍ لإقليم هداة قطينه
…
فأضحى طلولًا طامساتٍ بلاقع
يحق لنا نرمي على الأرض خشعًا
…
وننفي لذيذ النوم عند المضاجع
فلو كانت الأموال تفدي لشيخنا
…
لجدنا بها في فكه بالتسارع
ولكن حكم الله لا بد نافذ
…
وما قدر الرحمن لا بد واقع
قضاء قضاه الله جلا جلاله
…
وما أمره إلا على رغم جازع
صبرنا لحكم الله من غير سخطةٍ
…
وكلٍ إلى مولاه لا بد راجع
فقد جاء عن خير الهداة محمدٍ
…
بنقص لأهل العلم من كل نافع
وهذا هو التصديق حقًا فإنه
…
صحيح أتى بالنص خذه وراجع
فيا أيها الإخوان صبرًا فإنه
…
مضى لطريقٍ كلنا فيه واقع
وقوموا جميعًا بالسؤال لربكم
…
يلم لشمل الدين عند الفجائع
فأحسن مولاي الجليل عزائكم
…
كذا جبر المصاب من كل رائع
ووفقكم ربي طريقة شيخكم
…
بجدٍ وتشمير وكسب المنافع
لأن كان حبر الناس أمسى مفارقًا
…
سقاه الردى كأسًا مرير المجارع
وكانوا بلا راع يلم لشملهم
…
وخلفهم حقًا كأغنام رواتع
فذى عادة الدنيا بخلٍ وصاحبٍ
…
وكم آذنت أهلًا بتشتيت المجامع
فيا فارج الهم الشديد كروبه
…
ويا منجي الغرقا رؤوفًا بخاضع
ويا سامع النجوى قريبًا لمن دعا
…
مجيب دعاء من سؤول وطائع
تفضل بنصرِ عاجلٍ غير آجل
…
ومن بإسعافٍ على كل ضارع
وصلِّ إلهي كل حينٍ وساعةٍ
…
على خير مبعوثٍ كذا خير شارع
محمد الهادي إلى خير شرعةٍ
…
نبيٌ أتى حقًا بخير الشرائع
وآلٍ وأصحابٍ هداةٍ أجلةٍ
…
ينادون بالإخلاص فوق المجامع
وقال الشيخ حمد بن مزيد قاضي قبة يرثي المترجم:
على العالم النحرير شمس المعالم
…
نريق دموعًا مثل صوب الغمائم
فما قد دهانا ساعةً بمصيبةٍ
…
ورزء فظيع مزعج للعوالم
يمثل مصابٍ قد دهانا بروعةٍ
…
وشَدة لوعاتٍ أتت بالعظائم
وغم وأحزان وغم وكربةٍ
…
وبؤسٍ وتنكيدٍ لحلو المطاعم
لدن قيل مات الشيخ قطب رحا الهدى
…
حليف التقى سامي الذرى والدعائم
وأعني به بدر الدجى علم الهدى
…
وذا الفضل والإحسان وافي المكارم
هو ابن سليم واسمه عمر لقد
…
سمى ذكره فوق السُّهى والنعائم
لقد أظلمت أرض القصيم بموته
…
وعمَّ الدجا في نجدها والتهائم
فأعظم به من فادح جلَّ أمره
…
وهدَّ لركن الدين للقلب كالم
فيا لك من رزءٍ فظيع ومزعجٍ
…
وخطبٍ مهولٍ قاطع الظهر قاصم
فمن مثله يرجى لحل مشاكل
…
إذا أعجزتنا مشكلات المخاصم
ومن مثله في بذل علم وحكمةٍ
…
وإرشاد طلابٍ ونصحٍ لعالم
لقد كان ذا عقل وعلم وعفةٍ
…
وقلب سليم من جميع المآثم
فلله من حبر جليلٍ وضيغمٍ
…
هزبر على الأعداء غيظ المراغم
حليم رحيم ألمعيٍّ مهذبٍ
…
فصيح نصيح صادق القول حازم
تقي نقى ناسكٍ متروعٍ
…
عفيفٍ نظيفٍ من جميع اللوائم
غيورٍ لدين الله سيفٍ مهندٍ
…
على الضد لا يخشى ملامة لائم
وقد كان عدلًا في قضاياه منصفًا
…
وفي الحكم بين الناس أحسن حاكم
ويقضي بعلمٍ لا بجهل وغر هوى
…
وليس بطياشٍ عجولٍ وغاشم
ونهمته في العلم مذ شب يافعًا
…
وما همه الدنيا وجمع الدراهم
له في فنون العلم باعٌ طويلةٌ
…
يقصر عن إدراكها كل عالم
يحل عويص المشكلات بفقهه
…
ووقاد ذهنٍ للغوامض فاهم
يقضي بتدريس العلوم نهاره
…
ويحيى الليالي قائمًا غير نائم
فوا لهفي واحر قلبي ومهجتي
…
على فقد بدر الدين زين العوالم
مجالسه للعلم عادت خواليا
…
وأمست قفارًا دارسات المعالم
كأن لم تكن يومًا رياضًا أنيقةً
…
زهت بزهور مطربات نواعم
وإن وفاة الشيخ ثلم بديننا
…
وهدمٌ عظيم ماله من ملائم
فقل للذي يقليه أو مبغضٍ له
…
هلموا فسدوا منه لو ثقب خاتم
فما مبغضِ للشيخ غير منافقٍ
…
خبيث الطوايا فاسد القلب آثم
فصبرًا بني الإسلام صبرًا لما دهى
…
من المعضلات المفظعات العظائم
فإن إله الناس منفذ أمره
…
على كل راضٍ بالقضاء وراغم
ولو كتب الله الخلود على امرؤٍ
…
لخلد خير الخلق صفوة هاشم
ولكن موت المرء حق محتمٌ
…
وذو العرش رب الناس أحكم حاكم
سلوا الله أن يوليه عفوًا ورحمةً
…
ويحضى بفوز خالد فيه حائم
ويخلفه فينا بخير وعصمةٍ
…
من الفتن الدهيا وسوء الخواتم
ويبقى لنا أعلام دين محمدٍ
…
مشايخنا الأخيار من كل عالم
ويحي بهم ما مات من هدي أحمدٍ
…
ويمحو بهم سبل الردى والمآثم
ويجعلهم في الدين والخير قادةً
…
تحث على التقوى وترك المحارم
وأمر بمعروفٍ ونهي عن الردى
…
وإرشاد جهالٍ وردع المخاصم
ويبقى لنا بدر الدجا سامي الذرى
…
إمام الهدى بحر الندى والمكارم
ويجعله للدين والشرع نصرةً
…
ويردي به الأعداء من كل ظالم
ويحي به الإسلام ممن يرومه
…
بسوءٍ وشرِ من جميع العوالم
فأكرم به من ذي تقى وشهامةٍ
…
وليثٍ هزبرٍ في الحروب وحازم
رحيم حليم عادلٍ متفضلٍ
…
سجيته التقوى وهجر المآثم
لأهل الهدى ذي رحمةٍ وتواضع
…
شديدٍ على أهل الردى والجرائم
فلا زال إسعاد الإله يمده
…
وأعداؤه في كبتٍ وذلٍ ملازم
ويبقى ولي العهد نصرًا لديننا
…
وقمعًا لأهل الزيغ من كل ظالم
يشد به أزر الإمام مساعدًا
…
له في شؤون المسلمين اللوازم
لقد كان ذا عقلٍ ورأي وسؤدد
…
لوالده برٌ مطيعٌ وخادم
فطلعته ميمونة خير طلعةٍ
…
ومسعاه في كسب العلا والمكارم
فلا زال بالتوفيق والنصر مسعدًا
…
وعزًا وتمكينًا من الله دائم
وأزكى صلاة الله ثم سلامه
…
على السيد المختار من نسل آدم
كذا الله والصحب مع تابعيهمو
…
وتابعهم من عربها والأعاجم
بعذ نبات الأرض والرمل والحصا
…
وما أنهل من وبل السحاب السواجم
وما هبت النكبا وما ذرٍّ شارق
…
وما أطرب الأسماع نوح الحمائم
وقال السيد أحمد بن عبد الفتاح ساكن ناحية اليمن:
ما للمدامع كالطوفان تنحدر
…
والناس سكرى وأيم الله ما سكروا
ماذا الذي لهم فاستكت مسامعنا
…
وطاش من قوله الباب والفكر
وزلزلت عنده الأقطار واضطربت
…
منه الأقاليم يا للناس فاعتبروا
هل هذه نفخةٌ في الصور راجفةٌ
…
أضحت تصيح لها الموتى فتنتشر
ماذا التحير والأحوال قارعةً
…
من الحوادث يعمى عندها الخبر
بل هذه صدمة الأقدار وا أسفًا
…
تكاد تفقد عين العلم والأثر
بموت حافظ هذا العصر ناشره
…
كذلك الموت لا يبقى ولا يذر
حبر العلوم كما دلت مرافقه
…
وجهبذًا تحبته لأعصر الأخر
فذا يعز على العلياء فرقته
…
فقد يطيب لها مع مثله السمر
شهمٌ تجافى عن الدنيا وزخرفها
…
واختار دارًا اليها ضمه السفر
دار الكرامة والأجلال حيث بها
…
حور الجنان إلى لقياه تبتدر
فيها تطوف به الأكواب داهقةً
…
إذ يحتسيها ولا لغوٌ ولا سكر
فيها يشاهد ما لا أعينٍ نظرت
…
بين الحقائق يجري تحتها الزهر
حيث المواهب تعطى لا حساب بها
…
حيث الصفا ولا هم ولا كدر
مع الأولى وحدوا الرحمن واجتهدوا
…
وقطعوا الليل بالتسبيح وابتكروا
راضوا النفوس فخلناهم ملائكةً
…
عند المناجات إلا أنهم بشر
الله أكبر إذ نادى مودعه
…
في رحمة الله والغفران يا عمر
فاض الدموع وفاض الشعر فاستبقا
…
وصرت أنظم حين الدمع ينتثر
من غير سبكٍ لأن الفكر مندهشٌ
…
أما يحق لها أن تدهش الفكر
وقد قلبت نظام الشعر آونةً
…
من محدثات أمور كلها عبر
دع عنك ذكرى الذي تد كان أسكتني
…
في مثل موقفنا لا تذكر الفجر
وابكٍ الفنون وقد مات ابن بجدتها
…
وزال عن طالبيها السمع والبصر
من للعويص إذا دجا دياجره
…
ولم يكن في علم منه ينتشر
من للتلاميذ كالوراد من ظمئ
…
لفيض بحرٍ به الأمواج تزدخر
ظلوا حيارى غداة النعي فاجأهم
…
وبيتوا القول هل يقضي لهم وطر
مات الذي غرست يمناه غرسهم
…
فمن يعذيه حتى يطلع الثمر
من للمواعظ يمليها مرتلةً
…
من كل معنى لديه يخشع الحجر
وحسبنا الله هل يدري مشيعه
…
من غبيوه ومن في التُّرب قد قبروا
وإنما الآية الكبرى لمعتبر
…
إن تحوي بحرًا عجاجًا هذه الحفر
وتهبط الشمس للبيدا فتسكنها
…
ويختفي اليوم في أطباقها القمر
أين الذي يصدر الفتوى مكللةً
…
من الأدلة بالبرهان تزدهر
أودى وغادر أذهانًا مشتتةً
…
من هول مصرعه قد حفها الخطر
لأن تغيب منه في الثرى جسدٌ
…
فما تغيب منه الذكر والأثر
لم تتحد يعرب إلى عليه أسا
…
ولم يضمهم في ذاك مؤتمر
فكل فردٍ من التبريج فيه حوى
…
قلبًا ترامى به الأحزان والضجر
يا أهل نجدجٍ وقيتم كل كارثةٍ
…
ونلتم أجر من عند البلا صبروا
إن المصاب ولو جلت فوادحه
…
يهون في مصرع المختار فادكروا
واستشعروا الصبر وارتادوا العلوم ولا
…
تألوا اقترابا إلى نهج الأولى غبروا
وامشوا على سنن الأسلاف حيث مشوا
…
مع الدليل وقد فازوا وقد ظفروا
وحبذوا فكر الطلاب واستبقوا
…
ونابذوا خطبة العصري وانتهروا
بثوا النصائح وأبوا كل مبتدعٍ
…
صواعقًا من سماء الشرع تنفجر
وثابروا وأنشروا الدعوى تؤيدها
…
من المليك سيوف الهند والسمر
عبد العزيز أطال الله مدته
…
في نصرة الحق إن الحق منتصر
من أتعب النفس في تكميل راحتنا
…
حتى يلذ له في نومنا السهر
برًا بأمته سهل الحجاب لهم
…
رمز التواضع ما في خده صعر
من وطد الأمن والدنيا مروعةً
…
من المخاوف والهيجاء تستعر
لا هم أيده بالنصر المبين على
…
أعداء دينك من يحدوهم البطر
واشدد بأنجاله من أزره وهم
…
أهل المعالي ونعم القادة الغرر
وأسبل شآبيب رضوان ومغفرةٍ
…
على الفقيد وعفو منك ينهمر
من مات في صفر من صدر عام وقل
…
أمسيت دارك عليين يا عمر
كذا ذكر الناظم في تاريخه، والصحيح ما ذكرنا ولعله لم يبلغه خبر وفاته إلا في صدر العام، وممن رثاه الفاضل الشيخ عبد المحسن بن عبيد بهذه القصيدة:
أشكو إلى الله علام الخفيات
…
مصيبةً عظمت لا كالمصيبات
موت التقى الإمام قدوتنا
…
الماهر البطل العالم الرات
محقق العصر مفتي الوقت عالمنا
…
فقيه نجدٍ بإطلاق البريات
محي العلوم وقاضي عصره عمر
…
ذو العقل والدين مع حسن السجيات
مفتي البلاد وحيد العصر فاضله
…
أخو المعارف فينا والسعادات
العالم الفاضل ابن الشيخ عالمنا
…
علامة الوقت مأمون السريرات
مصيبة الشيخ ليس كالمصيبات
…
لكن على ذي التقى من كل قنات
نجمٌ هوى في الثرى فالله يجبرنا
…
على مصابٍ ثوى من بين أموات
رزءٌ ثقيلٌ على الإسلام قاطبةً
…
والمسلمين كذا كل البريات
خطبٌ جسيمٌ على نجد وساكنها
…
أعظم به من خطوب الماجريات
ريعت له من ذوي التوحيد أفئدةً
…
فكم دموعٍ جرت تتلو لعبرات
فيا لعين بهطل الدمع قد بخلت
…
متى تهل مع العبرات قطرات
يا عين فابكي على شيخي ولا تهني
…
واهمي من الدمع كرات عديدات
فالحمد لله لا نشكو إلى أحدٍ
…
سوى العليم بأسرار الخفيات
حمدًا كثيرًا كما يرضاه فاطرنا
…
على القضاء كذا كل الذي يأت
صبر جميلٌ وتسليمٌ لمالكنا
…
يا رب لطفًا لدى كل المهمات
فقد عرتنا أموز أنت تعلمها
…
يا عالم السر مع كل الجليات
فاجبر عزانا بلطفٍ منك يا أملي
…
والمسلمين كذا كل البريات
واخلف لنا فاضلًا يحيى مجالسه
…
يحيى من السنة الغراء لميتات
موفقًا مخلصًا لله همته
…
نصح الخلائق مع تصحيح نيات
إذا تذكرت أحوالًا لعالمنا
…
فاضت دموعي على خدي بعبرات
كم سنة شادها يومًا بهمته
…
كم حجةٍ صدرت منه وآيات
كم من نصائح سارت في الورى غررًا
…
بين الملاء أرباب الولايات
الله أكبر من ذا يحصى مناقبه
…
مع عد أحواله الغر السنيات
كانت مجالسه بالعلم عامرةً
…
يؤمها معشر القراء كرات
من كل قطرٍ تراهم حوله زمرًا
…
يا لهف نفسي عليه بين أموات
لو كان يقبل منا الموت فديته
…
كنا افتدينا أبا حفص بما نأت
بالنفس والمال والأهلين كلهم
…
طرًا جميعًا كذا كل القرابات
لكنه الموت لا يبقي على أحدٍ
…
كل البرية تفنى بالمنيات
لا يسأم الدرس لا حضرًا ولا سفرًا
…
في كل حين يحيى وساعات
من للمجالس بعد الشيخ يعمرها
…
كأن مجلسه روضات جنات
من للتصانيف والأجزاء يحللها
…
والمشكلات لدى هذي البريات
من للفرائض يبدي من غوامضها
…
من ذا يفيد لأرباب السؤالات
من يصطبر صبره للعلم محتسبًا
…
يدعو إلى الله علام الخفيات
من مثله في علوم الشرق نقصده
…
إذا ادلهمت خطوب الماجريات
الحمد لله حمدًا دائمًا وكفى
…
حمدًا كثيرًا على كل الذي يأتي
يا رب نوّر ضريحًا كان ساكنه
…
وحفه بالرضا مع محوزلات
واخلفه في آله والمسلمين معًا
…
يا رب فاسمع دعائي مع شكاياتي
آنس لوحدته وارحم لغربته
…
واجعل ملاحده روضات جنات
يا ربِّ صلَّ وسلم على المختار سيدنا
…
محمد المصطفى من ذي البريات
والآل والصحب ما هب النسيم وما
…
كر الجديدان مع كل القرابات
وقال الشاعر الأديب صالح بن عبد العزيز بن عثيمين راثيًا الفقيد الشيخ عمر بن محمد بن سليم قدس الله روحه:
مصابٌ عظيمٌ حق فيه التلهف
…
وصارت به عيناي بالدمع تذرف
ولا بدع أن استبدل الدمع في دمٍ
…
فما ناظر يبكي الدم الآن مسرف
فيا عين فابكي واحذري من تكاسلٍ
…
وخلٍّ الهوينا إن صبري ليضعف
ويا موت زر لا خير في بعد في البقا
…
إذا ارتحل الأخيار لم نتخلف
إذا أنت أسرعت ارتحال خيارنا
…
وأبقت قومًا ليس في الخير تعرف
فمني على الدنيا السلام جميعها
…
ولست على أبنائها أتأسف
لقد حلَّ في ذا العام مفقد عالمٍ
…
بمفقده شمس من العلم تكسف
لقد حلَّ في ذا العام مفقد عالمٍ
…
به حل في أطراف أرضٍ تخوف
فقدنا بهذا العام نجل محمد
…
هو ابن سليم الزاهد المتصوف
فقدنا بهذا العام بدر هدايةٍ
…
فيا عمر من ذاك بعدك يخلف
فلو أن فيك الموت يقبل فديةً
…
لكنت بهذا الأمر للروح أصرف
فيا عمر أفديك روحي ومهجتي
…
فأفعالك الحسنى بنا لا تكيف
فأنت الذي في العلم مدت أنامل
…
إليك فعادت بعد مد تكفكف
فحقًا وجوه الفقه زال جمالها
…
وعن جسمها طوى القميص المفوف
وحقًا فما الفقه بقى مفرع
…
وأسماع طلاب له لا تكشف
وحقًا طريق المذهب الآن هابه
…
جسورٌ بما أبداه أحمد يكلف
وحقًا عويصات المسائل أبقيت
…
كآي صفات بالتلاوة تتحف
وحقًا بكى المغني وكافي وغايةٌ
…
وإقناعهم شرحًا أراد المصنف
وحقًا فمغني النحو أصبح مشكلًا
…
وكل غريبٍ فيه ليس يعرف
وحقًا فجار الله (1) دق اعتزاله
…
وما دس في كشافه ليس يكشف
وحقًا فلن ينهى مراد نهايةً
…
عليه غريب فهمه ستوقف
فأسيافه في البحث قاطعة الضبا
…
بها امتاز ما قد صححوا والمزيف
يقوم بإيضاح المسائل جاهدًا
…
وأشتاتها بعد افتراق يؤلف
وأقلامه فيه الأوابد لم تزل
…
بتقييد علم من مداده تغرف
له قدمٌ في الفقه سابقة الخطى
…
كما في كمال الدين والعقل يوصف
فكم كان يحيى فيه ليلًا كأنما
…
يصيد بفخ الفهم درًا ويكتف
أبان الخفايا بل إذا لبيانه
…
أردت اختبارًا سحر بابل يردف
مثقفةٌ ألفاظه عذبة الجنا
…
فما غير ذاك اللفظ قيل المثقف
طوى الموت حقًا حنبلي زمانه
…
طوى الموت حقًا من هو المتعفف
طوى الموت من في العلم أصبح ساعيًا
…
بعزمٍ صحيح مقدمًا لا يسوف
قفوا خبرونا من يقوم مقامه
…
ومن ذا بمحراب الهداية يعكف
قفوا خبرونا من يوقف طالبًا
…
على غامض الآيات لا يتكلف
قفوا خبرونا من إذا ولي القضا
…
فميزانه القسطاس ليس يطفف
ومن ذا تطيب النفس يومًا بقوله
…
سواه ومن ذا بعده قيل منصف
هو الجبل الراسي تهدم ركنه
…
قفوا نبكه يا أمة المصطفى قفوا
حوى من مواريث النبوة إرثه
…
وصارت به أعلام علم ترفرف
وفي موته الأعلام عادت إلى الثرى
…
ورد به الأعلام ما منه خلفوا
(1) يعني أن الزمخشري محمود المسمى جار الله دس في تفسيره المسمى الكشاف أمورًا من الاعتزال وهي دقيقة لا يعرفها إلا ذو المعرفة من العلماء يشير بأن نقاد العقائد قليلون ومن يعرف الاعتزال بعد الشيخ عمر بن محمد بن سليم.
تنكر هذا العصر لكن فإنه
…
بطيبٍ ثنا أبقاه فينا معرف
وقد لبست نجد ثياب حدادها
…
على زوج فضل لا عن الحق ينكف
لأن مهد التمهيد مضجعه له
…
فكوكب ما أبقى من العلم مشرف
سأبكيه بالدرين دمعي ومنطقي
…
بسلك تآبين عليه تؤلف
أجاوب ورقاء الحمام بشجوها
…
وأغلبها في لوعتي حين أهتف
سأنشد قبرًا حل فيه رثاءه
…
وأعصي عذولًا شاء عن ذاك يصدف
فلهفي لا مداحي عليه تحولت
…
رثاء بها تلك المدامع تنطف
ولكن فما بعد النبي محمدٍ
…
رجاء بقا والخلد لا يتشوف
فما نحن إلا ركب موتٍ إلى البلا
…
صروف الليالي للمنية تقذف
فهذا سبيل العالمين جميعهم
…
فذا لا حق هذا وهذاك يسلف
فيا رب روي الروح في صوب رحمةً
…
فقد كان في الدنيا بها يتعطف
وروحه بالريحان والروح والرضا
…
والحق به في الحشر من فيه يشفف
وأرخّ فقيه العصر حين رثائه
…
قضى عالم الدنيا لمولاي يأزف
وهذه قصيدة رثائية للشاب الفاضل وابن الأكرمين الأفاضل عبد العزيز بن الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ قالها في المترجم:
الدمع من عيني ذو هملان
…
والقلب مملوء بذي الأحزان
والجسم أصبح مستدقًا ناحلًا
…
والنوم حارب مقلتي وجفاني
والليل طال وبدلت نعماؤنا
…
بؤسًا لفقد العالم الرباني
عمر الذي عمر المجالس بالتقى
…
والدرس والتحقيق والعرفان
رب المعارف والحقائق والعلى
…
والحلم والإرشاد والإحسان
ورث المكارم كابرًا عن كابر
…
بنو سليم هم أولو الإتقان
يتقشفون على كثافة قدرهم
…
يتواضعون وهم عظيمو الشأن
من للمجالس في بريدة بعده
…
من للعلوم وسنة العدنان
يا رب فارحمه واسق ضريحه
…
صوبًا من الرضوان والغفران
مولاي ابق لنا إمام الدين ذا التحق ..
…
..... يق ناصر شرعة الرحمن
قمر الدجا رب العلى زين الملا
…
بحر العلوم وترجمان قرآن
شيخ المشايخ سيد العلماء في
…
هذا الزمان بلى وكل زمان
هو والدين والحق يشهد أنني
…
فيما أقول مقصر ببيان
يا رب فاحفظه ومتعنا به
…
يا دائم المعروف والإحسان
وامنن علي ببره ورضائه
…
وكذاك أولادي كذا إخوان
وأفض علينا منه علمًا نافعًا
…
ياسيدي يا منزل الفرقان
وكذاك ابقٍ لنا مشايخنا فهم
…
فينا البدور تضيء للعميان
واغرس لهذا الدين غرسًا واحمه
…
من كيد كل ملددٍ شيطان
ثم الصلاة على الحبيب شفيعنا
…
والأل والأصحاب والأعوان
ماسحَّ ودقُّ أو تغنى منشدًا
…
الدمع من عيني ذو هملان
وهذه مرثية الشيخ الأديب محمد بن عبد العزيز بن هليل للشيخ عمر بن محمد ابن سليم، وهي حسنة جميلة من البسيط:
رضا وصبرًا وحمدًا ليس منحصرًا
…
على قضاء مليكٍ للورى فطرا
سبحانه وتعالى لا مردَّ لما
…
أراده لجميع الخلق قد قهرا
إنا له وإليه أمر مرجعنا
…
وكل شيء فمنه محكم قدرا
مصارع الموت للألباب واعظة
…
في كل حين ترينا الهول والعبرا
لكننا غلبت والله غفلتنا
…
نستغفر الله ربي خير من غفرا
فاليوم ظلت وقد جلت مصيبتنا
…
سحائب الدمع منا تقذف العبرا
على إمام همامٍ عالم علمٍ
…
حبرٍ تقيِ قضي وقد قضى العمرا
في خدمة الدين والتوحيد مجتهدًا
…
عن حسن قصدٍ وقلبٍ بالتقى عمرا
محارب عصب الأشرار قامعهم
…
وللمساجد بالأذكار قد عمرا
مجاهد ناسك إلى المناسك ذي
…
شوق متابعها حجا كذا عمرا
محققٍ فاضلٍ بالعلم ذي عمل
…
موفق السعي أعني شيخنا عمرا
ابن سليم الذي لله قد سلمت
…
له العقيدة في الإسلام واشتهرا
الناشر العلم بالتعليم محتسبًا
…
ملازمًا حضرا لذاك أوسفرا
إليه تضرب أكباد المطي لأخ
…
ذ العلم عنه تجوب السهل والوعرا
القائم الليل للرحمن نافلةً
…
مرتلًا خاشعًا لربه السورا
ينهى عن المنكر والآثام يأمر بالمـ .... ـروف من بعدما بفعله ائتمرا
فنور الله قبرًا حله كرمًا
…
وجاده صيب الرضوان منهمرا
وفقد أهل التقى والعلم سادتنا
…
رزيه تورث النقصان والضررا
فنحن في زمنٍ زادت مصائبه
…
والخير أصبح من تحت الثرى قبرا
فالعلم يرفع والجهل المضرطما
…
بحرٌ له ظلٌ فيه المرء منغمرا
ورفعه بممات الحاملين له
…
قد جاء ذلك فيما قد روى خبرا
عن النبي عليه الله خالقنا
…
صلي وسلم ما نجم بدا وسرا
والآل والصحب أهل الصدق أجمعهم
…
والتابعين ومن للدين قد نصرا
وقال السيد علي السنوسي قاضي جيزان السابق هذه المرثية البديعة في شيخنا المترجم، وهي من بحر الطويل:
أحقًا توفى في ريا النجد عالمٌ
…
وضمته أقطار الثرى والمعالم
نعم عمر الفاروق ابن محمدٍ
…
توفى فما حيٌ سوى الحق دائم
فكم أمم قد أصرع الموت قبله
…
فلم تغنٍ عنهم دورهم والعواصم
وآثارهم ما بين شرق ومغربٍ
…
لنا عبرة منها حصيد وقائم
فكيف بقاء الفرع والأصل ذاهبٌ
…
بما قد مضى من أعصر فهو أدهم
ونعلم أن الموت حق وإنما
…
لنا أملٌ في فسحة العمر هائم
ويغتر في غصن الشباب أخو الهوى
…
وينسى لما تجنى عليه الجرائم
ولا يرعوي فيما يرى من مصارعٍ
…
لأقرانه حتى يفاجيه هاجم
فلا أسف أن مات يومًا فإنَّه
…
كما عاش في الدنيا تعيش البهائم
ولكن يموت العلم في موت أهله
…
ويقبض حتى يعوز الناس عالم
وما موت فاروق الزمان بعلمه
…
سوى فزعٌ ترتج منه العواصم
ولما أتاني نعيه رجفت بي
…
الأرض وانسدت بقلي المناسم
وأوجب لي فيه المصاب لدهشةٍ
…
عرتني إنكاماتها وأنا واجم
فلا تعجبوا أن غاب فكري
…
بمن شط عني في ربى النجد حائم
وصرت إذا ما رحت أرثيه حائرًا
…
من المدمع السيال والطرف ساجم
وانفض كفي من تشوش فكرتي
…
أفي يقظةٍ لم أدرِ أم أنا حالم
وتبت يدا موت رمته فأقصدت
…
على أنه ابن العلا وهو خادم
بكى النجد من حزنٍ عليه وأغلقت
…
على موته أسواقه والمحاكم
وقد لبست ثوب الحداد تفجعًا
…
عليه السماء والأرض والجو قاتم
فمن للفتاوى بعده من محررٍ
…
لأقلامه فيها تسرح مراسم
ويوردها في الحال دون توقفٍ
…
على رقةٍ تغتار منها النسائم
قضى العمر في نشر العلوم وحكمةٍ
…
بديعية تهوى حلاها المباسم
وإن رام إظهار الخمول ليتقي
…
به حاسدًا تأبى عليه الشكائم
يفوح عبير المسك وهو مختم
…
ويسري برياه الدجى وهو كاتم
وكان وقورًا بالجلال إذا اجتنى
…
لفصل القضاء لم يرفع الصوت ظالم
ويطرق كل رأسه في تأدب
…
بدون انقباضٍ حوله وهو باسم
وكان على سمت الصلاح شعاره
…
بقلبٍ خوى فيه التقى والقوادم
وقد فقدت في موته كوكب الهدى
…
عريب النقا يوم القضا والأعاجم
وجاوز أهل العلم والفضل والتقى
…
إلى رتبةٍ قد أعجزت من يزاحم
وقد كان يقضي حيث يمضي محررًا
…
لأحكامه لا يعتريه التساؤم
ويقضي على ما عنده غير باحث
…
بتفتيشه كتبًا كمن هو واهم
ويوحي إليه القلب ما يستمده
…
لسانٌ فصيحٌ كلما سل صارم
وغالطنا هذا الزمان الذي به
…
تساوى أخو الجهل ومن هو عالم
فلم نرَ فرقًا بين قاضٍ وغيره
…
وقد كثرت فوق الرؤوس القمائم
ولولا إمام الحق عاهل يعرب
…
بتوفيق رب العرش بالحق قائم
لأصبح علمٌ في الحضيض وأهله
…
لكثرة من في صرحه اليوم هادم
وبث رجال العلم في كل بلدةٍ
…
وقد نهضت بالنابغين العواصم
ولا سيما جازان مركز عدله
…
وأنعامه فيمن تضم التهائم
وكافأه الرحمن عنا بمثل ما
…
أجاز به من للنبيين خاتم
وأيده في دولةٍ عربيةٍ
…
قواعدها دين الهدى والدعائم
وأنجاله والرافلين بظله
…
على نعم خطت ثراها المكارم
ومن مرثية الشيخ عمر بن صالح الوسيدي في شيخنا المترجم نذكر أبياتًا:
فلا خير في الدنيا وهذه حالها
…
تقضت سريعًا آذنت التناقل
وهذا زمانٌ قد أبيد خياره
…
كسلك نظام فاضلًا بعد فاضل
ومفضول هذا الناس أصبح فاضلًا
…
وفاضلنا قد صار تحت الجنادل
هو الشيخ من سمي بفاروق وقتنا
…
سمي أبي حفص كثير الفضائل
سلالة آل من سليم أطاهر
…
تقيًا نقيًا ناسكًا غير كاسل
تبحر في فن العلوم جميعها
…
يقررها في الناس بين المحافل
أصولًا وفقهًا والفرائض بعدها
…
علوم الحديث عالم بالدلائل
كذلك نحو والحساب وغيره
…
خبير بتدقيقها والجلائل
فكم بدعةٍ شنعًا أزال ظلامها
…
وكم سنة أحيا بها موت جاهل
مجالسه معمورة كل لحظةٍ
…
بليل نهار في الضحى والأصائل
وينتابها الطلاب من كل وجهةٍ
…
فكم باحث فيها وتال وسائل
فوا لهف نفسي من رسوم قد انمحت
…
وأقفرت منا رياض المسائل
سقتها رياحٌ للشمال وبعدها
…
رياح جنوب والصبا والمقابل
فواحر قلبي ويا عظم حسرتي
…
تفتت كبدي بل وهاجت بلابل
أقلب جسمي في الفراش كأنني
…
لديغ بسم من أفاع قواتل
فكيف يطيب العيش من بعد شيخنا
…
وكيف لنا نستمتعن بالحلائل
فيا عين جودي من الدمع واسكي
…
دموعًا غزارًا كالسحاب الهواطل
وبعد الدموع بالدماء فبادري
…
وبعد الدما نفسٌ تفيض بعاجل
كذاك السماء تبكي على كل مؤمنٍ
…
برفع أعمال من صعود ونازل
وقد أصلحنا ما تكسر من هذه الأبيات وحذفنا أول القصيدة وآخرها لعدم الاستقامة، ولما كان بعد وفاة الشيخ الفاضل عمر بن محمد بن سليم جاء إلى الشيخ المفتي محمد بن إبراهيم آل الشيخ أحد تلامذته يحمل إليه نبأ وفاة قاضي بريدة الشيخ عمر بن محمد، فاسترجع الشيخ محمد، وبعد قليل قال له ذلك التلميذ: وأيضًا توفى فلان لكاتب من كتاب الدوائر، فتنفس الشيخ محمد الصعداء وأمر أحد بنيه أن يكتب هذه الأبيات رثاء للشيخ عمر رحمه الله تعالى:
إن المصيبة حقًا فقدنا عمرًا
…
أعظم بميتته رزء بنا كبرًا
قطب القصيم وما دون القصيم وما
…
خلف القصيم وما جرى القصيم جرا
عليه دار الهدى والحق بيته
…
كان الحياة وكان السمع والبصرا
ارزقه يا ربنا عفوًا ومغفرةً
…
واجبر مصيبتنا يا خير من جبرا
وقد رثاه الشيخ عثمان بن أحمد بن بشر وغيره بمراثي كثيرة تركناها لأن غالبها لم يتزن، ونكتفي بما تقدم، ودفن في المقبرة الجنوبية، وقد خلف أموالًا كثيرة من أراضي وضيعات ونحوها.
ولما توفى الشيخ عمر وانتقل إلى رحمة الله اجتمع الأعيان والرؤساء وطفقوا يبحثون في مسألة قضاء بريدة ومن يكون خلفًا للشيخ، ومن يصلح لذلك، ومن لا يصلح، حتى وقع السهم على الشيخ محمد بن مقبل قاضي البكيرية بصفته عالمًا عاقلًا ذا أصل ودين وبصيرة، وذا تجربة، غير أنه كان كبير السن ويشق عليه تحمل أعباء المسألة، ورفعوا إلى صاحب الجلالة يطلبون تنصيبه وأنهم يرتضونه، فبعث إليه الملك عبد العزيز أمرًا بأن يقوم بقضاء بريدة، وأعلمهم بذلك فذهب الأعيان إليه مباشرةً يستحثونه على القدوم فاعتذر بكبر السن ورقة العظم، وبكى أمامهم
بعدم الاستطاعة، فصار قضاء بريدة نيابةً إلى أن يوجد قاضٍ لها، وحصل بسبب ذلك اختلاف بين من يقول هذا وذاك حتى وقع الاختيار على الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، فهو الذي يقوم بالقضاء والتدريس ويسد مقام ابن سليم، وبما أن الشيخ عبد العزيز كان في قضاء الخرج فقد أجابهم الملك بأنه في عمل كبير هناك، وعرض جلالته بالشيخ عبد الله بن محمد بن حميد مشيرًا بأن يكون خلفًا من القاضي الراحل، وجرى ما سنذكره فيما بعد.
وممن توفى فيها من الأعيان: سليمان بن محمد بن عمر آل سليم ابن عم شيخنا، وكان رجلًا طوالًا نبيهًا فطينًا وله خبرة بالأمور الدينية والدنيوية، وذا شهامة وقوة ذاكرة.
وممن توفى فيها أيضًا: عبد الله بن عبد العزيز بن صعب، كان حفيد الشيخ صعب، وأخًا للشيخ عبد الرحمن آل صعب آل تويجري، والمذكور محبوب عند الناس، وتال لكتاب الله، وكان من سكان بريدة، وقد يسكن في السباخ النخيل الذي يبلغ بعده في التقدير عن البلد بكيلوين، وفيه مكارم أخلاق ورجولة، وكان موته بداء الغاشية في جوفه، المرض المعروف، ودفن إلى جانب الشيخ عمر.
وختمت هذه السنة بهطول أمطار على سائر نواحي المملكة العربية السعودية، وحج بالناس صاحب الجلالة عبد العزيز بن عبد الرحمن، ولما قدم مكة استقبل استقبالًا عظيمًا وأطلقت المدافع التحية، وأطلقت الألسن في مدحه والثناء عليه نظمًا ونثرًا، وتبارى الشعراء بالقصيد، ومن أراد الاطلاع على ذلك فليراجع جريدة أم القرى.
وفي هذه السنة ابتداء به. طلاق مدفعين للإعلام بطلوع الفجر وزوال الشمس، وكان لذلك أحسن الوضع في مزدلفة ومنى تيسير للناس لأن بعض الحجاج من يرمي قبل الزوال ويصلي قبل طلوع الفجر، فمراعاة للأمة أحدثت الحكومة هذا المشروع.
وفي هذه السنة حج أناس من المعجم إيرانيين رفضة فكان منهم من لا