الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجواب الملكي:
من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل إلى جناب المكرم السيد صالح شطا وإخوانه أعضاء مجلس الشوري حفظكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فقد تلقينا كتابكم المؤرخ في 25/ 12/ 1366 هـ والمتضمن قرار مجلس الشوري بشأن قضية فلسطين، فنحن نشكركم على ذلك ونقدر غيرتكم ومساعيكم الطيبة، ونحن كما تعهدون لم ندخر جهدًا في هذا السبيل، نسأل الله أن يقدر ما فيه الخير والسلام.
عبد العزيز
ولقد هاج الشعب وماج وقصد نوابه أعضاء مجلس الشورى القصر الملكي في مكة، حيث قابلوا صاحب السمو الملكي ولي العهد سعود وعرضوا استعداد الأمة لبذل النفس والنفيس تحت اللواء السعودي لإنقاذ فلسطين، فألقي سعود هذه الكلمة:
إننا مهتمون بقضية فلسطين أكثر من كل أحد، ونحن جادون في إنقاذها بحكمة بالغة، وهمة نادرة، وقد تعودنا العمل بصمت، وأن تكون أعمالنا أكثر من أقوالنا، كما تشهد بذلك سيرتنا متاسين في هذه الخطبة بالسلف الصالح، وبمقتضي قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)} [الصف: 2]، وأؤكد لكم أننا لا نود أن نكلف أحدًا من سكان هذه البلاد المقدسة بشيء، واننا مستعدون لإنقاذ فلسطين بأموالنا وأنفسنا متكلين علي الله الذي نستمد العون منه وحده.
الجهاد بالنفس والمال لإنقاذ فلسطين
لقد عقد مجلس في دار الوزير عبد الله بن سليمان مساء يوم السبت 23 محرم، دير إليه الوجهاء والأعيان من الحجاز بعد صلاة المغرب، فخطب الوزير بتوفيق ولي العهد، وأنه لم يكلف الناس خصوصًا البلاد المقدسة، ثم شرع في الموضوع نفسه مشنعًا علي اليهود، وأنهم لا يريدون فلسطين وحدها وإنما يريدون البلاد
العربية جميعها، وذكر أنهم يرمون يخطوتهم هذه إلى المواطن التي نزحوا اليها قبل الإسلام للتوطن، ثم أخرجهم الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، حتى جاء عمر فلم يبقِ منهم أحدً، إنهم يريدون إخراج العرب من مواطنهم، وسيضحون في سبيل ذلك.
ثم تكلم بعده بعض الخطباء، ثم إنه وقف محمد شطا مدير الإذاعة السعودية التي تأسست في السنة التي قبل هذه فخطب خطبةً بليغة استجاش بها الهمم، وأثار الحمية حتى سكبت الدموع من المحاجر، وباحت بما تكنه الضمائر فقال:
لقد جاءكم خبر فلسطين، لقد أتاكم نبأ ذلك الوطن الحزين، وقد زحف اليهود عليه من الأرض والسماء وساموا أهله أنواع البغي والاعتداء، ذلك الوطن الجريح وفلسطين الدامية التي صدر عليها بالأمس حكم الفئة الباغية بأن يقطعوا أوصالها ويفرقوا أجزاءها، ويمنحوا اليهود منها المروج الخضراء والجنان الفيحاء، ويتركوا للعرب القفار الصماء والجبال الجرداء، ناصروا أذل الأمم وأحط الشعوب، وأقاموا لليهود دولة، وقد ضرب الله عليهم المسكنة والذلة فامتهنوا العرب في ديارهم، والمسلمين في أرضهم وأوطانهم، فواذلاه يا أبناء العرب، واذلاه يا فوارس محمد بن عبد الله، واذلاه يا حماة الدين، واذلاه يا أنصار العروبة وقادة المسلمين.
هذه صرخات فلسطين، وهذه أنات العرب المفجوعين فجعوا في أوطانهم، وفجعوا في دينهم وإيمانهم، فجعوا في نساءهم وأعراضهم.
وإني لكأني أنظر الساعة إلى المرأة العربية وقد سقط أبناؤها مضرجين بدمائهم في سبيل الشرف، يحاول اليهود الفتك بعرضها فتناضل وتدافع وتجاهد وتكافح ثم تسقط صريعة الشرف شهيدة الكرامة.
وإني لكأني أنظر الساعة إلى القوافل من العوائل العربية يسوقها العلوج والأولاد يخرجونهم من ديارهم وأراضيهم ليحتلوها ويطردونهم من مواطن آبائهم وأجدادهم، ليغتصبوها وليسلبوهم مواريث أمجادهم ليمتهنوها، فيا لهول الفاجعة، ويا لفداحة النكبة، ويالعظم المصيبة، وأطال ثم إنه جعل يصرخ ويصيح فيقول:
ابن الشهامة العربية، أين النجدة الإسلامية، أين الغيرة والحمية، حتى أبكى
السامعين واستجاش الحاضرين، فتأثروا من كلامه، ثم إنه قام شاعر جلالة الملك وعضو مجلس الشعب الأستاذ أحمد بن إبراهيم الغزاوي فألقي قصيدة مهيجة، وكان هو الذي أخذه أول الموقف فأعلن تبرعه بألفي ريال، ثم إنه قام حسن شربتلي فأعلن تبرعه بمائتي ألف ريال باسمه، وخمسة وعشرين ألف ريال باسم عائلته، وأعلن صدقه الكعكي تبرعه بمائتين وخمسين ألفًا من الفضة، وتألفت لجان في الرياض والإحساء وغيرها، فبلغت التبرعات في أول وهلة مليونين وثلاثمائة ألف وواحد وتسعين ألفًا تزيد مئات، حتى تبرع النساء بحليهن، وهكذا اندفعت التبرعات سيلًا، وأسرعت اللجنة العليا بتحويل أول دفعة إلى مجلس جامعة الدول العربية، وذلك في أوائل ربيع الأول من هذه السنة، ودفعت اللجنة أخرى في أواخر جمادى الأولى.
ولقد نشرت جرائد البلاد العربية وصحفها فظائع اليهود، وخرجوا عليهم وأعلنوا طردهم، وأصدرت رئاسة القضاء في المملكة العربية السعودية فتوي شرعية بتاريخ 27 محرم بوجوب الجهاد علي جميع المسلمين ضد اليهود المعتدين.
وكثرت التبرعات بالسيارات والأرزاق، وأخذ المتطوعون من كافة أنحاء المملكة والممالك العربية الأخرى يسارعون للسفر إلى فلسطين، وقد ذهب أولئك الجاهدون الأبطال وانضموا إلى فرقة اليرموك فكونوا الأغلبية الساحقة فيها بنسبة 80 في المائة، وقامت هذه الفرقة بواجبها الديني ببطولة فائقة أقضت مضجع اليهود وأفسدت خططهم، حتى تمركزوا في أهم المراكز المنيعة وسيطروا علي أغلب المواقع الإستراتيجية بمهارة وشجاعة نادرة.
ولما كان في 6 رجب صدر بلاغ في مكة المكرمة رسمي رقم 120 ينص على تأييد جلالة الملك التام لجميع ما اتخذ من قرارات للدفاع عن فلسطين متضامنًا والاحتفاظ بعروبتها ووحدتها واستقلالها، وإقرار الأمن والسلام في ربوعها، وإن جلالته قرر اشتراك المملكة العربية السعودية مع شقيقاتها في الدفاع عسكريًا عن فلسطين متضامنًا مع الدول العربية إلى أن تظفر فلسطين بحقها وعروبتها بحول الله مهما طال الأمل.
وكانت بريطانيا قد أعلنت في 5 رجب أنها ستنسحب من فلسطين فنشطت المنظمات اليهودية في فلسطين، ولما أن قال الخطيب الأول في مجلس العموم البريطاني أنه لا يمكن أن نعرض أبناءنا للاغتيال والقتل على حساب الغير انتقد حكومة العمال، واستفسر عن سبب بقاء الجنود الإنكليز في فلسطين، وطالب بسحب الجنود البريطانيين حالًا عن فلسطين، فانتهى الانتداب البريطاني على فلسطين وانسحب الجيش البريطاني منها في يوم السبت 7 رجب، ولما أعلنت بريطانيا انتهاء انتدابها على فلسطين أعلن اليهود من تل أبيب قيام دولتهم إسرائيل، ومن العجائب مبادرة أمريكا بالاعتراف بها فإنه لم يمضِ على إعلان اليهود بقيام دولة إسرائيل ست عشرة دقيقة حتى اعترفت بها.
ولقد تعصب رئيس أمريكا ترومان اليهودي لليهود ولم يرع للعرب حقًا.
ولما تدفقت الجيوش العربية على فلسطين اشترط صاحب الجلالة عبد العزيز ابن السعود ملك المملكة العربية السعودية أن لا يحارب جيشه إلا إلى جانب مصر وعن طريق مصر لا عن طريق شرق الأردن، وذلك لتوتر العلاقات بينه وبين الشريف عبد الله بن الحسن، فأرسلت بعض وحدات الجيش النظامي من المملكة العربية السعودية بمعداتها الخفيفة بالطائرات بقيادة العقيد سعيد بك الكردي، ووكيل القائد عبد الله بن نامي، مع هيئة أركان الحرب إلى مصر، ولحقت بها السرايا الثقيلة بالبواخر إلى ميناء السويس، وساهمت بألف طن من المحروقات، ثم تحرك الجميع مع الجيش المصري إلى ميدان القتال في فلسطين، وهناك أطبقت جيوش الدول العربية باليهود وأحاطوا بهم من كل جانب، حتى أشرفوا على مدينة تل أبيب، وتقدمت فرق المتطوعين وأبلوا بلًاء حسنًا، واستشهد في ميدان الشرف كثير من زهرة رجال العرب، وفي مقدمتهم القائد العظيم عبد القادر الحسيني، وبالرغم من ذلك فإن العرب أشرفوا في الجبهة الداخلية على القدس، واحتل بعضهم طولكرم قريبًا من الساحل، وأصبحت نهاية اليهود وشيكة، فقامت أمريكا وحملت مجلس الأمن على إصدار قرار بوقف القتال لمدة شهر، وقرر أنصار اليهود انتداب