الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الاضطرابات والمشاغبات بين الحكومة اليمنية والحكومة السعودية
لقد كان من المعلوم أن الإمام يحيى له أطماع سولت له ضم مستعمرات ليست له، كما أنه أخطأ في إيوائه الأدارسة، وقد بعث إليه ابن سعود جوابًا على برقياته خمس برقيات، قال في الخامسة منها ما نصه:
ذكر الأخ من قبل مسألة الإدريسي يطمننا أنه لا يعمل شيئًا ضدنا، أخي نحن ما اشتكينا عليكم من الإدريسي خوفًا من سنانه وعنانه، وهو بحمد الله وقوته أصغر وأقل من ذلك، وقد أخرجه الله من بلاده وقبائله بغدره وكذبه وذلك بثلاثمائة من جنود المسلمين إلى أن تكاملت جنود المسلمين وأجرى الله ما أجرى، ولكن راجعناكم بشأنه لأن المعاهدة التي بيننا وبينكم تنص نصًا صريحًا على وجوب تسليم الإدريسي وأجناسه، وقد تركنا المطالبة به لأمرين:
الأول: إكرامًا لكم وإجلالًا.
والثاني: مخافة أن يقع شقاق بيننا وبينكم، ونرى أن المصلحة واحدة، أما الآن فقد تبين أن بقاءه في ذلك الطرف مشكل، فالعدو يحسب بقاءه في ذلك لمقاصد تحريك الفتن، والصديق يرى أن ذلك ينافي الصداقة بيننا وبينكم، على أن الإدريسي لم يقصر هذه الأيام في حركاته وإفساداته، فقد أرسل لبعض الأوباش من العبادل بعض دراهم وأشاع بينهم أن مندوبه أحمد الأهدل وصل إليكم وأنكم أجبتموه بوصول الأهدل لناديكم، وأن المراجعة تكون بينكم وبينه، وأنكم أجبتموه بتشجيع الناس على الفتنة، وكذلك إذنًا به من مثيري الفتنة لم ينقطعوا بين مصوع واللحية والحديدة باسم التجارة، ويتصلون به ثم ينشرون في الصحف ما اطلعتم عليه من أكاذيبه وافتراءاته، فماذا تريدون أن يكون موقفنا إزاء هذا؟ هل نقف ونترك الحبل على الغارب، وهذا غير ممكن، أو نجزم أمرنا، فإذا جزمنا أمرنا فكافينا صاحب الفعل الجميل بجميله، وصاحب الشر بشره، انتقض ما قد اجتهدنا فيه نحن،
وأنتم من حب السكون والعفو، وأنه لا بد أن نجازي كل من يبدي منه أي بادرة شر بنا يحب أن تقتل النفوس وتؤخذ الأموال، فهل يرى الأخ أن هذه طريقة حسنة يؤخذ خاطر الإدريسي لأجله وتقتل النفوس، وأنتم تحضوننا أيضًا على ذلك، ليس من الصواب ولا الإنصاف، وإني لا أكتم الأخ وأعرفه بالصراحة أننا عملنا الحزم والاستعداد للطوارئ في المقاطعة إن شاء الله، وأصدرنا الأوامر أن كل من ظهر منه نقض للعهد بعد العفو أن يعامل كما قال الله تعالى في كتابه:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33]، فإن كان الأخ يرى هذا فنحن قد عملناه ويعذرنا فيما نجريه، وإن كان يرى الأخ غير هذا وهو المأمول فيه فيجب إبعاد المفسد حتى يستريح المسلم الذي يحب العافية وييأس صاحب الفساد، وهذا ظننا بالأخ، وهذا ما نرى أن العهد والصداقة التي بيننا تقضي به، وقد أحببنا إعلام الأخ بهذا لنعلم رأيه في قطع دابر المفسد، وأن نكون معذورين عند الله ثم عند خلقه بما نجريه على الجاني.
ولما بلغ ذلك يحيى أجاب بثلاث برقيات يظهر فيها الجميل، وقال في أثناء الثانية منها:
ليس المانع لنا عما أشرتم إليه إلّا نفورنا عن تجزئة اليمن، ومثل هذا المانع منذ عشرين سنة لإكمال معاهدة بيننا وبين الحكومة البريطانية لإرادتها تقرير الحدود في تلك الأراضي الجنوبية، ولا نساعد إلى ذلك، ثم قال كلامًا ما معناه أنه يتأخر الخوض في تلك الأراضي الجنوبية، ويتأخر البت وتكون المراجعة في مدة المعاهدة، هذا وقد وافقنا على أن تبقى الحالة بيننا وبين حضرتكم كما هي عليه لأننا غير متربصين أمر غير غلط الجفر. . الخ.
ثم إنها ظهرت جيوش الإمام يحيى في نجران وأخذت شكلًا جديدًا معينًا من إحراق القرى والاعتداء على الأهالي والتوغل في أطراف البلاد، وإعمال السيف والنار في الأبرياء والآمنين.
وكذلك حدثت مراسلات عديدة من اليمن إلى بعض رجال القبائل في حدود
المملكة العربية السعودية من جهة تهامة وعسير للتحريض على الفتنة، والحض على الالتحاق باليمن، وثبت مع ذلك أيضًا وصول بعض الجواسيس والدعاة إلى بعض القبائل لتحريضها على القيام بأعمال الفساد.
فلما أضرم يحيى نار الفتنة والحركة واندلعت نيرانها تنذر بالشر والويل، عند ذلك أصدر جلالة الملك عبد العزيز أوامره إلى بعض القوات من جنده بالتوجه إلى الحدود، والمرابطة على مقربة منها، واتخاذ التدابير اللازمة للدفاع عن البلاد عن وقوع مفاجئات أو مباغتات غير منتظرة من وراء الحدود، وعَّين صاحب الجلالة ابن أخيه فيصل بن سعد بن عبد الرحمن وجعله قائدًا عامًا للجند السعودي، وكان قائدًا حربيًا قويًا وثابًا، واسع الحيلة، بارع القيادة، منصور اللواء، يخوض المعارك والحروب بنفسه، ولا يقنع بالدون، فيري الأعداء بطولته وشجاعته التي تذوب أمامها الشجعان المغاوير، ويهزمون أمام هجماته وصدماته، ولا يطيقون الصبر اتجاه سيفه الذي يفلق الهام ويطيح الرؤوس، وقد أبلى في الحرب اليمانية هذه بلاءً حسنًا، وكان تحت قيادته 7000 مقاتل، فعسكر فيصل بن سعد بخميس مشيط، ومكث ستة أشهر، فقام هذا الجيش العرمرم بواجب المحافظة على الحدود، كل هذا لأجل الطمأنينة للرعايا ومنعًا عن اصطدام يقع بين القوات من جهة أخرى، ولما أن وصل الوفد العربي السعودي إلى الرياض قادمًا من صنعاء، وهذا في أواخر جمادى الثانية من هذه السنة أذاعوا ما حصل بينهم وبين الإمام يحيى ومندوبيه، وباحوا بما كانوا عليه من الدسائس السيئة والمماطلة القبيحة، وبلغوها على الحقيقة، وكان من كلام الوفد لصاحب الجلالة:
قد رأينا الإمام يحيى غير صافي النية من جهة جلالتكم بصورة غير مأمولة من ملك عربي مسلم نحو بلاد عربية إسلامية مجاورة له، إلى أن قال الوفد: وقد أدهشنا وأيم الحق هذا الشعور العدائي الذي لم نكن نتوقعه من مسلم عربي، وقد عجزنا عن ذلك العداء الكامن بالرغم من أنه من الممكن حمله على محمل العقيدة الزيدية من جهة، والطموح والحسد الشخصي لجلالتكم من جهة أخرى، إن الإمام يحيى