الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في خدمة هذه الأمة العربية الإسلامية والسير بها في طريق الفلاح والرشاد على ما كان عليه السلف الصالح، وإني أشكر الشعب الحجازي لما أبداه من الحب والإخلاص والثقة، وأرجو الوفد أن يبلغ عني شكري، ثم دعا له الحاضرون والغائبون بالنصر والتمكين.
ذكر وفاة ملك العراق
لما كان في الساعة الثانية عشرة تزيد خمس دقائق من ليلة الجمعة 19 جمادة 1352 هـ فاضت روحه، وكان في فندق بلغي من برن سويسرا حيث كان يستشفي على أثر نوبة قلبية لم تمهله؛ فلما كان في صباح الغد قصد رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني وياسين باشا الهاشمي وزير المالية ومعهما وزير الدفاع ووزير المعارف وغيرهم إلى قصر الحريم فقابلوا نجله غازي، وهذه ترجمة الملك المتوفى:
هو فيصل بن الحسين بن علي بن محمد بن عبد المعين بن عون بن محسن بن عبد الله بن حسين بن عبد الله بن حسن بن أبي نمي بن بركات بن محمد بن بركات بن حسين بن علي بن عجلان بن رشيد بن أبي نمي بن حسن بن علي بن قتادة، أول الأمراء في مكة، بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد الثائر بن موسى بن عبد الله بن محمد الثائر بن يونس بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب، وتقدم ذكر ولادته والتعريف بوالدته، كان فيصل بن الحسين والحق يقال أدهى إخوته وأنبلهم، بل إنه كان أدهى من أبيه وأخيه عبد الله، وكان يمتاز بالبر لأهله والصلة، ولا يزال يعامل شقيقه الملك عليًا لما حل عنده ضيفًا في العراق نفس المعاملة التي كان يعامله بها حينما كان في الحجاز، فلا يتقدم عليه، ولما زار والده الحسين في قبرص جلس متادبًا بين يديه، كما كان يجلس وهو فتى، وكان رزينًا منذ صغره واسع الصدر، جم النشاط، طويل القامة منتصبها، حنطي اللون، أشهل
العينين براقهما جذاب الملامح، طويل الوجه، ذا لحية صغيرة، وخطها الشيب، ويغلب عليه التواضع، وتزينه المهابة والوقار، يفضل اللين على الشدة، ويحرص على استمالة خصومه، ويأبى أخذهم بالقسوة، ويميل إلى الصبر، ويحب الأسفار وكثرة الحركة والتجول، أضف إلى ذلك جودًا وكرمًا؛ وقد سافر لزيارة أوربا ثماني مرات، وزار أنقرة وحل ضيفًا على الغازي مصطفى كمال، وزار فلسطين ومصر وشرقي الأردن، وكان لما بلغ ست سنين أرسله والده إلى قرية رحاب ليتطبع بطابع البداوة، وينشأ على الكر والفر ويركب الخيل والإبل، فلبث ست سنين ثم بعث إلى مكة، وجيء له بمعلمين، غير أنه لم يطل مقامه فيها بل غادرها إلى الأستانة في رفقة والده بعد إقامته سنتين، ولما تولى والده إمارة مكة عاد إلى الحجاز وظهرت رجولته ومواهبه فأدناه والده وولاه قيادة السرايا، وكلان موفقًا وشجاعًا فأحبته العرب، والعرب تحب الشجاعة، وقد مرَّ بقية ترجمته في كتابنا هذا.
ولما توفاه الله تعالى وقابل رجال الدولة المتقدم ذكرهم نجله الأمير غازي وجدوه يذرف منه الدمع سخينًا فعزوه، ثم طلبوا إليه أن يقسم اليمين الدستوري "وهذه اليمين يقسمها الملك أمام مجلس النواب والأعيان للمحافظة على الدستور واستقلال البلاد والإخلاص للوطن" وبعدما أقسمها أعلن رئيس الوزراء تتويجه ملكًا على العراق وأطلقت حينئذ المدافع مائة طلقة وطلقة إيذانًا بجلوس الملك الجديد، ثم أذيع البلاغ الرسمي الآتي:
جرى تحليف سمو ولي العهد في الساعة 10 من هذا اليوم 19 جمادى الأولى 1352 هـ و 8 سبتمبر أيلول 1933 م، وفقًا للمادة الحادية والعشرين من القانون الأساسي الدستوري، وأصبح متوجًا ملكًا على العراق باسم الملك غازي الأول بن الملك فيصل الأول، وكانت ولادة غازي في مكة المكرمة حينما كان والده يقود حملة أبها لتأديب السيد محمد بن علي الإدريسي في عسير فسمي غازي تيمنًا بغزو أبيه.