الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فباشر عمله، ونقل الشيخ ابن زاحم، والشيخ الذي يدعى محمد الخيال إلى القضاء في المدينة المنورة.
وفيها عين الشيخ عبد الله بن عودة السعوي قاضيًا في جيزان فسارع إلى مباشرة عمله هناك.
وزارة الدفاع
في هذه السنة عين الأمير منصور بن جلالة الملك وزير للدفاع ومفتشًا للأمور العسكرية، وألغيت وكالة الدفاع ونشر البلاغ الرسمي المصادر بنص الإرادة الملكية، ولما كان في غاية ذي القعدة وغرة ذي الحجة هطلت أمطار غزيرة على مكة، وفي اليوم الثاني هطلت أمطار والناس في صلاة الجمعة، ووافق لذلك ظلمة وعظم وقع المطر حتى تشوش المصلون وازدحموا ازدحامًا شديدًا فلم يسمع التكبير، واختلط الحابل بالنابل وتقدموا من جهة الإمام وهم لا يشعرون، وحج بالمسلمين صاحب السمو الملكي النائب العام فيصل بن الملك، لأن الملك لم يحج هذا العام، وممن حج من الأعيان الشيخ العالم العلامة عبد الله بن عبد العزيز العنقري، وقد شاهدته في الطواف فرأيته شيخًا كبيرًا متهدم الأركان، ناحل الجسم، وبصره ضعيف، وحج أيضًا الشيخ الفاضل محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والشيخ ابن زاحم، والشيخ محمد الخيال، وحج من الأعيان أيضًا أمير جيزان خالد السديري، وأمير الحدود الشمالية عبد العزيز السديري، وممن حج فيها الشيخ عبد الله بن علي القصيمي النجدي ساكن مصر، وكان لم يظهر ردته عن الإسلام في هذه السنة، نسأل الله العافية، وحججنا في هذه السنة حجتنا الخامسة، وقد رأينا في هذه السنة عجائب وكلها في الحج وسفره.
فمنها أننا لما بلغنا إلى عشيرة ونزلنا تحت تلك الأشجار المظلة حوالي الآبار، ووافق نزولنا وقت الهاجرة في ساعة كنا بحاجة إلى الراحة والنوم فيا لمشاق السفر، ولأن الأمة في حاجة إلى الهدوء والسعي لمرمة الجهاز إذا بصوت
امرأة تستغيث استغاثة احتراق وتصرخ بويلها وثبورها، وهناك خصومة تسمع الأصوات ولا نرى إلا الأشجار لكثرتها في ذلك الموضع، ولما أن أنصتنا مستمعين إلى صوت المرأة إذا بها تقول باعلى صوتها: يا معشر المسلمين، ويا حجاج بيت الله، ألا تنصرون مظلومًا، ألا تأخذون حق الضعيف، وتردد ذلك بصوت شجي يقلق الراحة ويبعث على النجدة، فرأى أصحابنا عدم الدخول في شأنهم وتركهم لأنهم في موضع الشيابين الذي يهون عليهم القتل والسلب، غير أن تلك الاستغاثة تستجيش وتحرك الساكنات، فلا يقر القرار لصاحب أنفة أن يسمعها إلا يقوم للنجدة وحل النزاع:
إليكم عباد الله صرخة صارخ
…
يرن صداها في تخوم السياسب
تجاوبها الأحجار والأرض والسما
…
بكاء حزين قد دهي بالمصائب
أما فيكمو من يرتجي لمرزء
…
حريق فؤاد من هموم نواكب
فيا ويح مقهور بقتل حبيبه
…
وعيناه في مرأى قريبٍ لنادب
أحجاج بيت الله فكوا لمسلمٍ
…
أحاط به أعدائه فعل خائب
على رأسه الأعداء تفري أيمه
…
بعضب يمان دامغٌ في المضارب
وقد حيل بيني أن أنال فكاكه
…
فيا ويل مقهورٍ غاضه كل غالب
فإن لم تجيبوا غوثنا وتسارعوا
…
فعما قريب موته بالمعاطب
فطلبت من أصحابنا النظر في المسألة، غير أني لم أتمالك أن قمت من بينهم وسمحت بعدم المساعدة منهم، ولما رأوا تصميمي لم يسعهم إلى أن يمشوا أمامي نحو الصياح، ولما أن قربنا منهم إذا محفل لا يقل عدده عن أربعين رجلًا من بينهم شاب قائم على رأسه صاحبه وهو شاب مثله وقد علاه بالخنجر يطعنه في ظهره وكاهله وكتفه الأيسر، وقد وطئ برجله اليسرى على صفحة عنقه، وكانت أم المغلوب على قدر ثلاثة أمتار وقد شد أحد الحاضرين يديها إلى ظهرها وأمسكها عن ابنها فكانت على هذه الصفة وحظها الصياح، وأولئك الحاضرون يتفكهون على تلك الدماء التي تجري كالمرازيب، فعجبت لنلك القسوة وتقدم أصحابنا إليهم، فقام الخبيث قد انتضى خنجره يتهدد ويتوعد فلم يتقدم أحد، وأحجم القوم لهذا المنظر
البشع وخشيةً من الفوضى فلم أعبأ بتهديداته، فلما رأى ذلك فرّ عن صاحبه وفرَّ الحاضرون، جاءت الأم إلى ولدها فوقعت عليه كطائر قد رمي فوقع، ولما رمت بنفسها عليه جعلت تقبله وتمسح عنه الدم والتزمته تبكي وتقول: يا عبد الله بسم الله عليك ثم أقامته بعضديه حتى اعتدل قائمًا، غير أن ظهره قد أصيب بعشرين طعنة من خنجر المعتدي، وكان الدم يجري على عقبيه، وولت به إلى مركز التفتيش الذي لا يتجاوز قدرًا من مسافة كيلو متر، وبينما هي تهدئه إذ جاء إعرابي جلف غليظ عليه ثوب وسخ له أردان وقد أعطي بسطة في الطول يحمل قناة (1) كأنها رأس بعير، فأراد أن يحول بينها وبين المركز، وله وثبة كوثبة الأسد، وجعل يقول لنا يا حجاج إنهم أبنائنا يتخاصمون ويصطلحون هذا والمرأة تستعيذ وتقول لنا احجزوه فينهم يريدون القضاء على ابني، فبتوفيق الله تمكنا من رده عن المرأة وابنها وعاد خاسئًا حيث لا ندري أين ذهب.
ومن عجيب ما رأيت أننا لما نزلنا من الريع إلى الميقات السيل انكسرت السستة أي أضلاع الحديد التي تكون مؤخر السيارة حوالي الكفرات، فأقمنا لذلك آخر النهار 17 ذي القعدة، فصلينا المغرب وقد اشترينا شاة للذبح فضاعت بين تلك الجبال في وقت الصلاة فذهب بعض الرفقة وضربوا يمنةً وشرة لطلبها حتى اهتدوا إلى خيمة أعراب بين تلك الحجارة فسألوهم عنها وألقوا التبعة عليهم، وأنثوا راجعين، وبينما تشد الرحل للسير إذا بأعرابي جاء بالشاة من مسافة ثلاثة كيلو مترات يقودها بحبل في رقبتها وسلمها إلينا.
تالله إنها لغريبة عجيبة، فمنذ عشرين سنة والحجاج كانوا صيدًا للحرامية ولا يدري الإنسان متى يختطف بعيره، متى يختطف رحله وتنهب الأواني والقدور وهي فوق ظهور الأبل، وهذه السنة يؤتى بعنز من أقاصي جبال الحجاز تقاد بالليل
(1) القناة معروفة عند العامة من أهالي نجد، وهي عصا غليظة، أحد طرفيها مستدبر كالكرة وهي تكون من خشب، تسمى باللغة العربية الدبوس فتقول الأمة إذا وصفت قويا مسلطا: فلان دبوس معلق.