الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عدوة الرايخ الألماني الثالث رقم 1، وبما أن روسيا لم تكن في نظر هتلر بقضها وقضيضها وبجيوشها ومعداتها سوى قصة يمكن أن تطوى صفحاتها في أيام معدودات، ولكن هتلر كان يعلم علم اليقين أن بريطانيا وحده هي القادرة على تغيير وجه الحرب فأمريكا لم تدخل الحرب بعد، واليابان تراقب التطورات عن كثب، وستالين يقف وقفة الحائر المرتجف الذي لا يعرف كيف يتحرك وما هي الخطوة التي ينبغي له أن يخطوها وفي أي اتجاه.
وكانت بريطانيا تشعر في قرارة نفسها بأن الوقوف وجهًا لوجه أمام قوات المحور المنتصرة ليس من الأمور الهينة وقد رأت الضرب المدوخ وأن تلك الجيوش الألمانية بعدما تذوقوا النصر وطعم المكاسب والمغانم صاروا يندفعون بكل قواهم نحو غزو جديد.
ضرب لندن وفتح الجباه على هتلر
إن هتلر كان يحترم بريطانيا ويحاول جاهدًا استمالة ساستها إليه، غير أن بعض زعماء الألمان مثل غوبلز يكره بريطانيا ومثله من الزعماء غورينغ، ولما قامت القيادة الألمانية بوضع خطة لغزو بريطانيا وإعداد أساطيل بحرية ضخمة نزلت الجيوش الألمانية على سواحل بريطانيا الشرقية والجنوبية وجاء الجنرال فون برا وخينش رئيس أركان حرب القوات المسلحة العامة يستشير الزعيم في تحديد موعد الإنزال صرخ هتلر بوجهه قائلًا: دعونا من هذه المهزلة أنا لا أريد سحق بريطانيا، ومن أجل هذا أمر هتلر يوم انسحاب الجيش البريطاني من دنكرك بأن لا تتعدى جيوشه حدود دنكرك إلى أن تنتهي عملية الانسحاب، غير أن غوبلز وغوربنغ لم يتفقا على شيء في حياتهما كاتفاقهما على مهاجمة بريطانيا بقوة وعنف زائدين فما أمر هتلر بإلغاء عملية الإنزال ببريطانيا إلا قام غورينغ مصممًا على الهجوم عليها، وراحت طائرات الرائخ تصلي لندن وأمهات المدن البريطانية نيرانًا حامية بلا هوادة أولين، وكان الضعف والقلق يسودان إذاعاتها وصحفها إلى درجة أنها ما كانت لتحسن التعبير حتى في الدفاع عن نفسها، فضلًا عن الرد على الإذاعات الصاخبة منها.
ولما شرع غورينغ بقصف لندن وأمهات المدن البريطانية وبدأ بمعركة بريطانيا يسحق قواها المادية والمعنوية أعلن للملأ بأن معركة بريطانيا قد بدأت، وراح الدكتور غوبلز يذيع بأن ألمانيا قد كسبت الجولة الأولى في بريطانيا وأن بريطانيا تتردد حائرة بين الفناء الأبدي أو التسليم، ولقد فعل اللوفتوافا مفعوله الشديد الأثر في لندن والمدن البريطانية التي أغار عليها ودمرها وصيرها ركامًا، وانتظرت الأمة بعد ذلك بأن اللوفتوافا سيحرق لندن ويكره بريطانيا على التسليم وهي صاغرة، ولقد حدى بغورينغ جنونه إلى أن ألقى خطابًا من تلقاء نفسه بأنه يعطي ضمانًا للشعب الألماني بأنه لا تستطيع أي طائرة من طائرات العدو والحلفاء أن تطير على أرض الرايخ وهو موجود على قيد الحياة.
ولما أن أهدى الإمام يحيى إلى هتلر كمية من القهوة اليمنية قهوة المخا لعلمه بأن هتلر يحب ارتشاف جرعاتها لتوحي إليه ما توحي من أفكار صاعقية، صادرتها مدمرة بريطانية في البحر الأحمر وأذاع راديو لندن بذلك متهكمًا فتأثر هتلر من هذا الحادث البسيط وبلغ من تأثره أن أمر المارشال غورينغ بأن يزيد في قصف بريطانيا، فمسحت قنابله بعض مدنها وأزالتها من على وجه الأرض، وأضعف الإمام يحيى الهدية بأن بعث إلى هتلر خمسة آلاف طن من القهوة، وبما أن بريطانيا لم تتوفق مع روسيا فيما قيل، بل قد طرد ستالين وفدها وتحسنت الحال فيما بينه وبين ألمانيا فإنه اليوم يخاف ألمانيا على شعبة، فإذا كانت بريطانيا تقف أمام عدو واحد في الجبهة الغربية وهي كفأر مختبئ في جحر ذي منفذين يقف على باب منفذ واحد قط ضخم في حين أن المنفذ الثاني مفتوح يستطيع الفأر أن يفر منه، فهكذا بريطانيا يمكنها الفرار إلى كندا والولايات المتحدة، فإن ستالين كدب حائر يقف بين صيادين ماهرين لذلك جعل يفاوض بريطانيا، ورأى قبل أن يستحقد هتلر أن يوعز إلى سفيره في أنقرة ليتصل بالسفير البريطاني فيها، فما كان رد بريطانيا عليه إلا مرضيًا سريعًا وأنه لم يحدث بين الدولتين روسيا وبريطانيا ما يستحق الذكر، ولا يمكن أن يكون حائلًا دون اسئناف المفاوضات، ولما شعر فون بابن صراحة منذ شهر أيلول
1940 م بأن السفارة الروسية في أنقرة على اتصال دائم مستمر بالسفارة البريطانية أبرق إلى زعيمه هتلر يخبره بالحقيقة ويحذره من مغبة هذه الاتصالات ونتائجها الوخيمة على ألمانيا، فما على هتلر إلا أن يعبئ ألمانيا لمواجهة الخطر الأكبر لهذه الجبهة الشرقية، وهذا الذي يريده تشرشل في فتح هذه الجبهة لتستعيد بريطانيا قوتها بعد أن تستجم من هول هذه الحرب، وسنعود عن قريب إن شاء الله.
وفيها خرج صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود ملك المملكة العربية السعودية بموكبه وجنوده من عاصمة المملكة الرياض وسار يريد مقاطعة القصيم، وكان في صحبته نجله وولي عهده سعود وبقية الأنجال المحترمين، وقبل سيره أصلحت الطريق الرملية لسياراته وقدم الفراشون والخدم ينصبون الخيام في الموضع الكائن في بريدة المعروف بالتغيرة يبعد عن البلد بقدر كيلو ونصف كيلو، فقدمها في موكبه العظيم يحيط به نظام عسكري، وهذا لأول مرة يقدم عاصمة القصيم بالنظام العسكري، وأضيء مخيمه الزاهر بالكهرباء فاستقبله الأهالي استقبالًا عظيمًا على حسب ما لديهم من الاستقبال، وهرعت الأمة للسلام عليه والترحيب بقدومه، وكنت فيمن قدم عليه يحملة من التلامذة وطلاب العلم، فقام لأداء السلام كعادته في التواضع، وبعدما أديرت القهوة العربية أخذ يتكلم ويلقي علينا من جواهره فقال:
يا إخواني سبحان من يغير ولا يتغير، وإن الدنيا مآلها إلى الفناء والزوال، ويكفينا عبرةً سكان هذه البقاع الخاوية -ويشير إلى جهة الغرب يريد الشماس الموضع المعروف شمالي البلد الذي كان موضع السكنى في الأزمنة الغابرة- يا إخواني كأنه لم يسكن، إخواني: إن العز في طاعة الله تعالى، أما الدنيا فإنها تمضي على ما كانت حلاوة ومرارة، نحن لا نخشى من الناس وإنما نخشى من أنفسنا، إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وهذه الدنيا وإن حذرنا منها فكلنا لا ننتهي عن الركون أليها كما قيل "الدنيا دواهي وكل عنها ناهي وهو غير متناهي" انتهى، فأحببت أن أشجعه على القيام بأوامر الله وإن كان لم يقصر، رفع الله منازله