الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هنا أبنًا وأصيب بالداء المعروف بأم الصبيان، وقدم إلى ربه فأجاب بأن الخيرة بما اختاره الله، وسألته عن أم الصبيان فأجاب بأنه يكثر معها صياح الطفل.
وقد رأيت لديهم في ذلك المخيم خيرًا ونعمة، ومن أبرز من وجدت رفقته عبد الله بن رشيد، وإبراهيم البليهي، ومن عادته أنه قليل الأكل فترى ما حواليه من الطعام يتساقط على الخوان ويرده بيده، ويلبث جالسًا ليتمكن الأضياف من الأكل.
وخرج مع جنازة مؤذنه محمد بن عضيب فلما دفن جعل ابنه يبكي بكاءً شديدًا في حال التعزية، فتناول يده برفق وقال له: يا بني اصبر واحتسب فقد قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]، فكان كلامه أعظم بها، لوقع، ثم إنه جعله مؤذنًا بعد أبيه، وكثيرًا ما يصدر أمورًا يعجب لها الناس ويرونها غير موافقة فتكون عاقبتها حميدة، وكثيرًا ما يتفرس فتقع فراسته خيرًا أو شرًا، فلقد توفى مرةً صبي فشاع بين الناس أن فلانًا مات، الرجل مغموص بالنفاق، ودعي لجنازة ذلك الرجل فقال للرسول: ليس هذا بفلان، ولا يموت فلان بين أظهر المسلمين فوقع كما أخبر كانت الجنازة صبيًا ومات فلان بين ظهراني الكفار بعد الأشاعة بشهرين، ولو تتبعت فراسته لخرجنا عن المطلوب.
الباب التاسع: في المحن التي جرت عليه
قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]، وقال تعالى:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2، 3]، وقال تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31]، اعلم أن الدنيا لما كانت دار ممر وليست بدار مقر وقنطرة عبور لا موضع حبور قضى الله على أهلها بالهموم والغموم والمحن والمصائب والأحزان لتزعجهم عن
الركون إليها ذلك بأنها خوانة فكل من حلت له فلا بد أن تذيقه العلاقم، ويكفيك شاهد الحال من موت قريب وتسلط عدو وأمراض وهموم وغموم، ولله تمام الحكمة، ولا بد لكل أحد من عن ولا يخلو شخص من شجن والابتلاء والامتحان عادة الله في خلقه ولا سيما أهل الدين والعلم، فأول ذلك ما جرى عليه من آل رشيد لما أجلى إلى النبهانية، وبعد عودته إلى وطنه ابتلي بمنافسة من بعض المعاصرين سبب ذلك سعي ذوي الأغراض من المفسدين، وما ذاك إلا لما قام به من الفضل والعلم، فبغى له الأعداء الغوائل واختلقوا له المشاكل فلا يجدون ما يتوصلون إليه إلا بالتحرش والمسبة لدى الرؤساء، وآخرة ذلك كانت العاقبة له، قال تعالى:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)} [النساء: 54].
ومن ذلك أنه رأى الناس في عادة سيئة تخالف الشريعة وهي عدم تزويج بعضهم من بعض بدعوى قبيلي وضده، ولا تزال هذه العادة القبيحة جارية في نجد، فأراد رحمة الله عليه أن يجتث تلك البدعة ويقضي عليها، وبذل أسبابًا لذلك رحمةً للأمة وكشفًا لهذه العادة التي ما أنزل الله بها من سلطان، غير أن جهوده فشلت وما زال أهل الخير يجاهدون في هذا السبيل، غير أن الأمور لا تزال على وضعها وأملنا عظيم في الأمة الإسلامية أن يدعوا هذه العادة ترغيبًا لهم في المساواة والدين والوضع الديني والعربي لأن دينهم واحد وقبلتهم واحدة.
ومن ذلك أنه جرى بين رجلين منتسبين إلى الدين والخير نزاع في شأن سكنى بلدان الشرك أحدهما يحرم الإقامة في البلد المذكور لتأويلات ومسوغات جزاه الله خيرًا، وأكثر في المسلمين الرجال المتمسكين بأهداب الشريعة، والآخر يرى خلاف ذلك، وكان هذا الأخير تد تعاظم وتكلم على صاحبه بما يجرح العواطف ويسيء المجتمع، ولم يرع له حرمة فأصلح بينهما الحاضرون وسكنت المتحركات برهة من الزمن، فلما كان بعد ذلك انبعث من جديد مقصوده المشاغبة وإثارة الفتن والمحن، وقام ليسوى ثورة بدعوى نصرة الدين وأهله، وهكذا يدرك المغرضون أهدافهم
التي يرمون إليها ويدخلون السم في الشهد ليفسدوا في الأرض ويحدثوا الشغب والمشاكل، فاستجاش أهل الدين والفضل وطلبوا من الشيخ رحمه الله النظر في شأن هذا المعارض وأحرجوا موقف الشيخ، ورفعوا أصواتهم لأول مرة بين يديه وشوش الحاضرون جو الصفاء ونيتهم طيبة ومغزاهم حسن، فمن قائل يردع هذا المعارض، ومن قائل بنفيه، غير أن الشيخ له رأي من وراء ذلك كله، فطمأنهم ووعدهم بخير، وتحمل تلك المشاق التي لا ينبغي مواجهته بها، وكان المقام يقتضي عدم التشويش وأن لا يغتروا بأقوال المخادعين وتأثر لهذه الجراءة، ومن كلامه لأولئك الحاضرين أن قال:
يا أولادي ألا تعلمون أن هذا المعترض لا يؤبه له، ومن عادتنا ردع الأشرار تارة بعدم المبالاة بهم، وتارةً بردعهم سرًا، وتارةً بالأرشاد والنصيحة إذا كان بالقوس منزع وأنكم تعلمون أننا موضع الثقة منكم، ثم إنّه بعث إلى أمير البلد وأصدر أوامره بأن يؤخذ عليه التعهد وأن لا يعود إلى مثلها، وأغلظ عليه بالتوبيخ، وأدى واجبًا يشكر عليه نحو هذا المعترض، وقد يعامله بعض من تحت تصرفه بما يكره، ولو شاء لعاقبه أشد العقوبة لأنه قوي وله تمام القدرة عليه، لكنه يجعلها في نفسه ولا يبديها لأحد، ويصبر على ما ناله في ذات الله، وأنه يجب على الأمة توقير العلماء وتنفيذ إردتهم والخضوع لأوامرهم، وترك الاعتراض عليهم، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، وقال الله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء: 65]، فتبين بهذا وجوب طاعة الله وطاعة رسوله وأولي الأمر ما لم يأمروا بمعصية الله ورسوله، وأن الشريعة محكمة بين الأمة ينفذها العلماء الموقعون عن رب العالمين، قال بعض العلماء في شأن القضاة وعلو درجتهم وأنه ينبغي مراعاة تلك الوظيفة:
ويا قاضيًا لم ير عاقبة القضاء
…
وأن محيط العلم راء وسامع