الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأقتلنه، وهو على وسادته في بيته، وكان رحمه الله له يد شديدة يضرب بها المثل في طول الجزيرة وعرضها، فلا يذكر اسمه أمام البدوي إلا ويضطرب قلبه خوفًا ووجلًا، وهذا لعمر الله الأمر الذي يستقيم به الملك وترتاع الظلمة، وتهدأ الأحوال، وتستريح به البررة، وتصفد منه الفجرة، فمن يدخن يؤدب، ومن لا يصلي يبسط على الأرض ويضرب بالرطب من عسيب النخل، ومن يختلس أو ينهب فإنه يقطع، وأوامره تنفذ بسرعة ودون محاباة ولا تردد، وقد كان استتباب الأمن في الجزيرة أول مظهر هذا العدل الشديد القوي، فقد يسير المسافر وحده ومعه الأموال على الجمال لا يعرض له في طريقه أحد، ولا يسأله عن شأنه بدوي، بل كان المسافر يمشي وحده بأحمال الذهب والفضة ولا يخشى إلا الله، وقد كان منذ أعوام خلت لا يستطيع أحد أن يسير إلا في عصبة من الرجال ومعهم الحديد والسلاح، ثم لا يوفقون إلى السلامة، وما لم يكن هنا سطوة تخشى على البعد، وتجتنب لأجلها أسباب الريبة، والوتوع في المظالم، فلا بد من وقوع النهب والسلب والقتل، فحيا الله رجال العمل والأخلاص والعدل، الذين يدأبون في سبيل راحة الشعب وأمنه الذين يسعون في بناء مجد أمتهم ويسهرون لمصالحها وإشادة عزها، وما تقدم شعب إلا برجال من أبنائه يؤمنون الخائف، ويردعون الظالم، ويعدلون في القضية، ويحكمون بالسوية، ويتفقدون أحوال الرعية، فلا تحفظ الدماء والأموال والأعراض، وتصلح البلاد ويسود فيها الأمن والطمأنينة إلا بإقامة الحدود وقطع الأكف الأثيمة، وسد أنواه الذين لا يعرفون ما يدخلون فيها ولا ما يخرجون منها، فبذلك يكف عن العدوان وقتل النفوس البريئة وإثكال الأهالي وترميل النساء وإيتام الأطفال، وينقطع دابر الفساد وانتشار الفوضى، وإحداث القلاقل والاضطرابات.
ذكر شيء من صرامته وبطشه بالمجرمين
لما كانت أمراء بني أمية فيها الشجعان وأهل الصرامة والقوة والمقدرة "كزياد بن
أبيه" وابنه عبيد الله، والحجاج، وموسى بن نصير، والبطال، فلا ننسى ما لهذا الأمير من الشجاعة والجراءة والأخذ على أيدي العتاه والمفسدين، وإليك بعضها:
جاء ذات يوم إلى قصر جلالة الملك في الرياض بضعة رجال من بني مرة يطلبون عيشًا وكسوةً، فكان لهم ما يبغون ثم ارتحلوا فمروا في طريقهم ببعض الأباعر ترعى فساقوها أمامهم نهبًا وقهرًا لأهلها، فشكى أهالي الأباعر إلى جلالة الملك عبد العزيز، فبعث بنجاب يحمل الخبر إلى أمير الحساء عبد الله بن جلوي، فما وصل إليه الخبر حتى تحركت أسباب السعي في إحضارهم والبحث عن الأشقياء اللصوص، فما هو إلى أربعة وعشرون ساعة حتى جاءوا بهم والأباعر المسروقة ومثلوا أمام عبد الله بن جلوي، فكان سؤال وجواب، ثم أمر بهم إلى الساحة، وساحة الإعدام شيء هائل فظيع يركعون فيها المذنب على ركبتيه ثم يرقص أمامه معاون الجلاد ليلهيه عن السيف المرفوع فوق رأسه، ثم يكزه السياف وكزة سريعة يتحرك معها الرأس إلى الإمام فيتقلص عصب الرقبة فيضربها السياف إذ ذاك ضربة واحدة يطيح معها الرأس إلى الأرض، وفي ذلك اليوم لمع سيف الأمن لمعات ثمان في ساحة الهفوف فوقعت على الأرض ثمانية رؤوس من يني مرة.
وأتي إليه لص فأخبره أنه رأى كيس أرز قد سقط في موضع كذا، فقال له وما أدراك بأنه أرز؟ قال: حسسته بإبهام رجلي، فأمر به فقطعت رجله التي مسه بها.
وسقط حمل بعير على الأرض وتعلقت الحبال به فما تدر أحد الدنو منه خشية أن يسرق فتكون التبعة عليه، وهلك البعير لما لم يكن صاحبه موجودًا.
وذهب العمال مرة لخرص الثمار وتزكية المواشي، فلما قربوا من بعض القبائل قام رجل من القبيلة وركب فرسه وجعل يتهدد ويتوعد العمال أن لا يزكوا، فأحجم العمال وكفوا خشية أن يكون ذلك عن ممالاة من القبيلة كلها، فقام إلى العمال قبيلة الرجل وهم العجمان قائلين: اتركوه وجهله وزكوا الأموال فإنه رجل جاهل مسكين، ووقف العجمان يطالبون بالتزكية وليس من العدل أن تؤاخذ بجريمته، فقام العمال بشأنهم وزكوا الأموال ورجعوا يخبرون أمير الإحساء بما صدر
من الرجل الفارس، فبعث بالحال إليه وأتي به مقيدًا بالحديد، وجاء العجمان على أثره ليشفعوا له، فابى إلا أخذ فرسه منه، ولما سلبها بعث الرجل أسبابًا يستجلبها، وكثرت الشفعاء لدى الأمير فناوله إياه، وبعدما أخذ بلجامها مغنمًا السلامة بعث معه برجل من رجاله وأوعز إليه بأن يشق بطنها ويقتلها.
وجاء إليه فلاح يشكو جمالًا بأنه أرسل بعيره وأكل ثمرة إحدى نخله، فدعى به إليه فأنكر ذلك، فقال: سنشق بطن البعير فإن كان البسر فيه فقد خسرته، وإن لم يكن كذلك فسيقوم صاحبك بغرامته، ففعل ووجد ذلك صحيحًا، وكان ثمرة ذلك أن أصبحت القوافل عن حديث هذا البطش الشديد والعدل السريع، تسير ثمانمائة ميل شرقًا وغربًا وثمانمائة ميل جنوبًا وشمالًا في ملك ابن سعود ثم لا يتعرض لها أحد بخير ولا شر، ولقد كان المترجم من أشهر أمراء ابن سعود وأكبرهم همة، وأشدهم تعصبًا للعدل، يجلس في كرسي القضاء والنظر في الجرائم وحده فلا تجلس معه الرحمة ولا المحاباة، فيأمر بالقطع والنطع ولا يبالي، وكان اسمه يرعب الجرمين وذكره يثير الخوف في قلوب العالمين:
فمن مثل عهد الله في الناس كلهم
…
له سطوةً بين الورى في المشاغب
وكان لعمري آية في زمانه
…
وذا همةٍ تسمو لعالي المناقب
له في التقى حظٌ وفي الحزم سورةٌ
…
تظل لها صرعى رقاب الأجانب
وأهل الحمى تخشى بوادر بطشه
…
فكلًا ترى من حادثات النوائب
يقضي زمانًا في المعيشة جاهدًا
…
وليس له هم بفعل المعائب
يراقب ليثًا حاميًا لعرينه
…
ثقيلًا على أهل الخنا ذا مخالب
له شيمةٌ تأبى الدنايا وهمةٌ
…
تسامى بها فوق النجوم الثواقب
فحدّث عن الشهم الهمام فإنه
…
بذكر العلا أوصافه بالعجائب
لقد أمن الله البلاد بعدله
…
وسيفٌ على الفجار عطب المضارب
أبى الله أن يرضى عزيزٌ بخطه
…
تخوله غير العلا في الطالب
لأن كنت يا عبد الإله معظمًا
…
بذكر سرى بين الورى والسباسب