المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر الاتفاق بين الأقطاب الثلاثة وسفر ابن سعود إلى مصر - تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان - جـ ٤

[إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن]

فهرس الكتاب

- ‌ذكر بيعة ولي العهد سعود بن عبد العزيز سنة 1352 ه

- ‌مواعظ جلالة الملك لأبنه سعود ولي عهده

- ‌ذكر وفاة ملك العراق

- ‌ذكر الاضطرابات والمشاغبات بين الحكومة اليمنية والحكومة السعودية

- ‌ذكر ما جرى بعد ذلك

- ‌يحيى يبرم بيد وينقض بالأخرى

- ‌ذكر تقدم الجيوش السعودية في الحرب اليمنية

- ‌رجوع وفد يحيى

- ‌ثم دخلت سنة 1352 ه

- ‌صفة سقوط الحديدة

- ‌ذكر عقد الاتفاقية وانتصار ابن سعود

- ‌معاهدة الطائف

- ‌ انتهاء حالة الحرب

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌ صلات المتعاقدين

- ‌المادة الثالثة:

- ‌ خط الحدود

- ‌المادة الرابعة:

- ‌ عدم تحصين الحدود

- ‌المادة الخامسة:

- ‌ سحب الجنود

- ‌المادة السادسة:

- ‌ منع الغزو والعدوان

- ‌المادة السابعة:

- ‌ذكر الاعتداء على ابن سعود بأيد يمانية

- ‌ذكر تنصل اليمن من الحادث

- ‌ثم دخلت سنة 1354 ه

- ‌ذكر إمارة عبد الله بن فيصل في بريدة 1354 ه

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌المادة الثالثة:

- ‌ذكر عمارة المسجد الحرام 1354 ه

- ‌وفاة الأمير عبد الله بن جلوي أمير الأحساء رحمه الله وعفا عنه

- ‌ذكر شيء من صرامته وبطشه بالمجرمين

- ‌ثم دخلت سنة 1355 ه

- ‌عمارة قصر المربع في الرياض

- ‌ثم دخلت سنة 1356 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1357 ه

- ‌ثم دخلت سنة 1358 ه

- ‌ذكر وفاة الشيخ العبادي 1358 هـ رحمة الله عليه

- ‌ذكر مشايخه الذين أخذ عنهم وتدريساته

- ‌ذكر تلامذته والآخذين عنه

- ‌ذكر محفوظاته وسعة علمه

- ‌ذكر مقدمات وفاته

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌ذكر وفاة ملك العراق

- ‌ذكر الحرب العالمية الثانية سنة 1258 هـ 1933 م

- ‌التعريف بهتلر

- ‌ثم دخلت سنة 1359 ه

- ‌ذكر ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌ذكر الوظائف التي نالها

- ‌ذكر أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ومقاماته في الإسلام

- ‌تغيير السكة

- ‌ثم دخلت سنة 1360 ه

- ‌ذكر جهود بذلتها بريطانيا أمام تلك الأهوال الساحقة

- ‌موقف أمريكا

- ‌ضرب لندن وفتح الجباه على هتلر

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌ثم دخلت سنة 1361 ه

- ‌تنبيه

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌ذكر العرب مع روسيا

- ‌ذكر نصيحة قواد الجيوش الألمانية لهتلر ورفضه ذلك

- ‌ضرب روسيا وانتصار الزعيم هتلر

- ‌القوة البحرية

- ‌معركة موسكو

- ‌ثم دخلت سنة 1362 ه

- ‌ذكر وفاة قاضي بريدة الشيخ عمر بن سليم

- ‌الباب الأول: في ولادته ونشأته

- ‌الباب الثاني: في ذكر الوظائف التي نالها

- ‌الباب الثالث: في مجالسه وتدريساته وما ناله من العجب العجاب

- ‌الباب الرابع: في مشايخه وتلامذته الآخذين عنه

- ‌الباب الخامس: في سعة علمه وورعه في قضائه وفتياه

- ‌الباب السادس: في عبادته ونسكه وتلاوته

- ‌الباب السابع: في سجاياه وكيفيته وهيبته

- ‌الباب الثامن: في جوده ومكارم أخلاقه

- ‌الباب التاسع: في المحن التي جرت عليه

- ‌الباب العاشر: في مرضه ووفاته وما رثي به

- ‌ذكر المنامات والمرائي

- ‌ثم دخلت سنة 1363 ه

- ‌ذكر سفر الشيخ ابن مانع للعلاج

- ‌وزارة الدفاع

- ‌عجيبة ثالثة

- ‌هتلر والتطورات

- ‌ثم دخلت سنة 1364 ه

- ‌إعلان الحكومة السعودية الحرب على ألمانيا

- ‌زيارة ملك مصر فاروق للمملكة السعودية

- ‌ذكر الاتفاق بين الأقطاب الثلاثة وسفر ابن سعود إلى مصر

- ‌وفاة رئيس أمريكا روزفلت

- ‌الجامعة العربية 1364 - هجري

- ‌ذكر سكون العرب وسقوط ألمانيا وتسليم اليابان

- ‌ضربة قاضية وسلاح فتاك

- ‌جهود ضائعة ويأبى الله إلا ما أراد

- ‌ذكر ما جرى بعد سكون الحرب

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌ الشيخ عبد المحسين بن عبيد

- ‌الباب الأول: في نشأته وطلبه للعلم

- ‌الباب الثاني: فى عبادته وورعه وصبره

- ‌الباب الثالث في طريقة تعليمه ومحبة الناس له وصفته

- ‌الباب الرابع: في علمه ومؤلفاته

- ‌الباب الخامس: فى مرضه ووفاته

- ‌ثم دخلت سنة 1365 ه

- ‌ذكر الاستقبال العظيم لابن سعود

- ‌ذكر عجائب من الحوادث غير ما تقدم

- ‌ثم دخلت سنة 1366 ه

- ‌ذكر الاستعراض وما جرى من استبسال أهل القصيم وشجاعتهم

- ‌ذكر عودة جلالته إلى الرياض

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ذكر ردة عبد الله بن علي القصيمي الصعيدي نسأل الله العافية والسلامة

- ‌ذكر فرقة الإطفاء واستعراضها

- ‌الاستعراض العسكري

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌ذكر الإصلاحات التى عملتها الحكومة السعودية في تلك الآونة

- ‌ثم دخلت سنة 1367 ه

- ‌ذكر مشكلة فلسطين

- ‌ذكر صيحة العرب وارتجاف الشرق الأوسط لأهل فلسطين

- ‌ذكر سطوة العاهل الضرغام والضيغم المقدام ملك المملكةالعربية السعودية عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود

- ‌الجواب الملكي:

- ‌الجهاد بالنفس والمال لإنقاذ فلسطين

- ‌ذكر زيارة الملك عبد الله للمملكة العربية السعودية

- ‌ذكر قتل الإمام يحيى

- ‌ذكر آمال عبد الله بن الوزير وقتله

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌عثمان بن أحمد بن بشر

- ‌فهد بن على الرشودي

- ‌محمد بن عبد الله بن سليم

- ‌ثم دخلت سنة 1368 ه

- ‌ذكر ما جرى بعد الجهاد في فلسطين

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان

- ‌محمد بن عبد الله آل ربدي

- ‌إبراهيم الحبيب بفتح الحاء وكسر الباء

- ‌ثم دخلت سنة 1269 ه

- ‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

- ‌سليمان بن علي الوهيبي

- ‌ثم دخلت سنة 1370 ه

- ‌ذكر وفاة وزير الدفاع منصور بن جلالة الملك عبد العزيز

- ‌ذكر مصرع الملك عبد الله

- ‌ثورة في بيروت

- ‌صفة قتل الشريف عبدِ الله

- ‌صدي الحادث في فرنسا

- ‌ثم دخلت سنة 1371 ه

- ‌إلغاء رسوم الحجاج

- ‌ذكر الاحتفالات الرائعة بزيارة الملك الهاشمي طلال بن عبدِ الله بن الحسين الشريف ملك الأردن للمملكة العربية السعودية

- ‌سكة الحديد السعودية

- ‌ذكر خلع الملك فاروق الأول

- ‌ذكر البرنامج الذى تمشى عليه الرئيس علي ماهر

- ‌ثم دخلت سنة 1272 ه

- ‌ذكر جبل ظلم

- ‌في ذمة الله، تنعي بريدة فقيدها العظيم

- ‌ عبدِ العزيز بنُ مشيقح رحمة الله عليه

- ‌ولادته ونشأته

- ‌ذكر شيء من مقاماته التى بذل مهجته فيها لمصالح الأمة

- ‌ظهور آثار البترول بين المملكة السعودية والكويت

- ‌ذكر ما جرى فيها من الحوادث

- ‌ فضيلة الشيخ عبدِ العزيز بنُ ناصر بنُ عبدِ الرحمن الشعبي

- ‌نشأته ودراسته

- ‌ذكر الآبار الأرتوازية في منطقة القصيم

- ‌جمهورية مصر

- ‌حادث مفزع في مصر

- ‌زيارة حاكم باكستان

- ‌المشروع الزراعي وتربية الدواجن

الفصل: ‌ذكر الاتفاق بين الأقطاب الثلاثة وسفر ابن سعود إلى مصر

أموالًا عظيمة ثم عاد من المدينة إلى سرادق جلالة الملك بعدما ودع فيها وداعًا حارًا، فوصل إلى المخيم عصرًا وبعد الأكل والشرب وكمال اللذة جلسا في سرادق جلالة الملك، ولبثا إلى منتصف الليل، فكانت ليلة من أروع الليالي وأجلها في تاريخ الأمة العربية.

ولما كان في صباح يوم الأحد الموافق 14/ 2 تلاقى العاهلان بسرادق الملك فاروق، وكان يومًا تاريخيًا مشهودًا خرج الناس والجنود في الميدان العام يتطلعون إليهما، فقدم عاهل المملكة العربية السعودية إلى فاروق سيفًا عربيًا وخنجرًا مرصعين بالجواهر والأحجار الكريمة تخليدًا لذكرى هذا الاجتماع، كما أن فاروق قدم إلى ابن سعود قلادة محمد علي الكبير رمزًا على الصداقة المتينة التي تربط الأسرتين المالكتين برباط الود الوثيق، ثم تبودل العلمان المصري والسعودي باحتفال عسكري رائع اشترك فيه جيش البحرية المصرية والجيش السعودي، وأقيمت مناورة عجيبة من قبل الجيش العربي السعودي اشترك فيها الأمراء السعوديون وهزجوا بنشيد حماسي حيوا به عاهل مصر، وانتهى هذا الاحتفال في الساعة السادسة والنصف، ثم سار فاروق يشيعه جلالة الملك والأعيان إلى الميناء فتواع الملكان وتعانقا وأكدا الحرص على الوفاء والصداقة والمحبة والولاء بينهما وبين بلديهما، وامتطى فاروق ظهر اليخت وغادر الميناء في الساعة العاشرة والنصف من يوم الأحد إلى مصر.

‌ذكر الاتفاق بين الأقطاب الثلاثة وسفر ابن سعود إلى مصر

فنقول ركب عاهل الجزيرة ابن سعود البحر في هذه السنة للمرة الثانية للاجتماع بقطبي الديمقراطية فرانكلين روزفلت رئيس أمريكا والمستر تشرشل رئيس الوزارة البريطانية وبغيرهما من الملوك والرؤساء، ولو لم تكن هناك مباحثات مهمة، ولو لم تكن لهؤلاء منزلة سامية في نفس ابن سعود لما قام بهذه الرحلة من الرياض، وقد كانت تبعد عن مكة بألف كيلو متر، إلى الفيوم التي تبعد بأكثر من ألفي ميل

ص: 208

من مكة، ولما حرص على الاجتماع بركوب البحر وتطع مئات الأميال برًا وبحرًا إنه حرص على الاجتماع بقطبي الديمقراطية ليعرفهما حقيقة العرب والمسلمين إذ ليس هناك من هو أحق بتمثيل العرب من جلالة الملك عبد العزيز بن سعود، إن ابن سعود بينه وبين بريطانيا معاهدات صداقة وولاء لا يمكن بحال من الأحوال أن يستدبر بعض ما فيها أو يتنكر لها عند المحن والشدائد، فقد ضل وفيًا لها في رخائها وشدائدها لذلك فإنه وقف في هذه الحرب الكبرى الثانية في الحياد ولم يدخل في الحرب إلا لإرضائها.

أما علاقته بأمريكا الديمقراطية فهي صداقة لما استمنحت لبض شركاتها امتيازًا في أرضه وحافظت على العهود والمواثيق، وتقربت منه وتزلفت طلبًا لمودته الغالية، استقبلها بترحاب وسرور وبسط لها جناحه وأخذت الصداقة كل يوم تنمو لأن كلا الفريقين ينميها بالإخلاص والمزاورة وتبادل النفع والتجارة، ولقد جاء كثير من أقطاب بريطانيا إلى بلاد ابن سعود وزاروه في دياره فأعجبوا به أيما إعجاب وصادقوه، بل زراه خال ملك الإنكليز وزوجته وذهبا يبشران العالم بعظمته وعبقريته وكرمه ونبله وأصالة طبعه ومتانة أخلاقه وصدق زعامته ومؤهلاته.

وقد كثرت الكتب المؤلفة باللغة الإنكليزية الدالة على حفاوة البريطانيين بهذا الملك العظيم الذي يشترك في تقديره المسلم وغير المسلم، والعربي وغير العربي، والشرقي وغير الشرقي، ثم جاء كثير من الأمريكيين إلى المملكة السعودية فقابلوه في الرياض وغيره وأعجبوا بشخصيته إعجابًا لا حد له سموًا وحيوية ونبوغًا وعبقرية وعظمة وخلائق لا يوهبها إلا الزعماء الذين يخلقون لنقل الأمم من حال إلى حال.

وقد حرص الحلفاء في هذه الحرب على الأخص أن يبرهنوا لابن سعود على إخلاصهم له وحبهم إياه وتقديرهم له، ولقد بعث هو نجليه فيصلًا وخالدًا إلى أمريكا وبريطانيا لزيارة قطي الديمقراطية الكبيرين روزفلت وتشرشل، فاستقبلا هناك استقبالًا عظيمًا فخمًا في السنتين اللتين قبل هذه، كما قد زار الملك فاروق

ص: 209

ابن سعود في مملكته للاجتماع به، وإن ابن سعود ليجل مصر ويقدر ملوكها ويعنى بأمرها، حتى قال في مجلسه الحافل بوفود بيت الله الحرام في أوائل هذه الحرب للأستاذ الكبير محمد لطفي جمعة ما معناه:

حينما زحف المحور بقواته الدرعة الميكانيكية وانتهى إلى العلمين وضرب مصر بالطائرات كان كأنما ضرب بلاده.

ولقد وضع الرئيس روزفلت مدمرة أمريكية لتقل ابن سعود، فأمر بأن تزود بكل ما يحتاج إليه ملك في رحلة خطيرة كهذه الرحلة، واصطحب جلالة الملك معه طاهيه وساقيه وما يحتاج إليه، كما اصطحب معه حرسه الخاص، وبعد أو زودت المدمرة بكل ما تحتاج استقبلها جلالة الملك، وما يعلم أحد بمقصوده غير ابنيه سعود وفيصل، حتى أن حاشيته ما كانت لتعلم شيئًا عن الرحلة، ولا عن الاتجاه، ولا عن الغرض حتى اختفت اليابسة عن الأنظار، هنا لك علم رجال الحاشية فدهشوا لذلك كثيرًا، وكان عدد من معه في الرحلة ثمانية وأربعون رجلًا، منهم شقيقه الأمير عبد الله، وابناه محمد ومنصور، ووزير المالية عبد الله بن سليمان، وحافظ وهبة وزير المملكة المفوض في لندن، ويوسف ياسين نائب وزير الخارجية، وعبد الله بلخير مترجم جلالته، وبعض أركان حربه، كما كان معه بعض الفنيين من رجال المواصلات اللاسلكية مهمتهم الاتصال بمكة المكرمة منصف ساعة خلال الرحلة كلها، وكان يرافق جلالته الكولونيل دليم أبي وزير الولايات المتحدة المفوض بالمملكة السعودية الذي تولى الترجمة الرسمية في الاجتماع.

ولما أن استقل جلالة الملك المدمرة آثر أن يقيم على ظهرها استمتاعًا بمنظر البحر الجميل وهوائه الرخي الرقراق، فنصب له عند برج الدفعية الأمامي خيمة مزينة بالنقوش والزخارف، ودعا الملك في مساء اليوم الأول جميع ضباط المدمرة وبحارتها لتناول العشاء، ولعلها أول جلسة يجلسها هؤلاء الأمريكيون لتناول الطعام، جلسة عربية، وفي اليوم الثاني شاهد جلالته قوة المدمرة الهجومية عندما أطلقت مدافعها المضادة للطائرات، وتذفت قنابل الأعماق الخاصة

ص: 210

لمقاومة الغواصات، وكان منظرًا عجيبًا بحيث يذوب كل آلات الفتك والتدمير في هذا الخصم.

ولقد اعجب السعوديون بالبحارة الأمريكان وهم في ملابسهم الزرق البحرية، كما أعجب أبناء الدنيا الجديدة بالعرب وهم يرفلون في ثيابهم الفضفاضة الرحيبة المزخرفة، يروحون ويغدون في خفةٍ ونشاط، والكل في سرور بهذه الفرصة التي أتاحت لهم هذا الاجتماع.

وفي صباح الخميس الموافق 2/ 3/ 1364 هـ فبراير 1945 م، كانت المدمرة في البحيرات المرة حيث ينتظر الرئيس روزفلت في الطرادة الأمريكية كونيري استقبالًا لضيفه العظيم، وكان الرئيس على سطح الطرادة يرقب المدمرة حينما تهادت بالملك العظيم فتبادل بحارة السفينة التحيات والنداءات البحرية بالبوق، وأخذت المدمرة مرساها اتجاه كونيري، ومد بينهما جسر عبره الملك، فاستقبله البحارة وكبار الضباط ورؤساء أركان الحرب المرافقين للرئيس استقبالًا حماسيًا رائعًا، ثم سعى إلى جلالته الرئيس وصافحه وحياه واحتفى به احتفاء جدًا، وتبادلا عبارات التحية والمودة، وأعجب روزفلت بابن سعود إعجابًا لا حد له، فلقد ملأته شخصية الزعيم العربي الأكبر، وقد طابق ما سمع عنه، بل زاد عظمًا في رؤيته ثم قال له: كنت أود أن أجتمع بك قبل هذا.

ولما تناولا طعام الغداء وفرغا بدأا حديثهما في جو يسوده الود والتقدير والإعجاب، واستعرضا فيه ما بين المملكة السعودية والولايات المتحدة من روابط كثيرة يحرص عليها الطرفان ويبذلان الجهد في سبيل المصالح المشتركة بينهما، وتنمية الصلات الودية، وقال روزفلت: يجب أن يتاح لرؤساء العالم فرصة تبادل الآراء لكي يزداد تفاهمهم وتقدير كل منهآلمشاكل الآخر، ثم تناول الملك والرئيس شؤونًا أخرى إقليمية وعالمية.

وكان جلالة الملك أيده الله كثير الاهتمام بقضية فلسطين، فأبان للرئيس وجهة نظره، كما دلّ على عدالتها وصحتها ما أقنعه، فوعد بأن ينظر في ذلك، ثم تناولا بالبحث شؤونًا عربية هامة لها شأنها.

ص: 211

وكان الملك المعظم صريحًا كعادته في مخاطبة الرئيس، ومن الكلمات الخالدة التي قالها أنه قال: لا أريد كتابات بل أريد أن تعطى الكلمة من عبد العزيز لروزفلت، ومن روزفلت لعبد العزيز وهذا حق، فكلمة من عبد العزيز فوق الكتابات والمعاهدات لأنه رجل شريف، ثم أبدى الرئيس روزفلت لجلالة الملك رغبته في تقديم طائرة أمريكية هدية تذكارية لهذا الاجتماع التاريخي، فقبل جلالته الهدية، ثم بعد ذلك سار جلالة الملك إلى ضفاف النيل فسلك الطريق برًا إلى الفيوم حيث نزل بفندقها الشهير أويرج دولاك القائم على بحيرة قارون المتربع في مكان جميل هادئ يعطره أرج الورد والرياحين ويلفه النسيم، إنه لموضع حسن يسحر الألباب فشرّفه ابن سعود كما شرّفه أقطاب العروبة، وكان قد أحيط بقوات بريطانية تحرسه ليلًا ونهارًا وقد أبعد عنه كل أحد، فما بقي غير المدير أبقي للاستعانة به عند الضرورة، فكان الناس بعد ذلك يغدون ويروحون دهشين ولا يعلمون ما سيجري من مباحثات خطيرة في سبيل العروبة، وفي سبيل الإسلام، وقد زود ذلك الفندق بكل ما يلزم للملك العظيم ولمرافقيه من رجال الحاشية، كما أعد نظام واسع للتلغراف حتى يتسنى لجلالته أن يتصل بمملكته المترامية الأطراف، فكان يستقبل كل يوم عديدًا من المرات التقارير ويصدر الأوامر إلى رجال دولته، كما لو كان في مكة والرياض.

ولما قدم الأوبرج 3/ 3/ 1364 هـ وقت العصر من يوم الجمعة ما كان يشرفه حتى أسرع إليه فاروق ومعه الرئيس شكري القوتلي فاستقبلهما ابن سعود استقبالًا رائعًا وعانقهما وأبدى ما يضمر لهما من المحبة، وقضوا بضع ساعات في تناول الحديث والبحث في الشؤون العربية الهامة، وقد طاب الحديث بين هؤلاء الأقطاب الثلاثة، ولقد طال الحديث في الموضوعات حتى تأخروا عن مأدبة العشاء التي أقامها الرئيس شكري مساء الجمعة بدار المفوضية السورية لخطورة الموضوعات التي تناولوها وانهماكهم في الحديث، ثم غادر فاروق والرئيس مودعين جلالة الملك عبد العزيز خير وداع.

ص: 212

ولما كان في صباح غد يوم السبت 4/ 3، 17 فبراير 1945 م ركب المستر ونستون تشرشل رئيس الوزارة البريطانية ممتطيًا سيارة مرتديًا بدلة الكولونيل الأول بفرقة الهوسار الرابعة يصحبه المستر أنطوني أيدن وزير الخارجية البريطانية، واللورد موران طبيب رئيس الوزارة البريطانية الخاص وهيئة مكتبه التي رافقته في مؤتمر القرم ووجهتهم الفيوم، ولما أن وصلوا لأوبرج استقبلهم جلالة الملك ابن سعود ومن معه من كبار دولته الذين تقدم ذكرهم استقبالًا رائعًا وتبادلوا عبارات التحية والولاء، وكانت البسمات تتألق على ثغورهم، وقد كان صاحب الجلالة عبد العزيز مرتديًا في هذه المقابلة ثيابه العربية عليها دثاره الرسمي الأحمر الموشح بالذهب ويشع على رأسه عقال مقصب جميل، فبادل الفريقان النظر، ودنى كل منهما إلى صاحبه، وأعجب تشرشل ومن معه بعظمة ابن سعود الملك العربي المسلم الكبير إعجابًا لا حد له، ودار بينهم الحديث الودي، ثم اختلى الملك ورئيس وزراء بريطانيا وقد تولى مترجم جلالة الملك مهمة الترجمة بينهما ومكثا أكثر من ساعة يتباحثان في مسائل ثشى أهمها ما يتعلق بالعرب ومستقبلهم ثم غادرا غرفة الاجتماع وكل منهم مسرور من هذه المقابلة الودية، وبينما كان في المحادثة مدت أخونة الغداء في ردهة الفندق المستطيلة الملونة باللونين الأزرق والأحمر المشرفة على بحيرة قارون الهادئة الصافية، ولما خرجا جلسا على المائدة وحضر جمع من الجانب البريطاني على المائدة من بينهم أيدن وموران والمستر جوردن الوزير البريطاني المفوض سابقًا في جدة، والقائد العام لقوات الشرق الأوسط، والوزير البريطاني المقيم في الشرق الأوسط، والسفير البريطاني بالقاهرة، والمستشار الشرقي بالسفارة البريطانية بالقاهرة، ووكيل وزارة الخارجية، وقائد القوات الجوية في الشرق الأوسط، والوزير الإنكليزي المفوض في جدة، والمستر لسي روان السكرتير الخاص لرئيس الوزارة، وسكرتير مكتب وزير الدولة، والبريجادر كلايتون، والماجور راندولف بن تشرشل، وبعد تناول الأطعمة خرج الملك والرئيس واجتمعا بالحاشية من الطرفين في الأوبرج، وتبادلوا الهدايا التذكارية الثمينة.

ص: 213

ولقد بهت تشرشل من ضخامة أمر ابن سعود وتكلم قائلًا له: إني سأعتز بهذا دائمًا لا لقيمته، لكنه تذكار لهذا الاجتماع، وقام مدهوشًا ليأتي بهديته له، فجاء مقبلًا ومعه صندوقان من العطر الشذي المستحضر من أحسن الخلاصات العطرية، وبكل صندوق ست زجاجات وقدمهما هدية إلى الملك ابن سعود فتقبلهما منه شاكرًا، وكانت هدية ابن سعود لتشرشل سيفًا عربيًا وخنجرًا فاخرين مطعمين بالذهب، مرصعين بالأحجار الكريمة، منقوشين بنقوش فنية جميلة، وقدم له ملابس عربية ممتازة وعباءة ثمينة جدًا في حقيبة من الجلد، وأهدى ابن سعود أيضًا للمستر أيدن سيفًا كالسيف الذي أهداه لتشرشل، وقدم إلى صحبه مجموعات كثيرة من الملابس العربية.

وختمت الجلسة بين ملك العرب وبين تشرشل بالود والصفا والوداع الحار.

وقد قلنا أبياتًا بمناسبة تلك السفرة التي في وقت لم تضع الحرب فيها أوزارها:

فيا مخبرًا أبشر وأنعم بعودة

يعودبها من سعيه وهو غانم

لعلك تحظى بالسعادة والهنا

لتكشف هما للقلوب يلازم

وكيف يطيب النوم من كل ذاهلٍ

وكيف يطيق الصبر حيران هائم

إذا كان فخر العرب عنا مباعدًا

وما علمنا في حاله كيف قادم

فيا حافظًا ذا النون في بطن حوته

ومخرجه مما حوته الظلائم

تفضل علينا بالأياب لعاهلٍ

بما شاء من آماله وهو سالم

تقر لنا عينٌ تسح بذرفها

أحاط بهامن قارعاتٍ عظائم

فمن مثلنا يا صاح في فقد عاهل

لمفقده أمسى ينوح الحمائم

أليس الذي أمسى لأمة يعربٍ

زعيمًا عظيمًا سده متراكم

يدافع عنها جهده غير وانئ

بتقديم نفسٍ مقدمًا وهو حازم

فسائل لأمريكا وسائل للندنٍ

سينبيك عن أخباره من أعاظم

فتى همه يجلي عن العرب نكبةً

إذاسامها سوء العذاب الأظالم

هلموا بنا يا قوم ندعو لربنا

يغيث به البلدان إن رام هاشم

ومن نتائج هذا الاجتماع إعلان ابن سعود الحرب على ألمانيا كما تقدم، وكان

ص: 214