الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورجال الحاشيتين، وفي الساعة الحادية عشرة تزيد خمس دقائق أطلقت طابية السويس واحدًا وعشرين مدفعًا إيذانًا بتحرك القطار الملكي الذي أخذ يتهادى في سيره بين صفوف من الجماعات لأعداد لها تحي الملكين وهما يردان التحية بخير منها، والهتافات تدوي في كل مكان، وكانت هذه الزيارة ردًا لزيارة فاروق في آخر السنة المتقدمة.
ذكر الاستقبال العظيم لابن سعود
لما أوفد الملك فاروق بدعوة رسمية يخته الملكي المحروسة يحرس اليخت المذكور الطوافة الأميرة فوزية والطوافة فاروق سار ابن سعود في عصر يوم الاثنين 4 صفر الموافق 7 يناير، فرسى في اليوم المذكور واستقبل في مصر استقبالًا عظيمًا، إن الأقلام لا تستطيع مهما كانت بالبلاغة أن تعبر عن زينة مصر وابتهاجها واستعدادها لاستقبال ضيفها ابن سعود، ولقد بالغ الكتاب ووصفوا هذه الزينة فما وصلوا إلى حدها لأنها لم تشهد مصر منذ نشأت إلى عصر التاريخ مثل هذا الاستقبال، وقد استوى الكبير والصغير في الاستعداد العظيم لابن سعود قبيل دخوله، فلقد كان هناك آلاف الأعلام السعودية تخفق وكذا الزينات تسعى إلى الشوارع والبيوت والمحال التجارية سعيًا استعداديًا، وبدت القاهرة كأنها في عرس لم يشهد التاريخ مثله، ولقد كانت شرفات البيوت ملأى بالرجال والنساء والأطفال، وازدحمت الشوارع بالناس وكان الهتاف الجهبذ يتصاعد إلى السماء، ومشى الموكب الملكي من المحطة إلى قصر عابدين العامر، وكانت مصر كلها تهتف أهلوها وضيوفها حتى بحت الأصوات ودميت الأكف من التصفيق، ولبث ابن سعود في مصر أكثر من أسبوع في ضيافة الملك فاروق مسرورًا غاية السرور، وزار المؤسسات العلمية والصناعية والمستشفيات، فزار جامعة فؤاد الأول والبرلمان والجامع الأزهر، والجامعة العربية، وسلاح المدفعية الملكي، وحديقة الحيوانات والقناطر الخيرية،
والمحلة الكبرى، وإصلاحية الأحداث، وزار الاسكندرية، كما أن جلالته استعرض الجيش المصري الباسل وأبدى اعجابه بكل ما رأى وسمع، ولقد أحصي ما أنفق فاروق لمأدبة جلالة الملك ابن سعود فبلغ مليونين بالنقود السعودية، وقد قام الملك ابن سعود وفرق أموالًا طائلة في مصر، وتبرع بما بلغ مجموعه أربعة ملايين، ثم إنه خطب الخطيب في مصر خطبة الجمعة كجد الملكين فيها بجامع الأزهر، وألقيت في الإذاعة، ولما كان يوم الثلاثاء الموافق 19 صفر غادر ابن سعود القاهرة راجعًا إلى بلاده المتعطشة إليه، وقد استعدت لاستقباله خير استعداد، وعلى أثر مغادرة ابن سعود البلاد المصرية أذاع الملك فاروق المعظم الكلمة الآتية إلى الشعب المصري:
شعبي الكريم في الوقت الذي يغادر فيه أخي صاحب الجلالة الملك المعظم عبد العزيز آل سعود مملكتكم عائدًا في رعاية الله إلى مملكته، يطيب لي أن أوجه شكري لكم فقد أكرمتموني في ضيفي، بل ضيفكم استقبلتموه بقلوبكم وأحطتموه بحبكم، ثم أطال في أن زيارته للمملكة العربية السعودية ما كان بها غريبًا، فكأنه لم يفارق وطنه ولم يفارق شعبة، وإن جلالة الملك ابن سعود في حال زيارته لمصر كان بين وطنه وأهله، وإن أيام المجد تتشابه به إلى أن قال:
شعبي المحبوب ليس أطيب عندي من أكرر شكري لكم فقد أكرمتم في شخص الملك عبد العزيز شخصي، أكرمتم مصر والعروبة والإسلام.
ولما وصل ابن سعود إلى ميناء جدة في صبيحة يوم الجمعة 22 صفر وأشرقت النفوس برؤيا محياه أقيمت الزينات ثم أذاع نداء أعرب فيه عما قام به أهل مصر من الإكرام والإحتفاء، وقال: ليس البيان بمسعف في وصف ما لاقيت في مملكة أخي الفاروق، ولكن اعتزازي أني كنت أشعر أن جيش مصر العربي هو جيشكم وجيشكم هو جيش مصر، وحضارة مصر هي حضارتكم وحضارتكم هي حضارة مصر، والجيشان والحضارتان جند العرب وركن من أركان حضارتهما، ولقد أكثر الشعر من القصيد لهذه المناسبات.