الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
من الملاحظ أن العبادات الرئيسية في الإسلام تأخذ حجماً كبيراً من تعاليمه، وذلك لأنها المراد الأكبر من بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام فقد خُلِقَ الخلقُ من أجل العبادة قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1).
ولذلك كان العكوف على دراستها والقيام بها من أعظم ما يطالب به الخلق.
ومن الملاحظ أن العقائد أخذت الحيز الأكبر من القرآن الكريم بينما العبادات الرئيسية أخذت الحيز الأكبر من السنة النبوية، وذلك أن العبادات تحتاج إلى تفصيل نظري وعملي، والسنة هي التي تقوم بهذا التفصيل مع ملاحظة أن القرآن الكريم ذكر العبادات الرئيسية كلها وفصّل في أهم قضاياها.
أما العقائد فقد كان تفصيله لها أوسع لتكون الحجة على الخلق فيها أتم، ولأنها هي بداية التوجه الصحيح نحو الله عز وجل.
لقد ذُكِرت فرضية صوم رمضان في القرآن الكريم وذكرت الحكمة في ذلك وأنها الوصول إلى تقوى الله عز وجل، فصوم رمضان عامل كبير من عوامل تحقق الإنسان بالتقوى ولذلك لم تَخْلُ شريعة منه وقد فصلنا ذلك في كتاب (الأساس في التفسير)، وقد ذكر القرآن الكريم ركن الصوم وهو الإمساك من طلوع الفجر حتى غياب الشمس كما ذكر المحظورات فيه، وذكر التدرج في تشريع الصوم حتى استقر على ما استقر عليه لأنه عبادة شاقة كانت جديدة على العرب المخاطبين الأول بهذا القرآن.
وإذا كانت الحكمة من تشريع الصوم هي الوصول إلى التقوى فقد شُرِع فيه كل ما يساعد عليها فسنت فيه صلاة التراويح وتلاوة القرآن والإنفاق في سبيل الله سوُنَّ الاعتكاف وختمت مطلوباته بصدقة الفطر لتكون كفارة للصائم مما يمكن أن يكون قد ألم بصومه، كما شرعت له؛ وفيه دعوات وأذكار، وأكدت على الصائم التزامات هي مطلوبة منه في الأصل ولكنها تزداد فيه تأكيداً من مثل ضبط اللسان والجوارح على مقتضى أمر الله عز وجل.
(1) الذاريات: 56.
وقد شرع فيه ما يعين عليه كالسحور، وبعض هذه الموضوعات جاءت في سياقات من هذا الكتاب كالتراويح وتلاوة القرآن والإنفاق وبعض سنن الرسول صلى الله عليه وسلم فيه.
وإن من المعالم البارزة في شهر رمضان: صيامه وقيامه، وعن فكرة القيام وجدت صلاة التراويح، كما أن من معالمه الاعتكاف وتحري ليلة القدر ومن معالمه أن يختم بصدقة الفطر، وقد كنا ذكرنا في جزء الصلاة ما له علاقة بصلاة التراويح وما استقر عليه العمل عند المسلمين في شأنها ولكنا نشير إلى ما لابد منه هنا. وإذا قال عز وجل:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (1) فقد فهم المسلمون من ذلك كما علموا من سنته عليه الصلاة والسلام أن يعطوا للقرآن مزيد اهتمام في رمضان تلاوة ومدارسة وتدريساً وقد مر معنا ذلك في أكثر من مكان في هذا الكتاب وتخصيصنا هذا الجزء للصوم والاعتكاف وصدقة الفطر واضح الحكمة فالصلة بين الصوم وصدقة الفطر واضحة، لأن صدقة الفطر شرعت جبراً لصيام رمضان وتحقيقاً لبعض المقاصد، لذلك جعلناها في هذا الجزء وأخرجناها عن جزء الصدقات والزكوات مع أنها صدقة ولكنا وجدنا أنها ألصق بهذا الجزء، والاعتكاف وإن كان مشروعاً في رمضان وغيره لكنه ارتبط برمضان لأن السنة الأغلبية لرسول الله صلى الله عليه وسلم إجراؤه في رمضان، وجرت عادة المسلمين في الغالب على ذلك حتى إذا ذكر الاعتكاف يتبادر للذهن مباشرة أن المراد به اعتكاف رمضان.
ولهذا كان الفقهاء المصنفون يُتبعون كتاب الصيام بكتاب الاعتكاف اقتداء بالقرآن العظيم فإنه نبَّهَ على ذكر الاعتكاف بعد ذكر الصوم، وفي ذكره تعالى الاعتكاف بعد الصيام إرشاد وتنبيه على الاعتكاف في الصيام أو في آخر شهر الصيام كما ثبت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. لذلك جعلناه في هذا الجزء كذلك.
إنه كما كان في رمضان بدء تنزل القرآن وذلك يجدد في المسلم الرغبة في أن يحيي الإسلام في نفسه وعند غيره، فإن كثيراً من معالم التاريخ الإسلامي تحددت في رمضان، وهذا يجعل رمضان شهر الأمل والعمل، إن شهر رمضان سيد الشهور. فيه بدأ نزول القرآن، وهو شهر الطاعة والقربة والبر والإحسان وشهر المغفرة والرحمة والرضوان، وبه عون المؤمن
(1) البقرة: 185.
على أمر دينه. وطلب إصلاح دنياه، وهو موسم تكثر فيه مناسبات إجابة الدعاء، والصيام فيه طاعة لله تعالى يثاب فيها المسلم ثواب الصابرين، فالصوم نصف الصبر، وكما أنه كذلك فهو كفارة للذنوب من عام لآخر، والصوم يحقق التقوى، والصوم مدرسة خُلُقية كبرى يتدرب فيها المؤمن على خصال كثيرة، فهو جهاد للنفس، ومقاومة للأهواء ونزغات الشيطان التي قد تلوح له ويتعود به الإنسان خلق الصبر على ما قد يُحرم منه، وعلى الأهوال والشدائد التي قد يتعرض لها. والصوم يعلم الأمانة والمراقبة في السر والعلن، إذ لا رقيب على الصائم في امتناعه عن الطيبات إلا الله وحده، والصوم يقوي الإرادة، ويشحذ العزيمة، ويساعد على صفاء الذهن، واتقاد الفكر، والصوم يشعر بوحدة المسلمين الحسية في المشارق والمغارب لأن ربهم واحد، وعبادتهم موحدة، وينمي الصوم في الإنسان عاطفة الرحمة والأخوة والشعور برابطة التضامن والتعاون التي تربط المسلمين فيما بينهم، والمساهمة في القضاء على غائلة الفقر والجوع والمرض، فتتقوى أواصر الروابط الاجتماعية بين الناس، والصوم يجدد حياة الإنسان بتجدد الخلايا وطرح ما شاخ منها وإراحة المعدة وجهاز الهضم، وحمية الجسد، والصيام جهاد للنفس وتخليصها مما علق بها من شوائب الدنيا وآثامها وكسر حدة الشهوة والأهواء وتهذيبها وضبطها في طعامها وشرابها.
والناس في الصوم درجات فمنهم من يصوم عن شهوتي البطن والفرج، ومنهم من يصيم مع ذلك كل جوارحه عن الآثام، ومنهم من يملأ أيام الصوم بالفكر والذكر والعمل الصالح.
وقد جعلنا هذا الجزء في ثلاثة أبواب رئيسة:
الباب الأول: في الصيام.
الباب الثاني: في الاعتكاف وليلة القدر وساعة الاستجابة كل ليلة وقيام رمضان وصلاة التراويح.
الباب الثالث: في صدقة الفطر.