المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ في التمتع: - الأساس في السنة وفقهها - العبادات في الإسلام - جـ ٦

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السادسفي الصيام والاعتكاف وإحياء ليلة القدروصلاة التراويح وفي الفطر

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولفي الصيام

- ‌عرض إجمالي

- ‌الفصل الأولفي فضل الصيام وبعضآدابه وأحكامه العامة

- ‌ الصوم لله وهو يجزي به:

- ‌ لماذا كان الصوم لله وهو يجزي به مع العلم أن العبادات كلها لله وثوابها يعود على فاعلها

- ‌ شفاعة الصوم:

- ‌ طيب الصائم والصوم:

- ‌ عظم أجر الصوم:

- ‌ باب الريان للصائمين:

- ‌ مغفرة ذنوب الصائمين:

- ‌ فتح أبواب السماء وإغلاق أبواب جهنم وتصفيد الشياطين:

- ‌ حفظ الصوم من الشوائب

- ‌ الإكثار من أعمال الخير في رمضان

- ‌ ما يقول إذا دعي الصائم إلى طعام

- ‌ فضل المضيف الصائم وما يقول إذا قدَّم طعاماً:

- ‌ السواك للصائم:

- ‌ المحافظة على السحور:

- ‌ استحباب الدعاء عند الفطر:

- ‌ تعجيل الفطر إذا دخل وقته:

- ‌ الإفطار قبل صلاة المغرب:

- ‌ ما يقول إذا رأى الهلال

- ‌ ما يقول في ليلة القدر:

- ‌ إثم المفطر:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌ الصوم لغة:

- ‌ صوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه

- ‌ متى يجب الصوم

- ‌ شروط وجوب الصوم:

- ‌ يستحب للصائم

- ‌ مكروهات الصيام:

- ‌الفصل الثانيفي ثبوت هلال رمضانوثبوت هلال شوال

- ‌مسائل وفوائد

- ‌ كيفية إثبات هلال رمضان وهلال شوال:

- ‌الفصل الثالثفي النية في صوم الفريضة وغيرها

- ‌عرض إجمالي

- ‌النية:

- ‌شروط النية:

- ‌1 - تبييت النية:

- ‌2 - تعيين النية في الفرض:

- ‌3 - الجزم بالنية:

- ‌4 - تعدد النية بتعدد الأيام:

- ‌ في صفة النية:

- ‌ نية الفريضة:

- ‌ نية صوم التطوع وإبطاله

- ‌الفصل الرابعفي السحور والإفطار ومتى يبدأصوم الصائم ومتى ينتهي

- ‌مقدمة

- ‌ فضل السحور:

- ‌ وقت السحور:

- ‌ وقت الإفطار:

- ‌ فضل تعجيل الفطر:

- ‌ على ماذا يفطر الصائم:

- ‌ الدعاء عند الإفطار:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفصل الخامسفي الأعذار التي تبيح الفطر

- ‌عرض إجمالي

- ‌ الأعذار المبيحة للفطر:

- ‌1 - السفر:

- ‌2 - المرض:

- ‌3 - 4 - الحمل والرضاع:

- ‌5 - الهرم:

- ‌6 - إرهاق الجوع والعطف:

- ‌7 - الإكراه الملجئ:

- ‌ الفطر للمسافر وفضل الفطر عند المشقة:

- ‌ حكم الإفطار لمن شرع بالسفر بعد الفجر وكان قد نوى الصيام:

- ‌ الفطر للحامل والمرضع عند المشقة:

- ‌ الفطر للشيخ الهرم:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌ من مات وعليه صيام شيء من رمضان

- ‌ فائدة حول صيام أصحاب الأعمال الشاقة:

- ‌ السائق الذي يسافر باستمرار

- ‌الفصل السادسفيما يفطر الصائم وما لا يفطرهوما يترتب على من اعتبر مفطراً

- ‌عرض إجمالي

- ‌ ما لا يفسد الصوم عند الحنفية:

- ‌ حكم الإمساك بعد الفطر بعذر:

- ‌ ما يفسد الصوم عند الحنفية

- ‌ ما يفسد الصوم عند الشافعية

- ‌ قضاء الصوم وحكمه:

- ‌ الكفارة وموجبها:

- ‌ حكم الفدية: الوجوب وسببها:

- ‌ حكم القيء:

- ‌ الحجامة للصائم:

- ‌ الكحل للصائم

- ‌ الجنابة لا تفطر الصائم:

- ‌ عدم فطر من أكل أو شرب وهو ناس:

- ‌ من ظن أن الشمس غربت فأفطر ولم تكن غربت

- ‌ في القضاء:

- ‌ في الصوم عن الميت الذي عليه قضاء الصوم:

- ‌ في الكفارة:

- ‌مسائل لم يرد فيها نص إن كانت تبطل الصوم أو لا:

- ‌ مسألة الحقنة في الجلد أو في العروق:

- ‌ القطرة في العين والأذن:

- ‌ الحقنة الشرجية والتحميلة:

- ‌ دخول الماء إلى الدبر أثناء الاستنجاء وكذا إدخال الأصبع:

- ‌ التقطير في الإحليل:

- ‌ في الجائفة والآمة:

- ‌الفصل السابعفيما يستحب صيامه

- ‌ صيام ست من شوال:

- ‌ صوم يوم عرفة التاسع من ذي الحجة:

- ‌ صيام عاشوراء:

- ‌ فضل الإكثار من الصوم مطلقاً وخاصة في رجب وشعبان:

- ‌ صيام الإثنين والخميس:

- ‌ الأيام البيض:

- ‌ التطوع بصيام ثلاثة أيام مطلقاً من كل شهر:

- ‌ صيام يوم وإفطار يوم:

- ‌الفصل الثامنفيما يحرم صيامه أو يكره

- ‌ النهي عن تطوع المرأة بالصيام إلا بإذن زوجها إن كان حاضراً:

- ‌ النهي عن صيام يومي الفطر والنحر:

- ‌ النهي عن صيام أيام التشريق:

- ‌ في يوم الشك:

- ‌ النهي عن إفراد يوم الجمعة بصوم لذاته:

- ‌ في صيام يومي السبت والأحد:

- ‌ النهي عن مواصلة الصوم والنهي عن صيام الدهر:

- ‌ حديث جامع:

- ‌الباب الثانيفي الاعتكاف وليلة القدر وساعة الاستجابةكل ليلة وقيام رمضان وصلاة التراويح

- ‌مقدمة

- ‌أولاً: الاعتكاف:

- ‌ثانياً: ليلة القدر:

- ‌ثالثاً: صلاة التراويح وقيام الليل وصلاة التهجد:

- ‌ عدد ركعات صلاة التراويح

- ‌أدلة الأئمة المجتهدين:

- ‌الفصل الأولفي الاعتكاف

- ‌ اعتكاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمانه ومكانه ومدته:

- ‌مسألة في مكان الاعتكاف:

- ‌ما يجوز للمعتكف من الأفعال:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفصل الثانيفي ليلة القدر وساعة الاستجابة

- ‌ فضل ليلة القدر:

- ‌ وقت ليلة القدر وعلاماتها:

- ‌ الاعتكاف وسط الشهر كان ابتداءً:

- ‌الباب الثالثفي صدقة الفطر

- ‌مقدمة

- ‌العرض الإجمالي

- ‌النصوص

- ‌ وجوب زكاة الفطر وحكمتها ووقتها:

- ‌ من تجب عليه ومقدارها:

- ‌خاتمة

- ‌الجزء السابعفي الحج والعمرة والهدي والأضاحيوفي العتيرة والعقيقة

- ‌مقدمة

- ‌عرض إجمالي

- ‌ الحج لغة:

- ‌ شروط الحج:

- ‌ والأعمال الرئيسية في الحج:

- ‌ والعمرة حج أصغر وأعمالها الرئيسية:

- ‌ وحَجَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم حُجة على الناس

- ‌الحج مدرسة متكاملة:

- ‌الباب الأولفي الحرمين الشريفين وبعض أحكامهماوفي المساجد الثلاثة ومسجد قباء

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأولفي فضل مكة- شرفها الله- وبعض معالمها

- ‌ في فضل مكة وما خصها الله به:

- ‌ في فضل الكعبة والحجر الأسود:

- ‌ في بناء المسجد الحرام:

- ‌ في ما يهدى إلى المسجد الحرام من مال:

- ‌ في بعض معالم مكة:

- ‌ في فضل زمزم:

- ‌ النهي عن حمل السلاح بمكة بلا حاجة:

- ‌الفصل الثانيفي فضل المدينة وبعض معالمها

- ‌ في فضل المدينة:

- ‌ حرمة المدينة:

- ‌ دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة أن تحبب للصحابة:

- ‌ فيمن أحدث في المدينة أو أراد بأهلها سوءاً:

- ‌ في الترغيب بالإقامة في المدينة:

- ‌ في فضل وادي العقيق:

- ‌ فضل جبل أحد:

- ‌ الوفاة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌ في النهي عن تسمية المدينة بيثرب:

- ‌الفصل الثالثفي المساجد الثلاثة ومسجد قباء

- ‌النصوص

- ‌الفصل الرابعفي نصوص تتحدث عما يجري لمكة والمدينة

- ‌ المدينة مجمع الإيمان:

- ‌ هجرة أهل المدينة منها:

- ‌ توسع عمران المدينة:

- ‌ حراسة الملائكة للمدينة من الدجال والطاعون:

- ‌ حراسة مكة من الدجال:

- ‌ استحلال الحرم والخسف بجيش يغزو الكعبة:

- ‌ خراب الكعبة:

- ‌ تكرار هدم البيت:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الباب الثانيفي فضل الحج والعمرة وبعض آدابهما وأحكامهما

- ‌عرض إجمالي

- ‌ الحج:

- ‌شروط وجوب الحج:

- ‌ أركان الحج عند الحنفية:

- ‌واجبات الحج خمسة:

- ‌سنن الحج:

- ‌سنن الحج العامة:

- ‌مكان الإحرام:

- ‌العمرة: لغة:

- ‌أركان العمرة:

- ‌ واجبات العمرة:

- ‌النصوص- في فضل الحج:

- ‌ الحج المبرور أفضل الجهاد:

- ‌ الحج والعمرة ينفيان الذنوب والفقر:

- ‌ فضل التلبية:

- ‌ الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة:

- ‌ فضل العمرة في رمضان:

- ‌ الحاج والمعتمر والغازي: وفود الله:

- ‌ أفضل الحج:

- ‌ الحج يهدم ما كان قبله:

- ‌ فضل الوفود على الله في كل خمسة أعوام:

- ‌ أفضل الأعمال التي أمرنا بها:

- ‌ فضل أعمال الحج:

- ‌ في فرضية الحج:

- ‌ شروط وجوب الحج:

- ‌ مشروعية العمرة:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الباب الثالثفي أشهر الحج وفي عشر ذي الحجة وفي يومعرفة ويوم النحر وأيام التشريق

- ‌ الأشهر الحرم:

- ‌ متى يحرم الحاج:

- ‌ متى يهل الحاج:

- ‌ فضل العشر الأوائل من ذي الحجة:

- ‌ فضل يوم عرفة:

- ‌ فضل يوم النحر:

- ‌الباب الرابعفي المواقيت

- ‌عرض إجمالي

- ‌النصوص

- ‌ المواقيت:

- ‌ مكان الإحرام لمن كان داخل المواقيت:

- ‌ جواز محاذاة الميقات لمن لا يمر به:

- ‌ جواز الإحرام قبل الميقات:

- ‌الباب الخامسفي أحكام الإفراد والقران والتمتعوفسخ الحج والعمرة

- ‌عرض إجمالي

- ‌النصوص

- ‌ الإفراد بالحج:

- ‌ في القران:

- ‌ من جمع بين الحج والعمرة يكفيه طواف وسعي واحد:

- ‌ في التمتع:

- ‌الباب السادسفي الإحصار والفوات والفدية والاشتراط

- ‌عرض إجمالي

- ‌أما الإحصار:

- ‌أما الفوات:

- ‌رفض الإحرام:

- ‌النصوص

- ‌ التحلل لعذر المرض وغيره:

- ‌ الاشتراط في الحج:

- ‌الصبر على المرض حتى يتحلل بعمرة:

- ‌ الإحصار بالعدو والحبس:

- ‌ ما يجب على المتحلل:

- ‌ بعث الهدي إلى الحرم لمن استطاع:

- ‌ التحلل بعمرة لمن فاته الوقوف بعرفة:

- ‌الباب السابعفي الإحرام ولباسه وفي التلبية وما يحل للمحرموما يحرم عليه وفي الجنايات على الإحرام والحج

- ‌عرض إجمالي

- ‌ دخول مكة من غير إحرام لغير مريد النسك:

- ‌ من صد عن الحرم:

- ‌ جواز الإتجار للحاج:

- ‌ بدأ الإحرام والتلبية لمريد النسك:

- ‌ ما يفعل من أراد الإحرام وجواز الطيب له:

- ‌ متى يقطع الحاج والمعتمر التلبية:

- ‌ استحباب الاغتسال لمن أراد الإحرام وجواز غسل الرأس للمحرم:

- ‌ صيغة التلبية:

- ‌ رفع الصوت بالتلبية:

- ‌ كيف كان يلبي المشركون:

- ‌ إحرام المرأة في وجهها إلا لعذر:

- ‌ جواز السروال والخف لمن لم يجد غيرهما:

- ‌ جواز إلقاء الثوب على البدن ووجوب خلع الثوب:

- ‌ خلع الثوب للمحرم:

- ‌ النهي عن الطيب للمحرم:

- ‌ احتجام المحرم:

- ‌ النهي عن الكحل وجواز تضميد العين:

- ‌ نكاح المحرم وخطبته:

- ‌ النهي عن الصيد للمحرم، وجواز أن يأكل من صيد لم يصد له ولم يعن عليه:

- ‌ حكم من صاد صيداً:

- ‌ جواز قتل المحرم الفواسق:

- ‌ ما تصنع الحائض والنفساء:

- ‌ تنظيف المحرم دابته:

- ‌ من أصاب أهله قبل أن يفيض:

- ‌ حكم من ترك شيئاً من الواجبات:

الفصل: ‌ في التمتع:

ابتاع بقديد هدياً، ثم طاف لهما طوافاً واحداً.

زاد في رواية (1): "وكان ابن عمر يقول: من جمع بين الحج والعمرة كفاه طواف واحد، ولم يحل حتى يحل منهما جميعاً".

وفي أخرى (2) نحوه، وفيه:"ثم انطلق يهل بهما جميعاً، حتى قدم مكة، فطاف بالبيت وبالصفا والمروة، ولم يزد على ذلك، ولم ينحر، ولم يحلق، ولم يقصر، ولم يحلل من شيء حرم عليه، حتى كان يوم النحر، فنحر وحلق، ورأى: أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول، قال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وفي أخرى (3) بنحوه، وقال:"فطاف لهما طوافاً واحداً، ورأى أن ذلك مجزئ عنه وأهدى".

أقول: دمج ابن عمر رضي الله عنه طواف القدوم بطواف العمرة، ودمج سعي العمرة بسعي الحج، وهذا مذهب الجمهور، وهناك اتجاه آخر: إنه لابد لكل من العمرة والحج من طواف وسعي منفصلين وهو الذي عليه مذهب الحنفية، فيأتي القارن بأفعال العمرة ثم يشرع بأفعال الحج.

-‌

‌ في التمتع:

4191 -

* روى الشيخان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال سعيد ابن المسيب: "اجتمع علي وعثمان بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة، أو العمرة، فقال له علي: ما تريد إلى أمر فعله النبي صلى الله عليه وسلم، تنهى الناس عنه؟ فقال له عثمان: دعنا عنك، قال: إني لا أستطيع أن أدعك، فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعاً.

(1) مسلم: (2/ 904) نفس الموضع السابق.

(2)

مسلم: (2/ 904) نفس الموضع السابق.

(3)

البخاري (4/ 11) 27 - كتاب المحصر، 4 - باب من قال: ليس على المحصر بدل.

4191 -

البخاري (3/ 423) 25 - كتاب الحج، 34 - باب التمتع والقران والإفراد بالحج

إلخ.

مسلم (2/ 897) 15 - كتاب الحج، 23 - باب جواز التمتع.

ص: 2873

وفي رواية (1) للبخاري: "قال مروان بن الحكم: إنه شهد عثمان وعلياً بين مكة والمدينة، وعثمان ينهى عن المتعة، وأن يجمع بينهما، فلما رأى ذلك علي أهل بهما: لبيك بعمرة وحجة، فقال عثمان: تراني أنهى الناس، وأنت تفعله؟ فقال: ما كنت لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد".

وفي رواية النسائي (2)"قال مروان: كنت جالساً عند عثمان، فسمع علياً يلبي بحجة وعمرة، فقال: ألم تكن تنهى عن هذا؟ قال: بلى، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعاً، فلم أدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك".

وفي أخرى (3)"أن عثمان كان ينهى عن المتعة، وأن يجمع بين الحج والعمرة، فقال علي: لبيك بحجة وعمرة معاً، فقال عثمان: أتفعلها وأنا أنهى عنها؟ فقال علي: لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من الناس".

قال الحافظ في "الفتح": وفي قصة عثمان وعلي من الفوائد: إشاعة العالم ما عنده من العلم وإظهاره، ومناظرة ولاة الأمور وغيرهم في تحقيقه لمن قوي على ذلك لقصد مناصحة المسلمين، والبيان بالفعل مع القول، وجواز الاستنباط من النص، لأن عثمان لم يخف عليه أن التمتع والقران جائزان، وإنما نهى عنهما ليعمل بالأفضل كما وقع لعمر. لكن خشي علي أن يحمل غيره النهي على التحريم فأشاع جواز ذلك، وكل منهما يجتهد مأجور.

وفيه: أن المجتهد لا يلزم مجتهداً آخر بتقليده لعدم إنكار عثمان على علي مع كون عثمان الإمام إذ ذاك، والله أعلم (م).

4192 -

* روى الطبراني في الأوسط عن يعلى بن أمية قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متضمخ بالخلوق عليه مقطعات قد أحرم بعمرة قال: كيف تأمرني يا رسول الله في

(1) البخاري (3/ 421، 422) 25 - كتاب الحج، 34 - باب التمتع والقران

إلخ.

(2)

النسائي (5/ 148) 24 - كتاب مناسك الحج، 49 - باب القران.

(3)

النسائي: نفس الموضع السابق.

4192 -

مجمع الزوائد (3/ 205) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح.

(متضمخ): أي متطلخ بطيب.

(مقطعات): ثياب قصار.

ص: 2874

عمرتي فأنزل الله عز وجل {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من السائل عن العمرة؟ فقال: أنا. فقال: ألق ثيابك واغتسل واستنق ما استطعت وما كنت صانعاً في حجتك فاصنعه في عمرتك".

4193 -

* روى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي رحمه الله "أن رجلاً سأل سعيد بن المسيب قال: أعتمر قبل أن أحج؟ فقال سعيد: نعم، قد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج".

4194 -

* روى أبو داود عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني عن أبيه رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا بعسفان قال له سراقة ابن مالك المدلجي: يا رسول الله، اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم، فقال: إن الله عز وجل قد أدخل عليكم في حجكم هذا عمرة، فإذا قدمتم، فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل، إلا من كان معه هدي".

أقول: في هذا الحديث: إن من كان معه هدي لا يتحلل بعد العمرة وهذا مذهب الحنفية في المتمتع إذا ساق الهدي فحكمه حكم القارن فلا يتحلل بعد العمرة بل يظل محرماً حتى ينحر الهدي يوم النحر.

4195 -

* روى مسلم عن علي رضي الله عنه قال عبد الله بن شقيق: "كان عثمان ينهى عن المتعة، وكان علي يأمر بها، فقال عثمان لعلي كلمة، فقال علي: لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أجل، ولكنا كنا خائفين".

وفي رواية (1) النسائي: قال ابن المسيب: "حج علي وعثمان، فلما كنا ببعض الطريق: نهى عثمان عن التمتع، فقال علي: إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا، فلبى علي

4193 - الموطأ (1/ 343) 20 - كتاب الحج، 17 - باب العمرة في أشهر الحج، وهو مرسل، وأخرجه البخاري موصولاً عن ابن عمر (3/ 77) في العمرة باب من اعتمر قبل الحج، قال الزرقاني في شرح الموطأ: قال ابن عبد البر: يتصل هذا الحديث من وجوه صحاح، وهو أمر مجمع عليه لا خلاف بين العلماء في جواز العمرة قبل الحج لمن شاء.

4194 -

أبو داود (2/ 159) كتاب المناسك، 24 - باب في الإقران، وإسناده حسن.

4195 -

مسلم (2/ 896) 15 - كتاب الحج، 23 - باب جواز التمتع.

(1)

النسائي (5/ 152) 24 - كتاب المناسك الحج، 50 - باب التمتع.

ص: 2875

وأصحابه بالعمرة، فلم ينههم عثمان، فقال علي: ألم أخبر أنك تنهى عن التمتع؟ قال: بلى، قال له علي: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع؟ قال: بلى".

قال النووي في "شرح مسلم": المختار أن المتعة التي نهى عنها عثمان هي التمتع المعروف في الحج. وكان عمر وعثمان ينهيان عنها نهي تنزيه لا تحريم (م).

4196 -

* روى مسلم عن أبي نضرة قال: "كان ابن عباس رضي الله عنهما يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهى عنها، قال: فذكرته لجابر، فقال: على يدي دار الحديث: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء، بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله، وأبتوا نكاح هذه النساء، فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة".

وفي أخرى (1): فافصلوا حجكم من عمرتكم فإنه أتم لحجكم، وأتم لعمرتكم.

أقول: هذا النص وأمثاله جعل الشافعية يرون أن الإفراد بالحج أفضل وهي قضية مختلف فيها.

4197 -

* روى مسلم عن مسلم القري قال: "سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن متعة الحج، فرخص فيها وكان ابن الزبير ينهى عنها فقال: هذه أم ابن الزبير تحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيها، فادخلوا عليها فاسألوها، قال: فدخلنا عليها، فإذا هي امرأة ضخمة عمياء، فقالت: قد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها".

4198 -

* روى الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وأول من نهى عنها: معاوية".

وفي رواية النسائي عن طاوس قال: "قال معاوية لابن عباس: أعلمت أني قصرت من رأس النبي صلى الله عليه وسلم عند المروة؟ قال: لا. يقول ابن عباس: هذه على معاوية،

4196 - مسلم (2/ 885) 15 - كتاب الحج، 18 - باب في المتعة بالحج والعمرة.

(1)

مسلم: (2/ 886) الموضع السابق.

(أبتوا): لغة في "بتوا" أي: اقطعوا. يقال: بت الأمر، وأبته: إذا قطعه وفصله.

4197 -

مسلم (2/ 909) 15 - كتاب الحج، 30 - باب في متعة الحج.

4198 -

الترمذي (3/ 184، 185) 7 - كتاب الحج، 12 - باب ما جاء في التمتع، وهو حديث حسن.

ص: 2876

ينهى الناس عن المتعة، وقد تمتع النبي صلى الله عليه وسلم".

قال محقق الجامع:

هذا الحديث يعارضه حديث مسلم رقم (1396): كان عثمان ينهى عن المتعة، وكان علي يأمر بها، وقد نهى عنهما عمر أيضاً، ويمكن أن يجاب: أن نهيهما محمول على التنزيه، ونهي معاوية على التحريم، فأوليته باعتبار التحريم. ويمكن الجمع بين فعلهما ونهيهما، بأن الفعل كان متأخراً لما علما جواز ذلك، ويحتمل أن يكون لبيان الجواز.

4199 -

* روى أحمد عن أبي شيخ الهنائي أن معاوية قال لنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "أتعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة يعني متعة الحج قالوا: لا".

4200 -

* روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "لقد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا- يعني: معاوية- كافر بالعرش".

يعني بالعرش: بيوت مكة في الجاهلية.

وفي رواية الموطأ (1) والترمذي (2) والنسائي (3): عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن المطلب: "أنه سمع سعد بن أبي وقاص، والضحاك ابن قيس، عام حج معاوية، يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله، فقال له سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي، فقال الضحاك: إن عمر قد نهى عن ذلك، فقال سعد: قد صنعناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره، وصنعها هو صلى الله عليه وسلم".

4199 - أحمد (4/ 95).

مجمع الزوائد (3/ 236) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله ثقات.

4200 -

مسلم (2/ 898) 15 - كتاب الحج، 23 - باب جواز التمتع.

(1)

الموطأ (1/ 344) 20 - كتاب الحج، 19 - باب ما جاء في التمتع.

(2)

الترمذي (3/ 185) 7 - كتاب الحج، 12 - باب ما جاء في التمتع، وليس عند الترمذي "عام حج معاوية". وهو حسن بشواهده.

(3)

النسائي (5/ 152، 153) 24 - كتاب مناسك الحج، 50 - باب التمتع.

(بالعرش) العرش: جمع عريش: والمراد بها: بيوت مكة، وإنما سميت بذلك لأنها كانت عيداناً تنصب وتظلل. وتسمى أيضاً: عروشاً، وإحدها عرش.

ص: 2877

قال محقق الجامع:

قال النووي في شرح مسلم (1/ 402) وفي الرواية الأخرى "المتعة في الحج" أما "العرش" بضم العين والراء: وهي بيوت مكة، كما فسره في الرواية، قال أبو عبيد: سميت بيوت مكة عرشاً لأنها عيدان تنصب، وتظلل، قال: ويقال لها أيضاً "عروش" بالواو، واحدها: عرش، كفلس وفلوس، من قال: عرش. فواحدها: عريش، كقليب وقلب.

وفي حديث آخر "أن عمر رضي الله عنه: كان إذا نظر إلى عروش مكة: قطع التلبية".

وأما قوله: وهذا يومئذ كافر بالعرش، فالإشارة "بهذا" إلى معاوية بن أبي سفيان. وفي المراد بالكفر ها هنا وجهان، أحدهما- ما قاله المازري وغيره- المراد: وهو مقيم في بيوت مكة، قال ثعلب: يقال: اكتفر الرجل: إذا لزم الكفور، وهي القرى. وفي الأثر عن عمر رضي الله عنه "أهل الكفور: هم أهل القبور" يعني: القرى البعيدة عن الأمصار، وعن العلماء. والوجه الثاني: المراد بالكفر: الكفر بالله تعالى، والمراد: أنا تمتعنا، ومعاوية يومئذ كافر على دين الجاهلية، مقيم بمكة، وهذا اختيار القاضي عياض وغيره، وهو الصحيح المختار. والمراد بالمتعة: العمرة التي كانت سنة سبع من الهجرة، وهي عمرة القضاء، وكان معاوية يومئذ كافراً، وإنما أسلم بعد ذلك عام الفتح سنة ثمان. وقيل: إنه أسلم بعد عمرة القضاء سنة سبع: والصحيح: الأول.

وأما غير هذه العمرة من عمر النبي صلى الله عليه وسلم. فلم يكن معاوية فيها كافراً، ولا مقيماً بمكة، بل كان معه النبي صلى الله عليه وسلم.

قال القاضي عياض: وقال بعضهم "كافر بالعرش" بفتح العين وإسكان الراء، والمراد: عرش الرحمن. قال القاضي: وهذا تصحيف. وفي هذا الحديث: جواز المتعة في الحج.

أقول: الملاحظ أن علياً رضي الله عنه قد خالف عثمان وهو خليفة ندما رأى أن عثمان أراد أن ينهى عن سنة وأن الصحابة قد اعترضوا على معاوية وهو ولي الأمر وقتذاك؛ لأنه أراد أن ينهى عن سنة ومن ها هنا نعرف أن قول العلماء إذا أمر ولي الأمر بمباح؛ فقد

ص: 2878

أصبح واجباً: أن هذه القاعدة مقيدة بأن يكون أمره سائغاً شرعاً ويحقق مصلحة، بل ينبغي أن يكون في عصرنا مقيداً بشكل ما بإجازة الشورى من أهلها. والحقيقة أن فقه الطاعة بالمعروف من أهم الأمور في عصرنا، فكثيرون من الناس يفهمون فكرة السمع والطاعة فهماً خاطئاً.

4201 -

* روى النسائي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت عمر يقول: "والله، لا أنهاكم عن المتعة، فإنها لفي كتاب الله، ولقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: العمرة في الحج".

4202 -

* روى الترمذي عن سالم بن عبد الله رحمه الله سمع رجلاً من أهل الشام وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج؟ فقال عبد الله بن عمر: "أرأيت إن كان أبي نهى عنها، وصنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأمر أبي يتبع، أم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال الرجل: بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم".

4203 -

* روى الشيخان عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: "أنزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء" قال البخاري "يقال: إنه عمر".

وفي رواية (1)"نزلت آية المتعة في كتاب الله- يعني: متعة الحج، ولم ينه عنها حتى مات".

وفي أخرى (2) قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بين الحج والعمرة، وتمتع نبي الله صلى الله عليه وسلم، وتمتعنا معه، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعمر طائفة من أهله في العشر، فلم تنزل آية تنسخ ذلك، ولم ينه عنه حتى مضى لوجهه".

وفيها: "وقد كان يسلم علي، حتى اكتويت فتركت، ثم تركت الكي فعاد".

4201 - النسائي (5/ 153) 24 - كتاب مناسك الحج، 50 - باب التمتع، وإسناده صحيح.

4202 -

الترمذي (3/ 185) 7 - كتاب الحج، 12 - باب ما جاء في التمتع، وإسناده صحيح.

4203 -

البخاري (8/ 186) 65 - كتاب التفسير، 33 - باب {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} .

مسلم (2/ 899) 15 - كتاب الحج، 23 - باب جواز التمتع.

(1)

مسلم: الموضع السابق ص (900).

(2)

مسلم: الموضع السابق ص (898، 899).

ص: 2879

وفي رواية النسائي (1) قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حجة وعمرة، ثم توفي قبل أن ينهى عنها، وقبل أن ينزل القرآن بتحريمه".

وفي أخرى (2)"جمع بين حجة وعمرة، ثم لم ينزل فيهما كتاب، ولم ينه عنهما النبي صلى الله عليه وسلم، قال قائل فيهما برأيه ما شاء".

وفي أخرى (3)"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تمتع وتمتعنا معه، قال فيها قائل برأيه".

"وفي الحديث من الفوائد: جواز نسخ القرآن ولا خلاف فيه، وجواز نسخه بالسنة وفيه اختلاف شهير. ووجه الدلالة منه قوله: ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مفهومه أنه لو نهى عنها لامتنعت، ويستلزم رفع الحكم. ومقتضاه جواز النسخ، وقد يؤخذ منه أن الإجماع لا ينسخ به لكونه حصر وجوه المنع في نزول آية أو نهي من النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه نوع الاجتهاد في الأحكام بين الصحابة، وإنكار بعض المجتهدين على بعض بالنص"[م].

أقول: تسليم الملائكة على عمران بن حصين رضي الله عنه دليل على أن انكشاف شيء من أمر الغيب لبعض المسلمين جائز شرعاً وواقع فعلاً، ونسأل الله أن لا يحرمنا من فضله.

4204 -

* روى الجماعة إلا الموطأ والترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى، فساق معه الهدي

(1) النسائي (5/ 149) 24 - كتاب مناسك الحج، 49 - باب القران.

(2)

النسائي: نفس الموضع السابق.

(3)

النسائي (5/ 155) 24 - كتاب مناسك الحج، 50 - باب التمتع.

(يسلم علي حتى اكتويت) أراد بقوله "يسلم علي" يعني: الملائكة كانوا يسلمون عليه. فلما اكتوى تركوا السلام عليه. يعني: أن الكي يقدح في أعلى درجات التوكل والتسليم إلى الله تعالى، والصبر على ما يبتلى به العبد، وطلب الشفاء من عند الله تعالى. وليس ذلك قادحاً في جواز الكي، وإنما هو قادح في أعلى مقام للتوكل، وهي درجة عالية وراء مباشرة الأسباب وهذه الدرجة خاصة ببعض الناس ولا تطيقها العامة، ومن ها هنا نعرف لماذا لم يوجب بعض الفقهاء التداوي، وهي مسألة مختلف فيها والذي نرجحه أن الدواء إذا تعين شفاء لا شك فيه فقد وجب أخذه على المستطيع.

4204 -

البخاري (3/ 539) 25 - كتاب الحج، 104 - باب من ساق البدن معه.

مسلم (2/ 901) 15 - كتاب الحج، 24 - باب وجوب الدم على المتمتع

إلخ.

أبو داود (2/ 160، 161) كتاب المناسك، 24 - باب في الإقران.

النسائي (5/ 151، 152) 24 - كتاب مناسك الحج، 50 - باب التمتع.

(خب) الخبب: ضرب من المشي سريع.

(أطواف): جمع طوف، والطواف مصدر: طفت بالشيء إذا درت حوله، وهو والطواف بمعنى.

ص: 2880

من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى، فساق الهدي ومنهم من لم يهد، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه، حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر وليحلل، ثم ليهل بالحج وليهد، فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة، فاستلم الركن أول شيء، ثم خب ثلاثة أطواف من السبع، ومشى أربعة أطواف، ثم ركع حين قضي طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سلم، فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر، وأفاض فطاف بالبيت، ثم حل من كل شيء حرم منه، وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أهدى فساق الهدي من الناس".

أقول: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قارناً بالحج، وأمر أصحابه ممن لم يسق الهدي أن يتمتع وقد يطلق التمتع على القران توسعاً، وهذا الذي نجده في كثير من الروايات، إذ يوصف حج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتمتع مع أنه قارن وذلك بالتوسع بالعبارة، ثم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر تمتع أصحابه بل أمرهم به.

4205 -

* روى مسلم عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمين، فلما قدمنا مكة، قال رسول الله:"من كان معه هدي فليقم على إحرامه، ومن لم يكن معه هدي فليحلل، فلم يكن معي هدي. فحللت، وكان مع الزبير هدي، فلم يحل، قالت: فلبست ثيابي، ثم خرجت، فجلست إلى جنب الزبير. فقال لي: قومي عني فقلت: أتخشى أن أثب عليك؟ ".

وفي رواية (1): قالت: "قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهلين بالحج- وذكر الحديث- قال: فقال: استرخي عني، استرخي عني".

4205 - مسلم (2/ 907، 908) 15 - كتاب الحج، باب ما يلزم، من طاف بالبيت وسعى

إلخ النسائي (5/ 246) 24 - كتاب مناسك الحج، 186 - ما يفعل من أهل بعمرة وأهدى، إلا أن عند النسائي "أستأخري عني".

(1)

مسلم: نفس الموضع السابق ص (908).

ص: 2881

قوله: قومي عني إنما أمرها بالقيام مخافة من عارض قد يبدو منه: كلمس بشهوة، أو نحوه، فإن اللمس بشهوة: حرام في الإحرام، فاحتاط لنفسه بمباعدتها، من حيث أنها زوجة متحللة، تطمع بها النفس، قاله النووي. [م].

4206 -

* روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، وكانوا- أي العرب في الجاهلية- يسمون المحرم صفر، ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر: حلت العمرة لمن اعتمر، قال: فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة، مهلين بالحج، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم: أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله، أي الحل؟ قال: الحل كله".

قال البخاري: قال ابن المديني: قال لنا سفيان: "كان عمرو يقول: إن هذا الحديث له شأن".

وفي أخرى (1) قال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة يلبون بالحج، فأمرهم: أن يجعلوها عمرة، إلا من معه هدي".

وفي أخرى (2) قال: "أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فقدم لأربع مضين من ذي الحجة، فصلى الصبح، وقال- حين صلى-: من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها عمرة".

ومنهم من قال: "فصلى الصبح بالبطحاء".

ومنهم من قال: "بذي طوى".

وعند مسلم (3) أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن معه الهدي فليحل الحل كله، فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة".

4206 - البخاري (3/ 422) 25 - كتاب الحج، 34 - باب التمتع والقرآن والإفراد بالحج

إلخ وطرف هذا الحديث في البخاري رقم (3832).

مسلم (2/ 909، 910) 15 - كتاب الحج، 31 - باب جواز العمرة في أشهر الحج.

(1)

البخاري (2/ 565) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 3 - باب كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في حجته؟.

(2)

مسلم: نفس الموضع السابق ص (910، 911).

(3)

مسلم: نفس الموضع السابق ص (911).

ص: 2882

وأخرج أبو داود (1) قال: "والله، ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة في ذي الحجة، إلا ليقطع بذاك أمر أهل الشرك، فإن هذا الحي من قريش ومن دان بدينهم، كانوا يقولون: إذا عفا الوبر، وبرأ الدبر، ودخل صفر، فقد حلت العمرة لمن اعتمر، فكانوا يُحَرِّمُونَ العمرة، حتى ينسلخ ذو الحجة والمحرم".

وله في أخرى (2): قال "أهل النبي صلى الله عليه وسلم بالحج، فلما قدم، طاف بالبيت، وبين الصفا والمروة- قال ابن شوكر: ولم يقصر، ثم اتفقا- قال: ولم يحل من أجل الهدي، وأمر من لم يكن ساق الهدي: أن يطوف ويسعى، ويقصر، ثم يحل- قال ابن منيع في حديثه: أو يحلق، ثم يحل".

وأخرج النسائي (3) الرواية الأولى، وقال:"عفا الوبر" بدل "الأثر".

وزاد بعد قوله: "وانسلخ صفر" أو قال: "دخل صفر".

وفي أخرى (4) للنسائي قال: "أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة، وأهل أصحابه بالحج، وأمر من لمي كن معه الهدي: أن يحل، وكان فيمن لم يكن معه الهدي: طلحة بن عبيد الله، ورجل آخر، فأحلا".

وفي أخرى (5) له قال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة، وهمي لبون بالحج، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلوا".

وفي أخرى (6) له "لأربع مضين من ذي الحجة، وقد أهل بالحج وصلى الصبح

(1) أبو داود (2/ 204) كتاب المناسك، باب العمرة.

(2)

أبو داود (2/ 156، 157) كتاب المناسك، 23 - باب في إفراد الحج.

(3)

النسائي (5/ 180، 181) 24 - كتاب مناسك الحج، 77 - إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي.

(4)

النسائي: الموضع السابق ص (181).

(5)

النسائي (5/ 201) 24 - كتاب مناسك الحج، 108 - الوقت الذي وافى فيه النبي صلى الله عليه وسلم مكة.

(6)

النسائي: الموضع السابق ص (201، 202).

قال ابن الأثير: (أفجر الفجور): الفجور: الميل عن الواجب يقال للكاذب فاجر، وللمكذب بالحق: فاجر.

(برأ الدبر) الدبر: جمع دبرة، وهي العقر في ظهر البعير. تقول: دبر البعير- بالكسر- وأدبره القتب.

(عفا): الشيء: إذا زاد وكثر ونما. والوبر: وبر الإبل. وأما الرواية الأخرى وهي "عفا الأثر" فإن عفا بمعنى: درس.

ص: 2883

بالبطحاء، وقال: من شاء أن يجعلها عمرة فليفعل".

"بذي طوى" بفتح الطاء وضمها وكسرها، ثلاث لغات حكاهن القاضي وغيره، الأصح الأشهر: الفتح ولم يذكر الأصمعي وآخرون غيره، وهو مقصور منون، وهو واد معروف بقرب مكة. قال القاضي: ووقع لبعض الرواة في البخاري بالمد، وكذا ذكره ثابت، قاله النووي (م).

قوله عليه السلام: "فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة".

قال النووي في "شرح مسلم"(1/ 393): اختلف العلماء في معناه على أقوال، أصحها وبه قال جمهورهم: معناه: أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى يوم القيامة، والمقصود به بيان إبطال ما كانت الجاهلية تزعمه من امتناع العمرة في أشهر الحج. والثاني: معناه: جواز القران، وتقدير الكلام: دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إلى يوم القيامة. والثالث: تأويل بعض القائلين بأن العمرة ليست واجبة، قالوا: معناه: سقوط العمرة، قالوا: ودخولها في الحج معناه: سقوط وجوبها، وهذا ضعيف أو باطل، وسياق الحديث يقتضي بطلانه. والرابع: تأويل بعض أهل الظاهر أن معناه: جواز فسخ الحج إلى العمرة، وهذا أيضاً ضعيف.

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(3/ 485): وتعقب بأن سياق السؤال يقوي هذا التأويل (يعني فسخ الحج إلى العمرة) بل الظاهر أن السؤال وقع عن الفسخ، والجواب وقع عما هو أعم من ذلك حتى يتناول التأويلات المذكورة إلا الثالث، والله أعلم.

قال محقق الجامع: والذي عليه الحنابلة هو استحباب فسخ الحج إلى العمرة لمن كان مفرداً أو (1)

(1)(حلت العمرة لمن اعتمر) كانوا لا يعتمرون في الأشهر الحرم حتى تنسلخ، فذلك معنى قوله "ودخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر" لأن بدخول صفر تنسلخ الأشهر الحرم، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم.

(دان بدينهم): الدين: الطاعة. ودان فلان بدين كذا: أخذ به وتابعه واقتدى به.

(دخلت العمرة في الحج) قال الخطابي: اختلف الناس في تأويل ذلك. فقالت طائفة: إن العمرة واجبة، وإليه ذهب الشافعي. وقال أصحاب الرأي: ليست واجبة. واستدلوا على ذلك بقوله: "دخلت العمرة في الحج" فسقط فرضها بالحج. وقال الموجبون: إن عملها قد دخل في عمل الحج. فلا نرى على القارن أكثر من إحرام واحد. وقيل: بل معناه: أنها قد دخلت في وقت الحج وشهوره. وكان أهل الجاهلية لا يعتمرون في أشهر الحج. فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

ص: 2884

قارناً إذا لم يسق الهدي، وقد اتفق جمهور العلماء على جواز الأنساك الثلاثة، واختلفوا في أفضليتها، فقال الشافعي ومالك وآخرون: أفضلها الإفراد، وقال أبو حنيفة وآخرون: أفضلها القران، وقال أحمد وآخرون: أفضلها التمتع، وهو أن يحرم بالعمرة أولاً، فإذا فرغ منها أحرم بحج.

وقد قال موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي في "المغني"(3/ 398): ومن كان مفرداً أو قارناً أحببنا له أن يفسخ إذا طاف وسعى ويجعلها عمرة، إلا أن يكون معه هدي فيكون على إحرامه، أما إذا كان معه هدي، فليس له أن يحل من إحرام الحج ويجعله بغير خلاف نعلمه. وأما من لا هدي معه ممن كان مفرداً أو قارناً فيستحب له إذا طاف وسعى أني فسخ نيته بالحج، وينوي عمرة مفردة، فيقصر ويحل من إحرامه متمتعاً إن لم يكن وقف بعرفة. قال: وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه في حجة الوداع الذين أفردوا الحج وقرنوا أن يحلوا كلهم ويجعلوها عمرة، إلا من كان معه الهدي، وثبت ذلك في أحاديث كثيرة. قال: وقد روى فسخ الحج: ابن عمر، وابن عباس، وجابر، وعائشة، وأحاديثهم متفق عليها، ورواه غيرهم وأحاديثهم كلها صحاح.

قال محقق الجامع: هذه هي أقوال جمهور الفقهاء باختصار في جواز الأنساك الثلاثة، وخلافهم في الأفضل منها فقط. وهو رأي جمهور المحدثين والمفسرين، وجل ما هنالك أن التمتع أفضل عند الإمام أحمد ومن تبعه، وقد خالف جمهور هؤلاء العلماء في هذا: ابن حزم في "المحلى" وابن قيم الجوزية في "زاد الميعاد" فقالا بوجوب فسخ الحج إلى العمرة لمن لم يسق الهدي، متبعين في ذلك بعض من خالف الجمهور قبلهم.

4207 -

* روى ابن خزيمة عن عائشة، قالت: قدم النبي صلى الله عليه وسلم لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس، فدخل علي وهو غضبان، فقلت: من أغضبك؟ فقال: "أما شعرت إني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون. قال الحاكم: يترددون- أحسب- لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي حتى أشتريه ثم أحل كما حلوا".

4207 - ابن خزيمة (4/ 165، 166) كتاب المناسك، 538 - باب استحباب التمتع بالعمرة إلى الحج

إلخ، وهو حديث صحيح.

ص: 2885

4208 -

* روى البخاري عن أبي جمرة قال: "سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن المتعة؟ فأمرني بها. وسألته عن الهدي؟ فقال: فيها جزور، أو بقرة. أو شاة، أو شرك في دم. قال: وكان ناس كرهوها، فنمت، فرأيت في المنام: كأن إنساناً ينادي: حج مبرور ومتعة متقبلة، فأتيت ابن عباس، فحدثته، فقال: الله أكبر، الله أكبر، سُنَّة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم".

وفي رواية مسلم (1): قال أبو جمرة: "تمتعت، فنهاني ناس عن ذلك، فأتيت ابن عباس فسألته عن ذلك فأمرني بها، قال: ثم انطلقت إلى البيت فنمت، فأتاني آت في منامي، فقال: عمرة متقبلة، وحج مبرور، فأتيت ابن عباس فأخبرته، فقال: الله أكبر، سُنَّة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم".

4209 -

* روى البخاري تعليقاً عن عكرمة قال: "إن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن متعة الحج؟ فقال: أهل المهاجرون والأنصار، وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم: في حجة الوداع، وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة، إلا من قلد الهدي" طفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: "من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله" ثم أمرنا عشية التروية: أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت،

4208 - البخاري (3/ 534) 25 - كتاب الحج، 102 - باب {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ

}.

(1)

مسلم (2/ 911) 15 - كتاب الحج، 31 - باب جواز العمرة في أشهر الحج.

(جزور): الجزور من الإبل: يقع على الذكر والأنثى. والجمع: الجزر، واللفظة مؤنثة.

(مبرور): الحج المبرور: هو الذي لا يخالطه شيء من المأثم.

(الشرك): هنا: الحصة والنصيب. بحيث يشترك أكثر من شخص في تقديم الهدي، بحيث يشترك حتى السبعة في البدنة من الإبل أو البقر.

4209 -

البخاري (3/ 433) 25 - كتاب الحج، 37 - باب قول الله تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وقال البخاري بعد أن علقه: وقال أبو كامل: عن أبي معشر عن عثمان بن غياث عن عكرمة، وقد وصله الإسماعيلي.

(قلد): تقليد الهدي: أن يجعل في أعناقه القلائد من أي شيء كان، علامة أنه هدي.

ص: 2886

وبالصفا والمروة، وقد تم حجنا، وعلينا الهدي، كما قال تعالى:(فما استيسر من الهدي، فإن لم تجدوا، فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعتم) إلى أمصاركم. الشاة تجزئ، فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة، فإن الله أنزله في كتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأباحه للناس، غير أهل مكة، قال الله تعالى:(ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) وأشهر الحج التي ذكر الله: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، فمن تمتع في هذه الأشهر: فعليه دم، أو صوم. والرفث: الجماع، والفسوق: المعاصي، والجدال: المراء".

أقول: إنما يعتبر الإنسان متمتعاً أو قارناً إذا أدى العمرة في أشهر الحج (شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة)، فمن أدى العمرة في هذه الأشهر فإن أحل بعدها فهو متمتع وإن لم يحل فهو قارن، وفي الحالتين فإن عليه دماً، فإن لم يجد فعليه صيام ثلاثة أيام قبل العاشر من ذي الحجة وسبعة بعدها، والأفضل أن يؤخرها حتى يرجع إلى أهله، وقوله في النص:(غير أهل مكة): كذلك قوله تعالى في القرآن بعد أن أباح التمتع: (ذلك لمن يكن أهله حاضري المسجد الحرام): ذهب أبو حنيفة إلى أن قوله "ذلك" إشارة إلى التمتع المفهوم من قوله (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج

) فلا متعة ولا قران لحاضري المسجد.

وذهب الشافعي إلى أن قوله "ذلك" إشارة إلى لزوم الهدي على التمتع فيلزم الآفاقي المتمتع ولا يلزم المكي المتمتع.

4210 -

* روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمرة، وأهل أصحابه بحج".

4211 -

* روى ابن خزيمة عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس عام حجة الوداع، فقال:"من أحب أن يرجع بعمرة قبل الحج فليفعل".

4210 - أبو داود (2/ 160) كتاب المناسك، 24 - باب في الإقران، وإسناده صحيح.

4211 -

ابن خزيمة (4/ 362) كتاب المناسك، 886 - باب إباحة العمرة في أشهر الحج .. إلخ، وإسناده حسن صحيح.

ص: 2887

4212 -

* روى مالك في الموطأ عن سعيد بن المسيب "أن عمر بن أبي سلمة استأذن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أن يعتمر في شوال، فأذن له، فاعتمر ثم قفل إلى أهله، ولم يحج".

4213 -

* روى البخاري عن عكرمة بن خالد المخزومي رحمه الله قال: "سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن العمرة قبل الحج؟ قال: لا بأس، اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحج".

4214 -

* روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "أهل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحج، وليس مع أحد منهم هدي غير النبي وطلحة، فقدم علي من اليمن معه هدي، فقال: أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه: أن يجعلوها عمرة ويطوفوا، ثم يقصروا ويحلوا، إلا من كان معه الهدي، فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لو استقبلت. من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت. وحاضت عائشة، فنسكت المناسك كلها، غير أن لم تطف بالبيت، فلما طافت بالبيت، قالت: يا رسول الله، تنطلقون بحجة وعمرة، وأنطلق بحجة؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر: أن يخرج معها إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج".

وفي رواية للبخاري (1) "أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ساق الهدي معه، وقد أهلوا بالحج مفرداً، فقال لهم: أحلوا من إحرامكم، واجعلوا التي قدمتم بها متعة، فقالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ فقال: افعلوا ما أقول لكم، فلولا أني سقت الهدي

4212 - الموطأ (1/ 343) 20 - كتاب الحج، 17 - باب العمرة في أشهر الحج، وإسناده صحيح.

4213 -

البخاري (3/ 598، 599) 26 - كتاب العمرة، 2 - باب من اعتمر قبل الحج.

4214 -

البخاري (3/ 504) 25 - كتاب الحج، 81 - باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت

إلخ.

مسلم (2/ 879) 15 - كتاب الحج، 17 - بيان وجوه الإحرام

إلخ.

(1)

البخاري (3/ 422) 25 - كتاب الحج، 34 - باب التمتع والقران

إلخ.

ص: 2888

لفعلت مثل الذي أمرتكم، ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله. ففعلوا".

وفي رواية (1) له نحوه، وفيه "وقدمنا مكة لأربع خلون من ذي الحجة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم: أن نطوف بالبيت وبالصفا والمروة، ونجعلها عمرة ونحل، إلا من معه هدي".

وفيه "ولقيه سراقة بن مالك وهو يرمي الجمرة بالعقبة، فقال: يا رسول الله، ألنا هذه خاصة؟ قال: بل للأبد- وذكر قصة عائشة، واعتمارها من التنعيم".

وفي أخرى (2) له قال: "أهللنا- أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالحج خالصاً وحده. فقدم النبي صلى الله عليه وسلم صبح رابعة مضت من ذي الحجة، فأمرنا: أن نحل".

وذكر نحوه، وقول سراقة، ولم يذكر قصة عائشة.

وفي أخرى (3) له: قال "أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج. فلما قدمنا مكة: أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة، فكبر ذلك علينا، وضاقت به صدورنا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فما ندري أشيء بلغه من السماء، أم شيء من قبل الناس؟ فقال: يا أيها الناس أحلوا، فلولا الهدي الذي معي فعلت كما فعلتم، قال: فأحللنا، حتى وطئنا النساء، وفعلنا ما يفعل الحلال، حتى إذا كان يوم التروية، وجعلنا مكة بظهر: أهللنا بالحج".

وفي أخرى (4) للبخاري ومسلم مختصراً، قال:"قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نقول: لبيك بالحج، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلناها عمرة".

(1) البخاري (13/ 218) 94 - كتاب التمني، 3 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لو استقبلت من أمري ما استدبرت".

(2)

البخاري (13/ 337) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 27 - باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم على التحريم، إلا ما تعرف إباحته.

(3)

مسلم (2/ 884) 15 - كتاب الحج، 17 - باب بيان وجوه الإحرام

إلخ.

(4)

البخاري (3/ 432) 25 - كتاب الحج، 35 - باب من لبى بالحج وسماه.

مسلم (2/ 886) 15 - كتاب الحج، 18 - باب في المتعة بالحج والعمرة.

ص: 2889

وفي رواية لمسلم (1): قال: "أقبلنا مهلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج مفرد، وأقبلت عائشة بعمرة، حتى إذا كنا بسرف عركت، حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة والصفا والمروة، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يحل منا من لم يكن معه هدي، قال: فقلنا: حل ماذا؟ قال: الحل كله، فواقعنا النساء، وتطيبنا بالطيب، ولبسنا ثياباً، وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال، ثم أهللنا يوم التروية، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة، فوجدها تبكي، فقال: ما شأنك؟ قالت: شأني أني قد حضت، وقد حل الناس، ولم أحلل، ولم أطف بالبيت، والناس يذهبون إلى الحج الآن. فقال: "إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي، ثم أهلي بالحج". ففعلت، ووقفت المواقف كلها، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة، ثم قال: "قد حللت من حجك وعمرتك جميعاً، فقالت: يا رسول الله، إني أجد في نفسي: أني لم أطف بالبيت حين حججت، قال:"فاذهب بها يا عبد الرحمن، فأعمرها من التنعيم، وذلك ليلة الحصبة".

زاد في رواية (2)"وكان النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً سهلاً، إذا هويت الشيء تابعها عليه".

وفي أخرى (3) لمسلم نحوه، وقال:"فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج، وكفانا الطواف الأول بين الصفا والمروة، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر: كل سبعة منا في بدنة".

وفي أخرى له (4) عن عطاء قال: سمعت جابر بن عبد الله في ناس معي، قال: "أهللنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالحج خالصاً وحده، قال عطاء: قال جابر: فقدم النبي صلى الله عليه وسلم صبح رابعة من ذي الحجة، فأمرنا أن نحل- قال عطاء: قال: حلوا وأصيبوا النساء. قال عطاء: ولم يعزم عليهم، ولكن أحلهن لهم. فقلنا: لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس، أمرنا أن نفضي إلى نسائنا، فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المني- قال: يقول جابر

(1) مسلم (2/ 881) 15 - كتاب الحج، 17 - باب بيان وجوه الإحرام

إلخ.

(2)

مسلم: الموضع السابق ص (882).

(3)

مسلم: نفس الموضع السابق.

(4)

مسلم: نفس الموضع السابق ص (883، 884).

(عركت) المرأة: إذا حاضت.

"التنعيم" أقرب الحل من طريق المدينة على فرسخين أو أربعة من مكة، وسمي بذلك، لأن عن يمينه جبلاً يقال له: نعيم. وعن شماله آخر يسمى: ناعم، والوادي بينهما نعمان.

(ليلة الحصبة) التحصيب: النوم بالشعب الذي مخرجه إلى الأبطح ساعة من الليل وكان موضعاً نزله النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يسنه للناس فمن شاء حصب ومن شاء لم يحصب. والمحصب أيضاً: موضع الجمار بمنى، وليس هذا.

ص: 2890

بيده- كأني أنظر إلى قوله بيده يحركها- قال: فقام النبي صلى الله عليه وسلم فينا، فقال: قد علمتم: أني أتقاكم لله عز وجل، وأصدقكم وأبركم، ولولا هديي لحللت كما تحلون، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، فحلوا، فحللنا، وسمعنا وأطعنا، قال عطاء: قال جابر: فقدم علي من سعايته فقال: بم أهللت؟ قال: بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأهد، وامكث حراماً، قال وأهدى له عليٌّ هدياً. فقال سراقة بن مالك ابن جعشم يا رسول الله، لعامنا هذا، أم للأبد؟ قال: للأبد".

وفي أخرى (1) له قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما أحللنا: أن نحرم إذا توجهنا إلى منى، قال: فأهللنا من الأبطح".

وفي أخرى (2) له قال: "لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه بين الصفا والمروة، إلا طوافاً واحداً: طوافه الأول".

وأخرج أبو داود (3): "أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج خالصاً، لا يخالطه شيء. فقدمنا مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة فطفنا وسعينا، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحل، وقال: لولا الهدي لحللت. فقام سراقة بن مالك، فقال: يا رسول الله، أرأيت متعتنا هذه: ألعامنا، أم للأبد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هي للأبد".

أقول: من سياسات النبوة: أن يعلل رسول الله صلى الله عليه وسلم أفعاله ليكون قناعة عند أصحابه وهذا شيء يغفل عنه كثير من الكبراء مفترضين بالناس التسليم لفعالهم بلا قيد ولا شرط ولا قناعة وفي سياسات النبوة المياسرة فيما ليس فيه ضرر ولا حرج ولا إثم ولذلك رأينا في النص: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً سهلاً إذا هويت الشيء تابعها عليه".

وهو شيء يغفل عنه كثير من الناس، فبدلاً من أن يكون الأصل هو المطاوعة للزوجة والأتباع يجعلون الأصل هو المعاكسة، وهو شيء خلاف الأصل فيما لا ضرر ولا حرج ولا إثم فيه.

(1) مسلم: نفس الموضع السابق ص (882).

(2)

مسلم: نفس الموضع السابق ص (883).

(3)

أبو داود (2/ 155) كتاب المناسك، 23 - باب في إفراد الحج.

(السعاية) العمل على جمع الصدقة. وكان علي قد أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ساعياً فقدم منها ومعه إبل ساقها هدياً.

ص: 2891

4215 -

* روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء، فقال: بم أهللت؟ قلت: بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم. قال: هل سقت الهدي؟ قلت: لا. قال: فطف بالبيت والصفا والمروة، ثم حل، فطفت بالبيت وبالصفا والمروة، ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي، وكنت أفتي بذلك الناس، فلم أزل أفتي بذلك من يسألني في إمارة أبي بكر، فلما مات وكان عمر: إني لقائم في الموسم، إذ جاءني رجل، فقال: اتئد في فتياك، إنك لا تدري ما يحدث أمير المؤمنين في شأن النسك، فقلت: أيها الناس، من كنا أفتيناه بشيء فليتئد، فهذا أمير المؤمنين قادم عليكم فبه فائتموا. فلما قدم قلت له: يا أمير المؤمنين، ما هذا الذي بلغني، أحدثت في شأن النسك؟ فقال: إن نأخذ بكتاب الله تعالى، فإن الله يقول: (وأتموا الحج والعمرة لله) (1) وإن نأخذ بسنة رسول الله- وقد قال: خذو عني مناسككم- فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى نحر الهدي".

وفي رواية مسلم (2) والنسائي (3) أيضاً "أن أبا موسى كان يفتي بالمتعة، فقال لهر جل: رويدك ببعض فتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين، فلقيه بعد فسأله؟ فقال له عمر: قد علمت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت: أن يظلوا معرسين بهن في الأراك، ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم".

أقول: قوله: (ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي): الظاهر أنه قد جاء إلى زوجته وإلا فحاشاه أن يأتي إلى امرأة لا تحل له فتفعل به ذلك.

4216 -

* روى ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نرى إلا الحج حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، فطاف بالبيت سبعاً، وصلى خلف المقام

4215 - البخاري (3/ 416) 25 - كتاب الحج، 32 - باب من أهل في زمن النبي .... إلخ.

النسائي (5/ 154) 24 - كتاب مناسك الحج، 50 - باب التمتع.

(1)

البقرة: 196.

(2)

مسلم (2/ 896) 15 - كتاب الحج، 22 - باب في نسخ التحلل من الإحرام .. إلخ.

(3)

النسائي (5/ 153) الموضع السابق.

(اتئد): أمر بالتؤدة، وهي التأني في الأمور والتثبت.

4216 -

ابن خزيمة (4/ 170، 171) كتاب المناسك، 550 - باب إباحة الإحرام من غير تسمية حج ولا عمرة

إلخ، وهو صحيح.

ص: 2892

ركعتين، ثم قال:"نبدأ بالذي بدأ الله به"، فبدأ بالصفا، حتى فرغ من أخر سبعة على المروة، فجاءه علي بن أبي طالب بهديه من اليمن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بم أهللت؟ " قال: قلت: "اللهم إني أهل بما أهل به رسولك.

قال ابن خزيمة: فقد أهل علي بن أبي طالب بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو غير عالم في وقت إهلاله ما الذي به أهل النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان مهلاً من طريق المدينة، وكان علي بن أبي طالب رحمه الله من ناحية اليمن، وإنما علم علي بن أبي طالب ما الذي أهل النبي صلى الله عليه وسلم عند اجتماعهما بمكة، فأجاز صلى الله عليه وسلم إهلاله بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو غير عالم في وقت إهلاله أهل النبي صلى الله عليه وسلم بالحج أو بالعمرة أو بهما جميعاً. وقصة أبي موسى الأشعري من هذا الباب لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء، فقال صلى الله عليه وسلم: قد أحسنت، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم في المتعقب أمر علياً بغير ما أمر به أبا موسى، أمر علياً بالمقام على إحرامه إذ كان معه هدي، فلم يجد له الإحلال إلى أن بلغ الهدي محله، وأمر أبا موسى بالإحلال بعمرة إذ لم يكن معه هدي، ا. هـ.

أقول: إذا أراد الإنسان النسك فهو بين أن يريد الحج مفرداً أو يريد التمتع أو يريد القرآن، فإذا أراد أن يدخل في نسكه لبس لباس الإحرام وصلى ركعتين ثم قال- إن كان يريد القران-:"اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني، لبيك اللهم لبيك" ويتم التلبية، وإن أراد التمتع قال:"اللهم إني أريد العمرة" وإن أراد الحج قال: "اللهم إني أريد الحج" وبقية الأفعال واحدة ومنها المسنون ومنها الواجب.

4217 -

* روى مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: كانت لنا رخصة "يعني المعتة في الحج".

وفي رواية (1) قال: "كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة".

وفي أخرى (2) قال أبو ذر: "لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة، يعني: متعة النساء، ومتعة الحج".

4217 - مسلم (2/ 897) 15 - كتاب الحج، 23 - باب جواز التمتع.

(1)

مسلم: الموضع السابق.

(2)

مسلم: نفس الموضع السابق.

ص: 2893

وفي أخرى (1) نحو الأولى قال: "إنما كانت لنا رخصة دونكم".

وفي رواية أبي داود (2)"أن أبا ذر كان يقول فيمن حج، ثم فسخها بعمرة: لم يكن ذلك غلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وفي رواية النسائي (3)"قال في متعة الحج: ليست لكم، ولستم منها في شيء، إنما كانت رخصة لنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم".

وفي أخرى (4) مختصراً قال: "كانت المتعة رخصة لنا".

قال محقق الجامع: هذه الروايات موقوفة على أبي ذر رضي الله عنه. قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء: معنى هذه الروايات كلها أن فسخ الحج إلى العمرة كان للصحابة في تلك السنة، وهي حجة الوداع، ولا يجوز بعد ذلك، وليس مراد أبي ذر إبطال التمتع مطلقاً، بل مراده: فسخ الحج إلى العمرة، كما ذكرنا، وحكمته إبطال ما كانت عليه الجاهلية من منع العمرة في أشهر الحج. "في قوله: لا تصلح المتعتان إلا لنا

".

قال النووي في شرح مسلم: معناه: إنما صلحتا لنا خاصة في الوقت الذي فعلناهما، ثم صارتا حراماً بعد ذلك إلى يوم القيامة، والله أعلم.

قال محقق الجامع: أما متعة النساء، فقد كانت مباحة، ثم نسخت وأصبحت حراماً إلى يوم القيامة، وأما متعة الحج، وهي فسخ الحج إلى العمرة، فهي عامة للناس جميعاً، وليست خاصة للصحابة في مذهب أحمد ومن تبعه.

4218 -

* روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشهر الحج، وليالي الحج، وحرم الحج. فنزلنا بسرف، قالت: فخرج إلى أصحابه، فقال: من لم يكن منكم معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل،

(1) مسلم: نفس الموضع السابق.

(2)

أبو داود (2/ 161) كتاب المناسك، 25 - باب الرجل يهل بالحج ثم يجعلها عمرة.

(3)

النسائي (5/ 179) 24 - كتاب مناسك الحج، 77 - إباحة فسخ الحج بالعمرة لمن لم يسق الهدي.

(4)

النسائي: نفس الموضع السابق.

4218 -

البخاري (3/ 419) 25 - كتاب الحج، 33 - باب قول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ

}.

مسلم (2/ 875) 15 - كتاب الحج، 17 - باب بيان وجوه الإحرام

إلخ.

ص: 2894

ومن كان معه الهدي فلا. قالت: فالآخذ بها، والتارك لها من أصحابه، قالت: فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجال من أصحابه، فكانوا أهل قوة، وكان معهم الهدي، فلم يقدروا على العمرة، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك يا هنتاه؟ قلت: سمعت قولك لأصحابك: فمنعت العمرة، قال: وما شأنك؟ قلت: لا أصلي، قال: فلا يضرك، إنما أنت امرأة من بنات آدم، كتب الله عليك ما كتب عليهن، فكوني في حجك، فعسى الله أن يرزقكيها، قالت: فخرجنا في حجته".

وفي رواية (1): "فخرجت في حجتي، حتى قدمنا مني، فطهرت، ثم خرجت من منى، فأفضت بالبيت، قالت: ثم خرجت معه في النفر الآخر، حتى نزل المحصب، ونزلنا معه، فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: اخرج بأختك من الحرم، فلتهل بعمرة، ثم افرغا، ثم ائتيا ها هنا، فإني أنظركما حتى تأتيا، قال: فخرجنا، حتى إذا فرغت من الطواف جئته بسحر، فقال: هل فرغتم؟ قلت: نعم، فأذن بالرحيل في أصحابه، فارتحل الناس، فمر متوجهاً إلى المدينة".

وفي أخرى (2) نحوه: وفي آخره: "فأذن في أصحابه بالرحيل، فخرج، فمر بالبيت، فطاف به قبل صلاة الصبح، ثم خرج إلى المدينة".

وفي أخرى (3) قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج، حتى جئنا سرف، فطمثت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: والله لوددت: أني لم أكن خرجت العام، فقال: مالك، لعلك نفست؟ قلت: نعم. قال: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري، قالت: فلما قدمت مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(هنتاه) ياهنتاه، كناية عن قلة المعرفة بالأمور. (لا يضيرك) يقال: لا يضرك ولا يضيرك ولا يضرك بمعنى.

(1)

البخاري: نفس الموضع السابق.

(ويوم النفر الأول): هو اليوم الثاني من أيام التشريق. (ويوم النفر الآخر) هو اليوم الثالث.

(المحصب): بضم الميم وبالحاء والصاد المهملتين المفتوحتين، وبالموحدة: مكان متسع بين مكة ومنى، وسمي به لاجتماع الحصباء فيه بحمل السيل، فإنه موضع منهبط، وهو الأبطح والبطحاء، وحدوده: بأنه ما بين الجبلين إلى المقابر، وليست المقبرة منه.

والمحصب أيضاً: موضع الجمار من منى، ولكنه ليس هو المراد ها هنا، قاله الكرماني.

(2)

مسلم: نفس الموضع السابق ص (876).

(3)

مسلم: نفس الموضع السابق ص (873، 874).

(فطمثت) طمثت المرأة: إذا حاضت.

ص: 2895

اجعلوها عمرة، فأحل الناس، إلا من كان معه الهدي. قالت: فكان الهدي مع رسول الله وأبي بكر وعمر، وذوي اليسارة، ثم أهلوا حين أراحوا، قالت: فلما كان يوم النحر طهرت، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفضت. قالت: فأتينا بلحم بقر. فقلت: ما هذا؟ فقالوا: أهدى رسول الله عن نسائه بالبقر، فلما كانت ليلة الحصبة قلت: يا رسول الله، أيرجع الناس بحجة وعمرة، وأرجع بحجة؟ قالت: فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر، فأردفني على جمله، قالت: فإني لأذكر- وأنا حديثة السن أنعس فيصيب وجهي مؤخرة الرحل- حتى جئنا إلى التنعيم، فأهللنا منها بعمرة، جزاء بعمرة الناس التي اعتمروا".

وفي أخرى (1) قالت: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج. فقدمنا مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحرم بعمرة، ولم يهد، فليحلل، ومن أحرم بعمرة وأهدى، فلا يحلل حتى يحل نحر هديه، ومن أهل بحج فليتم حجه، قالت: فحضت، فلم أزل حائضاً حتى كان يوم عرفة، ولم أهلل إلا بعمرة، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أنقض رأسي، وأمتشط وأهل بالحج وأترك العمرة. ففعلت ذلك، حتى قضيت حجي، فبعث معي عبد الرحمن بن أبي بكر، فأمرني: أن أعتمر مكان عمرتي من التنعيم".

وفي أخرى (2) قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً. فقدمت مكة- وأنا حائض- ولم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: انقضي رأسك وامتشطي، وأهلي بالحج، ودعي العمرة، قالت: ففعلت. فلما قضينا الحج، أرسلني رسول الله مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت، فقال: هذه مكان عمرتك، قالت: فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافاً آخر، بعد أن رجعوا من منى لحجهم. وأما الذين جمعوا الحج والعمرة طافوا طوافاً واحداً".

(ذوي اليسارة): اليسار واليسارة: الجدة والغنى.

(1)

البخاري (3/ 415) 25 - كتاب الحج، 31 - باب كيف تهل الحائض والنفساء؟

مسلم: نفس الموضع السابق ص (870).

(2)

مسلم: نفس الموضع السابق ص (871).

ص: 2896

وفي أخرى (1) قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل، قالت عائشة: فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج وأهل به ناس معه، وأهل معه ناس بالعمرة والحج، وأهل ناس بعمرة، وكنت فيمن أهل بعمرة".

وفي أخرى (2) قالت: "خرجنا مع رسول الله موافقين لهلال ذي الحجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يهل بعمرة فليهل، ومن أحب أن يهل بحجة فليهل، فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة، فمنهم من أهل بعمرة، ومنهم من أهل بحج، وكنت فيمن أهل بعمرة، فحضت قبل أن أدخل مكة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض، فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر نحو ما سبق".

وقال في آخره: "فقضى الله حجها وعمرتها، ولم يكن في شيء من ذلك هدي ولا صدقة، ولا صوم".

وفي أخرى (3) قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بحج، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج. فأما من أهل بعمرة: فحل. وأما من أهل بحج، أو جمع الحج والعمرة: فلم يحلوا حتى كان يوم النحر".

وفي أخرى (4) قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نرى إلا أنه الحج. فلما قدمنا مكة تطوفنا بالبيت، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل، قالت: فحل من لم يكن ساق الهدي، ونساؤه لم يسقن الهدي فأحللن. قالت عائشة: فحضت فلم أطف بالبيت، فلما كانت ليلة الحصبة، قلت: يا رسول الله يرجع الناس بحجة وعمرة، وأرجع أنا بحجة؟ قال: أوما كنت طفت ليالي قدمنا مكة؟ قلت: لا، قال:

(1) مسلم نفس الموضع السابق ص (871).

(2)

البخاري (3/ 609) 26 - كتاب العمرة، 7 - باب الاعتمار بعد الحج بغير هدي.

مسلم: نفس الموضع السابق ص (872).

قوله "موافين لهلال ذي الحجة" أي مقارنين لاستهلاله، وكان خروجهم قبله، لخمس بقين من ذي القعدة، كما صرحت به في رواية.

(3)

مسلم: نفس الموضع السابق ص (873).

(4)

البخاري (3/ 421) 25 - كتاب الحج، 34 - باب التمتع والقران والإفراد

إلخ.

مسلم: نفس الموضع السابق ص (877، 878).

ص: 2897

فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فأهلي بعمرة، ثم موعدك مكا كذا وكذا، قالت صفية: ما أراني إلا حابستكم، قال: عقري حلقي، أوما كنت طئفت يوم النحر؟ قالت بلى، قال: لا بأس عليك، انفري. قالت عائشة: فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مصعد من مكة، وأنا منهبطة عليها- أو أنا مصعدة، وهو منهبط منها".

وفي أخرى (1) قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلبي، لا نذكر حجاً ولا عمرة

" وذكر الحديث بمعناه.

وفي أخرى (2) قالت: "قلت: يا رسول الله، يصدر الناس بنسكين، وأصدر بنسك واحد، قال: انتظري، فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم، فأهلي منه، ثم ائتيا بمكان كذا، ولكنها على قدر نفقتك، أو نصبك".

وفي أخرى (3) قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة، ولا نرى إلا أنه الحج، فلما كنا بسرف حضت، حتى إذا دنونا من مكة: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي- إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة- أن يحل، قالت عائشة: فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ فقيل: ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه".

وفي أخرى (4) قالت: "خرجنا لا نرى إلا الحج، فلما كنا بسرف أو قريباً منها حضت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: مالك، أنفست؟ قلت: نعم، قال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت، قالت: وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر".

(عقرى حلقى): أي: أصابها بالعقر وبوجع في حلقها، ولا يراد ظاهره بل هو من دأب العرب في الخطاب حال السخط من المرأة.

(1)

مسلم: نفس الموضع السابق ص (878).

(2)

البخاري (3/ 610) 26 - كتاب العمرة، 8 - باب أجر العمرة على قدر النصب.

مسلم: نفس الموضع السابق ص (876).

(3)

مسلم: نفس الموضع السابق ص (876).

(4)

البخاري (1/ 400) 6 - كتاب الحيض، 1 - باب الأمر بالنفساء إذا نفسن.

مسلم: نفس الموضع السابق ص (873).

(نفست) بفتح النون، أي: حضت، أما بمعنى الولادة: فبضم النون وفتحها، والفاء مكسورة فيهما، عزاه النووي للأكثرين، قاله الزركشي.

ص: 2898

وللبخاري أطراف من هذا الحديث، قالت عائشة:"منا من أهل بالحج مفرداً، ومنا من قرن، ومنا من تمتع".

وفي راوية (1) قال: "جاءت عائشة حاجَّة" لم يزد.

وفي رواية (2): "أنها قالت: يا رسول الله أيرجع الناس بأجرين وأرجع بأجر؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر: أن ينطلق بها إلى التنعيم، قالت: فأردفني خلفه على جمل له، قالت: فجعلت أرفع خماري، أحسره عن عنقي، فيضرب رجلي بعلة الراحلة، فقلت له: وهل ترى من أحد؟ قالت: فأهللت بعمرة، ثم أقبلنا حتى انتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بالحصبة".

ولمالك (3) قالت: "قدمت مكة وأنا حائض، فلم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، حتى تطهري".

وفي رواية لأبي داود (4): أنر سول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"لو استقبلت من أمري ما استدبرت: لما سقت الهدي- قال أحد رواته: أحسبه قال: ولحللت مع الذين أحلوا من العمرة- قال: أراد: أن يكون أمر الناس واحداً".

(1) مسلم: نفس الموضع السابق ص (876).

(2)

مسلم: نفس الموضع السابق ص (880).

(3)

الموطأ (1/ 411) 20 - كتاب الحج، 74 - باب دخول الحائض مكة.

(4)

أبو داود (2/ 154) كتاب المناسك، 23 - باب في إفراد الحج.

(لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي) يقول: لو عن لي هذا الرأي الذي رأيته آخراً وأمرتكم به في أول أمري لما سقت الهدي معي. أي: لما جعلت علي هدياً وأشعرته وقلدته وسقته بين يدي. فإنه إذا ساق الهدي لا يحل حتى ينحره، ولا ينحر إلا يوم النحر، فلا يصح له فسخ الحج بعمرة، فمن لم يكن معه هدي لا يلتزم هذا، ويجوز له فسخ الحج.

قال الخطابي: إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القول لأصحابه تطييباً لقلوبهم، وذلك أنه كان يشق عليهم أن يحلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم محرم، ولم يعجبهم أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ويتركوا الاقتداء به، فقال عند ذلك هذا القول لئلا يجدوا في أنفسهم، وليعلموا أن الأفضل لهم ما دعاهم إليه.

قال: وقد يستدل بهذا من يرى أن التمتع بالعمرة إلى الحج أفضل من الإفراد والقران.

ص: 2899

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقيل: بل كان قوله هذا مع تطييب قلوب أصحابه: دلالة على الجواز، وأن ما فعلوه جائز.

(أحسره) حسرت اللثام عن وجهي: إذا كشفت وجهك.

(بعلة الراحلة) أي: بسببها في الظاهر وهو يريد منعها من كشف وجهها.

ص: 2900

أقول: من سياسات النبوة في الحج تخفيف الضغط عن مكة، يظهر ذلك في مبيت الناس في منى قبل الوقوف بعرفة وبعده، ويظهر ذلك في نزوله بالمحصب بعد منى، وفي منع عبد الرحمن أخته عائشة رضي الله عنهما من كشف الوجه دليل على أن تغطية المرأة وجهها كان موجوداً منذ عصر النبوة، والجمع بين ستر عائشة وجهها وبين كونها محرمة أن حجابها كان متجافياً عن وجهها. فإحرام المرأة في وجهها، وإذا أرادت أن تستره فإنها تضع عيداناً تتقدم على رأسها وتضع حجابها على وجهها فيبقى حجابها متجافياً عنه، ويرى الحنابلة: أن المرأة إذا سترت وجهها في الإحرام بسبب الرجال فلا حرج عليها.

4219 -

* روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً: طوافه الأول".

أقول: إنما يجب على الحاج المفرد سعي واحد فإما أن يسعى بعد طواف القدوم وهذا يكفيه وإما أن يسعى بعد طواف الإفاضة، وعلى المعتمر أن يسع. والخلاف في القارن هل يجزئه سعي واحد لحجه وعمرته؟

4220 -

* روى مالك في الموطأ عن عائشة رضي الله عنها: كانت تقول: "الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج لمن لم يجد هدياً: ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة، فإن لم يصم صام أيام منى".

4221 -

* روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: "من اعتمر في أشهر الحج: في شوال، أو ذي القعدة، أو ذي الحجة، قبل الحج، ثم أقام بمكة حتى يدركه الحج، فهو متمتع إن حج، وعليه ما استيسر من الهدي، فإن لم يجد، فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع". قال مالك: وذلك إذا أقام حتى الحج، ثم حج من عامه.

4219 - أبو داود (2/ 180) كتاب المناسك، باب طواف القارن.

النسائي (5/ 244) 24 - كتاب مناسك الحج، 182 - باب كم طواف القارن والمتمتع بين الصفا والمروة، وإسناده حسن، ورواه مسلم أيضاً في (2/ 883) 15 - كتاب الحج، 17 - باب بيان وجوه الإحرام

إلخ.

4220 -

الموطأ (1/ 426) 20 - كتاب الحج، 83 - باب صيام التمتع، وإسناده صحيح.

4221 -

الموطأ (1/ 344) 20 - كتاب الحج، 19 - باب ما جاء في التمتع.

ص: 2901

وفي راوية (1) له قال: "والله، لأن أعتمر قبل الحج وأهدي: أحب إلي من أن أعتمر بعد الحج، في ذي الحجة".

4222 -

* روى الشيخان عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما "كان يسمع أسماء تقول، كلما مرت بالحجون: صلى الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد نزلنا معه ها هنا، ونحن يومئذ خفاف الحقائب، قليل ظهرنا، قليلة أزوادنا، فاعتمرنا معه، أنا وأختي عائشة، ومعنا الزبير، وفلان وفلان، فلما مسحنا أحللنا، ثم أهللنا من العشي بالحج".

أقول: تذكر الروايات الكثيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل، فالظاهر أن الذي أحل غيره ممن كان مع أسماء والظاهر أن هذه المجموعة أهلت بالحج في اليوم الذي أحلت فيه، بينما الروايات الأخرى تذكر أن من أحل أهل بالحج يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة.

4223 -

* روى أحمد عن كريب مولى ابن عباس أنه قال: "يا أبا عباس أرأيت قولك:

(1) الموطأ: نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح، وفي حديث ابن عمر هذا مبالغة في جواز التمتع، وفيه رد على أبيه وعثمان في كراهته (م).

4222 -

البخاري (3/ 616) 26 - كتاب العمرة، 11 - باب متى يحل المعتمر؟

مسلم (2/ 908) 15 - كتاب الحج، 29 - باب ما يلزم من طاف بالبيت وسعى

إلخ.

(الحجون): هو بفتح الحاء وضم الجيم، وهو من حرم مكة، وهو الجبل المشرف على مسجد الحرس بأعلى مكة، على يمينك وأنت مصعد إلى المحصب.

(خفاف الحقائب): جمع حقيبة، وهو كل ما حمل في مؤخر الرحل والقتب، ومنه احتقب فلان كذا، قاله النووي.

(فلما مسحنا أحللنا) أي: لما مسحنا الركن أحللنا، وهذا متأول عن ظاهره، لأن الركن هو الحجر الأسود، ومسحه يكون في أول الطواف، ولا يحصل التحلل بمجرد مسحه بإجماع المسلمين. وتقديره: فلما مسحنا الركن وأتممنا طوافنا وسعينا وحلقنا أو قصرنا: أحللنا ولابد من تقدير هذا المحذوف، وإنما حذفته للعلم به، وقد أجمعوا على أنه لا يتحلل قبل إتمام الطواف، قاله النووي. (م).

4223 -

أحمد (1/ 261).

مجمع الزوائد (3/ 233) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله ثقات.

ص: 2902

ما حج رجل لم يسق الهدي معه ثم طاف بالبيت إلا حل بعمرة، وما طاف بها حاج قط ساق معه الهدى إلا اجتمعت له حجة وعمرة، والناس لا يقولون هذا؟ قال ويحك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ومن معه من أصحابه لا يذكرون إلا الحج فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه الهدي أن يطوف بالبيت ويحل بعمرة فجعل الرجل منهم يقول يا رسول الله إنما هو الحج فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ليس بالحج ولكنها عمرة".

4224 -

* روى أحمد عن أبي عمر، أن أسلم قال: "حججت مع موالي فدخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قلت: أعتمر قبل أن أحج؟ قالت: إن شئت فاعتمر قبل أن تحج وإن شئت فبعد أن تحج قال: فقلت إنهم يقولون من كان صرورة فلا يصلح أن يعتمر قبل أن يحج قال: فسألت أمهات المؤمنين فقلن مثل ما قالت فأخبرتها بقولهن قال: فقالت نعم وأشفيك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أهلوا يا آل محمد بعمرة في الحج.

أقول: المراد بالصرورة في النص: من لم يحج قبل ذلك، فكأنه كانت هناك شائعة تقول من لم يحج فليس له أن يعتمر قبل الحج، فأبطل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هذه الشائعة.

4224 - أحمد (6/ 297، 298).

مجمع الزوائد (3/ 235) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه وقال فسألت صفية أم المؤمنين، والطبراني في الكبير باختصار إلا أنه قال: أهلوا يا أمة محمد بحج وعمرة، ورجال أحمد ثقات.

ص: 2903