الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرض إجمالي
هناك حرم وإحرام، فالحرم له حقوق لا يصح تجاوزها، ومن تجاوزها، فقد ارتكب جناية بحسب نوع هتك حرمة الحرم، والإنسان إذا أحرم ترتبت عليه بسبب إحرامه واجبات، فإذا أخل بها فإن عليه أن يفعل شيئاً في مقابل الخلل على حسب ما رتبه الشارع. قال تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (1) وقال تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (2) فهذان نموذجان على ما يحظر على المحرم، والإحرام- بمعناه العام- كما أوضحه ابن الأثير:
مصدر أحرم الرجل يحرم إحراماً: إذا أهل بالحج أو العمرة، وباشر أسبابهما وشروطهما من خلع المخيط واجتناب الأشياء التي منعه الشرع منها، كالطيب والنكاح والصيد ونحو ذلك، والأصل فيه: المنع، وكأن المحرم منع من هذه الأشياء. وأحرم الرجل: إذا دخل في الشهور الحرم، وإذا دخل الحرم. ا. هـ.
والإحرام مظهر من مظاهر تعظيم الحرم. وهو نية وعمل وامتناع عن أشياء، أما النية: فهي ركن من أركان الحج والعمرة ويترتب على الخلل فيما يلزم المحرم أو فيما يجب الامتناع عنه عقوبات.
وإذا تم الإحرام، لا يخرج منه إلا بعمل النسك الذي أحرم به، فإن أفسده، وجب قضاؤه. وإن فاته الوقوف بعرفة، أتمه عمرة وعليه القضاء، وإن أحصر أي منع عن إكماله، ذبح هدياً وقضاه، ولا ينعقد الإحرام بدون النية. فإن اقتصر على النية ولم يلب أجزأه عند الشافعية والحنابلة، وإن لبى بلا نية، لم ينعقد إحرامه، ولا يشترط قرن النية بالتلبية خلافاً للحنفية والأفضل أن ينطق بما نواه فيقول:"اللهم إني أريد الحج أو العمرة، فيسره لي وتقبله مني". وإن أراد القران قال: "اللهم إني أريد العمرة والحج فيسرهما لي وتقبلهما مني".
والأفضل أن يعين المحرم ما أحرم به من حج أو عمرة أو هما معاً للتعيين أفضل من الإطلاق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالإحرام بنسك معين.
(1) البقرة: 197.
(2)
المائدة: 95.
- قال الحنفية: لو أحرم بالحج ولم يعين حجة الإسلام وعليه حجة الإسلام، يقع عنها استحساناً؛ لأن الظاهر من حاله أنه لا يريد بإحرام الحج حجة التطوع. ويبقي نفسه في عهدة الفرض، فيحمل على حجة الإسلام بدلالة حاله، فكان الإطلاق فيه تعييناً كما في صوم رمضان. ويصح إبهام الإحرام، وهو أن يحرم بما أحرم به فلان فإن لم يكن فلان محرماً. انعقد إحرامه مطلقاً، وإن كان محرماً بنسك معين، انعقد إحرامه كإحرامه وإن تعذر معرفة إحرامه بموته كان حكمه كالناسي.
وحكم الناسي: إذا أحرم بنسك ثم نسي ما عينه أهو حج أو عمرة أو هما معاً، يكون قراناً عند الجمهور، لأنه تلبس بالإحرام يقيناً فلا يتحلل إلا بيقين الإتيان بالمشروع فيه فيعمل أعمال النسكين ليتحقق الخروج عما شرع فيه فتبرأ ذمته من الحج بعد إتيانه بأعماله ولا تبرأ ذمته من العمرة لاحتمال أنه أحرم بالحج.
وأجاز جمهور الفقهاء إدخال الحج على العمرة بشرط أن يكون الإدخال قبل الشروع في طواف العمرة واتفق العلماء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه عام حجه بفسخ الحج إلى العمرة. فإنه عليه الصلاة والسلام أمر من لم يسق الهدي من أصحابه أني فسخ إهلاله بالحج إلى العمرة. ثم اختلف العلماء في هذا الفسخ هل هو خاص للصحابة في تلك السنة خاصة أم باق لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة. فقال الجمهور منهم غير الحنابلة: هو مختص بهم في تلك السنة لا يجوز بعدها وإنما أمروا به تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج.
ومما لا بأس به للمحرم: أن يتوسد عمامة أو وسادة أو ينغمس في ماء أو يستظل بمحمل أو نحوه ولا يضر وضع يده على رأسه، ولو طال، وللغير شد خيط عليه لصداع أو غيره ويجوز الاستظلال بمظلة أو بيت أو سيارة أو شجر أو خيمة.
- وضابط ما يحرم لبسه على المحرم: هو الملبوس والمعمول على قدر البدن أو قدر عضو منه بحيث يحيط به، إما بخياطة وإما بغير خياطة. فيشمل القميص والسراويل والجبة والخف، والقميص المنسوج غير المخيط، والدرع والجورب والملزق بعضه ببعض والمعقود في سائر أجزاء بدنه والمعتبر في اللبس العادة في كل ملبوس، إذ به يحصل الترفه، فلو ارتدى بالقميص أو القباء أو التحف بهما أو أتزر بالسراويل، فلا بأس ولا فدية ولو ألقى على
جسده قباء أو عباءة وكان بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه إلا بمزيد عناية، ولم تلزمه الفدية فله أن يجعل المخيط على ظهره من غير لباس ملتحفاً به أو مرتدياً. وأجاز الشافعية والحنفية للمرأة المحرمة ستر وجهها بغير اختيارها بوجود حاجز عن الوجه فقالوا: للمرأة أن تسدل على وجهها ثوباً متجافياً عنه بخشبة ونحوها، سواء فعلته لحاجة من حر أو برد أو خوف فتنة ونحوها أو لغير حاجة، فإن وقعت الخشبة فأصاب الثوب وجهها ورفعته في الحال فلا فدية وإن كان عمداً أو وقعت بغير اختيارها فاستدامت، لزمتها الفدية.
وضابط حرمة الطيب للمحرم: هو مس الطيب بحيث يلزق شيء منه بثوبه أو بدنه كاستعمال ماء الورد والمسك وغيرهما ولا بأس أن يغتسل المحرم ويدخل الحمام؛ لأنه طهارة فلا يمنع منها، وله أن يكتحل، لأن الكحل ليس له رائحة طيبة فلا يكون طيباً ولكن لا يغسل رأسه ولا لحيته بالخطمي؛ لأنه نوع طيب، وإزارة شعر المحرم من جميع بدنه ولو من أنفه بالحلق أو النتف أو تقليم الأظافر حرام بالاتفاق: فلا يقلم أظفاره، ولا ينتف إبطه، ولا يحلق عانته ولا شاربه وغيرهما من شعور البدن، ولا يقص شعره وشعر غيره ولا يقتل قملة ولا برغوثاً، ولا يحك ما لا يراه من بدنه حكاً عنيفاً؛ لئلا تكون فيه قملة فتقع، وذلك كله بغير عذر فإن كان بعذر، فلا إثم.
ويحرم على المحرم عقد الزواج ولا يصح عند الجمهور إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم إن ثبت تزوجه ميمونة وهو محرم. فلا يتزوج المحرم ولو بوكيل غير محرم، ولا يزوج بولاية أو وكالة، فإن فعل فالزواج باطل، وتكره الخطبة للمحرم وخطبة المحرمة، ويكره للمحرم أن يخطب لحلال (غير محرم). ويحرم على المرأة الحلال تمكين زوجها المحرم من الجماع؛ لأنه إعانة على معصية، ويحرم على الرجل الحلال جماع زوجته المحرمة.
ويجوز للمحرم بالاتفاق أن يتجر ويصنع البضائع، ويرتجع زوجته ما دامت في عدتها.
وقال العلماء: لا يجوز للمحرم أن يتعرض لصيد البر المأكول وغير المأكول إلا المؤذي غالباً.
والصيد الممنوع: كل حيوان بري متوحش بأصل الخلقة مباح أو مملوك، فلا يحرم على المحرم ذبح الإبل والبقر والغنم، لأنها ليست بصيد، لعدم الامتناع، والصيد: هو الممتنع المتوحش، ولا يحرم الدجاج والبط الذي في المنازل ويحل صيد البحر للحلال والمحرم.
والبحري: هو الذي توالده في البحر، سواء أكان لا يعيش في البحر أو يعيش في البحر والبر.
والبري: ما يكون توالده في البر، سواء أكان يعيش إلا في البر أو البر والبحر، فالعبرة للتوالد.
- ولا بأس بقتل البرغوث والبعوض والذباب والقراد والزنبور، لأنها ليست بصيد: لانعدام التوحش والامتناع، ولأن هذه الأشياء من المؤذيات المبتدئة بالأذى غالباً.
- ولا يقتل المحرم القملة، لا لأنها صيد، بل لما فيها من إزالة التفث، والمحرم منهي عن إزالة التفث من بدنه، فإن قتلها تصدق بشيء كما لو أزال شعرة.
وإن ذبح أو قتل المحرم صيداً فذبيحته ميتة بالاتفاق، لا يحل أكلها لأحد من محرم أو حلال.
والجناية نوعان:
أولاً: الجناية على الإحرام: وهي ارتكاب مخالفة لأعمال الحج أو العمرة، أو اقتراف محظور من محظورات الإحرام، وترك واجب من واجبات الحج ولو كان الجاني ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً أو محطئاً أو مغمى عليه.
ثانياً: جناية على الحرم: وهي التعرض لصيد الحرم وشجره سواء من المحرم أو غيره. إذا كان الشخص مكلفاً ولو ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً أو مخطئاً، وذلك يوجب ضمان المثل أو القيمة، وقد مر معنا في الباب الأول نصوص كثيرة تبين محظورات الحرم.
وقال الجمهور- غير الحنفية-: إذا لبس المحرم، أو حلق شعره، أو قلم أظفاره، أو تطيب، أو دهن، يخير في الفدية بين ذبح شاة يتصدق بها، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع. وإذا حلق المحرم رأس حلال، أو قلم أظفاره؛ فلا فدية عليه عند الجمهور.
وإن حلق محرم رأس محرم بإذنه لا للتحلل أو حلقه حلال بإذنه؛ فالفدية على المحلوق.
وإن أتلف المحرم صيداً له مثل من النعم، ففيه مثله عند الشافعية والمالكية، وإن لم يكن له مثل، ففيه قيمة ويتخير في جزاء إتلاف الصيد المثلي بين ثلاثة أمور: ذبح مثله،
والتصدق به على مساكين الحرم، أو أن يقوم المثل بالدراهم ويشتري به طعاماً لمساكين الحرم، أو يصوم عن كل مد يوماً، وغير المثلي: يتصدق بقيمته طعاماً أو يصوم عن كل مد يوماً.
وقاعدة الضمان: كل ما يضمن به الآدمي، يضمن به الصيد من مباشرة وتسبب وما جنت عليه دابته بيدها أو فمها من الصيد فالضمان على راكبها أو قائدها أو سائقها، وما جنت برجلها، فلا ضمان عليه؛ لأنه لا يمكن حفظ رجلها.
وكلما قتل صيداً حكم عليه، فيجب الجزاء بقتل الصيد الثاني، كما يجب عليه إذا قتله ابتداء، لأنه كفارة عن قتل، فاستوى فيه المبتدئ والعائد كقتل الآدمي، ولأن هذه الكفارة بدل متلف يجب به المثل أو القيمة، فأشبه بدل مال الآدمي.
محظورات الإحرام: وهي ما يحرم معلى المحرم حتى يحلق رأسه للتحلل، وهي أنواع كثيرة ترجع إلى أصول أربعة هي: لبس المخيط، وترفيه البدن، والصيد، والنساء.
1 -
لبس المخيط: يحرم على الرجل وبمجرد الإحرام ستر جميع رأسه أو بعضه بكل ما يعد ساتراً سواء أكان مخيطاً أو غيره ويحرم أيضاً ستر الوجه وباقي الجسد بغير إزار ورداء.
وأما المرأة فتستر بالمخيط رأسها وسائر بدنها سوى الوجه.
2 -
ترفيه البدن: يحرم على المحرم استعمال الطيب في ثوب أو بدن ويحرم بالاتفاق تقليم الأظفار، وإزالة الشعر من جميع بدنه، ولو من أنفه بالحلق، أو النتف.
3 -
النساء: ويحرم على المحرم كذلك النساء ويشمل أمرين: عقد الزواج، والجماع ومقدماته.
أما عقد الزواج فيحرم ولا يصح عند الجمهور. وأما الجماع فيحرم على المحرم بالاتفاق الوطء في الفرج، ومقدمات الجماع من تقبيل، ولمس بشهوة، ومباشرة، وجماع فيما دون الفرج. والجماع مفسد للحج إن وقع قبل التحلل الأول عند الجمهور، وقبل الوقوف بعرفة عند الحنفية. وإذا فسد الحج بالجماع، فيجب المضي في فاسده، ويجب القضاء اتفاقاً على الفور من العام التالي.
4 -
الصيد: فلا يجوز للمحرم قتل صيد البر واصطياده، أو الدلالة عليه، ويجوز له صيد البحر مطلقاً، وذبح المواشي الأنسية كالأنعام من الإبل والبقر والغنم. وإذا ذبح المحرم الصيد، صار ميتة يحرم أكله على جميع الناس بالاتفاق.
ويباح للمحرم غسل الرأس بما ينظفه من الوسخ والاكتحال بما لا طيب فيه، وقتل الفواسق كالحدأة والفأرة وغير ذلك من الحيوانات التي نصت عليها السنة أنها من الفواسق، والاستظلال بالبيت والمحمل والمظلة، وأن يشد على وسطه حزام النقود وحمل السلاح وقتال العدو.
جزاء الجنايات: الجناية على الإحرام قد توجب دماً واحداً، أو أكثر، أو صدقة، أو دون ذلك، أو قيمة.
والجناية التي توجب بدنة: الجماع قبل التحلل الأول، وإذا طاف طواف الإفاضة جنباً أو حائضاً أو نفساء.
والجناية التي توجب دمين هي: جناية القارن عند الحنفية، وهي كل جناية يجب فيها على المفرد دم واحد.
والجناية التي توجب دماً واحداً إما على سبيل التخيير، أو الترتيب هي: لبس المخيط، وتغطية الرأس، والحلق، وقص الأظافر، والتطيب، ومقدمات الجماع، وترك واجب من واجبات الحج، أما ما يوجب الصدقة وهي: نصف صاع من بر، فهي عند الحنفية: إن طيب المحرم أقل من عضو، أو حلق أقل من ربع الرأس، أو طاف للقدوم أو الوداع محدثاً، أو ترك شوطاً من أشواط طواف الوداع أو السعي. أما ما يوجب أقل من نصف صاع فهو إن قتل جرادة، أو قملة عند الحنفية. أما الجناية التي توجب القيمة أو المثل فهي: جزاء الصيد وقطع النبات. وأوجب الجمهور المثل في المثلى أو القيمة.
انظر: (الاختيار ص 143 و 161 - 168)، (كفاية الأخيار ص 135 و 143 - 145)، (المهذب 6/ 2005 - 212)، (والشرح الصغير 2/ 25 و 2/ 74 فما بعد)، (والمغني 3/ 284 وما بعدها)، (والفقه الإسلامي 3/ 124 فما بعد و 3/ 230 فما بعد).