الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً: الاعتكاف:
لم يزل النساك يتقربون إلى الله بالخلوات، والخلوة المسنونة التي داوم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة هي اعتكافه السنوي الذي كان أكثر ما كان في العشر الأواخر من رمضان، وقد اعتاد المسلمون أن يجعلوها خلوتهم السنوية، والاعتكاف في الأصل سنة، ولكن من نوى اعتكاف العشر الأواخر من رمضان وتلبس به، فعلى مقتضى فهم الكمال بن الهمام لمذهب أبي يوسف: أنه يجب عليه الإتمام فإن لم يعتكف شيئاً من العشر الأواخر بعد نيتها والشروع فيها وجب عليه قضاؤها كلها وإذا بدأ فيها ولم يتابع فعليه قضاء ما بقي من العشر، أما على قول أبي حنيفة ومحمد: فعليه قضاء اليوم الذي فسد فيه اعتكافه فقط.
وكذلك من نوى الاعتكاف يوماً أو أياماً وتلبس بذلك فإنه يجب عليه أن يعتكف ما نوى وأن يصوم أثناء اعتكافه وذلك مقتضى مذهب أبي يوسف ومن لم يرد أن يقيد نفسه فيكفي أن ينوي الاعتكاف في المسجد ما دام فيه، ففي هذه الحالة لا يلزمه إلا أدنى مكث، أما إذا نذر اعتكاف العشر الأواخر أو غيرها فقد اتفق الفقهاء على لزوم الاعتكاف وفي كل الأحوال لابد وأن يرافق الاعتكاف المنذور صوم. ومن المستحب للمسلم إذا دخل مسجداً أن ينوي الاعتكاف فيه كما يستحب له أن يملأ وقت الاعتكاف بالذكر والعلم وتلاوة القرآن.
ولعله من المستحسن إذا اعتكف الإنسان في العشر الأواخر من رمضان أو في غيره أن ينظم وقته، فيخصص لكل نوع من الأذكار وقتاً، ويخصص للعلم وقتاً، ويخصص لتلاوة القرآن وقتاً، ويخصص للمذاكرات الإيمانية أو الوعظ وقتاً وبشكل عادي فإن من يعتكف العشر الأواخر في رمضان يشارك في صلاة التراويح وفي صلاة التهجد، ويخص الليالي التي هي مظنة ليلة القدر بمزيد عناية، فيكثر من الدعاء.
فالمرجو لمن قام بحق رمضان أن يخرج نقياً من الذنوب طاهر القلب من كل ما يعكره.
والاعتكاف لغة: اللبث وملازمة الشيء. وشرعاً: قال الحنفية: هو اللبث في المسجد الذي تقام فيه الجماعة مع الصوم ونية الاعتكاف. فاللبث ركنه لأنه ينبئ عنه، فكان
وجوده به والصوم في الاعتكاف المنذور والنية من شروطه ويكون من الرجل في مسجد جماعة ومن المرأة في مسجد بيتها، ويكره للمرأة في المسجد ولا يصح في غير موضع صلاتها من بيتها. وعبارة الشافعية: هو اللبث في المسجد من شخص مخصوص بنية، والحكمة فيه: صفاء القلب بمراقبة الله والإقبال والانقطاع إلى العبادة في أوقات الفراغ متجرداً لله تعالى من شواغل الدنيا وأعمالها فهو من أشرف الأعمال وأحبها إلى الله إذا كان عن إخلاص لله سبحانه، وأفضله في العشر الأواخر من رمضان وهو مستحب كل وقت وأقله عند الحنفية نفلاً: مدة يسيرة غير محدودة وإنما بمجرد المكث مع النية ولو نواه ماشياً على المفتى به، وأقله عند المالكية: يوم وليلة ولا يصح من مفطر.
والأصح عند الشافعية: أنه يشترط في الاعتكاف لبث قدر يسمى عكوفاً بحيث يكون زمنها فوق زمن الطمأنينة في الركوع ونحوه. واقله عند الحنابلة: ساعة أي ما يسمى به معتكفاً لابثاً، ولو لحظة فالجمهور على الاكتفاء بمدة يسيرة، والمالكية يشترطون لأقله يوماً وليلة. والأفضل الاعتكاف في المسجد الجامع إذا كانت الجمعة تتخلله لئلا يحتاج إلى الخروج إليها. ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد غير المساجد الثلاثة فله فعل المنذور من اعتكاف أو صلاة في غيره. وإن نذر الاعتكاف أو الصلاة في أحد المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، لم يجزئه في غيرها لفضل العبادة فيها على غيرها فتتعين بالتعيين وله شد الرحال إلى المسجد الذي عينه من الثلاثة وأفضلها المسجد الحرام ثم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم المسجد الأقصى.
وقال المالكية: مكان الاعتكاف هو المساجد كلها.
وقال الشافعية: لا يجوز للمعتكف أني خرج من المسجد لغير عذر، وله أن يخرج إلى منارة المسجد ليؤذن فيها، ولو كانت خارج المسجد، ويجوز أن يمضي إلى البيت للأكل، ولا يبطل اعتكافه، ويخرج لصلاة الجنازة وعيادة المريض في اعتكاف التطوع، ولا يخرج في اعتكاف الفرض، فإن خرج في الحالين- الجنازة وعيادة المريض- بطل اعتكافه. ويلزمه الخروج لصلاة الجمعة إذا كان الاعتكاف في غير الجامع، ويلزمه الخروج لأداء شهادة إن تعين عليه، لأنه تعين لحق آدمي فقُدِّم على الاعتكاف، ولا يبطل اعتكافه على الراجح لأنه مضطر إلى الخروج، وللمعتكفة أن تخرج إذا طلقت لتعتد، ولا يبطل اعتكافها أيضاً