الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الليل على أن المباشرة المباحة بالليل المقرونة إلى الأكل والشرب هي الجماع المفطر للصائم، وأباح الله بفعل النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم المباشرة التي هي دون الجماع في الصيام، إذ كان يباشر وهو صائم. والمباشرة التي ذكر الله في كتابه أنها تفطِّر الصائم هي غير المباشرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يباشرها في صيامه. والمباشرة اسم واحد واقع على فعلين، إحداهما مباحة في نهار الصوم، والأخرى محظورة في نهار الصوم مفطرة للصائم.
ومن هذا الجنس قوله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع)(1) فأمر ربنا جل وعلا بالسعي إلى الجمعة، والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، ايتوها تمشون وعليكم السكينة". فاسم السعي يقع على الهرولة، وشدة المشي، والمضي إلى الموضع. فالسعي الذي أمر الله به أن يسعى إلى الجمعة هو المضي إليها، والسعي الذي زجر النبي صلى الله عليه وسلم عنه عند إتيان الصلاة هو الهرولة وسرعة المشي، فاسم السعي واقع على فعلين، أحدهما مأمور، والآخر منهي عنه.
-
الجنابة لا تفطر الصائم:
3786 -
* روى الشيخان عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما قالتا: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصبح جنباً من جماع، غير احتلام، في رمضان ثم يصوم".
وفي أخرى (2) عن عبد الرحمن بن أبي بكر "أن مروان أرسله إلى أم سلمة، يسأل عن الرجل يصبح جنباً، أيصوم؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع، لا حلم، ثم لا يفطر ولا يقضي".
وفي أخرى (3) قالت عائشة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان جنباً من غير
(1) الجمعة: 9.
3786 -
البخاري (4/ 153) 30 - كتاب الصوم، 25 - باب اغتسال الصائم.
مسلم (2/ 780، 781) 13 - كتاب الصيام، 13 - باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب.
(2)
مسلم: نفس الموضع السابق ص 780.
(3)
البخاري: نفس الموضع السابق.
حلم، فيغتسل ويصوم".
وفي رواية (1) للبخاري: قال أبو بكر بن عبد الرحمن: "كنت أنا وأبي، فذهبت معه حتى دخلنا على عائشة، فقالت: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان ليصبح جنباً من جماع غير احتلام، ثم يصوم، ثم دخلنا على أم سلمة فقالت مثل ذلك".
وفي أخرى (2) لمسلم: أن أم سلمة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من غير احتلام، ثم يصوم".
وفي أخرى (3) للبخاري عن أبي بكر بن عبد الرحمن "أن أباه عبد الرحمن: أخبر مروان: أن عائشة وأم سلمة أخبرتاه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم، فقال مروان لعبد الرحمن: أقسم بالله لتقرعن بها أبا هريرة، ومروان يومئذ على المدينة، قال أبو بكر: فكره ذلك عبد الرحمن، ثم قدِّر لنا أن نجتمع بذي الحليفة، وكانت لأبي هريرة هنالك أرض، فقال عبد الرحمن لأبي هريرة: إني ذاكر لك أمراً، ولولا مروان أقسم علي فيه لم أذكر قول عائشة وأم سلمة، فقال: كذلك حدثني الفضل بن العباس، وهن أعلم".
وفي رواية (4) عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر عند مسلم قال: "سمعت أبا هريرة يقص، يقول في قصصه: من أدركه الفجر جنباً فلا يصوم، فذكرت ذلك لعبد الرحمن- يعني: لأبيه- فأنكر ذلك، فانطلق عبد الرحمن، وانطلقت معه، حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة فسألهما عبد الرحمن عن ذلك، فكلتاهما قالتا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من غير حلم، ثم يصوم، قال: فانطلقنا حتى دخلنا على مروان، فذكر ذلك له عبد الرحمن، فقال مروان: عزمت عليك إلا ما ذهبت إلى أبي هريرة ورددت عليه ما يقول، قال: فجئنا أبا هريرة- وأبو بكر حاضر ذلك كله- فذكر
(1) البخاري: نفس الموضع السابق.
(2)
مسلم: نفس الموضع السابق ص 781.
(3)
البخاري (4/ 143) 30 - كتاب الصوم، 22 - باب الصائم يصبح جنباً.
(4)
مسلم: نفس الموضع السابق ص 779، 780.
له عبد الرحمن، فقال أبو هريرة: أهما قالتا لك؟ قال: نعم، قال: هما أعلم. ثم رد أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس، فقال أبو هريرة: سمعت ذلك من الفضل، ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك".
قال يحيى بن سعيد: قلت لعبد الملك: أقالتا "في رمضان؟ " قال: كذلك "كان يصبح جنباً من غير حلم، ثم يصوم".
وفي رواية أخرى لمسلم (1) عن عائشة "أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه- وهي تسمع من وراء الباب- فقال: يا رسول الله: تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم، فقال: لست مثلنا يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي".
وفي رواية النسائي (2): قال سليمان بن يسار: "دخلت على أم سلمة، فحدثتني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من غير احتلام، ثم يصوم".
وحدثنا مع هذا الحديث أنها حدثته: "أنها قرَّبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم مشوياً، فأكل منه، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ".
قال ابن خزيمة: أحال- أي أبو هريرة- الخبر على مليء صادق بار في خبره إلا أن الخبر منسوخ لا أنه وهم ولا غلط، وذلك أن الله تبارك وتعالى عند ابتداء فرض الصوم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم كان حظر عليهم الأكل والشرب في ليل الصوم بعد النوم، وكذلك الجماع، فيشبه أن يكون خبر الفضل بن العباس:"من أصبح وهو جنب فلا يصوم في ذلك الوقت" قبل أن يبيح الله الجماع إلى طلوع الفجر، فلما أباح الله تعالى الجماع إلى طلوع الفجر كان للجنب إذا أصبح قبل أن يغتسل أن يصوم ذلك اليوم، إذ الله عز وجل لما أباح الجماع إلى طلوع الفجر كان العلم محيطاً بأن المجامع قبل طلوع الفجر يطرقة فاعلاً ما قد أباحه الله له في نص تنزيله، ولا سبيل لمن هذا فعله إلى الاغتسال إلا بعد طلوع الفجر،
(1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 781.
(2)
النسائي (1/ 108) 1 - كتاب الطهارة، 123 - باب ترك الوضوء مما غيرت النار.