الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البشرية، فهذه الأديان والمذاهب تجعل أصحابها في تناقض معها ومع ما يدينون به، وهذا الذي لا تجده في الإسلام. وبهذه المناسبة نشير إلى أن كثيراً من الناس لا يحسنون سياسة أنفسهم ولا يحسنون سياسة غيرهم، فيفشلون في التربية ويفشلون في غير ذلك إن في السياسة أو في الحرب أو في الإدارة.
-
حديث جامع:
3906 -
* روى مسلم عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: "إن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله، فلما رأى عمر غضبه قال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً- وفي رواية (1) - وببيعتنا بيعة نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه، فقال عمر: يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر- أو قال: لم يصم ولم يفطر- قال: كيف بمن يصوم يومين ويفطر يوماً؟ قال: ويطيق ذاك أحد؟ قال: كيف بمن يصوم يوماً ويفطر يوماً؟ قال: "ذاك صوم داود عليه السلام قال: كيف بمن يصوم يوماً ويفطر يومين؟ قال: وددت أني طوقت ذلك. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان: فهذا صيام الدهر كله، صيام يوم عرفة: أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء: أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".
وفي رواية (2) مثله ونحوه، إلى قوله:"ذاك صوم أخي داود عليه السلام، قال: وسئل عن صوم يوم الإثنين؟ قال: ذاك يوم ولدت فيه، وفيه بعثت، وفيه أنزل علي، قال: فقال: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، ورمضان إلى رمضان: صيام الدهر، قال: وسئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال: يكفر السنة الماضية والباقية، قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: يكفر السنة الماضية".
3906 - مسلم (2/ 818، 819، 820) 13 - كتاب الصيام، 36 - باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء.
(1)
، (2) مسلم: الموضع السابق.
وفي رواية (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الإثنين؟ فقال: فيه ولدت، وفيه أنزل عليَّ".
قال ابن الأثير (فغضب رسول الله) يشبه أن يكون غضب رسول الله من مسألته إياه عن صومه كراهية أن يقتدي به السائل في ذلك فيعجز عنه ويسأمه ويمله، أو أنه يفعله فيكون من غير نية وإخلاص، فقد "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواصل وينهى أمته عن الوصال" وقد ترك بعض النوافل خوفاً من أن تقتدي به أمته فيعجزوا.
قال ابن الأثير (وددت أني طوقت) يقول: ليتني طوقت هذا الأمر، أي: لتيه جعل داخلاً في طاقتي وقدرتي، ولم يكن صلى الله عليه وسلم عاجزاً عن ذلك غير مطيق له لضعف فيه، ولكنه يحتمل أنه إنما خاف العجز عنه للحقوق التي تلزمه لنسائه، لأن ذلك يخل بحظوظهن منه.
أقول: قوله عليه السلام: "ذلك يوم ولدت فيه وفيه أنزل علي": يدل على أن يوم ميلاده من أيام الله، والله تعالى قال في القرآن:{وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} ومن ها هنا أخذ بعضهم فكرة تعظيم يوم المولد واعتبروا هذا الحديث دليلاً يدل على الجواز!!
3907 -
* روى مالك عن بن أنس رحمه الله أنه سمع أهل العلم يقولون: "لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها، وهي: أيام منى، ويوم الأضحى، ويوم الفطر فيما بلغنا، وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك".
3908 -
* روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان أبو طلحة قلما يصوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيته مفطراً إلا يوم فطر أو أضحى".
- فائدة: علقنا على قوله عليه السلام (هجمت له العين ونفهت له النفس) على أنه مظهر من مظاهر مراعاة الإسلام لمطالب الجسد وتلاؤمه مع النفس البشرية، وهذا موضوع كبير
(1) مسلم: الموضع السابق.
3907 -
الموطأ (1/ 300) 18 - كتاب الصيام، 12 - باب صيام يوم الفطر.
3908 -
البخاري (6/ 42) 56 - كتاب الجهاد، 19 - باب من اختار الغزو على الصوم.
يحسن أن يخص بالتأليف، فمن معالم الإسلام الكبرى حسن سياسته للنفس البشرية، ولا عجب فالله منزل الإسلام هو خالق النفس البشرية وهو أعلم بها.
ومن مظاهر أن التكليف مراعى فيه طبيعة النفس البشرية قوله تعالى: {وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} (1). فهناك إذن طبيعة للنفس البشرية، نحن مأمورون بمجاهدتها ومراعاتها، فمن فطن للمجاهدة ولم يفطن للمراعاة لم يحسن سياسة نفسه، ولا سياسة غيره، والمراعاة ملحوظة في النصوص القرآنية والنصوص النبوية: كقوله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} (أي كلهم كفاراً){لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ، وَزُخْرُفًا} . وقوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} .
وقوله عليه الصلاة والسلام: (فصم وأفطر).
وقوله عليه السلام: (لكل عامر شرة ولكل شرة فترة). وأمثال ذلك كثير في نصوص الكتاب والسنة.
ومن ها هنا فإن المتصدرين للدعوة لابد أن يكون واضحاً لديهم كيف يجمعون بين المجاهدة والمراعاة لطبيعة النفس البشرية وكيف يقودون ويربون من خلال مراعاة طبيعة النفس البشرية، وهذا باب واسع لا يدركه إلا من عرف دقائق السياسات النبوية، وهذا يحتاج إلى مطالعات واسعة للكتاب والسنة، وتربية على يد شيوخ كُمَّل.
(1) سورة محمد: من 36، 37.