الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسائل وفوائد
قال الكاساني في كتابه (بدائع الصنائع 2/ 83):
(وحكي عن أبي عبد الله بن أبي موسى الضرير أنه استفتي في أهل إسكندرية أن الشمس تغرب بها ومَن على منارتها يرى الشمس بعد ذلك بزمان كثير، فقال: يحل لأهل البلد الفطر ولا يحل لمن على رأس المنارة إذا كان يرى غروب الشمس لأن مغرب الشمس يختلف كما يختلف مطلعها فيعتبر في أهل كل موضع مغربه). ا. هـ.
أقول: وقد بنى على هذه المسألة بعض فضلاء العصر فقالوا: إن من كان على ساحل البحر ورأى غروب قرص الشمس فله أن يفطر أما الذي في بناية مرتفعة بنفس المكان فليس له أن يفطر إلا بعد رؤية غروب الشمس الذي يتأخر عن غروبها في حق الأول (انظر فتاوى الطنطاوي 232) لكن أستاذنا مصطفى الزرقاء منع فطر الأول ما دام يرى للشمس أثر على الأمكنة المرتفعة، واحتج بأن جواز الفطر للصائم معلق على شيئين: غياب النهار ومجيء الليل للحديث (إذا أدبر النهار من ههنا وأقبل الليل من ههنا أفطر الصائم)، وما دام للشمس أثر فإن الليل لم يأت. اهـ. رأي الزرقاء سماعاً منه.
نعم، لو كان إنسان على ساحل البحر وكان هناك جرم في الفضاء كطائرة مثلا ليس متصلاً بالأرض فالفطر في حق الموجود في هذا الجرم يختلف عن الفطر في حق الموجود على الأرض.
وبناء على هذا فالعبرة لطلوع الفجر وغروب الشمس بالنسبة للمكلف فلو كان ناس في سفح جبل يحجبهم عن طلوع الفجر فإن بدء صيامهم يتأخر على من كان في رأس الجبل لأن الفجر يتأخر طلوعه في حقهم، والصورة الأخرى أنه من كان في سفح الجبل فالغروب في حقه يتقدم على من كان أعلى الجبل بشرط ألا يرى الذي في سفح الجبل أي أثر للشمس.
قال ابن عابدين "2/ 80": (والمراد بالغروب زمان غيبوبة جرم الشمس بحيث تظهر الظلمة في الشرق).
- الجمهور على أن المسافر لا يحل له الفطر في اليوم الأول إذا لم يتجاوز عمران بلده قبله الفجر، أما في الأيام الأخرى فله الفطر ما دام له حكم المسافر، وله الفطر في اليوم الأول إذا جاوز عمران بلده قبل الفجر، وإفطاره إفطار أهل البلد الذي يدركه فيه الغروب، إلا أنه في عصرنا وجدت صور منها خروج الإنسان خارج دائرة الأرض، ومنها سفره بسرعة تعدل سرعة الأرض فقد لا تغيب عنه الشمس أبداً أو لا يفارقه الليل أبداً، كالسفر في المركبات السريعة جداً إذا سافر باتجاه الشرق فإن يومه يقصر جداً وإذا سافر باتجاه الغرب فإن نهاره يطول جداً، ففي هاتين الصورتين يفطر الإنسان وقت فطر أهل بلده الذي سافر منه، أما في صورة السفر خارج الأرض فههنا نفتيه بالفطر حسب فطر أهل بلده وندعوه لقضاء هذه الأيام.
- مسألة:
من تسحر وهو يظن أن الفجر لم يطلع بعد فإذا الفجر قد طلع، فسد صومه، لوجود صورة الإفطار ومعناه من أكل ما ينتفع به، لكن لا إثم عليه، ولا كفارة، وإنما عليه القضاء فقط لأن الجناية على الصيام ناقصة بانعدام القصد إلى الإفطار، وإن كان قد فاته الاحتياط المطلوب.
قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إن كان في موضع يستبين الفجر ويرى مطلعه من حيث يطلع وليس هناك علة فليأكل ما لم يستبن له الفجر. وقال رحمه الله تعالى: إن كان في موضع لا يرى فيه الفجر، أو كانت الليلة مقمرة وهو يشك في الفجر فلا يأكل، وإن أكل فقد أساء. وإن كان أكبر رأيه أنه أكل والفجر طالع قضى وإلا لم يقض، وسواء كان في سفر أو حضر. والأمر قائم على الاحتياط للصوم وحين لا سبيل إلى العلم بحال الطلوع فالواجب الإمساك استبراء لدينه، وفي الحديث (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة) فمن شك فلا سبيل له إلى تبين طلوع الفجر في أول ما يطلع حتى يكون مستبرئاً لدينه وعرضه، مجتنباً للريبة غير مواقع لحمى الله تعالى.
وقال مالك: أكره أن يأكل إذا شك في الفجر، وإن أكل فعليه القضاء. وقال
عبيد الله بن الحسن والشافعي: إن أكل شاكاً في الفجر فلا شيء عليه.
وأما قول من قال: إنه يأكل شاكاً من غير اعتبار منه بحال إمكان التبين في حال طلوعه؛ أو تعذر ذلك عليه، فذلك إغفال منه، لأن الضرير لو كان في موضع ليس بحضرته من يعرفه طلوع الفجر لم يجز له الإيدام على الأكل بالشك، وهو لا يأمن أن يكون قد أصبح، وكذلك من كان في بيت مظلم لا يأمن طلوع الفجر لم يجز له الإيدام على الأكل بالشك.
روى أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: أفطر عمر رضي الله تعالى عنه وأصحابه في يوم غيم ظنوا أن الشمس قد غابت فقال: فطلعت، فقال عمر رضي الله تعالى عنه:"ما تعرضنا لجنف- ما قصدنا إلى إثم- نتم هذا اليوم ثم نقضي يوماً مكانه" ورواه ابن أبي شيبة بطرق، منها رواية حنظلة عن أبيه قال: شهدت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في رمضان وقرب إليه شراب فشرب بعض القوم وهم يرون الشمس قد غربت، ثم ارتقى المؤذن فقال: يا أمير المؤمنين، والله إن الشمس طالعة لم تغرب، فقال: عمر رضي الله تعالى عنه "من كان أفطر فليصم يوماً مكانه ومن لم يكن أفطر فليتم حتى تغرب الشمس".
انظر (أحكام القرآن للجصاص: 1/ 386 - 387).
(وفتح القدير 2/ 372 فما بعدها)، (الصيام للشيخ وهبي ص: 106 - 107).