الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذي يظهر لي في هذه المسألة ما يلي:
إن المسلم الذي يعلم بدخول رمضان ينوي بفطرته صيامه وصيام كل يوم فيه لأن النية تكون بالقلب فلو دعاه إنسان إلى الغداء غداً وكان رمضان قد دخل فإنه يقول له: غداً رمضان ونحن صائمون .. وقد قال بعضهم: الإنسان العاقل المستيقظ المختار (أي الذي ليس مجنوناً ولا نائماً ولا مكرهاً) لا يمكن أن يعمل عملاً بلا نية ثم إن صلاة التراويح والسحور كل ذلك من مظاهر عقد النية على الصوم. والحالة التي يمكن أن يظهر الخلاف فيها فيما لو نام إنسان قبل المغرب إلى ما بعد طلوع الفجر من اليوم التالي من رمضان أو أسلم إنسان بعد طلوع الفجر أو فاسق لم يكن معتاداً للصوم هداه الله وقرر الصيام بعد طلوع الفجر وقبل منتصف النهار في مثل هذه الأحوال فقط يظهر الخلاف؛ فعلى رأي الحنفية أن هؤلاء لو نووا بعد طلوع الفجر أو قبل الزوال صيام ذلك اليوم صحت النية وجاز الصوم إذا لم يكونوا قد تناولوا مفطراً لأن ركن الصيام وهو الامتناع عن المفطرات قد وجد واجتمعت فيه شروطه من حيث الشخص والزمان والنية فوجب أن يصح صومه لأنه صام في وقت متعين للصيام شرعاً ولأن الصوم ركن واحد ممتد والنية لتعيينه لله تعالى فتترجح بالكثرة جانب الوجود. انظر الهداية وفتح القدير (2/ 303).
فهذه مسألة قليلة الوقوع وانحصر الخلاف بما ذكرنا ولا شك أن الاحتياط أولى
…
وهو ما رآه الجمهور.
-
نية صوم التطوع وإبطاله
3699 -
* روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: يا عائشة، هل عندكم شيء، قالت: قلت: يا رسول الله، ما عندنا شيء، قال: فإني صائم، قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهديت لنا هدية- أو جاءنا زور- فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله، أهديت لنا هدية- أو جاءنا زور- وقد خبأت لك شيئاً، قال: ما هو؟ قلت: حيس، قال: هاتيه، فجئت به فأكل، ثم قال: قد كنت أصبحت صائماً".
3699 - مسلم (2/ 808) 13 - كتاب الصيام، 32 - باب جواز صوم النافلة بنية من النهار
…
إلخ.
قال طلحة: فحدثت مجاهداً بهذا الحديث، فقال: ذلك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله، فإن شاء أمضاها، وإن شاء أمسكها.
وفي أخرى (1) قالت: "دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم من شيء؟ فقلنا: لا، قال: فإني إذن صائم، ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس، فقال: أرينيه، فلقد أصبحت صائماً، فأكل".
وفي رواية (2) النسائي مثلها، وقال في آخره:"فقلت: يا رسول الله دخلت علي وأنت صائم، ثم أكلت حيساً؟ قال: "نعم يا عائشة، إنما منزلة من صام في غير رمضان، أو في غير قضاء رمضان، أو في التطوع، بمنزلة رجل أخرج صدقة من ماله، فجاد منها بما شاء فأمضاه، وبخل منها بما بقي فأمسكه".
وفي رواية (3) الترمذي قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال:"هل عندكم شيء؟ قالت: قلت: لا، قال: فإني صائم".
وفي أخرى (4) قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني، فيقول: "أعندك غداء؟ فأقول: لا، فيقول:"إني صائم، قالت، فأتاني يوماً، فقلت: يا رسول الله، إنه قد أهديت لنا هدية، قال: وما هي؟ قلت: حيس، قال: "أما إني أصبحت صائماً، ثم أكل".
وفي رواية (5) أبي داود قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل علي قال: "هل عندكم طعام؟ فإذا قلنا: لا، قال: إني صائم" زاد وكيع: "فدخل علينا يوماً آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس، فحبسناه لك، فقال: أدنيه، قال طلحة: فأصبح صائماً، فأفطر".
(1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 809.
(2)
النسائي (4/ 194) 22 - كتاب الصيام، 67 - باب النية في الصيام
…
إلخ.
(3)
الترمذي (3/ 111) 6 - كتاب الصوم، 35 - باب صيام المتطوع بغير تبييت.
(4)
الترمذي: نفس الموضع السابق.
(5)
أبو داود (2/ 329) كتاب الصوم، باب في الرخصة في ذلك.
(زور) الزور: يطلق على صدر الشاة من اللحم ولعله المراد هنا.
(حيس) الحيس: دقيق وسمن وتمر مخلوط، وقيل: تمر وسمن وأقط.
أقول: هذا النص دليل على أن صوم التطوع تجزئ فيه النية قبل منتصف النهار، كما أن فيه دليلاً على أنه يجوز للمتطوع في الصوم أن يفطر متى شاء وهو الذي ذهب إليه الشافعية إلا أن الحنفية أوجبوا عليه القضاء.
3700 -
* روى الترمذي عن أم هانئ رضي الله عنها قالت: "كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتي بشراب، فشرب منه، ثم ناولني فشربت، فقلت: إني أذنبت فاستغفر لي، فقال: وما ذاك؟ قلت: كنت صائمة فأفطرت، فقال: أمن قضاء كنت تقضينه؟ قلت: لا، فلا يضرك".
وفي رواية (1) مثله، وفيه "فقالت: يا رسول الله، أما إني كنت صائمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصائم المتطوع أمين نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر".
وفي رواية (2)"أمير نفسه- أو أمين نفسه- على الشك".
وفي رواية (3) أبي داود: قالت: "لما كان يوم الفتح- فتح مكة- جاءت فاطمة، فجلست على يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم هانئ عن يمينه، قال: فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب، فناولته، فشرب منه، ثم ناوله أم هانئ فشربت منه، فقالت: يا رسول الله، لقد أفطرت وكنت صائمة، فقال لها: أكنت تقضين شيئاً؟ قالت: لا، قال: لا يضرك، إن كان تطوعاً".
3701 -
* روى البخاري عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: "كان أبو الدرداء يأتي نهاراً، فيقول: هل عندكم طعام؟ فإن قلنا: لا، قال: فإني صائم يومي هذا".
3700 - الترمذي (3/ 109) 6 - كتاب الصوم، 34 - باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع.
(1)
الترمذي: نفس الموضع السابق.
(2)
الترمذي: نفس الموضع السابق ص 110.
(3)
أبو داود (2/ 329) كتاب الصوم، باب الرخصة في ذلك.
قال محقق الجامع: رواه الترمذي وأبو داود ورواه أيضاً أحمد، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، فإن للحديث متابعات، وقد حسنه الحافظ العراقي في تخريج الإحياء.
(الوليدة): الأمة، والجمع: ولائد.
3701 -
البخاري (تعليقاً)(4/ 140) 30 - كتاب الصوم، 21 - باب إذا نوى بالنهار صوماً.
قال الحافظ في "الفتح" وصله ابن أبي شيبة من طريق أبي قلابة عن أم الدرداء قالت: كان أبو الدرداء يغدونا أحياناً ضحى فيسأل الغداء، فربما لم يوافقه عندنا، فيقول: إذاً أنا صائم، وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي إدريس، وعن أيوب عن أبي قلابة عن أم الدرداء، وعن معمر عن قتادة أن أبا الدرداء كان إذا أصبح سأل أهله الغداء، فإن لم يكن، قال: أنا صائم [م].
وفعله أبو طلحة، وأبو هريرة، وابن عباس، وحذيفة (1).
قال الحافظ في "الفتح": أما أثر أبي طلحة، فوصله عبد الرزاق من طريق قتادة، وابن أبي شيبة من طريق حميد كلاهما عن أنس، ولفظ قتادة أن أبا طلحة كان يأتي أهله فيقول: هل من غداء؟ فإن قالوا: لا، صام يومه ذلك، قال قتادة: وكان معاذ بن جبل يفعله، وأما أثر أبي هريرة، فقد وصله البيهقي من طريق ابن أبي ذئب عن حمزة عن يحيى عن سعيد بن المسيب قال: رأيت أبا هريرة يطوف بالسوق، ثم يأتي أهله فيقول: عندكم شيء؟ فإن قالوا: لا، قال: فأنا صائم، وأما أثر ابن عباس، فوصله الطحاوي من طريق عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يصبح حتى يظهر ثم يقول: والله لقد أصبحت وما أريد الصوم وما أكلت من طعام ولا شراب منذ اليوم، ولأصومن يومي هذا، وأما أثر حذيفة، فوصله عبد الرزاق، وابن أبي شيبة من طريق سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال حذيفة: من بدا له الصيام بعدما تزول الشمس فليصم. [م].
(1) الموضع السابق نفسه.