الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يكفيه طواف واحد عن حجة وعمرة وسعي واحد أو لابد من طوافين وسعيين؟ والسعي بين الصفا والمروة تذكير لنا ببدء قصة البيت إذ جاء إبراهيم طاعة لله بهاجر وإسماعيل عليهم السلام، فأسكنهما حيث لا طعام ولا ماء ولا أنيس، فكانت عاقبة التسليم والتوكل أن أصبحت حركة هاجر المتلهفة من شعائر الله إلى يوم القيامة.
والإحرام ونية الحج أو العمرة أو نيتها مع ما يستتبع ذلك من مطلوبات من تجرد من المخيط للرجال وكشف للوجه للنساء والامتناع عن محظورات الإحرام من حلق أو قص أظافر أو تطيب أو تغطية للرأس من الرجل أو تغطية للوجه من المرأة والامتناع عن الصيد والرفث، ليرى الإنسان نعمة الله عز وجل عليه إذا أباح له اللباس والطيب والارتفاق والصيد والحياة الزوجية فيقوم بالشكر، وفي الأمن الذي يناله الإنسان داخل الحرم وفي إقبال الشعوب كلها على الحرم واجتماعهم والتقائهم على عبادة الله فيه ربط للشعوب كلها برابطة الإسلام، وصهر للشعوب كلها بهذا الإسلام، وفي ذلك حياة للناس جميعاً: تجديد لإسلامهم ورفع لمعنوياتهم ودمج لمقاصدهم وتحريك لعواطفهم وإلزام بعضهم ببعض {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} (1).
{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} (2).
-
وحَجَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم حُجة على الناس
فلقد قال عليه الصلاة والسلام: "خذوا عني مناسككم".
وحجته عليه الصلاة والسلام معروفة محفوظة لم يُختلف فيها إلا على حيثيات بسيطة وقد مرت معنا في سيرته عليه الصلاة والسلام، ولكنه بسبب وجود نصوص كثيرة وأفعال كثيرة وأعداد غفيرة فلابد أن تكثر المسائل وأن تتعدد الأجوبة من أهل العلم، ومن ههنا كان هناك أشياء في الحج محل إجماع عند الفقهاء وهناك مسائل وقع فيها خلاف، وكلما كثر عدد الحجاج رؤيت الرحمة في اختلاف الفقهاء فرأي واحد لا يسع الحجاج في المسائل المختلف فيها ما دام الإنسان على فتوى الراسخين في العلم من أهل الفتوى فلا حرج عليه ويبقى المسلم متشوقاً لأن يقتدي برسوله عليه الصلاة والسلام إلا من اضطرته الظروف للأخذ برخص أهل العلم.
(1) المائدة: 97.
(2)
البقرة: 105.
قال سفيان الثوري رحمه الله: "إنما العلم رخصة من ثقة وأما التشدد فيعرفه كل الناس".
- والاختلاف بين الفقهاء لا يكون في الغالب حول المشروعية وإنما حول درجة الإلزام، فهذا يقول بالإباحة وهذا يقول بالسنية أو الوجوب أو الفرضية، وقليلة هي المسائل التي يتراوح فيها الاجتهاد بين التحريم والفرضية أو الوجوب والكراهة.
ومن المعلوم أنه يجوز لمريد النسك أن يجمع بين الحج والعمرة بإحرام واحد وذلك القارن، وله أن يفرد الحج بإحرام وهو المفرد، وله أن يعتمر أولاً ثم يتحلل ثم يحج وهو المتمتع، وعلى القارن والمتمتع دم على خلاف، هل ذلك دم شكر، أم دم جزاء؟ فمن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وقد يقع الحاج في مخالفات وهي على أنواع فمنها ما لا يوجب شيئاً، ومنها ما لا يوجب دماً، ومنها ما يوجب صدقة، ومنها ما يخير المبتلى به بين الدم والصوم والصدقة.
وإذا أُحصر الحاج أو المعتمر أو حصر فحال حصره أو إحصاره دون إتمامه عمرته أو حجه فماذا عليه أن يفعل؟
وهناك حالات يفسد فيها الحج أصلاً أو يفوت فما الحكم؟
كل هذه بعض مباحث هذا الجزء وستمر معنا تفصيلاً بإذن الله تعالى.
- والمقصود الأعظم من الحج والعمرة: هو تعظيم البيت الذي بناه إبراهيم وإسماعيل: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (1).
وإنما شرعت المناسك كلها لهذا المقصد، وقد أرى الله عز وجل إبراهيم المناسك، وتوارثت العرب هذه المناسك، ولذلك فقد كانت فكرة الحج والعمرة معروفتين للعرب لكن العرب لطخت حرمة البيت بالشرك وأدخلت على العبادة ما يتنافى معها من طواف الرجال والنساء عراة إلا إذا أعطتهم قريش ما يوارون به سوءاتهم، ومن مثل إحداث التصفيق
(1) البقرة: 125.
والصفير في الصلاة عند البيت.
{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} (1) أي تصفيقاً وتصفيراً. كما أهملت قريش بعض المناسك: فكانت لا تخرج للوقوف في عرفات وجاء الإسلام تصحيحاً وتوضيحاً وزيادة خير وبر فأدخل على المناسك ما كملها.
- قلنا إن المقصود الأعظم للحج وهو تعظيم البيت، وإنما شرعت المناسك كلها لهذا ولو أننا تأملنا الأفعال الرئيسية في الحج لوجدنا ذلك.
وعندنا أن الأفعال الرئيسية هي ما اعتبره الأئمة أو بعضهم ركناً من أركان الحج أو واجباً من واجباته ومجموع ذلك في الحج:
الإحرام، والوقوف بعرفة، والوقوف بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة، وذبح هدي التمتع والقران للقادر عليهما أو صيام عشرة أيام، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، وصلاة ركعتين بعده، والسعي بين الصفا والمروة، والمبيت بمنى أيام التشريق أو اثنين منهما للمتعجل، ورمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق أو في اثنين منها للمتعجل، وطواف الوداع لغير الحائض، وعدم إتيان ما يناقض الإحرام. ولو أنك تأملت لوجدت أن الإحرام من الهيئات لتعظيم البيت حتى يقرب الإنسان البيت على هيئة وعلى وضع معين، وأن الوقوف بعرفات من أجل أن يجتمع الناس كلهم في صعيد واحد؛ لينطلقوا إلى تعظيم البيت، وكذلك الوقوف بالمزدلفة والإفاضة منها ورمي جمرة العقبة، إعلان بالحرب لمن يصد عن البيت وذلك برجم المكان الذي وسوس فيه إبليس لأبينا إبراهيم عليه السلام ليثنيه عن طاعة الله في شأن إسماعيل. والذبح تقرباً إلى الله ليفدي الإنسان نفسه فيطوف بالبيت ولا ذنب له، والحلق أو التقصير والعودة إلى اللباس والطيب من أجل أن يعظم الإنسان البيت وهو على أكمل هيئة، والسعي بين الصفا والمروة طاعة لله في دائرة البيت، ورمي الجمار بعد ذلك للتأكيد أن من تعظيمنا للبيت تأكيدنا على رمي من يصدنا عن طاعة رب البيت بعد الطواف فيه، وطواف الوداع تعظيم للبيت آخر العهد به، وصلاة ركعتين بعد
(1) الأنفال: 35.