الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرض إجمالي
صوم رمضان أحد الأركان الخمسة في الإسلام وإذا كان كل ركن يقوم عليه من الإسلام ما يناسبه، فمثلاً الزكاة هي الركن في نظام الإسلام الاقتصادي، فالصوم هو الركن في ضبط النفس وشهواتها على مقتضى أمر الله عز وجل.
إن شهوة البطن والفرج هما أعتى شهوتين تغلبان الإنسان، وبالصيام يسيطر الإنسان على هاتين الشهوتين تحقيقاً لأمر الله بالإمساك عنهما فترة الصوم، وعندما يسيطر المسلم عليهما- وهما ما هما في الشدة- فإن قدرته على السيطرة على غيرهما أشد، ولذلك أُدِّبَ الصائم على السيطرة عليهما وعلى غيرهما من شهوات النفس كمقابلة السيئة بمثلها وإلجام اللسان عما لا ينبغي وعن الغضب والانتصار للنفس إلى غير ذلك.
وكما أن الصلوات فريضة ونافلة، والصدقات منها الفرائض والنوافل، والحج منه الفريضة ومنه النافلة، فإن الصوم منه الفريضة كصوم رمضان والوفاء بالنذر ومنه النافلة، وها نحن نعرض لك مسائل الصوم عرضاً إجمالياً ثم نبدأ بعرض النصوص:
لرمضان في قلب المسلم وفي تاريخ الأمة الإسلامية مكانة خاصة، لذلك يتغنى به الشعراء ويتشوق له العُبَّاد ويحرك في قلب المسلم أعظم الهمم لتحقيق أعلى المقامات وأرقى الأهداف. فقد نزل القرآن في رمضان وكانت فيه معركة بدر الكبرى وفتح مكة، وكثير من أحداث السيرة المهمة، وقد حدثت فيه معركة الزلاقة يوم الجمعة في 25 رمضان 479 هجرية، وهي المعركة التي أوقفت سقوط الأندلس أكثر من 400 عام، وكانت بقيادة يوسف بن تاشفين رحمه الله، ومن قبل كان فتح الأندلس في رمضان وفيه كانت موقعة عين جالوت قريباً من نابلس الحالية في فلسطين التي انتصر فيها المسلمون على المغول الانتصار الذي كان بداية النهاية للزحف المغولي.
والصوم شرعاً: هو الإمساك نهاراً عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس مع النية، والبلاد التي يدوم فيها الليل أو النهار، أو يكون فجرها هو غروب الشمس، يُقَدَّر وقت الصوم فيها بحسب أقرب البلاد منها، التي فيها ليل ونهار متميزان.
وصوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام، وفرض من فروضه بإجماع المسلمين، وعلى من أفطر في رمضان بعذر أن يقضي ما أفطر إن قدر، وستأتي معنا تفصيلات ذلك، فصوم رمضان أداءً وقضاءً من الفرائض، وهناك صوم الكفارات وهي من الفرائض على تفصيل، ومن الصوم المفروض صومه صوم النذر، وهناك صوم مسنون أو مندوب أو مستحب ومن ذلك: صوم عاشوراء مع يوم قبله أو بعده، ولم يشترط بعضهم أن يصام معه، ومن ذلك أن يصوم الإنسان يوماً ويفطر يوماً سوى رمضان وسوى الأيام التي يحرم صيامها ومن ذلك صيام أيام البيض أي: 13 - 14 - 15 - من كل شهر قمري فإن لم يتيسر هذا فصيام ثلاثة أيام من كل شهر تعدل صيام الدهر، ومن ذلك صوم يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، وصوم ستة أيام من شوال ولو متفرقة، ومن ذلك صوم يوم عرفة لغير الحاج، وصوم الثمانية أيام من ذي الحجة قبل يوم عرفة للحاج وغيره.
واستحب المالكية والشافعية: صيام الأشهر الحرم وهي أربع: ثلاثة متوالية وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وواحد منفرد وهو رجب، ويستحب الإكثار من صوم شعبان، ولا يكره صوم الدهر كله عند الحنابلة إذا لم يصم الأيام المنهي عن صومها إلا إذا خاف ضرراً أو فوت حق. ومن شرع في صوم مندوب فقد وجب عليه أن يتمه عند الحنفية والمالكية وإذا أفطر لعذر أو لغير عذر فقد وجب عليه قضاؤه. وقال الشافعية والحنابلة لا يجب عليه الاستمرار فيه ولكن يستحب له الإتمام إذا شرع فيه.
ويحرم صوم يومي عيد الفطر والأضحى وأيام التشريق الثلاثة بعد عيد الأضحى، ويحرم صوم الحائض والنفساء ولا ينعقد، ويحرم صيام من يخاف على نفسه الهلاك بصومه، ويكره عند الحنفية أن تصوم المرأة نفلاً بغير إذن زوجها أو علمها برضاه إلا إذا كان غائباً أو محرماً بحج أو عمرة أو معتكفاً، وللزوج أن يفطرها إذا صامت نفلاً بغير إذنه. ويكره تحريماً صوم يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم يعرف أنه من رمضان، وأجاز الحنفية صومه نفلاً، فإن ظهر أنه من رمضان؛ وقع عندهم عن رمضان.
وحرم الشافعية صوم النصف الأخير من شعبان لمن لم يكن له عادة في صيام وأجازوا صومه لقضاء أو كفارة.
ومن الصوم المكروه تنزيهاً إفراد يوم الجمعة والأحد بالصوم، والراجح عند المالكية عدم كراهته، ومن المكروه تنزيهاً إفراد يوم السبت وإفراد يوم عاشوراء، وصيام يومي النيروز وهو في أوائل الربيع، والمهرجان وهو في أوائل الخريف، ويكره تنزيهاً صوم الصمت وصوم الوصال وهو أن يواصل بين يومين أو أكثر بلا فطر، ويكره صوم المسافر إذا أجهده الصوم، ومن صام مع يوم الجمعة يوماً قبله أو بعده انتفت الكراهة. ويكره عند المالكية صوم يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه شبيه بالأعياد، ويكره عند الشافعية صوم المريض والمسافر والحامل والمرضع والشيخ الكبير إذا خافوا مشقة كبيرة.
ولا يجب الصيام إل على مسلم عاقل بالغ قادر مقيم، ويؤمر به الصبي عند الشافعية والحنفية والحنابلة وهو ابن سبع سنين، ويضرب عليه إذا بلغ عشراً، وقال المالكية لا يؤمر الصبيان بالصوم إلا إذا احتلم الغلام وحاضت الفتاة أو إذا دخلوا في طور التكليف.
وعند الحنفية لابد من تبييت النية وتعيينها قبل الفجر في صيام القضاء والنذر غير المعين، وصوم الكفارات، وصوم التمتع والقران، وأما صيام رمضان وصيام التطوع والنذر المعين؛ فيصح بنية من الليل إلى ما قبل نصف النهار، والنهار عندهم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فإذا وقعت النية قبل منتصف هذا الوقت جاز صيام ما ذكرناه عندهم. ولا يشترط في النية التلفظ، وأي فعل يدل على نية الصوم كالسحور يعتبر نية، ويستحب للصائم السحور على شيء وإن قلّ ولو جرعة ماء، ويستحب تأخير السحور لآخر الليل، ويستحب تعجيل الفطر عند تيقن الغروب وقبل الصلاة، ويندب أن يكون على رطب فتمر فحلو فماء، وأن يكون وتراً، ويستحب للصائم الدعاء عقب الفطر، ويستحب للمسلم تفطير الصائمين إذا حان وقت الإفطار، ويستحب الاغتسال من الجنابة والحيض والنفاس قبل الفجر إذا طهرت الحائض أو النفساء ليلاً.
وتستحب التوسعة على العيال والإحسان إلى الأرحام، والإكثار من الصدقة والاشتغال بالعلم وتلاوة القرآن ومدارسته، والأذكار، ويُسنُّ الاعتكاف وتحري ليلة القدر، وتستحب صلاة التراويح وقيام الليل وكف اللسان والجوارح عن فضول الكلام والأفعال، ويستحب ألا يتوسع في الشهوات المباحة، وألا يفعل ما يضعفه كإعطاء الدم مثلاً والحجامة.
وإذا كان المسلم يحرص على ترك الحرام في غير رمضان فإنه في رمضان أشد حرصاً، ويكره للصائم ذوق شيء أو مضغه بلا عذر، والقبلة ومقدمات الإثارة إن لم يأمن على نفسه، والمبالغة في المضمضة والاستنشاق.
ومن الأعذار المبيحة للفطر: السفر المبيح لقصر الصلاة الرباعية، ولا يحق له عند الجمهور أن يُفطر في اليوم الأول إلا إذا تلبس بالسفر قبل طلوع الفجر ووصل إلى مكان يبدأ فيه جواز القصر وهو مجاوزة البيوت ومرافق البلد قبل الفجر، ولم يشترط الحنابلة ذلك. وله حق الفطر ما دام يعتبر مسافراً شرعاً على خلاف بين الفقهاء في حد السفر.
ومن الأعذار المبيحة للفطر: المرض على تفصيلات عند الفقهاء في وصف المرض المبيح للفطر. ومن المبيحات للفطر: الجهاد سواء كان هناك التحام أو يتوقع الالتحام، ومن المبيحات: الحمل والرضاعة إذا خافت الحامل أو المرضع على نفسها أو رضيعها على تفصيل في الخوف المعتبر، ومن المبيحات عدم القدرة على الصيام بسبب الهرم، ومن المبيحات خشية الصائم على نفسه الهلاك أو الإغماء أو ذهاب بعض الحواس، ومن المبيحات الإكراه بشروطه.
وقال جمهور الفقهاء: إنه يجب على صاحب العمل الشاق أن يتسحر وينوي الصوم، فإن حصل له ما يخاف منه الضرر جاز له الفطر فإن تحقق الضرر وجب الفطر، وقال الحنابلة: لا يأثم بالفطر من احتيج إليه لإنقاذ آدمي معصوم من مهلكة كغرق ونحوه إذا أدى الإنقاذ إلى فطره.
والأعذار المبيحة للفطر منها ما يوجب القضاء فقط، ومنها ما يوجب الفدية إذا أمكن ذلك، وهناك إفطار الناسي وهذا لا يوجب قضاءً، ولا يؤثر على الصوم، وهناك إفطار المخطئ كأن تمضمض الإنسان فوصل شيء من الماء إلى جوفه دون قصد ففيه خلاف، هل يفسد الصوم أو لا يفسده، وهل يجب القضاء أو لا يجب، وإن كان الجميع متفقين أن لا إثم، ولكن صاحب ذلك وقع في المكروه لأنه بالغ في المضمضة، وهناك الإفطار الذي يفسد الصوم ويوجب القضاء فقط، وصاحبه آثم، وهناك الإفطار الذي يفسد الصوم ويجب فيه القضاء مع الكفارة، والإثم فيه كذلك حاصل، وكل ذلك فيه تفصيلات، وبعض المسائل محل إجماع عند الفقهاء، وبعضها محل اختلاف، وسيمر معنا أثناء عرض النصوص وعرض المسائل والفوائد ما تكثر الحاجة إلى معرفته ويكثر الابتلاء فيه، وإلى فصول هذا الباب.