المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم ‌ ‌المقدمة: حمداً لله، وصلاةً وسلاماً على رسول الله، - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة - جـ ٣

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة:

- ‌1001

- ‌1002

- ‌1003

- ‌1004

- ‌1005

- ‌1006

- ‌1007

- ‌1008

- ‌1009

- ‌1010

- ‌1011

- ‌1012

- ‌1013

- ‌1014

- ‌1015

- ‌1016

- ‌1017

- ‌1018

- ‌1019

- ‌1020

- ‌1021

- ‌1022

- ‌1023

- ‌1024

- ‌1025

- ‌1026

- ‌1027

- ‌1028

- ‌1029

- ‌1030

- ‌1031

- ‌1032

- ‌1033

- ‌1034

- ‌1035

- ‌1036

- ‌1037

- ‌1038

- ‌1039

- ‌1040

- ‌1041

- ‌1042

- ‌1043

- ‌1044

- ‌1045

- ‌1046

- ‌1047

- ‌1048

- ‌1049

- ‌1050

- ‌1051

- ‌1052

- ‌1053

- ‌1054

- ‌1055

- ‌1056

- ‌1057

- ‌1058

- ‌1059

- ‌1060

- ‌1061

- ‌1062

- ‌1063

- ‌1064

- ‌1065

- ‌1066

- ‌1067

- ‌1068

- ‌1069

- ‌1070

- ‌1071

- ‌1072

- ‌1073

- ‌1074

- ‌1075

- ‌1076

- ‌1077

- ‌1078

- ‌1079

- ‌1080

- ‌1081

- ‌1082

- ‌1083

- ‌1084

- ‌1085

- ‌1086

- ‌1087

- ‌1088

- ‌1089

- ‌1090

- ‌1091

- ‌1092

- ‌1093

- ‌1094

- ‌1095

- ‌1096

- ‌1097

- ‌1098

- ‌1099

- ‌1100

- ‌1101

- ‌1102

- ‌1103

- ‌1104

- ‌1105

- ‌1106

- ‌1107

- ‌1108

- ‌1109

- ‌1110

- ‌1111

- ‌1112

- ‌1113

- ‌1114

- ‌1115

- ‌1116

- ‌1117

- ‌1118

- ‌1119

- ‌1120

- ‌1121

- ‌1122

- ‌1123

- ‌1124

- ‌1125

- ‌1126

- ‌1127

- ‌1128

- ‌1129

- ‌1130

- ‌1131

- ‌1132

- ‌1133

- ‌1134

- ‌1135

- ‌1136

- ‌1137

- ‌1138

- ‌1139

- ‌1140

- ‌1141

- ‌1142

- ‌1143

- ‌1144

- ‌1145

- ‌1146

- ‌1147

- ‌1148

- ‌1149

- ‌1150

- ‌1151

- ‌1152

- ‌1153

- ‌1154

- ‌1155

- ‌1156

- ‌1157

- ‌1158

- ‌1159

- ‌1160

- ‌1161

- ‌1162

- ‌1163

- ‌1164

- ‌1165

- ‌1166

- ‌1167

- ‌1168

- ‌1169

- ‌1170

- ‌1171

- ‌1172

- ‌1173

- ‌1174

- ‌1175

- ‌1176

- ‌1177

- ‌1178

- ‌1179

- ‌1180

- ‌1181

- ‌1182

- ‌1183

- ‌1184

- ‌1185

- ‌1186

- ‌1187

- ‌1188

- ‌1189

- ‌1190

- ‌1191

- ‌1192

- ‌1193

- ‌1194

- ‌1195

- ‌1196

- ‌1197

- ‌1198

- ‌1199

- ‌1200

- ‌1201

- ‌1202

- ‌1203

- ‌1204

- ‌1205

- ‌1206

- ‌1207

- ‌1208

- ‌1209

- ‌1210

- ‌1211

- ‌1212

- ‌1213

- ‌1214

- ‌1215

- ‌1216

- ‌1217

- ‌1218

- ‌1219

- ‌1220

- ‌1221

- ‌1222

- ‌1223

- ‌1224

- ‌1225

- ‌1226

- ‌1227

- ‌1228

- ‌1229

- ‌1230

- ‌1231

- ‌1232

- ‌1233

- ‌1234

- ‌1235

- ‌1236

- ‌1237

- ‌1238

- ‌1239

- ‌1240

- ‌1241

- ‌1242

- ‌1243

- ‌1244

- ‌1245

- ‌1246

- ‌1247

- ‌1248

- ‌1249

- ‌1250

- ‌1251

- ‌1252

- ‌1253

- ‌1254

- ‌1255

- ‌1256

- ‌1257

- ‌1258

- ‌1259

- ‌1260

- ‌1261

- ‌1262

- ‌1263

- ‌1264

- ‌1265

- ‌1266

- ‌1267

- ‌1268

- ‌1269

- ‌1270

- ‌1271

- ‌1272

- ‌1273

- ‌1274

- ‌1275

- ‌1276

- ‌1277

- ‌1278

- ‌1279

- ‌1280

- ‌1281

- ‌1282

- ‌1283

- ‌1284

- ‌1285

- ‌1286

- ‌1287

- ‌1288

- ‌1289

- ‌1290

- ‌1292

- ‌1293

- ‌1294

- ‌1295

- ‌1296

- ‌1297

- ‌1298

- ‌1299

- ‌1300

- ‌1301

- ‌1302

- ‌1303

- ‌1304

- ‌1305

- ‌1306

- ‌1307

- ‌1308

- ‌1309

- ‌1310

- ‌1311

- ‌1312

- ‌1313

- ‌1314

- ‌1315

- ‌1316

- ‌1317

- ‌1318

- ‌1319

- ‌1320

- ‌1321

- ‌1322

- ‌‌‌1323

- ‌1323

- ‌1324

- ‌1325

- ‌1326

- ‌1327

- ‌1328

- ‌1329

- ‌1330

- ‌1331

- ‌1332

- ‌1333

- ‌1334

- ‌1335

- ‌1336

- ‌1337

- ‌1338

- ‌1339

- ‌1340

- ‌1341

- ‌1342

- ‌1343

- ‌1344

- ‌1345

- ‌1346

- ‌1347

- ‌1348

- ‌1349

- ‌1350

- ‌1351

- ‌1352

- ‌1353

- ‌1354

- ‌1355

- ‌1356

- ‌1357

- ‌1358

- ‌1359

- ‌1360

- ‌1361

- ‌1362

- ‌1363

- ‌1364

- ‌1365

- ‌1366

- ‌1367

- ‌1368

- ‌1369

- ‌1370

- ‌1371

- ‌1372

- ‌1373

- ‌1374

- ‌1375

- ‌1376

- ‌1377

- ‌1378

- ‌1379

- ‌1380

- ‌1381

- ‌1382

- ‌1383

- ‌1384

- ‌1385

- ‌1386

- ‌1387

- ‌1388

- ‌1389

- ‌1390

- ‌1391

- ‌1392

- ‌1393

- ‌1394

- ‌1395

- ‌1396

- ‌1397

- ‌1398

- ‌1399

- ‌1400

- ‌1401

- ‌1402

- ‌1403

- ‌1404

- ‌1405

- ‌1406

- ‌1407

- ‌1408

- ‌1409

- ‌1410

- ‌1411

- ‌1412

- ‌1413

- ‌1414

- ‌1415

- ‌1416

- ‌1417

- ‌1418

- ‌1419

- ‌1420

- ‌1421

- ‌1422

- ‌1423

- ‌1424

- ‌1425

- ‌1426

- ‌1427

- ‌1428

- ‌1429

- ‌1430

- ‌1431

- ‌1432

- ‌1433

- ‌1434

- ‌1435

- ‌1436

- ‌1437

- ‌1438

- ‌1439

- ‌1440

- ‌1441

- ‌1442

- ‌1443

- ‌1444

- ‌1445

- ‌1446

- ‌1447

- ‌1448

- ‌1449

- ‌1450

- ‌1451

- ‌1452

- ‌1453

- ‌1454

- ‌1455

- ‌1456

- ‌1457

- ‌1458

- ‌1459

- ‌1460

- ‌1461

- ‌1462

- ‌1463

- ‌1464

- ‌1465

- ‌1466

- ‌1467

- ‌1468

- ‌1469

- ‌1470

- ‌1471

- ‌1472

- ‌1473

- ‌1474

- ‌1475

- ‌1476

- ‌1477

- ‌1478

- ‌1479

- ‌1480

- ‌1481

- ‌1482

- ‌1483

- ‌1484

- ‌1485

- ‌1486

- ‌1487

- ‌1488

- ‌1489

- ‌1490

- ‌1491

- ‌1492

- ‌1493

- ‌1494

- ‌1495

- ‌1496

- ‌1497

- ‌1498

- ‌1499

- ‌1500

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم ‌ ‌المقدمة: حمداً لله، وصلاةً وسلاماً على رسول الله،

بسم الله الرحمن الرحيم

‌المقدمة:

حمداً لله، وصلاةً وسلاماً على رسول الله، وعلى آله وصحابته، وَمَنْ سار على سبيلهم إلى يوم الدين.

أما بعد، فهذا هو المجلّد الثالث من "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمّة"، قد يَسّر اللهُ تبارك وتعالى طبعه ونشره

بعد توقُّف عنه دام سنين، كُنّا في ذلك غير مختارين، إذ الأمر كلُّه بيد الله عز وجل، " وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون ".

وهو- كالمجلَّدين السابقين- يتضمّن خمسمائة حديث غير صحيح، كثير منها متداول على الألسنة، وسائرها مبثوث في بطون الكتب، على

اختلاف اختصاصاتها ومواضيعها، ومناهج مؤلفيها.

وإنّي أحمد الله تبارك وتعالى حمداً كثيراً طَيِّباً على نعمة الِإسلام أولًا، وعلى أنْ هداني إلى السنّة ثانياً، ووفّقني- بفضله- إلى نُصرتها وخِدمتها ثالثاً، وذلك بالدعوة إليها والتفقُه فيها؛ بعد تمييز صحيحها من ضعيفها، فإنّ هذا التمييزَ، هو المنهجُ الذي ينبغي أن يُقام عليه الفقهُ الإسلامي، بله العقيدة الِإسلامية، وإلّا اختلط الباطلُ بالحقِّ، والخطأُ بالصوابِ، وتعددتِ الأقوالُ والآراءُ، حتى يحتارَ فيها كثيرٌ من العلماء، ولا يجدون إلى معرفة الراجح منها سبيلاً، فيذرونها مُعَلَّقة: قيل كذا، وقيل كذا! أو أنهم يصيرون

ص: 3

إلى الترجيح بغير مُرَجِّح إتباعا للمصلحة- زعموا- أو الهوى! فقطعاً لدابرِ ذلك كُلِّه كان لا بُدَّ من التزام هذا المنهج السليم من التمييز بين الصحيح

والضعيف من الحديث؛ ليكون المسلمُ على بصيرة من دينه وقوفاً منه مع أمر ربه: " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ".

وقد تجاوب مَعَنا في ذلك كثيرٌ جداً من أفاضل العلماء والمؤلِّفين والدعاة والطَّلبَة في مختلف البلاد الإِسلامية، ولا أدلَّ على هذا من الطلبات الكثيرة التي تصلني منهم يوماً بعد يوم، مُلِحِّين بضرورة متابعة نشر ما عندي من السلسلتين وغيرهما، ليزدادوا بها علماً، ويأخذوا بالصحيح وفقهه، وَيَذَروا الضعيف، إلى غيره.

ومقابل هؤلاء الأفاضل بعض الشيوخ؛ المُقَلِّدين وغيرهم من الصوفيِّين والطُّرُقيِّين، الذين لا حياة لهم إلا بالاعتماد على الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ التي يسيطرون بها على قلوب العامة ثم على ما في

لذلك فهم لا يرضون عن ذلك التمييز، ولازِمه من التمسك بالِإسلام على ضوء

الكتاب والسنّة الصحيحة، ويحاربون الدعاة إليه محاربةً شديدة لا هوادةَ فيها، ويستبيحون في سبيل ذلك من الكذب والبهت والافتراء ما لا يستحلُّه إلا الكُفَّار الذين قال الله فيهم:" إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّه ". لأنهم يعلمون أنّ هذه الدعوة ستقضي على مشيختهم وسخافاتهم وخرافاتهم التي يستغلُّون بها السُّذَّج، وطَيِّبي القلوب من الناس.

ولَدَيَّ على ذلك أمثلةٌ كثيرةٌ، وحسبي الآن في هذه المقدمة مثالان اثنان، لهما صلة وثقى بها:

الأول: أن وزير الأوقاف في بعض الإِمارات العربية- ولعله صوفي، أو حوله بطانة صوفية- أصدر مذكّرة نُشِر مضمونها في أوائل شوال سنة

ص: 4

(1406 هـ) في بعض الجرائد كالبيان وغيرها، يتّهم فيها إخواننا السلفيين في تلك الِإمارة بتهم شتى، منها (التطرف) ! والخطورة على العقيدة الِإسلامية!

وإنكار المذاهب الأربعة!!! وكلّ ذلك كذبٌ وزورٌ، الهدف منه ظاهر لكل ذي بصيرة في الدين، وهو التمهيد وتهيئة الجو لمنعهم من الدعوة إلى الله، وتبصير الناس بدينهم على كتاب الله، وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم، ومنهج السلف الصالح. ومنهم الأئمة الأربعة رضي الله عنهم أجمعين.

ولم تكتف المذكرةُ بهذه التُّهَم، بل أضافت إلى ذلك تهماً أخرى، تتعلق بشخصي أنا، هي أظهر بطلاناً من سابقاتها، فقالت:

"ويتزعمها شخص يُدعى ناصر الدين الألباني ".

فهذا كذب وزور، يشهد به كل من يعرفني شخصياً، فإن انكبابي على التأليف والتحقيق أكثر من نصف قرن من الزمان يحول بيني وبين التزعم

المزعوم، هذا لو كانت نفسي تميلُ إليه، فكيف وهو منافٍ لطبيعتي العلمية؟؟

وأوضح ما في المذكّرة من الافتراء، قولُها عقب الزعم السابق:

"كما جرى طردهُ من الإِمارات قبل أربع سنوات ومنعه من العودة للبلاد"!

قلت: وهذا كذبٌ له قرونٌ كما يُقال في بعض اللغات؛ فإنه لم يكن شيء من ذلك ألبتة - والحمد لله، وليس أدَلَّ على ذلك من أنني عدت إليها

بتاريخ 3/29/1985 بإذن دخول رسمي رقم 6094/أ، ثم خرجت كذلك بتاريخ 4/5/1985 كما هو مسجل في جواز سفري رقم 284024 س ر/77.

ص: 5

ثم إنني أرى أن هذا الخبرَ الكاذبَ الذي صدر من شخص مسؤول هناك، لا يمسّني أنا شخصياً فقط، بل ويمسّ الدولة التي هو وزير فيها، إذ لا

يعقل أن يوافق حُكّامها- وهم مسلمون مثلي- على الطرد المزعوم، لا لسبب يُذكر سوى أنني أقول:"رَبِّي الله "، وأدعو إليه، وهو القائل:" وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ "، في الوقت الذي يُسمح فيه للكفّار بالدخول إلى البلاد على اخْتِلاف أديأنهم وغاياتهم؟!

اللهمّ فإنّي إليك أشكو غربة الِإسلام وأهله، اللهمّ فأَعِزَّ المسلمين، وأَذِلَّ الكافرين والمنافقين.

ثم إنَّ من فريات تلك المذكرة قولها:

"إن هذه الجماعة تنكر المذاهب الأربعة"!

فأقول: هذا كذبٌ وزورٌ، فنحن نُقَدِّرُ الأئمةَ الأربعةَ- وكذا غيرهم- حق قدرهم، ولا نستغني عن الاستفادة من علمهم، والاعتماد علىِ فقههم، دون تعصُّب لواحد منهم على الآخرين، وذلك ممّا بَيّنته بياناً شافياَ منذ أكثر من ثلاثين سنة في مقدمة كتابي:"صفة صلاة النبي – صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها"، فإليها أُحِيلُ من كان يريدُ التأكّد من كذب هذه الفرية.

وإنّ مِن أفرى الفِرى قولَها عطفاً على ما سبق:

"وتُشَكّك بسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم عن طريق تكذيب أحاديث (!) الصحاح المعتمدة، والتشكيك بصحة بعض الأحاديث النبوية الأخرى"!

فأقول: "سُبْحَانَكَ هذا بُهْتَان عَظِيمٌ " و "إِفْكٌ مُبِيْنٌ "، واعتداءٌ جسيم على مسلم نذر نفسه ووقته وجهده لخدمة السنة والدفاع عنها والرد على مخالفيها، وتمييز صحيحها من ضعيفها، وقضى في ذلك أكثر من نصف

ص: 6

قرن من الزمان، لا يَكَلّ ولا يَمَلّ، والحمد لله. وله في ذلك المؤلفات الكثيرة التي يشهد بفائدتها وأهميتها كبارُ العلماءِ والأدباءِ، وينتفع بها الملايينُ من طُلَاّب العلم في كل البلاد الِإسلامية وغيرها، وقد أُعيدَ طبع الكثير منها، وبعضها يُنْبئ عن ذلك صريح اسمها، مثل "دفاع عن الحديث النبوي " و"منزلة السنة في الِإسلام، وأنه لا يُستغنى عنها بالقرآن "، و"الذَّبُّ الأحمد عن مسند الِإمام أحمد" ولم يُطبع بعد، وهو في الرد على من نفى صحة نسبة

" المسند للِإمام احمد، وغيرها كثير مما هو مطبوعٌ معروفٌ، وقد جمع أسماءَ الكثير منها بعضُ المُحِبين في كتبٍ ورسائلَ، وقفتُ وأنا أكتبُ هذه المقدمة على واحدة منها مطبوعة بعنوان:

"سُلَّم الأماني في الوصول إلى فقه الألباني ".

وفي اعتقادي أن تلك المذكرة الجائرة، تُشير بهذه الفرية الباطلة إلى جهودنا المستمرّة في خدمة السنّة المطهّرة التي منها بيانُ الأحاديث الضعيفة والموضوعة، الدائرة على ألسنة كثير من الخطباء والمحاضرين والمدرسين وغيرهم من خاصّة المسلمين وعامّتهم، متوهّمين أنها أحاديثُ صحيحةٌ، وهي عند أهل العلم ضعيفةٌ أو موضوعة، فيتهمهم الجُهّال بأنهم يُكَذّبون بالأحاديث الصحيحة، والله المستعان.

وفي ختام هذا الردّ لا بُد لي من أن أُذَكِّر صاحب تلك المذكرة وبطانته إن كانوا مؤمنين بفول رب العالمين:

" وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ".

وبقوله – صلى الله عليه وسلم الثابت عنه- وهم لا يُكَذِّبُونَ بالأحاديث الصحيحة إن شاء الله! -:

ص: 7

"من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله رَدْغَة الخَبال حتى يخرج مما قال، وليس بخارج ". (الصحيحة 438 والإرواء2318) ، و (ردغة الخَبال)

جاء تفسيرها في حديث آخر أنها: عصارة أهل النار. نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة.

ذلك هو المثال الأول من أمثلة محاربة الدعاة إلى الكتاب والسنة.

وتمييز صحيحها من ضعيفها.

والآن جاء وقت بيان المثال الآخر فأقول:

هناك في المغرب رجل ينتمي إلى العلم، وله رسائل معروفة ويزعم أنه خادم الحديث الشريف، وهو الشيخ عبد الله بن الصدِّيق الغُماري وهو يختلف عن الرجل الأول المشرقي من حيث إِنه معروف بعدائه الشديد منذ القديم لأنصار السنّة، ولِكل من ينتمي إلى عقيدة السلف، مما يدل العاقل أنه لم يستفد من الحديث إلا حمله! ولا أدل على ذلك من كتيب له طُبع في هذه السنة (1986) ب (طنجة) بعنوان:

" القول المقنع في الرد على الألباني المبتدع "!

أقول: إن كل من يقرا هذا العنوان من القرَّاء همهما كان اتِّجاهه- يتسائل في نفسه متعجباً: ماذا ارتكب الألبانيُّ من البدع - وهو المعروف بمحاربته إياها في محاضراته وكتبه، ومن مشاريعه المعروفة " قاموس البدع "، وقد نص على الكثير منها في فصول خاصة في آخر بعض كتبه، مثل بدع الجنائز، وبدع الجمعة، وبدع الحج والعمرة، فما هي البدع التي جاء بها الألباني حتى وصمه الغُماري بـ "المبتدع "؟ مع أنه كان " أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا "، لأنه هو المعروف بالابتداع شي الدين، والانتصار للمبتدعة والطُرُقِيِّين، كما يشهد بذلك كل من اطلع على شيء من رسائله، وحسب القارئ دليلًا على ما

ص: 8

أقول. أنه شيخ الطريقة الشاذلية الدرقاوية الصديقية، وهو يفخر بذلك في بعض كتاباته (1) ، كما يفخر بأنه خادم السنة! وليته كان خادماً لها. بل نقنع منه أن لا يكون من الهادمين لها!

فإذا بدأ القارئ بقراءة كُتيّب الغُماري، فسرعان ما يبدو له أن موضوعه حديثيّ مَحْض يرد فيه على الألباني بعض ما انتقده عليه في تعليقه على رسالة: "بداية السُّول في تفضيل الرسول – صلى الله عليه وسلم للإِمام العزّ بن عبد السلام، من بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وغير ذلك، وأنَّه لا علاقةَ له بالبدعة كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانُه. ثم يتابع القارىءُ القراءةَ فيجد أن الشيخ الغُماري كأنه شعر بأنه لم ينل من الألباني بغيته من التشهير به، وبيان جهله الذي يرميه به في رده عليه من الناحية الحديثية، لذلك قفز إلى مناقشة الألباني في بعض المسائل الفقهية، ففيها يجد المسألة التي من أجلها وَصَمَ الغُماريُّ الألبانيَّ ب (المبتدع)، أَلَا وهي قولُه بعدم شرعية زيادة كلمة (سيدنا) في الصلوات الِإبراهيمية! اتباعاً لتعليمه – صلى الله عليه وسلم أمته إياها بقوله:

"قولوا: اللهم صل على محمد

".

وهنا يزداد القارىء اللبيب استغراباً، ويتساءل مجدداً: كيف يكون مبتدعاً من التزم تعليم النبي – صلى الله عليه وسلم ولم يزد عليه شيئاً، ولا يكون الغُماري هو المبتدع حقاً وهو لا يرى هذا الالتزام؟! بل هو ينكره على الألباني؟!

قلت: بل وعلى السلف جميعاً من صحابة وتابعين، وأئمة مجتهدين، فإنّهم قدوتي في عدم شرعية ذلك، وبخاصة الحافظ ابن حجر الذي أفتى بذلك، وقد نقلت فتواه في تعليقي على "صفة الصلاة"، وختمها بقوله:

(1) انظر مقدمته على كتاب أخيه الشيخ أحمد: " الحسبة ".

ص: 9

"ولو كانت زيادة (سيدنا) مندوبة ما خفيت عليهم حتى أغفلوها، والخير كله في الإتباع ".

وأشار الغُماري إلى فتوف الحافظ التي ذكرت خلاصتها في تعليقي على "فضل الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم لِإسماعيل القاضي (ص 26)، وتعقب الغُماري هذه الخلاصةَ بقوله (ص 20- 21) :

"وهذا جمودٌ شديدٌ، وتزمُّتٌ ممقوت

"، إلى آخر هرائه الذي ذكر فيه حكاية عن فلَاّح لا تنطبق إلاّ عليه، ثم قال:

"فنحن حين نذكر السيادة في الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم لم نزدها من أنفسنا (!) ولكن من قوله – صلى الله عليه وسلم – " أنا سيد ولد آدم "

والمبتدع الألباني وقع في البدعة التي ينعاها علينا، وهو لا يشعر، لضعف فهمه وقلّة إدراكه، فهو حين يُصَلّي على النبي – صلى الله عليه وسلم في خطبة كتبه يُصَلّي على أصحابه معه، وزيادة الصحابة بدعة، لِما تقدم بيأنه ".

فتأمل أيها الأخ القارىء! إلى غرور هذا الرجل وجهله وإقدامه على الاستدلال بالحديث المذكور على بدعته، فإنَّ لازِمَه أنَّ السلفَ كانوا غافلين عن دلالتهِ، فما أحقَّه بوعيد قوله تعالى في كتابه:" وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ".

وقد زاد عليه أخوه أحمدُ في ذلك، فألّف كتاباً يُغنيك اسمُه عن مضمونه ودَلالةً على انحرافه عن السبيل وهو:"تشنيف الآذان باستحباب السيادة في الصلاة والِإقامة والأذان "! ووافقه الغُماريُّ الصغيرُ على ذلك (ص 51) من رسالته التي سمّاها: "إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة"!

على حد قوله – صلى الله عليه وسلم – "

يُسَمّونها بغير اسمها"!

ص: 10

ذلك قولُهم! وهم يعلمون أن الأذان وما ذُكِرَ معه توقيفيٌّ بوحي السماء، وقد بَلَّغَهُ – صلى الله عليه وسلم – أصحابه وعلَّمهم إياه كما أُنْزِلَ، فلا يجوز التقدُّمُ بين يديه – صلى الله عليه وسلم – والزيادةُ عليه اتفاقاً، ولا أخال يخالف فيه إلا ضال مُضِلٌّ، حتى ولا صاحب هذا الرد المفظع! فإنه قد صرح فيه بذلك، ولكنه- لجهله البالغ- وضعه في غير موضعه، فقال (ص 9- 10) :

"وننبه هنا على خطأ وقع من جماهير المسلمين، قلد فيه بعضهم بعضاً ولم يتفطن له إلا الشيعة (!) ذلك أن النإس حين يُصَلّون على النبي – صلى الله عليه وسلم – يذكرون معه أصحابهُ، مع أن النبي – صلى الله عليه وسلم – حين سأله الصحابةُ فقالوا: كيفَ نُصَلّي عليك؟ أجابهم بقوله: "قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد"، وفي رواية: "اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته "، ولم يأت في شيء من طُرُق الحديث ذِكْرُ أصحابه. مع كثرة الطرق وبلوغها حدَّ التواتر، فذكر الصحابة في الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – زيادة على ما علّمه الشارع واستدراك عليه

وهو لا يجوز".

قلتُ: ليس في هذا الكلام من الحق إلا قولك الأخير: أنه لا تجوز الزيادة على ما علمه الشارع.. إلخ، فهذا حق نقولُ به ونلتزمُه، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ولكن ما بالك أنت وأخوك خالفتم ذلك، واستحببتم زيادة كلمة (سيدنا) في الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم ولم تَرِدْ في شيء من طُرُق الحديث؟! أليس في ذلك استدراكٌ صريحٌ عليه صلى الله عليه وآله وسلم يا من يَدَّعي تعظيمه بالتقدُّم بين يديه؟!

أمّا سائر كلامك فباطل لوجوه:

الأول: انك أثنيت على الشيعة بالفِطْنة، ونَزَّهْتَهُمْ عن البِدعة، وهم فيها من الغارقين الهالكين، واتَّهَمْتَ أهلَ السنة بها وبالبلادة والغباوة، وهم-

ص: 11

والحمد لله- مُبَرَّؤن منها، فحسبُك قولُه – صلى الله عليه وسلم – في أمثالك:"إذا قال الرجل: هَلَك الناس فهو أهلكُهم ". رواه مسلم.

الثاني: أنك دلَّسْتَ على القُرّاء، فأوهمتهم أن الحديث بروايتيه هو مختصر كما ذكرته ليس له تتمة، والواقع يُكَذِّبك، فإنّ تتمتَه في "الصحيحين "

وغيرهما:

"كما صلَّيت على إبراهيم. . .، اللهمّ بارك على محمد

" إلخ الصلوات الِإبراهيمية المعروفة عند كل مُصلٍّ، ومذكورة في "صفة الصلاة".

الثالث: فإنْ قلتَ: فاتني التنبيه على تمام الحديث.

قلنا لك: هَبْ أنّ الأمرَ كذلك- وما أظنّ- فاستدلالُكَ بالحديث حينئذ باطلٌ، لأنّ أهل السنة جميعاً الذين اتَّهَمْتَهم بما سبق لا يذكرون أصحابه – صلى الله عليه وسلم في هذه الصلوات الإبراهيمية!

"الرابع: فإنْ قلتَ: إنّما أعني ذكرهم الصحابة في الصلاة على النبي وآله في الخُطب!

قلنا: هذا وإن كنت قد صرحتَ به في آخر رسالتك (ص 21) ونقلتُه عنك فيما سبق (ص 10) - فإنه لا يساعدك على إرادةِ هذا المعنى استدلالُك بالحديث لكونه خاصّاً بالصلاة لا الخطبة كما بَيَّنْتُ آنفاً، وقولك في آخر تنبيهك المزعوم:

"فذكر الصحابة في الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم زيادة على ما علمه الشارع، واستدراك عليه وهو لا يجوز".

حقاً إن ذلك لا يجوز، ولكن أين تعليمه الصلاة عليه في خطبة الكتاب الذي ذُكر فيه هو- صلى الله عليه وسلم وآله دون الأصحاب، حتى يكون ذكرهم زيادة واستدراكاً

ص: 12

عليه صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين؟!

الخامس: فإنْ قلتَ: إنما استدللتُ بالحديث لقوله – صلى الله عليه وسلم: "قولوا: اللهم صل على محمد

"، فعَمَّ ولم يخص صلاة ولا غيرها.

فأقول: هذا العموم المزعوم أنت أول مخالف له، لأنه يستلزم الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم بهذه الصلوات الِإبراهيمية كلما ذكر عليه الصلاة والسلام، وما رأيتك فعلت ذلك ولو مرة واحدة في خطبة كتاب أو في حديث ذكر فيه النبي – صلى الله عليه وسلم، ولا عَلِمْنَا أحداً من السَّلَف فعل ذلك، والخير كلُّه في الإتباع، والسرُّ في ذلك أنَّ هذا العمومَ المُدَّعى إنما هو خاصٌّ بالتشهُّد في الصلاة كما أفادَتْهُ بعضُ الأحاديث الصحيحة، ونبَّه عليه الِإمامُ البيهقيُّ فيما ذكره الحافظ في "فتح الباري "(11/154- 155- الطبعة السلفية) ، فَلْيراجِعْه مَن شاء، ولذلك كنت اخترتُ الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم بهذه الصلوات الِإبراهيمية في كل تشهُّد؛ وسط وأخير، وهو نصّ الِإمام الشافعي كما تراه في "صفة الصلاة"(ص 185) مشروحاً.

وكيف يمكن أن يكون هذا الاستدلالُ صواباً وفيه ما سبق بيأنهُ من المخالفاتِ والمنكراتِ؟ مع أنه لم يَقُلْ أحدٌ من أهل العلم ببدعيّة ذكر الصحابة معه – صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليه تبعاً كما تزعم أنت، بل ما زالوا يذكرونهم في كُتُبهم سَلَفاً وخَلَفاً، كالِإمام الشافعي في "رسالته " على ما ذكره الحافظ السَّخَاوي في " القول البديع "، والرافعي والشِّيرازي والنَّووي وابن تيميّة وابن القَيِّم وابن حَجَر، وغيرهم كثير وكثير جداً لا يمكن حَصْرُهم، ما زال كل واحد منهم "يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم في خطبة كتبه، يصلي على أصحابه معه " كما أفعل أنا أحياناً. اقتداءً بهم، وبخاصة أن الحافظ ابن كثير نقل في "تفسيره " الِإجماع على جوازه، ومع ذلك كُلِّه رميتني بسبب ذلك بدائك

ص: 13

وبدَّعتني، أفهؤلاء الأئمّة مبتدعةٌ عندك! ويحَك، أم أنت تزن بميزانين وتكيل بِكَيْلين؟! وماذا تفولُ في أخيك الشيخ أحمد فإنّه أيضاً يفعل مثلي في خُطب بعض كتبه، مثل كتابه "مسالك الدلالة" ورسالته في القبض، أتراه مبتدعاً أيضاً؟ يمكن إن يكون كذلك في غير هذه المسألة، أمّا فيها فلا، وكذلك فعل أخوك الآخر المُسَمّى عبد العزيز في خطبة كتابه "التحذير" وكتابه "تسهيل المَدْرَج إلى المُدْرَج " أمبتدعٌ هو أيضاً؟! بل هو ما حَقَّقْْتَه أنت بذاتك في رسالتك " الأربعين الصدِّيقية" وخاتمة رسالتك الأخرى في " الاستمناء"! فما قولُ القراء في هذا الرجل المُتَقَلِّب كالحِرْباء؟!

وخلاصة الكلام في هذا المقام: أن الغُماري اتفق مع أخيه على استحباب ذكر كلمة (سيدنا) في الصلوات الِإبراهيمية، مع كونها زيادةً على تعليمه – صلى الله عليه وسلم واستدراكاً عليه! وهو لا يجوزُ في صريح كلامه!!

وتفرَّد هو خلافاً لأخويه وجماهير العلماء من قبل ومناقضةً لنفسه- على إنكار ذكر الصحابة مع النبي في الصلاة عليه في الخُطبة، وزعم أنه بِدعة، وأنّي لِفعلي ذلك مبتدعٌ عنده! وهو يعلم أن النبيَّ – صلى الله عليه وسلم كان يُصَلّي على أصحابه بمناسبات مختلفة، ومن ذلك حديث "كان إذا أتاه قومٌ بصدقتهم قال:" اللهم صلِّ عليهم "، فأتاه أبو أَوْفى بصدقتهِ فقال:"اللهم صَلِّ على آل أبي أوفى". رواه الشيخان وغيرهما، وهو مُخَرَّج في "الإِرواء"(853)

وغيره. ولا دليل على أن ذلك من خصوصياته – صلى الله عليه وسلم، بل قد صح عن ابن عمر أنه كان يقول في الجنازة: "اللهم بارك فيه وصل عليه، واغفر له، وأورده حوض رسولك

". رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (10/414) ، وسنده صحيح على شرط الشيخين.

وبعد هذا كله، فإني أرجو أن يكون ظهر للقراء جميعاً من هو

ص: 14

(المبتدع) ؟ وأنه يجوز لي أن أتمثل بالمثل السائر: "رمتني بدائها وانسلّت ".

ثم إني اعتذر إليهم، فقد طال البحث مع هذا الرجل في هذه المسألة وبيان جهله وزغله فيها أكثر مما كنت ظننت، ولكن لعلّ الأمر كما قال تعالى:

" وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ". ولعل من الخير أن يأخذ منه القراءُ مثالاً صالحاً لطريقة معالجة هذا الرجل لبعض المسائل الفقهية، ومبلغ علمه فيها، وصورةً عن أسلوبه في ردّه على من يخالفُه في الرأي، وكثرة نبزه إياه بشتى الألقاب، خلافاً لقول الله تعالى في القرآن:" وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ "، وحَسبك من ذلك عنوان كُتَيِّبه! وأما ما في جوفهِ مما قاء به فشيءٌ ما رأيتُه ولا سمعتُه من فاجر فاسق مثل رميه إياي ب (اللمز، والتجهيل، والسّفه، والوقاحة، والزعارّة، والعَرَامة القبيحة، والضلالة العمياء، والافتراء، والبهت، والكذب) ، وغير ذلك مما لا يُتَصَوَّرُ بذاءةً وفحشاً، مما لا فائدة للقارئ من نقل كلامه في ذلك إلّا الأسى والحزن على حال بعض العلماء في هذا الزمان، ولكن لا بُدَّ من نقل شيء منه حتى لا يظنَّ ظانٌّ ظنَّ السَّوْءِ، قال (ص 19) عامله الله بما يستحقُّ:

"وقد أخطأ من زَعَمَهُ وهابيّاً بل هو أعمقُ من الوهابيّين تعصُّباً وأشدُّ منهم تَعَنُّتاً، وأجمدُ على بعض النصوص بغير فهم، وأكثر ظاهرية من ابن

حزم، مع سلاطةٍ في اللسان، وصلابة في العناد لا تخطر بخلد إنسان، وهذا شعارُ أدعياء السنة والسلفيّة في هذا الزمان "!

قال:

"وَبَلَغنا عنه أنه أفتى بمنع إعطاء الزكاة للمجاهدين الأفغانيين نصرهم الله

"، إلخ هرائه وافترائه. قال:

ص: 15

"فما بالُ هذا الألبانيِّ المبتدعِ يُفَرّق بين المسلمين وُيضَلّل جمهورهم

ولم يَبْقَ من المسلمين سنيٌّ إلا هو ومَنْ على شاكلتهِ من الحشوية والمُجَسِّمة الذين ينسبون إلى الله تعالى ما لا يليق بجلاله ".

أعودُ مرة أخرى لأقول: "سُبْحَانَكَ هذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ " و "إِفْكٌ مُبِيْنٌ ".

ولا مجالَ للردِّ عليك في هذه الفريات والأكاذيب سوى أَنْ أخاطبك بقول الله تعالى للمشركين واليهود: " قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ "

ولن تستطيعَ إلى ذلك سبيلاً، إلاّ إنِ استطاع المشركون واليهودُ أَن يأتوا ببرهأنهم!

وإنَّ من عدل الله تعالى وحكمتهِ في الظالم الفاسق من عباده أن يُجري على لسأنه ما يدلّ الناس على كذبه وبهتأنه، مثل قول الغُماري:

"وبَلَغنا

"، فإنه مخالفٌ لصريح الآية: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا

"، فلو أن الغُماريَّ كان مؤمناً حقاً لاستجاب لأمر ربه

ولتبين لهَ أن ما بلغه كذبٌ أيضاً وزورٌ، وهذا أقولُه إذا لم يكن هو مصدرَ هذه الفرية أيضاً، فإنها ليست بأخطر من سابقاتها! عامله الله بما يستحق، فإن الذي أفتيتُ به خلافُ ما ادّعاه (1) ، والله المستعان.

وقد يتساءلُ بعضُ القُرَّاءِ عن السبب الذي حمل هذا الغُماريَّ على ارتكاب كل هذه الرزايا والمخازي؟

فأقول: لا أعلم لذلك سبباً يُذكر، إلّا عداءَه الشديدَ لأنصار السنة والداعين إليها، والمعروفين في بعض البلاد ب (السلفيّين) . فهو يبغضهم بُغضاً شديداً، ويحقد عليهم حقداً بالغاً، فهو عليهم (أحقد من جَمَل) كما

(1) وقد نشر شيء من ذلك في بعض المجلات، مثل "التوحيد" المصرية، و"الجامعة السلفية " الهندية، وسجل في بعض الأشرطة.

ص: 16

جاء في المَثَل، ولذلك رماهم بالحشوية وبالتجسيم، كما فعل أسلافهُ من الجهميّة والمُعَطّلة منذ القديم، وخَصّني أنا من بينهم فاتّهمني بمختلف

الأكاذيب، وبالتفريق والتضليل! وما نقلته عنه من التُهم دليلٌ واضحٌ على أنَ هذا إنما هو صمْتُه، فالله حسيبُه.

ولعلَّ القراء يلاحظون معي اتفاق هدفِ الغُماري هذا، مع هدف ذاك الوزير الصوفي في التهويش، وإثارة الناس على السَّلفيين عامة، وعَلَيَّ

خاصة، وفي هذه السنة بالذات، فهل كان ذلك عن اتفاق سابق بينهما في مكان ما، كما قال عز وجل:" أَتَوَاصَوْا بِهِ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ "،أم الأمر كما قال في آيةٍ أخرى:" تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ "؟!

وفي اعتقادي؛ أن الذي حمله على أنْ خَصَّني بتلك الحملة الشَّعْواء العمياء أنني كنت انتقدتُه لأوّل مناسبةٍ عَرَضتْ لي، وذلك في مُقَدّمتي لرسالة العز بن عبد السلام:"بداية السُّول في تفضيل الرسول – صلى الله عليه وسلم "، في بعض ما علّقه هو عليها من قبل، فلما وقف على نقدي هذا، وتبيّن له صوابُه، لم يَسَعْهُ إلا أن يعترفَ ببعضه، ولكنْ بطريقةٍ خبيثةٍ، يُخفي بها على القُرَّاءِ أنه مما استفاده من نقدي! وسكت عن بعض وزاغ عنه، فلم يتعرّض له بذكر! ولا يخفىِ على القراء، أن معنى ذلك أنه معترفٌ أيضاً بصواب نقدي إياه فيه أيضاَ، وأنه حقٌّ، ولكنه مع ذلك فقد كتمه، فَصِفَةُ مَنْ تكونُ هذهِ يا أيّها الغُماري؟، والله عز وجل يقولُ في كتابه:

وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ". وقال: " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون "؟!

وفي بعضِ آخر زاغ عن الحقّ، وجادل بالباطل، وبطريقةٍ فيها الكثيرُ من اللفّ والدَّوَرانَ.

ص: 17

ولا بُد لي من بيان ذلك ولو طال بنا الكلام، فإنه هو المقصود من الرد على هذا الرجل في هذه المقدمة، وما قبله كان من قبيل التوطئة له، والله

المستعانُ.

وقبل الشروع في ذلك، لا بأس من التنبيهِ على أن نقدي للغماري لم يكن فيه شيءٌ من التهجُّم عليه، ولا لَمَزْتُهُ بأشياءَ حصلت في تلك الرسالة كما

زعم في مقدمة كتَيِّبهِ الصغير، اللهمّ إلّا إن كان يَعُدُّ الردَّ العلميَّ، وبيانَ أوهامِ مَنْ يُخَلِّط في هذا العلم، تَهَجُّماً وَلَمْزاً. فقد فعلتُ ذلك، وهو شأنُ أهلِ العلم دائماً، كما قال مالكٌ رحمه الله تعالى:"ما منّا من أحدٍ إلا رَدَّ ورُدَّ عليه إلا صاحب هذا القبر- صلى الله عليه وسلم – "، فكيف إذا كان المردودُ عليه من أهل الأهواء يَدّعي ما لا علم له به؟ كهذا الرجل المعجب بعلمه الذي سمح لمن طبع رسالته في الكبائر أن يُلَقِّبه ب (الِإمام الحافظ) ! بل قال هو عن نفسه في مقدمتها! أنه تمكن في علم الأصول، وَبَرَّز فيه على الشيوخ؛ بله الأقران!

وقال فيها مُتَعالياً على العلماء:

"وهذا بحثٌ مهمّ، يجهله كثيرٌ من أهل العلم "!

عجيبٌ - والله- أمرُ هذا الرجل، يتبجّح بكل هذا، ثم يرميني به دون ما خجل أو حياء. انظر كتيبه الصغير (ص 12) .

ومناقشتي إياه- فيما تقدم- حول استحبابه زيادة كلمة (سيدنا) في الصلوات الِإبراهيمية، واستنكاره الصلاة على الصحابة، قد بَيَّنْتُ للقراء

مَبْلَغَهُ من العلم ومعرفتَه بالفقه، وأنه دَعِيٌّ في هذا التبجُّح ونحوه، والآن أبد! - بإذنه تعالى- ببيان ما وعدتُ به آنفاً، وشرح موقفه تجاه نقدي السابق إياه، وبذلك يظهرُ أيضاً للقراء جميعاً أنَّ علمه في الحديث وأصوله، كعلمه في الفقه وأصوله، ولولا تلك الأكاذيبُ والأباطيلُ التي رماني بها لما استحسنتُ

ص: 18

أن أَذكَرَ القراء بقول الشاعر في مثله وهو يصدق عليه:

زَوَامِلُ للَأشْعارِ لا عِلْمَ عِنْدهم *** بجَيدها إلا كعلم الَأبَاعرِ

لَعَمْرُكَ مايَدْري البعيرُ إذا غَدَا *** بَأحمالهِ أَوْراح مافي الغَرَائرِ

لفد كان نقدي على الغُماريِّ محصوراً في خمسة مواضيعَ، ألَخِّصُها هنا بما يلي:

الأول: أنه لا يُعْنى ببيان مرتبة الأسانيد والأحاديث من صِحّة أو ضعف إلا نادراً، مع أن ذلك هو المقصودُ من التخريج.

الثاني: أنه يعتمد على تحسين الترمذي، وظنّي به أنه يعلم تساهله فيه

الثالث: إهماله تخريج بعض الأحاديث، ولعلّ ذلك كان سهواً منه، بعضها في "الصحيحين ".

الرابع: يعزو بعض الأحاديث لغير المشاهير كأصحاب "الصحاح " و"السنن ".

الخامس: تقويته لحديث ابن مسعود: "الخلق كلهم عيال الله

"

بقوله: "إسناده جيد"! مع أنَّ فيه متروكاً، وكحديث:"أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب ". فإنه قال: "حديث ضعيف، خلافاً لقول الذهبي: إنه

موضوع ".

فماذا كان جوابُ الغُماري على نقدي هذا؟ لم تُساعده نفسه الأمّارة بالسوء على الِإجابة العلمية الهادئة، فقد افتتح الجواب باتّهامه إياي ببعض تُهمه الكثيرة المُتَقَدّمة، فزعم أنّني تهجّمتُ عليه وَلَمَزْتُه! وهذا كذبٌ واضحٌ لمن تأمّل تأدُبي معه وتَلَمُسي له العذر بقولي: "وظنّي به أنه يعلم

ص: 19

وقولي: "ولعلّ ذلك كان سهواً"، فضاع- مع الأسف- الأدبُ معه، وجزاني جزاء سِنِّمار!

وإليك الآن جوابَه عن تلك المواضيع، لتزدادَ معرفةً بعلمهِ في هذا المجال أيضاً، وبخُلُقه كذلك:

1-

لقد اعترف بما ذكرتُه ولم يحاولِ الزَّوَغان عنه - كما هي عادتُه - ولكنه سوّغ ذلك بقوله:

"لم أُبَيِّن الأسانيد، لأنّ الرسالةَ في الفضائل النبوّية، ولتلكَ الأحاديث ما يُؤيّدها من القرآن والسنة الصحيحة. على أن ممّا قرره العلماء

جواز

العمل بالحديث الضعيف، في الفضائل والترغيب ما لم يكن موضوعاً

".

وجواباً عليه أقولُ:

أولَاَ: هذا عذرٌ أقبحُ من ذنب كما يُقال، لأنّ كون الأحاديث في الفضائل

كما زعمتَ، لا يمنعك- لو استطعت - من بيان مراتبها كما لم يَمْنَعْك ذلك من تخريج الكثير منها.

ثانياً: لقد أَثْبَتُّ لك إنّ هذا الذي فعلتَه هو من باب الاشتغال بالوسيلة عن الغاية، وأنّ ذلك ليس من شأَن المتمكن في هذا العلم الشريف.

وضربتُ لك هناك مثلاً بالذي يتوضّأ ثم لا يُصَلّي. فما بالُك أعرضتَ عن الجواب عنه، ولم تَنْبس ببنت شَفة حوله؟! أليس هذا اعترافاً منك أنك لست منهم؟!

ثالثاً: أمّا استرواحُك إلى ما نَسَبْتَه للعلماء من جواز العمل بالضعيف فيٍ الفضائل، فهو من خَلْطك وزَوَغانك الذي عُرِفْتَ به في ردودك، وبيان ذلك من وجهين:

ص: 20

الأول: أن ذكر الحديث الضعيف دون بيان ضعفه شيء، والعمل به شيء آخر، كما هو ظاهرٌ بداهةً، فإنّ العُلَماءَ رحمهم الله وإن اختلفوا في جواز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل على تفصيلٍ يأتي ذِكْرُهُ أو الِإشارةُ إليه، فإنه لا قائلِ مطلقاً بوجوب العمل به، بخلاف ذكره دون بيان

ضعفه؛ فإنه لا يجوزُ بداهةَ، لأنّ الذي يفعلُ ذلك - كالشيخ الغُماري مثلاً - له حالةٌ من حالتين لا ثالث لهما:

الأولى: إن يعرفَ ضعفه ثم لا يُبَيِّنه. فهذا لا يجوزُ لما فيه من إثم كتمانِ العلم، وإيهام من لا علم عنده- وهم جمهورُ المسلمين خاصّتهم وعامّتهم- صحتَه، وهو مما صرح الإِمام مسلم في مقدمة "صحيحه " بعدم جوازه، وكنت نقلتُ نصَّ كلامه وكلام غيره من الأئمة في مقدمة كتابي

"الأحاديث الضعيفة والموضوعة"، ومقدمة كتابي "صحيح الترغيب والترهيب "، فليرجع إليهما من شاء البَسْط.

والأخرى: أن لا يعرفَ ضعفَه؛ لجهله بهذا العلم، كما هو الغالبُ على أكثر الناس وبخاصة في هذا الزمان، وإمّا لعدم توفر الأسباب التي تُيَسِّر له معرفةَ ضعفهِ، ففي هذه الحالة ينبغي له أن يُشير إلى ذلك بصيغة التمريض:"رُوي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم كذا وكذا"، كما ذكر ذلك ابن الصلاح وغيره، وفي رأي أنه لا بُدَّ من التصريح اليوم بواقع الأمر، كأن يقولَ:

"رُوي

ولا أدري أثابت هو أم لا؟ "، أو يقول: "وهو ضعيف، أو ضعيف الإِسناد"، إذا كان يعلم ذلك. انظر تمام هذا البحث في مقدمة "صحيح

الترغيب " (ص 21- 22) .

قلت: فالغُماري إما أنْ يعلمَ ضعف تلك الأحاديث الضعيفة وَسكَتَ عنها فهو آثمٌ. وإما أن لا يعلمَ، فعليه أن يعترف بذلك، ولا يدافع عن جهله

ص: 21

فيركن إلى قول من قال: يجوز العمل بالضعيف، في فضائل الأعمال! فإنه زَوَغانٌ منه عن البحث كما بَيَّنْتُ آنفاً، على أنه حُجَّة عليه لو كان يعلم، وبيأنه فيما يأتي بإذنه تبارك وتعالى.

الثاني: أنك حكيت عن الذين أجازوا العَمَلَ بالحديث الضعيف في الفضائل في أثناء تسويغك لعدم بيانك لضعف أحاديثك ما هو حُجَّةٌ عليك لو

كنتَ تدري "، يخرج من فمك، ويجري به قلمُك، فقد ذكرتَ عنهم (ص 4) أنهم اشترطوا لجواز العمل به شروطاً منها:

1-

أن لا يشتدَّ ضعفُ الحديث.

2.

- وأن لا يُعتقد ثبوتُه عن النبي – صلى الله عليه وسلم.

وهذا منهم شيءٌ جيد جداً، جزاهم الله خيراً، وإن كان تحقيقُ ذلك عسيراً جداً على العلماء فضلاً عن غيرهم من العامّة ومُدَّعي العلم، بحيث

صارت تلك الشروطُ نظريةً غيرَ واقعيةٍ كما حَقَّقْتُ ذلك في مقدمة "ضعيف الجامع الصغير"(ص 47- 51) ، و "صحيح الترغيب "(34- 36) ،

وضربتُ بعض الأمثلةِ وَقَعَتْ لبعضِ العُلَماءِ قَبْلَنا، وأذكرُ الآن أمثلةً أخرى صدرت من الغُماري هذا:

1-

"مَنْ جمع بين صلاتين فقد أتى باباً من أبواب الكبائر ".

هكذا أورده في "تنوير البصيرة"(ص 62) وقال:

"ضعيف ".

وإنما هو ضعيفٌ جداً كما قال الحافظُ ابنُ حجر، فيه حَنَش بن قيس وهو متروكٌ، وقد بَيَّنْتُ ذلك في "الضعيفة"(4581) .

2-

"ليس منا من خصى أو اختصى، ولكن صُمْ وَوَفِّرْ شَعْرَ جَسدِك ".

ص: 22

قال الغماري في "الاستمناء"(ص 30) :

"رواه الطبراني بإسناد ضعيف "!

وأقول: بل هو موضوعٌ، فيه المُعَلّى بن هلال الطَّحّان قال الحافظ:

"اتفق النُّقَّاد على تكذيبه "!

ولذلك أوردته في هذا المجلد من "الضعيفة"(1314)، وذكرت فيه قول الهيثمي في الطحان هذا:

"متروك ".

ورددت فيه على من حَسّنه غفلةً عن علّتهِ، أو توهُّماً أن له طريقاً أخرى، وإنما هو حديثٌ آخرُ! كما ستراه مُفَصَّلاً بإذنه تعالى.

ثم رأيتُ الغُماري قد أورد الحديث في كتابه الذي سماه "الكنز الثمين "(رقم 3205)، وقد صرح في مقدمته (ص 4) :

"أنه ليس فيه أحاديثُ ضعيفةٌ أو واهيةٌ ".

فأقول: قد تبيّن لي أنه غير صادق فيما قال، وهذا هو المثال بين يديك، والسبب تقليدُه للمناوي وغيره، وهو مما اتهمني به في كُتَيِّبهِ الصغير (ص 4) ، فقد عاد إليه، وهذا من عدل الله وحكمته في عباده كما قيل:"من حفر بئراً لأخيه وقع فيه "! وقد كنتُ تَتَبَّعْتُ أحاديثَ حرف الألف من كتابه المذكور " الكنز"، فوجدتُ فيه نحو مائتي حديث ضعيف أو موضوع من أصل (1402) حديثاً، ولو أنّ في الوقت مُتَسَعاً، لوضعتُ عليه كتاباً أُبَيِّنُ فيه تلك الأحاديث وغيرها مما وقع له من الضِّعاف في بقيّةِ أحرف الكتاب، فقد وجدته فيه كالسيوطي في "الجامع الصغير"، الذي قال في مقدمته: أنه صأنه عمّا تفرد به كذّابٌ أو وضّاعٌ، ثم لم يَفِ بذلك، كما تراه مفصلاً في "ضعيف

ص: 23

الجامع الصغير" ومقدمته، ومن ذلك هذا الحديث، ومن "الجامع " نقله الغُماري دون أي جهد منه أو تحقيق، ولذلك وقع منه هذا التناقض الفاحش الشديد: "ضعيف "، "صحيح "، وليس ذلك من قبيل اختلاف الاجتهاد، كما يقع ذلك لبعض العلماء، لأسباب معروفة، وإنما أتي من قِبَلِ رُكونهِ إلى التقليد، وجنوحه عن البحث والتحقيق، وإلا فكيف يمكن لباحثٍ عارفٍ بهذا العلم أن يُضَعِّف فقط، بله أن يُصَحِّح حديثاً فيه من اتّفَقَ النفاد على تكذيبه؟! وليس له طريقٌ أُخرى!

3-

"ركعتان بعمامة خير من سبعين ركعة بلا عمامة".

ذكره الغُماري في رسالته "إزالة الالتباس "(ص 21) في أول أحاديثَ ستّة استدلّ بها القائلون بأنّ ستر الرأس من آداب الصلاة، ولكنّ الغُماري

وهّاها كلها في صدد رَدّهِ عليهم، فإنه لا يرى أن ذلك كما قالوا، إلّا أنه قال في هذا الحديث:

"رواه ابو نعيم والدَّيْلمي، قال الحافظ السَّخَاوي: لا يثبت. وقال المُناوي: حديث غريب. قلت: وهذا الحديث مع ضعفهِ أقوى ما وَرَدَ في

هذا الباب "!

كذا قال! تقليداً منه أيضاً للمُناوي في "فيض القدير" و"التيسير"، وقد فاتهما أن فيه أحمد بن صالح الشُّمومي المكي كان يضع الحديث، ولعلهما توهما أنه أحمد بن صالح المصري الحافظ الثقة. وفي إسناده علّتان أخريان، وقد بيّنت ذلك كُلَّه في المجلد الثاني عشر من هذه السلسلة رقم (5699) .

والغرض مما سبق أمران اثنان:

الأول: أن يكونَ طالبُ العلم على انتباهٍ وحذرٍ من حكم الغُماري أو

ص: 24

غيره من المُتَساهلين أو المقَلّدين والجاهلين على الحديثِ بالضعفِ المطلق غير مقرونٍ ببيان شدّة الضعفِ، وُيرَتّب عليه جواز العمل به في الفضائل، وهو في الواقع واهٍ شديدُ الضعف، لا يجوز العمل به اتفاقاً.

والآخر: أن الشرط الأول الذي تقدّم ذِكْرُهُ عن الغُماري يستلزم أمرين اثنين:

بيانَ ضعفه، وأنه ليس شديد الضعف.

وبيان ذلك أن الغُماري إذا ذكر حديثاً ما وهو يعلم- فَرَضاً- أنه ضعيفٌ، وسكت عنه، ولكنْ من أين للقُرَّاء أن يعرفوا ضعفه عنده، وقد كتمه

عنهم؟! فهم- والحالةُ هذه- سيعملون به ظانّين أنه ثابتٌ لسكوته عليه، كما هو واقعٌ معروفٌ من عامة الناس، فلهذا يجبُ بيأنهُ، تفريقاً بين الضعيف

والقوي اعتقاداً وعملاً، وهذا ما صرّح به الحافظ ابن حَجَر عقب الشرط الأول، فقال في "تبيين العَجَب بما ورد في فضل رَجَب " (ص 21) :

"وينبغي مع ذلك اشتراطُ أن يعتقد العاملُ كونَ ذلك الحديث ضعيفاً، وأن لا يُشهر ذلك، لئلا يعمل المرءُ بحديث ضعيف، فَيُشَرِّعُ ما ليس بشرع،

أو يراه بعض الجهال فيظنّ أنه سنةٌ صحيحةٌ، وقد صرّح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره، وليحذر المرء من دخوله تحت قوله – صلى الله عليه وسلم:

"من حدّث عني بحديث يُرَى أنه كذبٌ فهو أحدُ الكَذَّابين "، فكيف بمن عمل به؟! ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل، إذ الكل شرع ".

قلت: وهذا الشرط مما تعمّد الغُماري طيَّه وكتمانَه أيضاً عن قُرَّائه، لأنه يعلم أنه يُدان به أكثر من الشرطين السابقين، وُيؤكّد ما قلتُ من وجوب بيان ضعف الحديث حتى لا يعمل به كما لو كان ثابتاً.

ص: 25

وبذلك يتجلّى للقُرّاء أنّ اعتذار الغُماري عن سكوته عن تلك الأحاديث الضعيفة بدعوى أنها في الفضائل، أنه- صما لسبى- عذرٌ أقبح من ذنب، ومُكابرةٌ عن الاعتراف بالحقّ، وهو الكِبْر الذي من كان شي قلبه ذَرَةٌ منه لا يدخل الجنة كما صَحَ عن صلى الله عليه وسلم.

فالله أسألُ أن يُطهّر قلوبنا من الشقاق والنفاق، وسوء الأخلاق.

وفي ردِّ الغُماري هنا أمورٌ أُخرى زلّت قَدَماه فيها؛ يطول الكلام حولها جداً، وبخاصة في هذه المقدمة، وهو مَيْلُهُ إلى العمل بالحديث الضعيف في

الأحكام أيضاً! ويزعم أنه كان في زاويته الصدِّيقية يلفت أنظار الطلبة إلى الأحاديث الضعيفة التي عمل بها الأئمة أو الجمهور وهي ضعيفة مع علمهم

بضعفها.

فتأمل أيها القارىء إلى هذا المفتري على الأئمّة، كيف يُضَلِّلُ طلبتَه وقُراءَه بمثل هذا الكلام المُضَلّل، فإنه يعلم أن عملهم بالحديث الضعيف يحتمل أن يكون لمطابقته لما يجوز الاستدلال به عند فِقْدانِهم الحديثَ كالقياس مثلاً، أو نحوه ممّا يقول به بعضُهم، فكيف إذا كان معه عندهم حديثٌ ضعيفٌ؟! وقد ذكر هو نفسُه نحو هذا المعنى في رسالته في "الاستمناء لما (ص35) ، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال، كما لا يخفى على ذوي العلم والكمال. كما تعلم أيضاً أن من المقرر عند علماء أصول الفقه والحديث أنه لا ئعمل به في الأحكام (1) . وقد ذكر هذا هو نفسُه في الصفحة المذكورة، ولكنه عاد لينقض ذلك بقوله (ص 37) : "وقولهم: الحديث لا يُعمل به في الأحكام هو مما خالف فيه العلماءُ قولَهم، ذلك أنهم استدلّوا في كتبهم بكثير من الأحاديث الضعيفة

"، إلى آخر ما قال، وبئسَ ما قال،

(1) انظر " المجموع " للِإمام النووي (1/59) فقد عزا ذلك للعلماء جميعاً دون استثناء.

ص: 26

فإنه يَتَّهم عُلماء الحديث والأصول جميعاً بأنهم يقولون بخلاف ما يفعلون!

وتالله إن رأيتُ مثل هذا الرجل بَهْتاً وافتراءً وقِلَّةَ حياءٍ، فلقد هانت عندي كلُّ افتراءاته عَلَيَّ.- التي سبق أن ذكرتُ بعضها- حين رأيت اتِّهامَه المذكور للعُلماءِ دون أي استثناء، وما ذلك إلا لِيَتَّخِذَ فِعْلَهم- إنْ ثَبَتَ- حُجَّةً له فيما ذهب إليه من الجواز. والحق والحقَّ أقول: هو الذي يفعل بخلاف ما يقول، فكثيراً ما يردُّ الحديث الذي عند خصمه بضعف إسناده كما فعل في حديث "صلاة بعمامة

" المُتَقدّم، فإنه لم يعمل به مع أنه موافقٌ لقوله في العمل بالحديث الضعيف في الفضائل والأحكام، فهذا من الأدلّة الكثيرة على أنه يكيلُ بكيلين، ويلعبُ على الحبلين.

ومن تلك الأمورِ التي زَلَّ فيها الغُماريُّ المغمورُ قوله:

"والجمهورُ الذين أجازوا العمل بالضعيف في الفضائل ونحوها اقتدوا بصنيع الشارع حيث تجاوزَ في الفضائل ما لم يتجاوزْ في الفرائض

والأحكام. وإليك أمثلةً من ذلك

".

ثم ساق سبعةً منها كلُّها تدورُ حول إباحتهِ تعالى على لسان نبيِّه في النوافل ما لم يَبح لهم في الفرائض!

فأقول: هذا من تدليساتهِ ومُغالَطاتهِ الخبيثة، إذ إِنَّ التجاوز الذي في هذه الأمثلة ونحوها لا يعني الاستحبابَ المقصودَ من قول القائلين بجواز العمل بالحديث الضعيف

لأنهم إنما يَعْنونَ الاستحبابَ، أي أنّ العمل به أفضلُ من تركه، وليس الأمرُ كذلك في الأمثلة التي أوّلها صلاة النافلة؛ من قعود مع القُدرة على القيام، فهذا جائزٌ وليس بمستحبّ، بل المستحبّ أن يُصلي قائماً، وكذلك القول في سائر أمثلته. فسقط كلامه بِرُمَّتهِ.

ثم لو صحَّ كلامُه في الفضائل فما فائدته وهو يقول بما هو أكثر وأدهى

ص: 27

وأَمَرّ، وهو جوازُ العمل بالحديث الضعيف في الأحكام أيضاً؟!

لعلّه يُقدم لِلْقُراء مَدْرَكاً أيضاً لهذا القول لم يعرفه الأوّلون والآخِرون، كما فعل في الذي قبله مُتَجاهلًا مَدْرَكَ العلماء الذين قالوا بعدم جواز العمل بالضعيف في الفضائل بله الأحكام، وهو أنّ الحديث الضعيف لا يُفيد إلاّ الظن المرجوح، والعمل بالظنّ المرجوح لا يجوزُ بأدلّة معروفة في الكتاب

والسنة، بل ذلك من عمل المشركين الذين قال فيهم ربُّ العالمين:"إِنْ يَتَّبِعُوْنَ اِلَّا الظَّنَّ وما تَهْوَى الَأنْفُسُ "، "إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً"، وهو أكذب الحديث، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن العمل به في الحديث الصحيح:"إياكم والظنَ فإنَ الظنَ أكذبُ الحديث ". (انظر مقدمة "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " و"صحيح الترغيب "، و "صحيح الجامع "، و"ضعيف الجامع ") ، فإنَ فيها بَسْطاً وافياً للموضوع.

فتجاوز المَغْمور كلَّ هذه الأدلّةِ وأعرض عنها إلى رأيه الفَجّ، وهو يعلم قول أهل العلم جميعاً:"لا اجتهادَ في مورد النصّ "، و"إذا ورد الأثر بَطَلَ النظر"، ولكنْ ما قيمةُ قولهم تجاه من ابتلي باتِّباع الهوى، وقلب الحقائق ولم يَخْشَ الله تبارك وتعالى!؟ نسألُ الله السلامةَ.

ولقد قَفّ شعري- والله- من قوله: "اقْتَدوا بصنيع الشارع "! فإنَّ التشريع من أفعالهِ تعالى الخاصة به، فليس لأحدٍ أن يصنعَ صُنْعَه، وُيشَرِّعَ للناس ما لم يشرعه " أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه ".؟! فهل يعني المغمورُ بقوله هذا: أنه يجوز لغيره تعالى أن يقتدي به وُيشَرِّع للناس مثلَ تشريعه، أم أنّ الهوى أعمى قلبه فنطق بكلمةِ الكُفْر، وما قَدَرَ الله حقَّ قدرهِ؟!

بقي شيءٌ واحدٌ مضى من كلامه لم نتعرّض له بِرَدٍّ، وهو قوله:

ص: 28

"ولتلك الأحاديث (يعني الضعيفةَ التي سكت عن بيانِ ضعفها) ما يُؤٍّيدُها من القرآن والسنة"!

هذه مجرّد دعوى، يستطيعها البَطَلَة، ولا يعجزُ عنها أصغر الطَّلَبة، ولو كانوا من المُتَخَرِّجين من الزاوية (!) فلا تستحقّ الردّ ولو بكلمة.

وبهذا ينتهي رَدّي على جوابه عن نقدي الأول إياه، فلننقل إلى القُرّاء جوابَه عن نفدي الثاني له، وهو اعتماده على تحسين الترمذي مع تساهلهِ

فيه. فقد قال:

2-

"لم أَعْتمد على تحسين الترمذي في تلك الرسالة إلا مؤَّةً أو مَرتَيْنِ على الأكثر، ولم يكن تقليداً بل إقرارٌ له لأنه صوابٌ ".

أقول: هذا كسابقهِ مُجَرّد دعوى، فهي مردودةٌ، ولو كان صادقاً لسَارَعَ إلى الدفاع عن نفسه بالدليلِ والحُجَّة، فإنه في موضعِ التُّهمةِ، فلماذا لا يدفعُها عن نفسه إنْ كان قادراَ عليها؟! وذلك بأن يأتي بحديثٍ من الأحاديث التي أشارَ إليها وُيبَيِّن وجه الصواب في تحسينه.

ومن المؤسف أن رسالة "بداية السول " بتعليقه ليست الآن في متناول يدي، لنؤكّد للقُرَّاء أنه غيرُ صادقٍ فيما يَدّعيه، بمثال ننقلُه منها، ولكنْ من الممكن التمثيل بحديث عرض مفاتح كنوز الأرض على النبي صلى الله عليه وسلم -واختياره أن يكون نبياً، وفيه أنه قال: "أجوعُ يوماً وأشبعُ يوماً

" الحديث، فإنه في الرسالة (الفقرة 29- بتحقيقي) ، وهو مما حسّنه الترمذي، وقد بيّنت في تعليقي عليها أنّ إسناد الترمذي وأحمد وغيرهما ضعيفٌ جداً، وذكرت له بعض الشواهد، لكن ليس فيها ذكر الجوع والشبع، وانتهيتُ فيه إلى أن هذه الزيادة منكرة، فإن كان هذا الحديثُ مما عناه الغماري فىِ جوابه المتقدم، وإلا فهو قد اعتمد على الترمذي في تحسينه إياه في كتاب آخرَ له، وهو الذي سماه "الكنز الثمين "

ص: 29

(رقم 2149) ، وقد زعم في مقدّمته أنه ليس فيه أحاديثً ضعيفةٌ، كما تقدّم، فهو دليلٌ واضحٌ على صحّة ما نَسبتُه إليه من اعتمادهِ على تحسين الترمذي المعروف تساهله فيه عند النُّقّاد.

ثم سَوّد الغُماري نصفَ صفحة من رسالته يردّ فيها على قول الذهبي:

"لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي "، بكلام نقله عن الحافظ العراقي استخلص منه أنّ ما اعتبره الذهبي تساهًلاً منه هو في الحقيقة اختلافٌ في الاجتهاد! ثم ختم الغُماري ذلك بقوله:

"نعم قد تَعَقّبته في تحسينه أو تصحيحه في كثير من مؤلَّفاتي وتعليقاتي "!

قلت: تساهًل الترمذي إنكارُه مكابرةٌ لشهرته عند العلماء، وقد تتبعت أحاديث "سننه" حديثاً حديثاً، فكان الضعيفً منها نحو ألف حديث، أي قريباً من خُمس مجموعها، ليس منها ما قوَّيْتًه لمُتابعٍ أو شاهد، ومع ذلك فإنه يَكْفينا منك الآن اعترافُك بتعقُّبك إياه، فإنه يعني أنه كان مخطئاً عندك، وحينئذٍ فلا فرق بين تسميته متساهلاً أو مجتهداً، لأنّ التساهل من مثله لا يكون إلّا عن اجتهاد، وليس عن هوىً أو غرضٍ! وكذلك يُقال في المتشددين منهم، ومن أجل ذلك، فانتقادي إيّاك لا يزال قائماً، وبخاصة أنه كان فيه ما نصُّه:

"فلا ينبغي للعارف بهذا العلم الشريف أن يسكتَ عن تحسينه، بل لا بًدّ له من التصريح بتأييده أو نقده حسب واقع إسناده

" إلخ.

وأقولُ الآنَ: لماذا سَكَتَّ عن تلك الأحاديث، ولم تًبَيِّن رأيَك فيها ما دام أنك تعقََّبته في غيرها، وأَدَرْتَ الموضوعَ إلى ما لا فائدة فيه من الردّ على

ص: 30

الذهبي؟! فهلاّ جَعلته على ما جاء في رسالة "رفِع اليدين في الدعاء بعد الصلاة" للشيخِ محمد بن مقبول الأهدل، وقد وضعْتَ لها مُقَدّمةً في ست صفحات مُؤَيّداَ فيها ما ذهب إليه من مشروعية الرفع المذكور، وكتبتَ عليها بعض التعليقات، وليس فيها حديثٌ واحدٌ ثابتٌ - ولا أقول: صحيحٌ - بل فيه مثل ذاك الحديث الواهي: "ما من عبدٍ يبسط كفَّيْهِ في دُبُر كُلِّ صلاة

"، وسكتَ عنه الغُماري؛ لسبب لا يخفى على القارئ، وفيه رجلٌ اتّهمه الِإمامُ أحمدُ وغيره، كما بيّنته في "الضعيفة" (5701)، فقد جاء في هذه الرسالة (ص 131) ما نصه:

"وقال الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح:

إنّ الترمذي حسَّن أحاديثَ فيها ضُعفاءُ، وفيها من رواية المدلِّسين، ومن كَثُرَ غَلَطُهُ، وغير ذلك، فكيف يُعمل بتحسينه وهو بهذه الصفة؟ ! " (1) .

هذا كلامُه، فلماذا لم تُعَلِّق عليه، وهو أحقّ بالتعليق لو كنت منصفاً لا تكيل بكيلين، ولا تزن بميزانين؟!

3-

وأما نقدي الثالث إياه، وهو: "إهماله تخريج بعض الأحاديث

وبعضها في (الصحيحين)

"، فلم يتعرّض له بجواب،. فهو اعترافٌ منه ضِمْنِيّ بأنه حقّ، ولكن أليس كان أشرفَ له أن يُصَرِّح بذلك؟! بلى، لو أنه كان منصفاً، أليس هذا وما قبلَه وما يأتي بعده من الأدلّة القاطعة علىِ أنك أنت المتصف بكل تلك التُّهَم الخبيثةِ التي رميتَني بها، ومنها ما ختمت به كُتَيِّبَك، بقولك:

"أمّا الِإنصافُ وعفّةُ اللسانِ فَيَسْمَعُ عنهما ولا يحسّهما من نفسِه "! فالله حسيبُك، وهو يتولّى الصالحين، وُيدافع عن الذين آمنوا.

(1) وانظر "مرقاة المفاتيح" للشيخ القارىء (1/21) .

ص: 31

4-

وأمّا نقدي الرابع إياه المصدّر بأنه يعزو الحديث لغير المشاهير

وذكرت على سبيل المثال حديثين:

الأول: "أنا سيّد ولد آدم ولا فخر"، عزاه هو لابن أبي عاصم في "الأدب "، وسكت عنه، ومع أن كتاب "الأدب " هذا غير مطبوع فقد أحال

عليه، وأعرض عن عزوه للترمذيّ وكتابهِ مع كونه أشْهَرَ، فهو مطبوعٌ وكذلك ابن حِبّان، ولا يجوزُ مثل هذا العزو مع وجود من هو أوْلَى به عند أهل العلم، وبخاصة أن الترمذي حسنه!

الآخر: حديث السدرة عزاه للنسائي وابن أبي حاتم، وهو في "الصحيحين "!

هذا خلاصة نقدي إياه، فليتأمّل القارىء جوابه الآتي عليه يتبين له علمُ الرجلِ وخُلُقُهُ! قال بعد أن اختصر نقدي إياه في الحديث الآخر:

"وأقول: هذا التعقُّب غفلةٌ منه كبيرة، ذلك أن مؤلَف الرسالة قال في الخصلة الأولى: إنه ساد الكُلّ، فقال: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر"، فعزوت

الحديث لمن رواه بهذا اللفظ.. ولم أخالف القاعدة في العزو. لكنّ الألباني غفل وذهل ".

هذا آخر كلامه، وما لم أذكره مُشيراً إليه بالنقطتين لا علاقة له مُطْلَقاً بجوابه، مع أنه كما قيل: أسمعُ جَعْجَعَةً ولا أرى طِحْناً، وإلا فما معنى قوله:

فعزوتُ الحديث لمن رواه بهذا اللفظ، فهذا وحده يدل على أن الرجل لا يخشى الله، ولا يستحي من عباد الله، لأنّ قولَه هذا مع كونه لا يخفى على

القراء، لأنه إعادةٌ للنقطةِ التي هي موضع انتقادي عليه، لأنّي سأقول له مرة أخرى: لماذا عزوته لابن أبي عاصم، ولم تعزه لمن هو أولى بالعزو منه

ص: 32

كالترمذي وابن حبان؟ فهذا هو وجهُ المخالفة يا من تستغفلُ الناس وتتّهمهم بما فيك.

وأما الحديث الثاني فلم يتعرّض له بجواب على الِإطلاق. فهذا مع ما فيه من الاعتراض الضِّمني بأن الرجل حَوّاش قَمّاش لا تحقيقَ عنده، فهو أشرفُ له وأسترُ من جوابه عن الحديث الأول، لما فيه من الزَّوَغانِ والمجادَلةِ بالباطل. والله المستعانُ.

5-

وأمّا نقدي الخامس إياه، فقد اعترف أيضاً بصوابه في الحديث الأول. ولكنْ بصورةٍ لا تُشَرِّفه وتليقُ بطريقته! وذلك من ناحيتين:

الأولى: أنه جرى في أجوبته السابقة أن يبدأ بقوله: "قال الألباني أولاً

"، "قال الألباني ثانياً

"، "قال الألباني رابعاً

" ولم يقل: قال الألباني ثالثاً؛ تَهرُّباً وتكبُّراً أن يعترف بالحق كما سبق. فلما جاء إلى جوابه عن هذا النقد لم يقل أيضاً: قال الألباني خامساً، لكي يُغَطِّي اعترافه الصريحَ بخطئه أنه بسبب نقد الألباني وإرشاده، ففال عَقِبَ جوابهِ السابق المُنتهي بقوله الذي هو أسوأُ منه: "غفل وذهل ":

"وقولي في حديث ابن مسعود: "الخَلْق عيال الله " سندهُ جيّد، سهو لا أدري كيف حصل لي؟ بل أوقعني فيه صنيعُ الحافظ السخاوي "!

فأقول: لو أن غيرك قال: "لا أدري " لم أستجز لنفسي أن أقول له:

إنْ كُنْتَ لَا تَدْري فتلكَ مُصيبةٌ *** أَوْ كُنْتَ تَدْري فَالمُصِيبةُ أعظمُ!

وإنما أقول لك بصراحة: إذا كنتَ صادقاً في قولك هذا، ولم يكن من دسائسك وأهوائك، فإنّك قد أُتيت من مخالفتك لقول أئمة الحديث: "قَمِّش

ثم فَتَش "، فأنتَ قَمَّاش حَوَّاش، تركن في الغالبِ إلى التقليدِ؛ الذي ترمي به غَيْرَك، وأنتَ فيه غريقٌ! ولولا ذاك لَمَا وقع منك هذا الخطأُ الفاحشُ الذي

ص: 33

يترفّعُ عنه المبتدئُ في هذا العلم الشريف، فإنك لمَّا رأيتَ السخاوي خَرَّجَ الحديث من رواية ابن مسعود وأنس وغيرهما، وسَكَتَ عن إسناد ابن مسعود واعَل غيره، وختم بحثه بقوله:"وبعضُها يُؤَكًد بعضاً"، توهمتَ من ذلك كلَه ما دفعك إلى الوقوع في الخطأ، فلو أنك فَتَشت عن إسناد ابن مسعود لوجدت فيه ذاك المتروك "موسى بن (1) عُمَير أبو هارون القُرَشي ".

تلك هي الناحيةُ الأولى.

وأما الناحيةُ الأخرى: فهي دِفاعُه عن نفسه بالباطل، وحملُه مسؤولية خطئه على الحافظ السخاوي كما سبق، وهذا من جَنَفهِ وظُلمه الذي لا يكادُ ينجو منه حتى الموتى، ولا من تزويره، فان السخاوي لم يُجَوِّد إسناده، كل ما في الأمر أنه سكت عنه، وهذا وإنْ كان منه غير جيد، فهل يفهم منه أحد مهما كان غريقاً في الجهل: أنه جَوَّدَ إسناده كما يزعم الغُماري؟!

هذا وقد خَرًجْتُ الحديث فيما يأتي برقم (3590) وتكلَّمتُ على طُرُقهِ، وأشرت إلى أنه إنما يثبت منه بلفظ:"خير الناس أنفعُهم للناس ".

وأما الحديث الآخر: "أنا سيَد ولد آدم، وعليّ سيّد العرب ". وهو الذي كنتُ انتقدت عليه قولَه فيه: "حديث ضعيف خلافاً لقول الذهبي: إنه

موضوع "، ومخالفتَه إياه، وبينت له هناك أن الحافظ العسقلاني قد أقرَّه على وضعه! لأن مدار الحديث عند الحاكم الذي عزاه الغُماري إليه- على

وضّاعَين معروفَين.

فقد كابر الغُماري أيضاً فيه كما سترى، فأنه قال ما خلاصته:

(1) سقط من الأصل المطبوع "موسى بن " فليتنبه.

ص: 34

"وقول الذهبي: موضوع، غلو غير مقبول لأنه وَرَدَ عن غير الوضّاعين ".

ثم ذكر له طريقين آخرين:

أحدهما: عن أنس مرفوعاً. قال الهيثمي: "فيه- خاقان بن عبد الله ابن الأهتم ضعّفه أبو داود". وذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه.

والآخر: عن عائشة أيضاً مرفوعاً به. رواه الحاكم وقال:

"صحيح الِإسناد، وفيه عمر بن الحسن الراسبي، وأرجو أنه صدوق، ولولا ذلك لحكمتُ بصحته على شرط الشيخين ".

قال الغُماري عقبه من عند نفسه:

"قلت: إسنادُ الحديث نظيفٌ ليس فيه كذابٌ ولا متَهم، والراسبي ذكره ابن أبي حاتم برواية محمد بن موسى الجُرَشي عنه، ولم يجرحه بشيء.

وبمقتضى القاعدة المقررة يكون تعديل الحاكم مقبولًا، لكن الذهبي تعقّب قولَ الحاكم: أرجو أنه صدوقٌ، فقال: أظن أنه هو الذي وضعه. وهو تعنُّت شديدٌ وقولٌ بالظنّ، والظن أكذب الحديث. والعجب من الحافظ كيف وافق الذهبيَّ على هذا الحكم المتعنِّت، وغفل عما تقتضيه القاعدةُ في هذا المقام؟! فالحديثُ بهذين الطريقينِ: طريقِ أنسٍ وطريقِ عائشة، لا يَبعُد أن يكون من قبيل الحَسَنِ لغيره ".

والجواب وبالله التوفيق على وجهين: مجمل ومفصل:

أما المجمل، فلا نُسَلّم حُسْنَه بمجموع الطريقين، لأنَّ في طريق عائشة راوياً واهياً شديد الضعف توهّمه الغُماري ثقةً، أو تجاهله كما سيأتي بيأنه في (المفصل) .

ص: 35

وأمّا الضعف من حيثُ إسنادهُ فليس البحثُ الآن فيه، والغُماري نَصَبَ الخلاف فيه؛ بَيْنه وبين الحافظ الذهبي والعسقلاني. لغايةٍ في نفسه، وليس كذلك، وإنما هو في متنهِ لقولهما بِبُطْلأنهِ، مع تصريحهما بأنَ فيه من لا يُعرف كما يأتي، وذلك يعني أنه ضعيفُ السند، ولا منافاةَ بينهما كما لا يخفى على العارفِ بهذا العلم، ويأتي بيانُه قريباً إن شاء الله تعالى.

وأما الجواب المفصل فهو من وجوه:

1-

تعليلُه لردّ حكم الذهبي على الحديث بالوضع بقوله:

"لأنّه وَرَدَ عن غير الوضّاعَين ".

فهو مرفوضٌ من أصله، وهو بذلك يُوهم القراء أنّ الحديث لا يكون موضوعاً إلا إذا كان فيه وضاعٌ، وهذا خلافُ ما صرّح به العلماءُ في أصول

علم الحديث وفروعه، فكم من حديثٍ حكموا عليه بوضعه أو بُطلأنه، وليس في إسنادهِ وضّاعٌ أو كذّابٌ، وفي هذه السلسلةِ عشراتُ الأمثلةِ على ذلك، وقد جاء في "اختصار علوم الحديث " لابن كثير:

"يُعرف الموضوع بأمور كثيرة.. ومن ذلك ركاكة ألفاظه، وفساد معناه، أو مجازفة فاحشة، أو مخالفته لما ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة".-

والغُماري يعرف هذا جيداً، لأنه مما لا يخفى على صِغَار الطلبة، ولكنه يتجاهلُ الحقائقَ لِيَصْدُقَ عليه ما يتّهمُ به غيرَه، المرّة بعد المرّة، انظر مثلاً كتيّبه الآخر:"إتقان الصنعة"(ص 47) ، وكتب " الأحاديث الموضوعة"، كلها قائمة على هذا، فما من كتاب منها إلا وفيه أحاديثُ موضوعةٌ بأسانيدَ ضعيفةٍ، لأنّ الوضع جاء من داخل المتن الدالّ على بطلأنه، وعلى هذا

ص: 36

حكمت أنا على حديث "نِعْمَ المذكّر السّبحة"، الذي يصرّ الغُماري وبعض تلامذته على أنه ضعيف فقظ، غير ملتفتٍ إلى معناه الدالّ على بطلأنه كما كنتُ بيّنتُه فيما مضى برقم (83) ، وما ذلك إلّا محافظةً منه على وسائل التَّمشْيُخ (!) وجَلْبِ المُريدين السُّذَّج الذين يغترّون بالمظاهر، وَلأمْرٍ ما قال الغُماري هذا في رسالته السابقة (ص 48) :

"وتعليقُ السّبحة في العنق ليس فيه شيءٌ، وهو نظير وضع الكاتب القلم على أذنه "!!

ثم ذكر حديث: "ضَعِ القلمَ على أُذُنك فإنه أذكر للمُملي ".

وقال: "رواه الترمذي بإسناد ضعيف "!

وهو يعلم أن فيه عنبسة بن عبد الرحمن الأموي. قال أبو حاتم:

"كان يضع الحديث ".

وله طرقٌ أخرى تدور أيضاً على وضّاعين وكذّابين كما تراه مفصلاً في المجلد الثاني من هذه السلسلة، رقم (861- 862) .

من أجل ذلك لم يَسَعْ أخاه الشيخ احمد الغُماري إلا أن يورد هذا الحديث في كتابه "المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير" من

رواية الترمذي وغيره (ص 18 و 65- 66) وقال:

"وهذا من وضع العجم، وقال ابنُ الجوزي: إنه موضوع ".

فهل خفي هذا على الغُماري الصغير، أم تعمّد مخالفة أخيه الأكبر لمجرد أنه اتّفق مع الألباني في الحكم على الحديث بالوضع، أم هو الدوَرَان وراء المصلحة مهما كانت المخالفة للعلمْ والعلماء، والعياذ بالله تعالى؟!

ص: 37

ومن الأمثلة على الحديث الموضوع متناً بشهادة مَنْ لا يستطيع الغماريُّ أن يصفه بـ (المبتدع) وهو أخوه السابق الذكر، فقد قال في حديث:

"اجعلوا أئمتكم خياركم

" (ص 10) .

"قلت: إسنادُهُ مُظلم كما قالوا، ومتنُه موضوع ". وانظر هذه السلسلة (1822-1823) .

وأقربُ مثال لما نحن فيه قولُه في حديث: "تختَموا بالعقيق فإنه ينفي الفقر"(ص 36) :

"قلت: فيه الحسينُ بن إبراهيم البَابي، قال الذهبي: لا يُدْرى من هو، فلعل الحديث مِن وضعه

". وانظر الحديث برقم (227) .

وهذا البابي كما ترى مجهولٌ، ومع ذلك حكم عليه الغُماري الكبير بالوضع، وقد قال الذهبي في حديث السيادةِ في راويه المجهول مثل هذا القول وأقوى منه كما يأتي، ومع ذلك زاغ عنه الغُماري الصغير. والله المستعان. وبذلك يسقط تعليلُه المذكورُ، ويتبيّن لكل ذي عينين أن الغُماري

هذا لا يُراعي في كلامه على الحديث قواعدَ العُلَماء، وإنما يتكلّم عليه حسبما يُوحي إليه هواه!

2-

قوله في حديث عائشة: إسنادهُ نطيفٌ، ليس فيه كذاب ولا متهم.

فأقول: هذه الدعوى كاذبةٌ، حَمَلَكَ عليها جمودُك على قول الحاكم ومن بعده بأنّ فيه ذاك الراسبي، فاستلزمت منه أنه ليس فيه علة أخرى هي أقوى من الراسبي، فإن الحاكم أخرجه (3/124) من طريق محمد بن معاذ عنه؛ وابن معاذ هذا لا استبعد عنك أن تتوهم أنه العنبري الثقة- إن كنت رجعت إلى "المستدرك " فوقعت عيناك عليه! - وإنما هو الشعراني أبو بكر

ص: 38

النُّهاوَندي كما حققته وبسطت القول عليه فيما سيأتي في المجلد الثاني عشر رقم (5678) وقد قال فيه الذهبي والعسقلاني:

" واه ".

أي شديد الضعف، فهو في حكم المتهم، وبذلك يسقط ما ادعاه الغُماري من النظافة!

3-

قوله: والراسبي ذكره ابن أبي حاتم.. ولم يجرحه بشيء.

فأقول: نعم لم يجرحه، ولم يوثقه أيضاً، فكان ماذا؟ غاية ما يمكن أن يقال فيه: إنه سكت عنه، وهو ما يسكت عن أحد إلا لأنه لم يتبين له حاله، كما ذكر ذلك ابنُ أبي حاتم نفسه في مقدمة كتابه. على أن الراوي عنه محمد بن موسى الجُرَشي مجروح لا يُحْتَجُ به عنده كما يفيده قوله في ترجمته (1/4/84) :

"شيخ "! (أنطر باب بيان درجات رواة الآثار) منه.

قلت: فما قيمةُ الراسبي إذا لم يعرفه ابنُ أبي حاتم إلّا من رواية الجُرَشىِ الذي لا يحتج به؟! ولذلك قال الذهبيُّ والعسقلانيُّ في الراسبي هذا:

"لا يُعرف، وأتى بخبر باطل، متنُه: علي سيد العرب ".

فأقول: قابِلْ قولَهما هذا بقولهما المتقدم في حديث التختُّم بالعقيق الذي احتجَ به الغُماري الكبير على وضعه، تتبيّن وتتأكّد من بُطلان إنكار الغُماري الصغير عليهما كما يأتي.

4-

قوله: "وبمقتضى القاعدة المُقَرّرة يكون تعديل الحاكم له مقبولًا

إلخ ".

ص: 39

فأقول: تأمّل أيها القارئ كيف يُعَمّي الأمر على القراء، فَيُطلق - القاعدة ولا يُبَيِّنها، تدليساً عليهم، وإيهاماً لهم بأنّه متمسِّكٌ بالقاعدة المقررة في علم المصطلح، وينسب الحافظ الذهبي إلى التعنُّت وُيلحق به الحافظ العسقلاني في الغفلة!! ولا يشكّ أحدٌ أنهما أعلم منه وأتقى، وأبعد عن اتِّباع الهوى الذي ابْتُلي به هذا الغُماري المسكين في كثير من كتاباته وبخاصة ما كان منها في انتقاده للآخرين. وبيان ذلك هنا من وجهين:

الأول: أنّ الحاكم لم يجزم بأنّ الراسبيَّ هذا صدوق، وإنما قال:

أرجو؛ وفرقٌ واضحٌ بين الأمرين.

والآخر: هَبْ أنه جزم بأنه صدوق، فما قيمة قوله وهو معروف عند العلماء بأنه من المتساهلين (1) ، ولا سيما إذا لم يَعْتَدّ بقولهِ الحُفَّاظُ الذين جاؤوا من بعده واستدركوا عليه كالذهبي وغيره، وقد ذكر اللكنويُّ رحمه الله في "الأجوبة" (161) : أنه إذا تعارض قولُ الحاكم مع الذهبي، رُجِّح قول الذهبي، لأن الأول متساهلٌ والثاني غير متساهل. فالحديث الذي حكم الحاكم بكونه صحيح الِإسناد. وحكم الذهبي بكونه ضعيفَ الإِسناد؛ يُرَجَّحُ فيه قولُ الذهبي على قول الحاكم، وكم من حديثٍ حكم عليه الحاكمُ بالصحة وتعقّبه الذهبي بكونه ضعيفاً أو موضوعا

إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.

وأقول: هذا إذا كان الذهبيُّ وحده مخالِفاً للحاكم، فكيف إذا كان معه الحافظُ ابن حجر كما هو الشأنُ هنا. فسقط بذلك تشبُّثُ الغُماري بالحاكم.

فإن قيل: ما هي القاعدة المُقَرّرَةُ التي اعتمد عليها الغُماري في رده

(1) انظر "الأجوبة الفاضلة" لأبي الحسنات اللكنوي (ص80 - 86) .

ص: 40

على الذهبي والعسقلاني ولم يبينها؟

فأقول: هي قولُ ابن الصلاحِ وغيره أنه يكفي الواحدُ في التعديل على الصحيح. وقد عرفتَ مما سبق أنها ليسَتْ على إطلاقها، وأنّ المقصود بها

من لم يكن معروفًا بالتساهُل في التوثيق والتصحيح كالحاكم وابن حبان ونحوهما، وهذا مما لا يخفى على الغُماري، ولكنه يُجادل بالباطل وينساق

لهواه. نسأل الله السلامة.

5-

قوله: فالحديث بهذينِ الطريقينِ

لا يبعدُ أن يكون من قبيل الحَسَن لغيره.

فأقول: كلا، وذلك لوجهين:

الأول: أنّ فيه ذلك الواهيَ محمد بن مُعاذ كما سبق بيأنه في الفقرة (2) ، ومثله لا يفيد في المتابعات والشواهد كما هو مقرّر في علم المصطلح.

والآخر: أنَ البحثَ في مَتْن الحديث كما تقدّم في الجواب المجمل، فلا فائدة من محاولتك لِإخراج سند الحديث من الضعف، ومتنُه باطلٌ بشهادة

الحافظين الذهبي والعسقلاني، وهما المرجعُ في مثل هذا الأمر دونَك، وما أحسنَ ما قيل في مثل هذه المناسبة:

وابنُ اللَّبونِ إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ *** لم يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القَنَاعيسِ

فان قيل: فما وجهُ بُطلانِ هذا الحديث متناً؟

فأقول مخالفتُه للسنّة الصحيحة الثابتة من طرق عن ابن عمر رضي الله عنه في "صحيح البخاري " وغيره، وهي مُخَرّجة في "ظلال الجنة"(رقم 1190-1198) ، بل قد صح ذلك عن علي نفسه رضي الله عنه، فروى البخاري بسنده الصحيح عن محمد بن الحنفية قال:

ص: 41

قلت لأبي: أيّ الناس خيرٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر؛ قال: قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر.. الحديث. ورواه أبو داود وابن ماجه وأحمد وغيرهم من طرق عنه، وهو مُخَرجٌ في "ظلال الجنة"(1200- 1208) .

وروي (1166) بسند حسن عن عمر قال لأبي بكر: لا بل نبايعك، وأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقد جاء في "الصحيحين " مرفوعاً أن أبا بكر كان أحبَّ الرجال إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يُعْقَلُ بعد هذه النصوص القاطعة بأفضلية أبي بكر رضي الله عنه أن يُقال:"وعلي سيّد العرب "، وقد تقدّم أنّ من علامات الحديث الموضوع أن يُخالف السنّة الصحيحة، فهي عمدة الذهبي والعسقلاني في قولهما ببطلان الحديث.

ولقد كنتُ أوردت معنى ما تقدم من السنة في رَدّي على الغُماري في مقدمة "البداية"، وأشرت إلى نِسْبتهِ إلى التشيُّع، بسبب تحمُّسه لهذا الحديث الباطل، وذكرتُ أنه من وضع الشَيعةِ. ثم تأكدتُ من ذلك حين رأيته يرد على الحافظَين وَيَسْتعلي عليهما، وينسبهما إلى الغفلة كما تقدم، ولا يتبرّأ من التشيع الذي رُمي به، بل إنه زاد على ذلك- ضِغْثاً على إبّالة- فسوّد ثلاث صفحاتٍ في الطعن على أهل السنّة وأئمة الحديث كابن تيمية والذهبي، فيرميهما بالنصب، وإنكار فضائل علي رضي الله عنه، وُيصرح بأن كثيراً من أهل السنة انخدعوا بالنواصب! فردُّوا أحاديثَ كثيرةً في فضل علي رضي الله عنه، ومنها هذا الحديثُ بزعمه فيتأوله بقوله:"فمعنى قوله عليه الصلاة والسلام: " علي سيد العرب " أنه ذو الشرف والمجد فيهم، لأنّه من أهل البيت

إلخ ".

فأقول: أَثْبتِ العرشَ ثم انقشْ، فإن التأويل فرعُ التصحيح كما هو معروفٌ عند العلماء، والحديث ضعيف الإسنادِ كما سبق تحقيقهُ، فهو لا

ص: 42

يستحقّ التأويل.

على أنّ سياق الحديث يبطله، فإن قوله- صلى الله عليه وسلم:"أنا سيد ولد آدم " صريح في تفضيله صلى الله عليه وسلم -على جميع ولد آدم، وهو الذي فهمه العلماء ومنهم العزّ بن عبد السلام في رسالته "بداية السُّول " كما سيأتي بيأنه تحت الحديث رقم (5678) ، فلو صحّت زيادة "وعلي سيد العرب " دلَّت أيضاً على تفضيله بعده صلى الله عليه وسلم -على العرب جميعاً، وهذا باطلٌ بشهادةِ الصحابة كما تقدم، ومنهم على نفسه، رضي الله عنهم أجمعين.

ومثلُ هذه الزيادةِ في البُطلان والمخالفة حديث:

"كان أحبّ النساء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم فاطمة، ومن الرجال علي ".

وسيأتي في هذا المجلد إن شاء الله تعالى برقم (1124) مع تخريجه والكشف عن علّته، وَوَهْم من وَهِمَ فيه، وذكر بعض الأحاديث الصحيحة

الدالّة على بُطلأنه.

وبعد، فإنّ مجال الردّ على الغُماري والكشف عن أوهامه وتدليساته على القراء، وضلالاته وافترِاءاته وإثارته للفتن التي شاركه في بعضها ذاك

الخزرجيُّ- مجالٌ واسعٌ جداَ، وفيما سبق من البيان كفايةٌ لكل منصفٍ راغبٍ في الهداية، وإنّي مع ذلك أرجو لهما أن يتراجعا عمّا رمونا به من البَهت

والافتراء، فإن لم يفعلا فإنّي داعٍ بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" اللهمّ مَتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثَأْرَنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مُصيبتنا في

ديننا، ولا تجعلِ الدنيا أكبَر هَمنا، ولا مبلغَ علمِنا، ولا تُسَلّط علينا من لا يرحمُنا".

ص: 43

وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

وصلى الله على محمد النبيّ الأميّ وعلى آله وصحبه وسلم.

عمّان 25 محرم سنة 1407 هـ

وكتب

محمد ناصر الدين الألباني

أبو عبد الرحمن

ص: 44