الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم إن القائل: " فيما بلغنا " هو الزهري، ومعنى الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة، وهو من بلاغات الزهري، وليس موصولا، وقال الكرماني: هذا هو الظاهر ويحتمل أن يكون بلغه بالإسناد المذكور، ووقع عند ابن مردويه في " التفسير " من طريق محمد بن كثير عن معمر بإسقاط قوله:" فيما بلغنا "، ولفظه " فترة حزن النبي صلى الله عليه وسلم منها حزنا غدا منه " إلخ، فصار كله مدرجا على رواية الزهري وعن عروة عن عائشة، والأول هو المعتمد.
وأشار إلى كلام الحافظ هذا الشيخ القسطلاني في شرحه على البخاري في " التفسير " واعتمده، ومحمد بن كثير هذا هو الصنعاني المصيصي قال الحافظ في " التقريب ": صدوق كثير الغلط.
وأورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: ضعفه أحمد.
قلت: فمثله لا يحتج به، إذا لم يخالف، فكيف مع المخالفة، فكيف ومن خالفهم ثقتان عبد الرزاق ويونس بن يزيد، ومعهما زيادة؟ !
وخلاصة القول أن هذا الحديث ضعيف لا يصح لا عن ابن عباس ولا عن عائشة، ولذلك نبهت في تعليقي على كتابي " مختصر صحيح البخاري "(1/5) على أن بلاغ الزهري هذا ليس على شرط البخاري كي لا يغتر أحد من القراء بصحته لكونه في " الصحيح ". والله الموفق.
1053
- " السجود على سبعة أعضاء: اليدين، والقدمين، والركبتين والجبهة، ورفع الأيدي إذا رأيت البيت، وعلى الصفا والمروة، وبعرفة، وبجمع، وعند رمي الجمار، وإذا أقيمت الصلاة ".
منكر بذكر رفع الأيدي.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "(3/155/1) : حدثنا أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي: حدثنا عمرو بن يزيد أبو بريد الجرمي:
أخبرنا سيف بن عبيد الله: أخبرنا ورقاء عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
وعن الطبراني رواه الضياء في " المختارة "(61/249/2) .
قلت: وهذا سند ضعيف، وعلته عطاء بن السائب وكان اختلط، فلا يحتج بحديثه إلا ما رواه الثقات عنه قبل اختلاطه وهم: سفيان الثوري، وشعبة، وزهير بن معاوية، وزائدة بن قدامة، وحماد بن زيد، وأيوب السختياني، ووهيب، كما يستفاد من مجموع كلام الأئمة فيه على ما لخصه ابن حجر في " التهذيب " وفاته وهيب فلم يذكره في جملة هؤلاء الثقات! وعلى كل حال فليس منهم ورقاء وهو ابن عمر راوي هذا الحديث عنه، فيتوقف عن الاحتجاج بحديثه كما هو مقرر في " المصطلح " ويعامل معاملة الحديث الضعيف حتى يثبت، وهيهات، فقد جاء الحديث من طريق طاووس عن ابن عباس مرفوعا بالشطر الأول منه، رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء "(310) .
فالشطر الثاني منكر عندي لتفرد عطاء به، وقد أعله الهيثمي في " المجمع " فقال (3/238) :
وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط.
وتعقبه المعلق على " نصب الراية " فقال (1/390) :
قلت: ورقاء من أقران شعبة، وسماع شعبة عن عطاء بن السائب قديم صحيح على أنه قال ابن حبان: اختلط بآخره، ولم يفحش حتى يستحق أن يعدل به عن مسلك العدول.
قلت: وهذا التعقب لا غناء فيه، لأنه لا يلزم من كون ورقاء من أقران شعبة أن يكون سمع من عطاء قديما كما سمع منه شعبة، ألا ترى أن في جملة من روى عن عطاء إسماعيل بن أبي خالد وهو من طبقة عطاء نفسه، بل أورده الحافظ ابن حجر في الطبقة الرابعة من التابعين، بينما ذكر ابن السائب في الطبقة الخامسة، فهو إذن من أقران عطاء وليس من أقران شعبة، ومع ذلك لم يذكروه فيمن روى عن عطاء قبل الاختلاط،
ومثله سليمان التيمي، فهذا يبين أن السماع من المختلط قبل اختلاطه ليس لازما لكل من كان علاي الطبقة، كما أن العكس؛ وهو عدم السماع؛ ليس لازما لمن كان نازل الطبقة، وإنما الأمر يعود إلى معرفة واقع الراوي هل سمع منه قديما أم لا، خلافا لما توهمه المعلق المشار إليه.
ومما يؤيد ذلك أن بعض الرواة يسمع من المختلط قبل الاختلاط وبعده ومن هؤلاء حماد بن سلمة، فإنه سمع من عطاء في الحالتين كما استظهره الحافظ في " التهذيب "، ولذلك فلا يجوز الاحتجاج أيضا بحديثه عنه خلافا لبعض العلماء المحدثين المعاصرين، والله يغفر لنا وله.
وأما ما نقله ذلك المعلق عن ابن حبان، فهو رأي لابن حبان خاصة دون سائر الأئمة الذين حرصوا أشد الحرص على معرفة الرواة الذين سمعوا منه قبل الاختلاط، والذين سمعوا منه بعده، ليميزوا صحيح حديثه من سقيمه، وإلا كان ذلك حرصا لا طائل تحته، إذا كان حديثه كله صحيحا، أضف إلى ذلك أن في " المصطلح " نوعا خاصا من علوم الحديث وهو " معرفة من اختلط في آخر عمره " وقد ذكروا منهم جماعة أحدهم عطاء وقالوا فيهم:
فمن سمع من هؤلاء قبل اختلاطهم قبلت روايتهم، ومن سمع بعد ذلك أوشك في ذلك لم تقبل (1) .
والحديث رواه الطبراني أيضا في " الأوسط "(1678، 1679) وكذا في " حديثه عن النسائي "(ق 314/2) بسنده هذا، ولكنه فصل بين الشطر الأول منه والآخر، جعلهما حديثين ثم قال:
لم يروهذين الحديثين عن عطاء بن السائب إلا ورقاء، ولا ورقاء إلا سيف تفرد به أبو بريد.
وعمرو بن يزيد أبو بريد: صدوق، ومثله سيف بن عبيد الله إلا إنه ربما خالف، كما في " التقريب ".
(1) اختصار علوم الحديث " للحافظ ابن كثير (ص 274) . اهـ.