الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تنبيه) : كل من ذكرنا أخرج الحديث باللفظ المذكور، وقد ذكره السيوطي في موضعين من " الجامع " الأول بهذا اللفظ من رواية البخاري والترمذي، والآخر من رواية سمويه بلفظ:" لا تجتمع خصلتان في مؤمن: البخل والكذب ". ولم أقف على إسناده، وغالب الظن أنه كهذا لا يصح. والله أعلم.
1120
- " كان جالسا يوما، فأقبل أبو هـ من الرضاعة، فوضع له بعض ثوبه، فقعد عليه، ثم أقبلت أمه، فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر، فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة، فقام له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه بين يديه ".
ضعيف.
أخرجه أبو داود في " السنن "(5145) : حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني: حدثنا ابن وهب قال: حدثني عمرو بن الحارث أن عمر بن السائب حدثه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا.. فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علل:
الأولى: جهالة المبلغ لعمر بن السائب، ويحتمل أن يكون صحابيا، ويحتمل أن يكون تابعيا، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال، لأنه على الاحتمال الثاني، يحتمل أن يكون التابعي الذي لم يسم ثقة، ويحتمل غير ذلك، ولهذا لا يحتج
علماء الحديث بالمرسل، كما هو مقرر في علم المصطلح. والاحتمال الثاني أرجح من الأول لأن عمر بن السائب، أورده ابن حبان في " أتباع التابعين " من " كتاب الثقات " (2/197) وقال:
" يروي عن القاسم بن أبي القاسم والمدنيين. روى عنه عمرو بن الحارث ".
وذكر الحافظ في " التقريب " أنه من الطبقة السادسة وهي طبقة الذين لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة.
وعلى هذا فالحديث معضل.
الثانية: أن عمر بن السائب نفسه، لم تثبت عندي عدالته، فإنه لم يوثقه أحد غير
ابن حبان، وتساهله في التوثيق معروف، وقد أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "(3/1/114) ولم يحك فيه توثيقا، فهو في حكم المستورين، وأما الحافظ فقال من عنده أنه:" صدوق ".
ثم بدا لي أنه لعل ذلك لأنه روى عنه أيضا الليث بن سعد وابن لهيعة وأسامة بن زيد.
الثالثة: أحمد بن سعيد الهمداني، مختلف فيه، فوثقه ابن حبان والعجلي، وضعفه النسائي، وقال الذهبي في " الميزان ":
" لا بأس به، تفرد بحديث الغار، قال النسائي: غير قوي ".
قلت: وخلاصة القول أن الحديث ضعيف لا يحتج به.
وإن ما حملني على الكشف عن حال هذا الحديث أنني رأيت نشرة لأحد مشايخ (إدلب) بعنوان: " قيام الرجل للقادم عليه جائز "، ذكر فيها اختلاف العلماء في هذه المسألة، ومال هو إلى القول بالجواز واستدل على ذلك بأحاديث بعضها صحيح لا دليل فيه، كحديث:" قوموا إلى سيدكم "، وبعضها لا يصح كهذا الحديث، وقد أورده من رواية أبي داود، دون أن يعلم ما فيه من الضعف، وهذا أحسن الظن به!
ولذلك قمت بواجب بيانه، نصحا للأمة، وشفقة أن يغتر أحد به.
ونحن وإن كنا لا نقول بتحريم هذا القيام الذي اعتاده الناس اليوم، والذي حكى الخلاف فيه الشيخ المشار إليه نفسه - لعدم وجود دليل التحريم - فإننا ندعو الناس جميعا، وفي مقدمتهم أهل العلم والفضل أن يقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في موقفه من هذا القيام، فإذا كان أحبه صلى الله عليه وسلم لنفسه، فليحبوه لأنفسهم، وإن كان كرهه لنفسه المعصومة عن وسوسة الشيطان وحبائله، فعليهم أن يكرهو هـ لأنفسهم من باب أولى - كما يقول الفقهاء - لأنها غير معصومة من وساوس الشيطان وحبائله، فما هو موقفه صلى الله عليه وسلم من القيام المذكور؟ الجواب:
قال أنس رضي الله عنه: " ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤية، وكانوا لا يقومون له، لما يعلمون من كراهيته لذلك " أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " والترمذي بإسناد صحيح على شرط مسلم، وقال الترمذي:" حديث حسن صحيح "، وبوب له بقوله:
" باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل ".
فمن كان صادقا في بحثه العلمي لهذه المسألة، مخلصا فيه، لا يريد منه إرضاء الناس، ولا إقرارهم على ما اعتادوه مع مشايخهم على خلاف سنة الصحابة مع نبيهم، - ولعل الشيخ منهم - فليحيي هذه السنة التي أماتها أهل العلم فضلا عن غيرهم، وليتبع النبي صلى الله عليه وسلم في كراهته لهذا القيام، وعلامة ذلك أن لا يغضب إذا دخل مجلسا لم يقم له أهله، بل إذا قاموا له حسب العادة، وعلى خلاف سنته صلى الله عليه وسلم تلطف معهم، وشكرهم على حسن نيتهم، وعلمهم ما كان خافيا من سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وبذلك تحيا السنن وتموت البدع، وتطيب النفوس ويذهب التباغض والتقاطع. ومن عجيب أمر ذلك الشيخ، أنه مع حكايته الخلاف في هذه المسألة وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره القيام له من أصحابه، وأن من الورع ترك القيام، ذكر الشيخ هذا كله، ومع ذلك فإنه في آخر النشرة، يسمي ترك هذا القيام بدعة! وينبز الدعاة إليه بـ " المبتدعين "، مع أنهم لا يزيدون على القول بكراهته، لكراهة النبي صلى الله عليه وسلم إياه باعتراف الشيخ.
نعم إن الشيخ - تبعا لغيره - يعلل كراهته صلى الله عليه وسلم لذلك بقوله: " لتواضعه صلى الله عليه وسلم ". ونحن وإن كنا لا نجد هذا التعليل منصوصا عليه في الحديث، فيحتمل أن تكون الكراهة المذكورة لذلك، وأن تكون لما فيه من التشبه بالأعاجم، ويحتمل أن يكون لمجموع الأمرين، ولغيرهما، مع ذلك فإننا نتخذ هذا التعليل من الشيخ حجة عليه وعلى أمثاله، فنقول:
كره رسول الله صلى الله عليه وسلم القيام له تواضعا منه، فهل يكرهه الشيخ أيضا تواضعا منه؟ ! وهل يرى هذا التواضع حسنا ينبغي الاقتداء به، وحمل الناس عليه، وخاصة أهل العلم؟ فإن كان الجواب نعم، فقد عاد إلى الصواب، ووافقنا عليه، وإن قال: ليس بحسن، فنسأل المفتي عن حكم من يستقبح فعله صلى الله عليه وسلم وتواضعه؟ أيبقى على إسلامه، أم يمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ويحبط عمله، وهو في الآخرة من الخاسرين؟
ومن جهله أنه ذكر في النشرة المشار إليها أن الزهري أتى إلى الإمام أحمد يسلم