الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقوفا عليه، فإذا ضمت إلى رواية الجماعة عن يزيد بن هارون كان ذلك دليلا قاطعا إن شاء الله تعالى على التصويب روايتهم الموقوفة، وتخطئة رواية ابن شبة المرفوعة وهذا بين ظاهر، والله الموفق لا رب سواه.
فائدة: قال ابن حزم رحمه الله تعالى (5/128) :
وأما رفع الأيدي، فإنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع في شيء من تكبير الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط (1) ، فلا يجوز فعل ذلك، لأنه عمل في الصلاة لم يأت به نص، وإنما جاء عنه عليه السلام أنه كبر ورفع يديه في كل خفض ورفع، وليس فيها رفع ولا خفض، والعجب من قول أبي حنيفة برفع الأيدي في كل تكبيرة في صلاة الجنازة، ولم يأت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنعه رفع الأيدي في كل خفض ورفع في سائر الصلوات، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نقل تعجب ابن حزم هذا من أبي حنيفة بعض مقلديه في تعليقه على " نصب الراية " واعترض عليه بقوله:
قلت: هذه النسبة منه أعجب.
وأقول: لا عجب، فإن قول أبي حنيفة هذا ثابت عنه، منقول في كثير من كتب أتباعه، مثل حاشية ابن عابدين وغيره، وعليه عمل أئمة بلخ من الحنفيين، وإن كان عمل الأحناف اليوم على خلافه، وعليه جرت كتب المتون، وهذا هو الذي غر المشار إليه على الاعتراض على ابن حزم والرد عليه، وهو به أولى.
1046
- " مسح رأسه، وأمسك مسبحتيه لأذنيه ".
لا أصل له.
وإن أورده الشيخ الشيرازي في " المهذب "، في بعض نسخه، فإنه لم يورده في نسخ أخرى منه متعمدة، وذلك أنه أمر بالضرب عليه، لما تبين له أنه لا أصل له، فقال النووي في شرحه عليه (1/411) :
هو موجود في نسخ المهذب المشهورة، وليس موجودا في بعض النسخ
(1) انظر لهذا كتابنا " أحكام الجنائز " طبع المكتب الإسلامي (ص 115 - 116) . اهـ.
المعتمدة وهو حديث ضعيف، أو باطل لا يعرف، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وهنا نكتة خفيت على أهل العناية بـ " المهذب " وهي أن مصنفه رجع عن الاستدلال بهذا الحديث، وأسقطه من " المهذب "، فلم يفد ذلك بعد انتشار الكتاب، قال: وجدت بخط بعض تلامذته في هذه المسألة من تعليقه في الخلاف في الحاشية عند استدلاله بهذا الحديث: قال الشيخ: ليس له أصل في السنن، فيجب أن تضربوا عليه في " المهذب " فإني صنفته من عشر سنين وما عرفته، قال أبو عمرو بن الصلاح: وبلغني أن هذا الحديث مضروب عليه في أصل المصنف الذي هو بخطه، ويغني عن هذا، حديث عبد الله ابن زيد أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه، حديث حسن رواه البيهقي، وقال: إسناده صحيح.
قلت: هو كما قال البيهقي: إسناده صحيح، لكنه شاذ، وقد أشار إلى ذلك البيهقي نفسه، فإنه لما أخرجه (1/65) من طريق الهيثم بن خارجة: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن حبان بن واسع الأنصاري: أن أباه حدثه أنه سمع عبد الله بن زيد يذكر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وقال: وهذا إسناد صحيح أتبعه بقوله:
وكذلك روي عن عبد العزيز بن عمران بن مقلاص وحرملة بن يحيى عن ابن وهب ورواه مسلم بن الحجاج في " الصحيح " عن هارون بن معروف وهارون بن سعيد الأيلي وأبي الطاهر عن ابن وهب بإسناد صحيح أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فذكر وضوءه قال: ومسح رأسه بماء غير فضل يديه، ولم يذكر الأذنين ثم
قال: وهذا أصح من الذي قبله.
فأشار بهذا إلى شذوذ الرواية الأولى كما ذكرنا آنفا، وقد صرح الحافظ بمعنى ذلك بقوله في " بلوغ المرام "، فإنه ذكر الرواية الأولى من رواية البيهقي. ثم ذكر لفظ مسلم ثم أعقبه بقوله:
وهو المحفوظ.
ولا ينافيه ما سبق في كلام البيهقي أن الهيثم بن خارجة لم يتفرد به، بل تابعه ابن مقلاص وحرملة بن يحيى، ذلك لأن الرواية عنهما لم تصح، كما يشير إليه كلام البيهقي وهو قوله: روي ولعل ذلك من أجل أنه من رواية محمد بن أحمد ابن أبي عبيد الله عنهما، أخرجه الحاكم في " المستدرك " (1/151) وقال:
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إذا سلم من ابن أبي عبيد الله هذا، فقد احتجا جميعا بجميع رواته، ووافقه الذهبي، ولم يتعرض لابن أبي عبيد الله هذا وأظنه الذي في " الميزان ":
محمد بن أحمد بن عبد الله بن عبد الجبار العامري، عن الربيع وابن عبد الحكم وبحر بن نصر، وعنه الضراب وابن منده وابن جميع، قال ابن يونس: كان يكذب، وحدث بنسخة موضوعة، توفي سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة.
فإن كان هو فما في " المستدرك ": " ابن أبي عبيد الله " محرف من " ابن عبد الله ".
بيد أنه لم يتفرد به عن حرملة، فقد خرجه الحاكم أيضا من طريق أخرى قوية في الظاهر، فقال: حدثناه أبو الوليد الفقيه غير مرة: حدثنا الحسن بن سفيان: حدثنا حرملة بن يحيى: حدثنا ابن وهب به، لكن قال الحافظ في " التلخيص " (ص 33) :
رواه الحاكم بإسناد ظاهر الصحة.
ثم ذكر رواية الهيثم بن خارجة المتقدمة وتصحيح البيهقي لإسنادها ثم تعقبه بقوله:
لكن ذكر الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في " الإمام " أنه رأى في رواية ابن المقري عن ابن قتيبة عن حرملة بهذا الإسناد، ولفظه:" ومسح رأسه بماء غير فضل يديه "، ولم يذكر الأذنين.
قلت: وكذا هو في " صحيح ابن حبان " عن ابن سلم عن حرملة، وكذا رواه الترمذي عن علي بن خشرم عن ابن وهب.
قلت: وفاته أنه عند مسلم أيضا (1/146) من طريق جماعة آخرين عن ابن وهب كما تقدم في كلام البيهقي، ولم يفته ذلك في " بلوغ المرام " كما تقدم، واغتر بصنيعه في
" التلخيص " الصنعاني فقال في " سبل السلام "(1/70) :
ولم يذكر في " التلخيص " أنه أخرجه مسلم، ولا رأيناه في مسلم!
وأخرجه أبو داود أيضا من طريق أبي الطاهر، وأبو عوانة في " صحيحه "(1/249) وأحمد (4/41) من طريقين آخرين عن ابن وهب به.
وتابعه حجاج بن إبراهيم الأزرق عن عمرو بن الحارث عند أبي عوانة.
وتابعه ابن لهيعة عن حبان بن واسع عند أحمد (4/39 و40 ـ 42) .
وابن لهيعة صحيح الحديث إذا كان من رواية أحد العبادلة عنه، وهذا منها، فإن عبد الله بن المبارك ممن رووه عنه.
وجملة القول أن حديث عبد الله بن زيد هذا قد رواه ثلاثة من الثقات عن عمرو بن الحارث:
أ - حرملة.
ب - ابن وهب.
ج - حجاج الأزرق.
وثلاثتهم قالوا في روايتهم عنه: " ومسح رأسه بماء غير فضل يديه "، إلا في بعض الروايات عن الأول فقال:" فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه ".
فهذا الاختلاف إما أن يكون من الرواة أنفسهم أومن حرملة ذاته، وأيهما كان، فالرواية التي وافق فيها الثقات أولى بالترجيح والقبول من التي خالفهم فيها، لا سيما وقد تأيدت برواية ابن لهيعة المذكورة، فهذا كأنه يؤيد ما ذهب إليه
الحافظ أن حديث " أخذ ماء جديدا للأذنين " غير محفوظ، ويرد قول النووي أنه حديث حسن، وقد كنت وقعت في خطأ أفحش منه؛ فقلت في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (الطبعة الأولى) عند الكلام على الحديث (36) : وهو حديث صحيح كما بينته في " صحيح سنن أبي داود "(رقم 111) .
والذي بينت صحته هناك إنما هو لفظ مسلم: " ومسح رأسه بماء غير فضل يده ".
لذلك فإني أهتبل هذه الفرصة وأعلن أنه خطأ مني رجعت عنه فمن كان وقف عليه فليصححه، وأستغفر الله من كل خطأ وذنب.