الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليها من شاء التوسع في ذلك، واسترواح بعض المعاصرين إلى الاستدلال بعموم حديث " الأنامل " وغيره غفلة منه، لأنه عموم لم يجر العمل به، وتجاهل منه لحديث العقدة باليمين، لا يليق بمن كان من أهل العلم، فتنبه ولا تكن من الغافلين.
1003
- " بل لنا خاصة. يعني فسخ الحج إلى العمرة ".
ضعيف.
أخرجه أصحاب " السنن " إلا الترمذي والدارمي والدارقطني والبيهقي وأحمد (3/468) عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه قال:
قلت: يا رسول الله! فسخ الحج لنا خاصة؟ أم للناس عامة؟ قال: فذكره.
قلت: وهذا سند ضعيف، فإن الحارث هذا لم يوثقه أحد، بل أشار الإمام أحمد إلى أنه ليس بمعروف، وضعف حديثه هذا كما يأتي.
وقال الحافظ في " التقريب ":
مقبول، يعني عند المتابعة، وإلا فلين الحديث، كما نص عليه في المقدمة.
وأما ما نقله الشوكاني في " نيل الأوطار "(4/280) عن الحافظ أنه قال في الحارث هذا: من ثقات التابعين، فإن صح هذا عنه، فهو من أوهامه، لأنه لو كان ثقة عنده لوثقه في " التقريب "، ولذكر من وثقه في أصله " التهذيب "، وكل ذلك لم يكن، بل قال أبو داود في " المسائل " (ص 302) :
قلت لأحمد: حديث بلال بن الحارث في فسخ الحج؟ قال: ومن بلال بن الحارث أو الحارث بن بلال؟ ! ومن روى عنه؟ ! ليس يصح حديث في أن الفسخ كان لهم خاصة، وهذا أبو موسى يفتي به في خلافة أبي بكر، وصدر خلافة عمر.
وقال ابن القيم في " زاد المعاد "(1/288) :
وأما حديث بلال بن الحارث، فلا يكتب؛ ولا يعارض بمثله تلك الأساطين الثابتة، قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يرى للمهل بالحج أن يفسخ حجه إن طاف بالبيت وبين الصفا والمروة، وقال في المتعة: هو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال صلى الله عليه وسلم:" اجعلوا حجكم عمرة "(1)، قال عبد الله: فقلت لأبي: فحديث بلال بن الحارث في فسخ الحج؟ يعني قوله: " لنا خاصة " قال: لا أقول به، لا يعرف هذا الرجل (قلت: يعني ابنه الحارث) ، هذا حديث ليس إسناده بالمعروف، ليس حديث بلال بن الحارث عندي بثبت.
قال ابن القيم:
ومما يدل على صحة قول الإمام، وأن هذا الحديث لا يصح، أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن تلك المتعة التي أمرهم أن يفسخوا حجهم إليها أنها لأبد الأبد، فكيف يثبت عنه بعد هذا أنها لهم خاصة؟ ! هذا من أمحل المحال، وكيف يأمرهم بالفسخ، ويقول:" دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة "(2) ، ثم يثبت عنه أن ذلك مختص بالصحابة، دون من بعدهم؟ فنحن نشهد بالله أن حديث بلال بن الحارث هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلط عليه.
وأما ما رواه مسلم في " صحيحه " وأصحاب " السنن " وغيرهم عن أبي ذر أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة، فهذا مع كونه موقوفا، إن أريد به أصل المتعة، فهذا لا يقول به أحد من المسلمين، بل المسلمون متفقون على جوازها إلى يوم القيامة، ولذلك قال الإمام أحمد:
رحم الله أبا ذر هي في كتاب الرحمن: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ".
وإن أريد به متعة فسخ الحج، احتمل ثلاثة وجوه من التأويل، ذكرها ابن القيم، فليراجعها من شاء، فإن غرضنا هنا التنبيه على ضعف هذا الحديث الذي يحتج به من لا
(1) انظر كتابي " حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها جابر رضي الله عنه ". اهـ.
(2)
انظر المصدر السابق. اهـ.
يذهب إلى أفضلية متعة الحج ويرى الإفراد أوالقران أفضل، مع أن ذلك خلاف الثابت عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة استقصاها ابن القيم في " الزاد " فلتطلب من هناك.
وقال ابن حزم في " المحلى "(7/108) :
والحارث بن بلال مجهول، ولم يخرج أحد هذا الخبر في صحيح الحديث، وقد صح خلافه بيقين، كما أوردنا من طريق جابر بن عبد الله أن سراقة بن مالك قال لرسول الله إذ أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" بل لأبد الأبد ". رواه مسلم ".
وبهذه المناسبة أقول: من المشهور الاستدلال في رد دلالة حديث جابر هذا وما في معناه على أفضلية التمتع، بل وجوبه بما ثبت عن عمر وعثمان من النهي عن متعة الحج، بل ثبت عن عمر أنه كان يضرب على ذلك، وروي مثله عن عثمان (1) ، حتى صار ذلك فتنة لكثير من الناس وصادا لهم عن الأخذ بحديث جابر المذكور وغيره، ويدعمون ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين "، وقوله:" اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر "، ونحن نجيب عن هذا الاستدلال غيرة على السنة المحمدية من وجوه:
الأول: أن هذين الحديثين لا يراد بهما قطعا اتباع أحد الخلفاء الراشدين في حالة كونه مخالفا لسنته صلى الله عليه وسلم باجتهاده، لا قصدا لمخالفتها، حاشاه من ذلك، ومن أمثلة هذا ما صح عن عمر رضي الله عنه أنه كان ينهى من لا يجد الماء أن يتيمم ويصلي (2) !! وإتمام عثمان الصلاة في منى مع أن السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم قصرها كما هو ثابت مشهور، فلا يشك عاقل، أنهما لا يتبعان في مثل هذه الأمثلة المخالفة للسنة، فينبغي أن يكون
(1) انظر المحلى (7/107) . اهـ.
(2)
أخرجه الشيخان في " صحيحيهما ". فانظر كتابي " مختصر صحيح الإمام البخاري " رقم (191) و" صحيح مسلم "(1/193) . اهـ.
الأمر هكذا في نهيهما عن المتعة للقطع بثبوت أمره صلى الله عليه وسلم بها.
لا يقال: لعل عندهما علما بالنهي عنها، ولذلك نهيا عنها، لأننا نقول:
قد ثبت من طرق أن نهيهما إنما كان عن رأي واجتهاد حادث، فقد روى مسلم (4/46) وأحمد (1/50) عن أبي موسى أنه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعد، حتى لقيه بعد، فسأله، فقال عمر: قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك، ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم.
ورواه البيهقي أيضا (5/20) .
وهذا التعليل من عمر رضي الله عنه إشارة منه إلى أن المتعة التي نهى عنها هي التي فيها التحلل بالعمرة إلى الحج كما هو ظاهر، ولكن قد صح عنه تعليل آخر يشمل فيه متعة القران أيضا فقال جابر رضي الله عنه:
تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام عمر قال:
إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد أنزل منازله، فأتمموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله، فافصلوا حجكم من عمرتكم؛ فإنه أتم لحجتكم، وأتم لعمرتكم.
أخرجه مسلم والبيهقي (5/21) .
فثبت مما ذكرنا أن عمر رضي الله عنه تأول آية من القرآن بما خالف به سنته صلى الله عليه وسلم فأمر بالإفراد، وهو صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ونهى عمر عن المتعة، وهو صلى الله عليه وسلم أمر بها، ولهذا يجب أن يكون موقفنا من عمر هنا كموقفنا منه في نهيه الجنب الذي لا يجد الماء أن يتيمم ويصلي، ولا فرق.
الثاني: أن عمر رضي الله عنه، قد ورد عنه ما يمكن أن يؤخذ منه أنه رجع عن نهيه عن المتعة، فروى أحمد (5/143) بند صحيح عن الحسن أن عمر رضي الله عنه أراد أن ينهى عن متعة الحج، فقال له أبي: ليس ذاك لك، قد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينهنا عن ذلك، فأضرب عن ذلك عمر.