الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما يفعله الإمام بالأسرى]
قال: وإذا سبى الإمام فهو مخير إن رأى قتلهم، وإن رأى من عليهم وأطلقهم بلا عوض، وإن رأى فادى بهم، وإن رأى أطلقهم على مال يأخذه منهم، وإن رأى استرقهم، أي ذلك رأى أن فيه نكاية للعدو وحظا للمسلمين فعل.
ش: يخير الإمام في الأسرى بين أربعة أشياء في الجملة، القتل، والمن، والفداء، والاسترقاق، أما القتل فلعموم:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجال بني قريظة، وهم بين الستمائة والسبعمائة، وقتل يوم بدر عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، وفيه تقول أخته:
ما كان ضرك لو مننت وربما
…
من الفتى وهو المغيظ المحنق
3333 -
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو سمعت شعرها لما قتلته» . (وأما المن والفداء) فلقوله سبحانه: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] .
3334 -
3335 -
وعن جبير بن مطعم «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عدي حيا، ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له» رواه البخاري وغيره.
3336 -
وثبت في الصحيحين «أن النبي صلى الله عليه وسلم من على ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة» .
3337 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة.»
3338 -
وعن «عائشة رضي الله عنها قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم، بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة، أدخلتها بها على أبي العاص، قالت: فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة. وقال: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها» ؟ قالوا: نعم» . رواهما أبو داود.
3339 -
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين من بني عقيل» ، رواه أحمد والترمذي وصححه.
3340 -
(وأما الاسترقاق) فلما روي «عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها فيهم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هم أشد أمتي على الدجال» ، قال: وجاءت صدقاتهم
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذه صدقات قومنا» قال: وكان سبية منهم عند عائشة رضي الله عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل» » متفق عليه.
3341 -
وعنها أيضا رضي الله عنها قالت: «لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق، وقعت جويرية بنت الحارث في السبي لثابت بن قيس بن شماس، أو لابن عم له، فكاتبته على نفسها، وكانت حلوة ملاحة، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فجئتك أستعينك على كتابتي؛ قال: «فهل لك في خير من ذلك» ؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: «أقضي كتابتك، وأتزوجك» ؟ قالت: نعم يا رسول الله، قال:«قد فعلت» قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية ابنة الحارث، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما بأيديهم. قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها» . رواه أحمد واحتج به، وهذا التخيير تخيير مصلحة واجتهاد، لا تخيير تشهي فمتى رأى الإمام المصلحة في خصلة تعينت عليه، لأنه ناظر للمسلمين،
فوجب عليه فعل الأصلح كولي اليتيم، ومتى تردد فقال أبو محمد: القتل أولى. (وقوله) : فادى بهم، أي بمسلم، ولا نزاع في جواز ذلك، لما تقدم من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، (وقوله) : وإن رأى أطلقهم على مال يأخذه منهم. هذا هو المذهب المجزوم به عند القاضي، وأبي البركات، وأبي محمد في المغني، وغيرهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فادى أهل بدر بالمال بلا ريب. وحكى أبو محمد في المقنع رواية أنه لا تجوز المفاداة بمال، وحكاها أبو الخطاب في هدايته وجها، لأن الله سبحانه عاتب نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك ونزل:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى} [الأنفال: 67] الآية.
3342 -
«قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما أسروا الأسارى - يعني يوم بدر - قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: «ما ترون في هؤلاء الأسارى» ؟ قال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، وعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما ترى يا ابن الخطاب» ؟ قال: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكنني أرى أن تمكنني فنضرب أعناقهم، فتمكن
عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان - نسيبا لعمر - فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت. فلما كان الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء؛ لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة» شجرة قريبة منه، وأنزل الله عز وجل:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] ، فأحل الله لهم الغنيمة» . رواه أحمد ومسلم. (وأجيب) بأن العقاب كان على أخذ المال ابتداء، ثم إن الله سبحانه أقر ما فعله صلى الله عليه وسلم وأحل لهم الغنيمة كما في الحديث.
3343 -
قال عمر رضي الله عنه «لما كان يوم بدر وأخذ - يعني النبي صلى الله عليه وسلم الفداء - فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] إلى
قوله: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} [الأنفال: 68] من الفداء عذاب عظيم ثم أحل لهم الغنائم» . . . رواه أبو داود. إذا تقرر هذا، فاعلم أن هذا التخيير الذي ذكره الخرقي هو في الأحرار المقاتلة، أما الأرقاء فإن الإمام يخير بين قتلهم إن رأى ذلك لمضرة بقائهم ونحو ذلك، أو تركهم غنيمة كالبهائم، وأما النساء والصبيان فيصيرون أرقاء بنفس السبي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسترقهم إذا سباهم، وأما من يحرم قتله غير النساء والصبيان - كالشيخ الفاني، والراهب، والزمن، والأعمى - فقال أبو محمد في الكافي والمغني: لا يجوز سبيهم لتحريم قتلهم، وعدم النفع في اقتنائهم. (وحكى عنه) ابن المنجا أنه قال في المغني: يجوز استرقاق الشيخ والزمن، ولعل هذا في المغني القديم، وحكى أيضا عن الأصحاب أنهم قالوا: كل من لا يقتل - كالأعمى ونحوه - يرق بنفس
السبي، وأما أبو البركات فجعل من فيه نفع من هؤلاء حكمه حكم النساء والصبيان، وظاهر كلامه أن من لا نفع فيه لا يسبى، وهذا هو أعدل الأقوال.
(تنبيه) : إذا أسلم الأسير تعين رقه، نص عليه أحمد، وعليه الأصحاب، لأنه أسير يحرم قتله، أشبه المرأة، وقال أبو محمد في الكافي: يسقط القتل، ويخير فيه بين الثلاثة الأخر، لأن القتل امتنع لمانع، وهو «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث» ونحوه، فيبقى ما عداه على الأصل.
3344 -
وفي مسلم وغيره «عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء، فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق، فقال: يا محمد، فأتاه قال: «ما شأنك» فقال: بما أخذتني وأخذت سابقة الحاج؟ يعني العضباء، فقال:«أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف» ثم انصرف عنه فناداه فقال: يا محمد يا محمد، قال:«ما شأنك» ؟ قال: إني مسلم. قال: «لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح» ثم انصرف عنه فناداه: يا محمد يا محمد، فأتاه فقال؛ «ما شأنك» ؟ فقال: إني جائع وظمآن فأسقني. قال: «هذه حاجتك» ففدي بعد
بالرجلين» . (وأجاب) القاضي بأن النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أنه علم من حاله أنه كان منافقا، وفيه نظر، وأجاب أبو محمد في المغني بأن هذا لا ينافي رقه، فإن رقيق المسلمين يجوز أن يفادى بهم، ويعترض على هذا بأنه إذا صار رقيقا فكيف ترك موثوقا، ثم إنه إنما تجوز المفاداة برقيق المسلمين بإذنهم على قوله، وليس في الحديث إذن، ويجاب بأن ترك ذكر الإذن في الحديث لا يدل على عدمها، ثم لو ثبت أنه لم يستأذنهم فذلك لعلمه صلى الله عليه وسلم أنهم راضون بما يفعله.
قال: وسبيل من استرق منهم وما أخذ منهم على إطلاقهم سبيل تلك الغنيمة.
ش: طريق من استرق منهم، والمال الذي أخذ منهم على إطلاقهم طريق الغنيمة، في أنه يخمس، ثم تقسم أربعة أخماسه بين الغانمين، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، لأنه مال غنمه المسلمون، أشبه الخيل والسلاح.
قال: وإنما يكون له استرقاقهم، إذا كانوا من أهل الكتاب، أو مجوسا، فأما من سوى هؤلاء من العدو فلا يقبل من
بالغي رجالهم إلا الإسلام أو السيف أو الفداء.
ش: يعني أن الذين يجري عليهم الاسترقاق هم الذين يقرون بالجزية، وهم أهل الكتاب والمجوس. أما من عداهم من مشركي العرب والعجم، فالمنصوص عن أحمد - في رواية محمد بن الحكم وإليه ميل أبي محمد، وهو الصواب - جواز استرقاقهم، واحتج بحديث جويرية وقد تقدم.
3345 -
وقال: لا أذهب إلى قول عمر رضي الله عنه: ليس على عربي ملك. قد سبى النبي صلى الله عليه وسلم العرب في غير حديث. وأبو بكر وعلي رضي الله عنهما حين سبى بني ناجية.
3346 -
ونقل عنه ابن منصور، وقد سئل عن قول عمر رضي
الله عنه في العربي يتزوج الأمة فولدت: لا يسترقون يفديهم.
قال: لا أقول في العربي شيئا، قد اختلفوا فيه، فتوقف عن الجواب، فيخرج له قول بعدم الجواز، وابن حامد قال: في المسألة روايتان، وتبعه من بعده على ذلك، وكأن مستند المنع قول عمر رضي الله عنه ولأنه لا يقر بالجزية فأشبه المرتد. وهذه الرواية هي اختيار الخرقي، والشريف، وابن عقيل في التذكرة والشيرازي.
(تنبيه) : أبو محمد وأبو الخطاب ومن تبعهما يحكون الخلاف كما تقدم في غير أهل الكتاب والمجوس، وأبو البركات جعل مناط الخلاف فيمن لا يقر بالجزية، فعلى قوله نصارى بني تغلب يجري فيهم الخلاف، لعدم أخذ الجزية منهم، ويقرب من هذا قول القاضي في الروايتين، فإنه حكى الخلاف في مشركي العرب من أهل الكتاب، ثم حكى كلام الخرقي، وكلام أحمد في رواية محمد بن الحكم، فيمن لا كتاب له، وأحمد رحمه الله إن لم يكن عنه نص بالمنع