الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العبد، ويؤدب السيد، ثم حكى قول الخرقي، والله أعلم.
[باب ديات النفس]
ش: الديات واحدتها دية مخففة، وأصلها (ودي) والهاء بدل من الواو، كالعدة من الوعد، والزنة من الوزن، تقول: وديت القتيل أديه دية ووديا. إذا أعطيت ديته، وأتديت إذا أخذت الدية، فالدية في الأصل مصدر، سمي به المال المؤدى إلى المجني عليه أو إلى أوليائه، كالخلق بمعنى المخلوق، والأصل في الدية الإجماع، وسنده قَوْله تَعَالَى:{وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «في النفس مائة من الإبل» في عدة أحاديث نذكر ما تيسر منها إن شاء الله تعالى.
[دية الحر المسلم]
قال: ودية الحر المسلم مائة من الإبل.
ش: لا نزاع أن دية الحر المسلم مائة من الإبل، وأن الإبل أصل في الدية، واختلف عن أحمد رحمه الله هل هي الأصل لا غير، أو معها غيرها، وهل ذلك الغير أربعة أو خمسة؟ (فعنه) - وهو ظاهر كلام الخرقي ونصبه أبو محمد في المغني للخلاف - أنها الأصل لا غير.
2961 -
لأن في حديث عمرو بن حزم: «في النفس مائة من الإبل» رواه النسائي ومالك في الموطأ.
2962 -
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، قال:«قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من قتل خطأ فديته من الإبل مائة، ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقة، وعشرة ابن لبون ذكر» ، رواه أبو داود والنسائي.
2963 -
وعن عقبة بن أوس، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال:«خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة فقال: «ألا وإن في قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر مائة من الإبل، منها أربعون ثنية إلى بازل عامها، كلهن خلفة» رواه النسائي.
2963 -
م - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح على درجة البيت، فقام في خطبته فكبر ثلاثا، ثم قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية تذكر وتدعى، من دم أو مال تحت قدمي، إلا ما كان من سقاية الحاج، وسدانة البيت» ثم قال: «ألا إن دية الخطأ شبه العمد - ما كان بالسوط والعصا - مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها» رواه أبو داود
والنسائي، وقال: ورواه القاسم بن ربيعة، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم وظاهر هذه الأحاديث أن الدية هي الإبل خاصة، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين دية العمد والخطأ، فغلظ العمد، وخفف الخطأ، ولم يرد ذلك عنه – صلى الله عليه وسلم إلا في الإبل.
(وعنه) أنها خمسة أشياء كل منها أصل بنفسه، الإبل، والبقر، والغنم، والذهب، والفضة، أما في الإبل فلما تقدم، وأما في البقر والغنم فلأن في حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى على أهل البقر بمائتي بقرة، ومن كان دية عقله في شاء فألفا شاة» .
2964 -
وأما في الذهب والفضة فلما روى ابن عباس رضي الله عنهما، «أن رجلا من بني عدي قتل، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفا» ، رواه الترمذي والنسائي وأبو داود وهذا لفظه، وروي عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، قال بعضهم: وهو أصح وأشهر.
2965 -
ولمالك في الموطأ: بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قَوَّم الدية على أهل القرى، فجعلها على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم، قال مالك: فأهل الذهب أهل الشام، وأهل مصر، وأهل الورق أهل العراق.
(وعنه) أنها ستة أشياء، ويضاف إلى الخمسة السابقة مائتا حلة، وهذه اختيار القاضي وكثير من أصحابه، الشريف وأبي الخطاب والشيرازي وغيرهم.
2966 -
لما روي عن عطاء بن أبي رباح «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، وعلى أهل القمح شيئا لم يحفظه محمد بن إسحاق» ، وفي رواية عنه عن جابر رضي الله عنه قال:«فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ما تقدم، وقال: وعلى أهل الطعام شيئا لا أحفظه» . رواه أبو داود (والرواية الأولى) أظهر دليلا، لأن
أحاديث هذه الرواية لا تقاوم تلك الأحاديث، وعلى تقدير مقاومتها فتحمل على أنه جعل ذلك بدلا عن الإبل، وهذا ظاهر في حديث عمرو بن شعيب، إذ أوله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُقَوِّمُ دية الخطأ على أهل القرى أربعمائة دينار، أو عدلها من الورق، ويقومها على أثمان الإبل، إذا غلت رفع في قيمتها، وإذا هاجت رخصت نقص من قيمتها، وبلغت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين أربعمائة إلى ثمانمائة، وعدلها من الورق ثمانية آلاف درهم، قال: وقضى على أهل البقر بمائتي بقرة، ومن كان دية عقله في شاء فألفا شاة، وهذا ظاهر في أنه إنما كان يعتبر الإبل لا غير، بل هو نص في الذهب والورق، أنه كان يعتبرهما بالإبل، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما واقعة عين لا عموم لها، إذ قوله: جعل ديته اثني عشر ألفا يحتمل على أنها أصل، ويحتمل على أنها بدل، والاحتمالان متقابلان، وإذًا يترجح احتمال البدلية، لموافقته لما تقدم، والكلام على حديث عطاء كالكلام على حديث أستاذه رضي الله عنهما، وفعل عمر رضي الله عنه ظاهر في أن ذلك على سبيل التقويم، فهو مؤيد لما قلناه، وأبو محمد رحمه الله يختار في العمدة قولا رابعا، هو بعض الرواية الثانية، وهو أن الدية مائة من الإبل أو ألف مثقال، أو اثنا عشر ألف
درهم، وهو ظاهر في الورق، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما إن صح، فإن فيه في رواية للترمذي «أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الدية اثني عشر ألفا» ، وليس بظاهر في الذهب، لأن المعتمد فيه على حديث عمرو بن شعيب، وفعل عمر، وهما ظاهران أو صريحان في أن ذلك على سبيل التقويم.
إذا تقرر هذا فعلى الرواية الثانية والثالثة إذا أحضر من عليه الدية شيئا من الخمسة أو الستة سالما من العيب لزم قبوله، أما على الرواية الأولى فإن من وجبت عليه الدية متى قدر على الإبل لا يجزئه غيرها، وإن عجز عنها انتقل إلى ما شاء من الأربعة أو الخمسة المتقدمة، على اختلاف الروايتين، وكذلك إذا لم توجد إلا بأكثر من ثمن المثل، وقال أبو محمد: هذا ينبغي فيما إذا كانت الإبل موجودة بثمن مثلها إلا أن هذا لا يجدها، لكونها في غير بلده ونحو ذلك، فإذًا ينتقل إلى غيرها، أما إن غلت الإبل كلها فلا ينتقل إلى غيرها.
وظاهر كلام الخرقي أن الواجب الإبل من غير نظر إلى قيمة، وهذا إحدى الروايتين، واختيار الشيخين، لظاهر حديث عمرو بن حزم، وحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده وغيرهما، فإنه – صلى الله عليه وسلم أطلق الإبل، ولم يقيدها بقيمة، فتقييدها بها يحتاج إلى دليل، وكذلك الأحاديث التي فيها ذكر البقر والغنم والحلل، ليس فيها اعتبار قيمة، وأيضا فإنه – صلى الله عليه وسلم فرق
بين دية العمد والخطأ، فغلظ دية العمد وشبهه، وخفف دية الخطأ، واعتبار القيمة يقتضي التسوية بينهما، وهو خلاف ما تضمنته سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيضا فحديث عمرو بن شعيب نص في أنه كان يعتبر الذهب والورق بالإبل، ويقومها على أثمانها، لا أنه كان يعتبر الإبل بغيرها من ورق أو غيره. (والرواية الثانية) يعتبر أن لا تنقص المائة بعير عن دية الأثمان، كذلك حكى الرواية أبو البركات، واختارها أبو بكر، نظرا إلى أن عمر رضي الله عنه قومها كذلك، فجعل على أهل الذهب ألف مثقال، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم، فظاهره أن قيمتها كذلك، وأجيب بأنه اتفق أن قيمتها في ذلك الوقت كان كذلك، وصرنا إليه بعد ذلك، حذارا من التنازع، وحكى أبو محمد الرواية في الكافي أنه يعتبر أن تكون قيمة كل بعير مائة وعشرين درهما، وحكى ذلك في المقنع عن أبي الخطاب، ولا ريب أنه قطع بذلك في الهداية، وقال في المغني: إن الأصحاب ذكروا أن ذلك مذهب أحمد، والتحقيق هو الأول، وعليه يحمل كلام أبي الخطاب وغيره، وسيأتي في كلام أبي محمد ما يدل عليه، والقول في البقر والغنم والحلل كالقول في الإبل على ما تقدم، كذا ذكره أبو البركات، وأبو محمد في المغني، قال: كذا قول أصحابنا في البقر والشاء والحلل، يجب أن يكون مبلغ الواجب من كل صنف منها اثني عشر ألفا، فقيمة كل بقرة أو حلة ستون درهما، وقيمة كل شاة ستة دراهم، وقال في المقنع: يؤخذ
في الحلل المتعارف، فإن تنازعا فيها جعلت قيمة كل حلة ستين درهما، وهو ذهول، بل عند التنازع يقضى بالمتعارف على المختار.
وظاهر كلام الخرقي أيضا أن الدية لا تغلظ، لا بحرم ولا إحرام ولا غير ذلك، وكثير من الأصحاب أنه لا يعتبر أن تكون الإبل من جنس إبله، ولا إبل بلده، واعتبر ذلك القاضي أظنه في المجرد، والقول في البقر والغنم كالقول في الإبل.
قال: فإن كان القتل عمدا فهي في مال القاتل حالة أرباعا، خمس وعشرون بنات مخاض، وخمس وعشرون بنات لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة.
ش: إذا كان القتل عمدا فالإجماع على أن الدية في مال القاتل.
2967 -
وقد شهد له ما روى عمرو بن الأحوص، أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يجني جان إلا على نفسه، لا يجني والد على ولده، ولا مولود على والده» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه.
2968 -
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه، ولا بجريرة أخيه» رواه النسائي.
2969 -
وعن «أبي رمثة رضي الله عنه قال: خرجت مع أبي حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت برأسه ردع حناء، وقال لأبي: «هذا ابنك» ؟ قال: نعم، قال:«أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه» وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] » رواه أحمد وأبو داود. وإذا وجبت في مال القاتل وجبت حالة عندنا لأنها بدل متلف، فوجبت حالة كسائر أبدال المتلفات، ولأن ما وجب بالعمد المحض كان حالا كأرش الأطراف، واختلف في مقدارها (فعن أحمد) رحمه الله وهو أشهر الروايتين عنه - أنها تجب أرباعا، كما ذكره الخرقي، واختاره أبو بكر، والقاضي وعامة أصحابه، الشريف وأبي الخطاب، والشيرازي، وابن البنا، وابن عقيل.
2970 -
لما روى الزهري، عن السائب بن يزيد، قال: «كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أرباعا، خمسا وعشرين جذعة،
وخمسا وعشرين حقة، وخمسا وعشرين بنت لبون، وخمسا وعشرين بنت مخاض» ، (وعنه)«أنها تجب أثلاثا، ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها» .
2971 -
وذلك لحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوه، وإن شاءوا الدية، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، وما صولحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد القتل» رواه الترمذي. ولما تقدم من حديث عقبة بن أوس، وعبد الله بن عمرو، وهذه الرواية اختيار أبي محمد في العمدة، وهو الصواب، إذ حديث الزهري لا يعرف من رواه، ولو عرف لم يقاوم هذه الأحاديث، وقد قال أحمد في رواية حنبل: الذي أذهب إليه في دية العمد أثلاثا، وهؤلاء يقولون أرباعا خلاف الحديث، وعلى هذه الرواية هل يعتبر في الخلفات - وهن الحوامل - كونهن ثنايا، وهن اللاتي استكملن خمس سنين، وبه قطع القاضي في الجامع، لحديث عقبة بن أوس، أو لا يعتبر، لإطلاق حديث عمرو بن شعيب، وهو الذي ذكره القاضي؟ فيه وجهان، ويرجح الأول بأن فيه زيادة، فيحمل المطلق عليها، ويجاب بأن القيد ذكر نظرا للغالب، إذ الغالب أنه لا يحمل إلا ثنية.
قال: فإن كان القتل شبه العمد فكما وصفت في أسنانها، إلا أنها على العاقلة في ثلاث سنين، في كل سنة ثلثها.
ش: القول في أسنان دية شبه العمد كالقول في دية العمد سواء، لما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم:«عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل» وهي واجبة على العاقلة على المذهب، وقد تقدم ذلك في أول كتاب الجراح، وعليه فإنها تجب عليهم في ثلاث سنين، في كل سنة ثلثها.
2972 -
نظرا إلى أن هذا يروى عن عمر وعلي رضي الله عنهما، ولا يعرف لهما مخالف، مع أن هذا قول العامة ولا عبرة بمخالفة الخوارج.
(تنبيه) : لم يتعرض الخرقي لسن غير الإبل، والحكم أنه يجب في البقر النصف مسنات، والنصف أتبعة، وفي الغنم النصف ثنايا، والنصف أجذعة، في العمد والخطأ على ظاهر كلام الشيخين وغيرهما، وجعل ذلك القاضي في جامعه في العمد وشبهه، وقال في الخطأ: يحتمل أن يخفف فيجب من البقر تبيع وتبيعة ومسنة، أثلاثا، ومن الغنم جذعة وجذع من
الضأن، وثنية من المعز، أثلاثا أيضا، وحكي عنه أنه جزم بذلك في خلافه.
قال: وإن كان القتل خطأ كان على العاقلة مائة من الإبل، تؤخذ في ثلاث سنين أخماسا، عشرون بنات مخاض، وعشرون بني مخاض، وعشرون بنات لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة.
ش: لا نزاع أن دية قتل الخطأ على العاقلة، وقد تقدم، ولا نزاع أيضا في أنها مائة من الإبل، وأنها تؤخذ منهم في ثلاث سنين، واختلف في كيفية وجوبها، ومذهبنا أنها تجب أخماسا كما ذكره الخرقي.
2973 -
لما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في دية الخطأ عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن مخاض ذكر» رواه الخمسة، وقال أبو داود: وهو قول عبد الله. وكلام الخرقي يشمل إذا كان المقتول امرأة أو ذميا أو جنينا، وهو قول القاضي في الخلاف والجامع.
(تنبيه) : ابتداء الحول في النفس من حين الزهوق، وفيما دونها من حين الاندمال على المشهور، وبه قطع القاضي في