الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآخر، وبهذا فارق ما إذا كان بكلمة واحدة، ولأنها حقوق لآدميين، فلم تتداخل كالديون.
(والرواية الثانية) : إن طلبوا جملة فحد واحد، لوقوع الحد إذا لهم كالأيمان، وإلا فحدود، والله أعلم.
[إقامة الحد في الحرم]
قال: ومن أتى حدا خارج الحرم، ثم لجأ إلى الحرم لم يبايع ولم يشار حتى يخرج من الحرم، فيقام عليه الحد.
ش: من حل دمه بقصاص أو ردة، أو غير ذلك، أو وجب عليه حد لسرقة، أو شرب خمرة ونحوه، ثم لجأ إلى الحرم، فإنه لا يقام عليه ذلك فيه، ولكن لا يبايع، ولا يشارى، ولا يطعم ولا يسقى، حتى يخرج من الحرم فيقام عليه؛ هذا هو المشهور من الروايتين عن الإمام أحمد، والمختار لأصحابه، لقول الله تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] أي: الحرم، وهو خبر بمعنى الأمر، أي آمنوا من دخل الحرم، أو خبر عما استقر في حكم الشرع.
3154 -
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب» متفق عليه.
وفي لفظ: «وإنما أحلت لي ساعة من نهار، ثم عادت إلى حرمتها، فلا يسفك فيها
دم» . والحجة فيه من وجهين: (أحدهما) : أنه حرم سفك الدم بها وأطلق، وتخصيص مكة بذلك يدل على أن الدم الحلال مراد، وهو المراد، إذ سفك الدم الحرام لا يختص بمكة، مع أن اللفظ الآخر نكرة في سياق النفي، فيعم كل دم.
(الثاني) قوله: وإنما حلت لي ساعة من نهار، والذي أحل له سفك دم حلال، منع منه الحرم وأحل له، ثم عادت الحرمة، وبهذا تتقيد إطلاقات قطع السارق، وجلد الزاني، ونحو ذلك، وما وقع في الحديث من قوله:«إن الحرم لا يعيذ عاصيا، ولا فارا بدم ولا فارا بخربة» ، هو من قول عمرو بن سعيد الأشدق، يدفع به الحديث المتقدم، وقوله هو المدفوع.
(والرواية الثانية) : يجوز استيفاء كل شيء ما عدا القتل، لأن الحديث إنما صرح فيه بسفك الدم، وغير النفس لا يقاس عليها، لعظم النفس، والمذهب الأول، وعليه لا يبايع ولا يشارى، ولا يطعم ولا يؤوى، ويقال له: اتق الله
واخرج، ليؤخذ منك الحق الذي عليك، ليكون ذلك وسيلة إلى استيفاء ما عليه، إذ لا يجوز تركه بالكلية.
3155 -
وتبعا لابن عباس رضي الله عنهما فإنه قال ذلك، رواه عنه الأثرم، إذا تقرر هذا فالخرقي رحمه الله إنما نص على الحد؛ لأنه إذا منع في الحد، فالقتل، وقطع الطريق بطريق الأولى، أو يقال: كلها حدود، لأن الله تعالى حدها وشرعها.
(تنبيه) : إذا استوفي منه في الحرم وقع الموقع مع الإساءة.
قال: وإن قتل أو أتى حدا في الحرم، أقيم عليه الحد في الحرم.
ش: لأنه لما انتهك حرمة الحرم انتهكت حرمته، وقد قال الله تعالى:{وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] إلى قوله: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] .
3156 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من أحدث حدثا في الحرم أقيم عليه ما أحدث فيه من شيء، رواه الأثرم.
(تنبيه) : التعريف في الحرم لمعهود ذهني، وهو حرم مكة، أما حرم مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمنع من إقامة حد ولا قصاص فيه، والله سبحانه وتعالى أعلم.