الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وعنه) يقبل منه، فلا يجبر على الإسلام. قال أبو بكر: هذا قول محتمل، لأن الصبي في مظنة النقص، فجاز أن يكون صادقا، والدماء يحتاط لها.
قال: ولا يقتل حتى يبلغ.
ش: يعني إذا أقام على رجوعه، فإنه يصير مرتدا، لكن لا يقتل حتى يبلغ، لأن القتل عقوبة متأكدة، فلا تجب على الصبي كالحد، وحذارا من قتله بأمر محتمل.
قال: ويجاوز بعد بلوغه ثلاثة أيام، فإن ثبت على كفره قتل.
ش: قد تقرر أنه لا يقتل حتى يبلغ، فإذا حكم الردة لم يتعلق به إلا بعد البلوغ، فتكون الاستتابة بعده.
[حكم الأولاد إذا ارتد الزوجان ولحقا بدار الحرب]
قال: وإذا ارتد الزوجان فلحقا بدار الحرب، لم يجر عليهما ولا على أحد من أولادهما ممن كانوا قبل الردة رق.
ش: لا يجوز استرقاق المرتد، رجلا كان أو امرأة، وإنما ذكر الخرقي رحمه الله تعالى الزوجين والله أعلم، لأجل ذكر الأولاد، وذلك لعموم ما تقدم:«من بدل دينه فاقتلوه» ، «قضى الله ورسوله أن من رجع عن دينه فاقتلوه» ونحو ذلك، وإذا جاز استرقاقه وبقاؤه لم يقتل، وأدوات الشرط كما تقدم تشمل
المذكر والمؤنث، وأما أولاد المرتدين فمن ولد قبل الردة لم يسترق، لأنه مسلم تبعا لأبيه، فلا يتبعه في الردة، لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه وقد تبعوهم في الإسلام، فلا يتبعونهم في الكفر، وإذا لا يسترقون صغارا، لأنهم مسلمون، ولا كبارا لأنهم إن ثبتوا على إسلامهم فواضح، وإن ارتدوا فحكمهم حكم آبائهم كما تقدم، ومن علقت به أمه بعد الردة وولدته بعدها جاز استرقاقه على ظاهر كلام الخرقي، ومنصوص أحمد في رواية الفضل بن زياد، واختيار أبي بكر في الخلاف، والقاضي وأبي الخطاب، والشريف وابن البنا والشيرازي وغيرهم، لأنه مولود بين أبوين كافرين، لم يسبق عليه حكم الإسلام، أشبه ما لو كان أبواه كافرين أصليين، واختار ابن حامد أنه لا يجوز استرقاقه، وحكاه رواية، لأنه لا يقر بالجزية، فلا يسترق كأبيه، ولعل ابن حامد إنما أخذ
الرواية من عدم إقراره بالجزية، وإن علقت به في الإسلام ووضعته في الردة فعند أبي البركات وأبي محمد في الكافي حكمه حكم ما لو وضعته في الإسلام، وهو التحقيق، لانعقاده مسلما، وكلام الخرقي يوهم العكس، وقد أقره أبو محمد في المغني على ظاهره، معللا بأن أكثر الأحكام إنما تتعلق بالوضع، فكذلك هذا، وقد وقع نحو هذه العبارة للخرقي في النكاح، وقد تقدم ذلك.
قال: ومن امتنع منهما أو من أولادهما الذين وصفت من الإسلام بعد البلوغ، استتيب ثلاثا، فإن لم يتب قتل.
ش: أما من امتنع منهما أو من أولادهما الذين حكم عليهما من الإسلام، فلا إشكال في قتلهم إذا لم يتوبوا، كبقية المرتدين، وقوله: الذين وصفت، يعني الذين ولدوا قبل الردة، وقوله: بعد البلوغ، لما تقدم من أن حكم الردة إنما يتعلق بالصبي بعد البلوغ، ومفهوم كلام الخرقي أن أولادهم الذين ولدوا بعد الردة لو امتنعوا من الإسلام لم يقتلوا، وتحت هذا صورتان (إحداهما) اختاروا كفرا لا يقر أهله عليه بالجزية، فهنا لا ريب في قتلهم.
(الثانية) اختاروا كفرا يقر أهله عليه بالجزية، فهنا روايتان، حكاهما أبو البركات، وأبو محمد في المقنع (إحداهما) وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار القاضي في روايتيه، يقرون بالجزية، لأنهم ولدوا بين كافرين، ولم يسبق لهم حكم الإسلام، فجاز إقرارهم بالجزية
كأولاد الحربيين.
(والثانية) ، وهي اختيار أبي بكر، وبها قطع أبو محمد في الكافي، وأبو الخطاب في الهداية، لا يقرون بالجزية، لأنهم أولاد من لا يقر على كفره، فلا يقرون بالجزية كالولد الذي قبل الردة. ولهذا الخلاف التفات إلى أن من تهود أو تنصر بعد المبعث هل يقر بالجزية أم لا. . .؟ وسلك أبو محمد في المغني طريقة لم نرها لغيره، فقال: إذا وقع أبو الولد في الأسر بعد لحوقه بدار الحرب، فحكمه حكم سائر أهل دار الحرب، وإن بذل الجزية وهو في دار الحرب، أو وهو في دار الإسلام، لم يقر بها، لانتقاله إلى الكفر بعد نزول القرآن.
قال: ومن أسلم من الأبوين كان أولاده الأصاغر تبعا له.
3094 -
ش: لما روي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم» ، رواه البخاري وأحمد وقال فيه:«ما من رجل مسلم» ، وهو يشمل ما إذا كانوا من كافرة.
3095 -
قال البخاري وكان ابن عباس رضي الله عنهما مع أمه من المستضعفين، ولم يكن مع أبيه على دين قومه، ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. ومن علوه التبعية له، (وظاهر كلام الخرقي) أن هذا الحكم ثابت للصغير ما لم يبلغ، وهو المنصوص والمشهور، لحديث أنس رضي الله عنه المتقدم، وقيل في المميز: لا يحكم بإسلامه حتى يسلم بنفسه كالبالغ، لأنه يصير مستقلا بنفسه، ولعله يلتفت إلى أن المميز يصح إسلامه، فصار كالبالغ، لكن المذهب صحة إسلام المميز، والمذهب التبعية إلى البلوغ، ومراد الخرقي بالأبوين الأبوان الأدنيان الحقيقيان، ولا يتبع الصغير جده ولا جدته في الإسلام.
قال: وكذلك من مات من الأبوين على كفره قسم له من الميراث، وكان مسلما بموت من مات منهما.
ش: أما كون الصغير يحكم بإسلامه بموت أحد أبويه الكافرين على المشهور والمختار للأصحاب من الروايتين.
3096 -
فلما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء» ، ثم يقول أبو هريرة:{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] الآية. وفي رواية: «قالوا: يا رسول الله
أفرأيت من يموت منهم وهو صغير؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» متفق عليهما. فجعل تهوده وتنصره وتمجسه بسبب أبويه، فإذا ماتا فقد فات السبب، وكذلك إذا مات أحدهما إذ لا ريب أن الشيء يفوت بفوات جزئه، ومتى فات السبب بقي على أصل الفطرة التي خلقه الله عليها، وهي الإقرار بالربوبية والوحدانية. (والرواية الثانية) : لا يحكم بإسلامه، لأنه ثبت كفره، ولم يوجد منه إسلام، ولا ممن هو تابع له، فوجب إبقاؤه على ما كان عليه، ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه أنه أجبر أحدا من أهل الذمة على الإسلام لموت أبيه، مع أنه لا يخلو زمنهم من موت بعض أهل الذمة عن يتيم، والحكم في موت الأبوين كالحكم في موت أحدهما. وهل حكم المميز حكم البالغ أو حكم الطفل؟ فيه القولان السابقان.
وكلام الخرقي يشمل الموت في دار الحرب ودار الإسلام، وهو قويل بعده أبو البركات، وعموم الحديث يقتضيه، والذي أورده أبو البركات مذهبا - وبه قطع أبو محمد في المغني - اختصاص الحكم بدار الإسلام، إذ قضية الدار الحكم بإسلام أهلها، خرج منه الطفل الذي له أبوان، فإذا عدما أو أحدهما؛ بقي على الأصل.
وأما كونه يقسم له من ميراث من مات من أبويه الذي جعل مسلما بموته، فلأن المانع من الإرث وهو الإسلام لم يتحقق وجوده حين الإرث، إذ بالموت انتقل الإرث وحصل الإسلام. فالمانع إنما تحقق وجوده لما انتقل الإرث، أما وقت الانتقال فلم يتحقق، لا سيما ومن قاعدتنا على المشهور أن من أسلم قبل قسم الميراث قسم له.
وقد استشكل على هذا نص أحمد في الكافر: إذا مات عن حمل منه أنه لا يرثه، والقاضي أظنه في المجرد حمل هذا على أنها وضعته بعد قسم الميراث، وجعل أنها متى وضعته قبل ذلك ورث كما في هذه المسألة. وأبو البركات جرى على المنصوص في الموضعين، وأشار للفرق بأن الحمل حكم بإسلامه قبل وضعه، والإرث لا يحكم له إلا بانفصاله، وقد يقال: الظاهر من كلام الأصحاب أنا نتبين بوضعه حيا إرثه، فالإرث حصل له أيضا من حين موت أبيه، فهو كهذه المسألة، والظاهر أن هذه شبهة القاضي، فيجاب بأنه على كل حال المانع قد تحقق قبل الحكم بإرثه، فلم يحصل شرط