الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا تسلمه المشتري، ثم أعسر بالثمن، فإنه يمكنه الرجوع فيه، وإذا كان لها الامتناع لأجل قبض الصداق، مع بذلها للتسليم، فلها النفقة، لأن امتناعها في الحقيقة إنما جاء من جهة الزوج، وكلام الخرقي يشمل الصداق الحال والمؤجل، وهذا الحكم إنما هو في الحال، أما المؤجل فليس لها الامتناع، إذ لا حق لها تطالب به، إذ حقها قد رضيت بتأخيره، نعم لو حل المؤجل قبل التسليم، فهل لها الامتناع نظرا إلى الحال الراهنة، أو ليس لها الامتناع إلى ما دخلت عليه ابتداء؟ فيه وجهان.
[نفقة المطلقة المبتوتة]
قال: وإذا طلق زوجته طلاقا لا يملك رجعتها، فلا سكنى لها ولا نفقة، إلا أن تكون حاملا.
ش: إذا بانت المرأة من زوجها بطلاق أو فسخ أو غير ذلك، فلا يخلو إما أن تكون حاملا أو حائلا، فإن كانت حاملا فلها النفقة والسكنى إجماعا، وسنده قوله سبحانه؛ {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] ولأن الحمل ولده، ولا يمكنه الإنفاق عليه إلا بالإنفاق عليها، فوجب نظرا إلى أن ما يتوقف عليه الواجب واجب، وإن كانت حائلا فلا نفقة لها على المشهور المعروف.
2875 -
لما «روت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن زوجها طلقها ألبتة وهو غائب عنها، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء. فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك، فقال: «ليس لك عليه نفقة» وفي لفظ: «ولا سكنى»
فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك» ، متفق عليه.
2876 -
وعن الشعبي عن فاطمة أيضا «عن النبي صلى الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثا قال: «ليس لها سكنى ولا نفقة» رواه أحمد ومسلم، وفي رواية عنها قالت:«طلقني زوجي ثلاثا، فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة» ، رواه الجماعة إلا البخاري، وأيضا قَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] مفهومه أنهن إذا لم يكن أولات حمل لا نفقة لهن.
وقد اعترض على خبر فاطمة رضي الله عنها بأن من شرط قبول خبر الواحد أن لا ينكره السلف، وهذا الخبر قد أنكر.
2877 -
فعن الشعبي أنه حدث بحديث فاطمة بنت قيس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة، فأخذ الأسود بن يزيد كفا من حصباء فحصبه به، وقال: ويلك تحدث بمثل هذا، قال
عمر رضي الله عنه: لا نترك كتاب الله وسنة نبينا، لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت» ، رواه مسلم وغيره.
2878 -
وعن هشام بن عروة، عن أبيه قال: لقد عابت ذلك عائشة رضي الله عنها أشد العيب، يعني حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، فقالت: إن فاطمة كانت في مكان وحش، فخيف على ناحيتها، فلذلك أرخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود وابن ماجه، وأخرجه البخاري تعليقا.
2879 -
وعن سليمان بن يسار في خروج فاطمة قال: إنما كان ذلك من سوء الخلق، رواه أبو داود مرسلا.
2880 -
وعن ميمون بن مهران قال: قدمت المدينة فدفعت إلى سعيد بن المسيب، فقلت: فاطمة بنت قيس طلقت فخرجت من بيتها، فقال سعيد: تلك امرأة فتنت الناس، إنما كانت لسنة، فوضعت على يدي ابن أم مكتوم (وقد أجيب) بأن هذا ليس بشرط عندنا، إنما الشرط صحة الخبر، ولا ريب في
صحة خبرها، وقد قال أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد، -وسئل عن الأمور المختلفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رد أحد الأمرين بعض الخلفاء، مثل حديث فاطمة بنت قيس: هل لنا العمل بما يرد الخليفة فقال -: كان ذلك منه على احتياط، وقد كان عمر رضي الله عنه يقبل من غير واحد قوله وحده، ولا يكون ذلك دفعا للآخر، ثم إنكار عمر قد طعن في صحته الإمام أحمد، قال أبو داود: وسمعت أحمد وذكر له حديث عمر: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا، يصح هذا عن عمر؟ قال: لا. وقال الفضل بن زياد: كتبت إلى أبي عبد الله أسأله عن المطلقة ثلاثا هل لها سكنى أو نفقة، وكيف حديث فاطمة؟ فأتاني الجواب: أما الذي نذهب إليه فعلى حديث فاطمة، وأما ما يروى عن عمر أنه قال: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة. فإنا نرى أن ذلك وهم ممن روى عن عمر، لأن الكتاب يطلق لعدتها، قال:{لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] وقال: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] فإن قيل: حديث عمر قد رواه مسلم وأبو داود، والترمذي وغيرهم، قيل: لقد أنكره شيخهم، ومن هو أعلم بالآثار منهم، ثم يدل على ضعفه اختلاف ألفاظه، ففي السنن ما تقدم، وقال أحمد وقد ذكر له هذا فقال: أما هذا فلا، ولكن قال: لا نقبل في ديننا قول امرأة. وقال الدارقطني: قوله: وسنة نبينا، غير محفوظ، لم
يذكرها جماعة من الثقات، ثم لو صح ذلك لم يكن فيه حجة، إذ لا حجة لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن عمر رضي الله عنه استند في إنكاره إلى كتاب الله وسنة الرسول، ولا يعرف في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يخالف خبر فاطمة، وكذلك ليس في الكتاب ما يخالفه كما تقدم عن أحمد، فإن الآية الكريمة إنما تدل على الطلاق الرجعي، والإنفاق على الحامل نفقة والد على ولده، لا نفقة زوج على زوجته، وقد قال محمد بن العباس النسائي: سألت أبا عبد الله: ما تقول في حديث عمر: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لعلها نسيت أو شبه لها؟ فقال: لا نعرف في كتاب الله ذكرا، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقال إسماعيل بن إسحاق: نحن نعلم أن عمر لا يقول لا ندع كتاب ربنا إلا لما هو موجود في كتاب الله تعالى، والذي في الكتاب أن لها النفقة إن كانت حاملا، لقوله سبحانه:{وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] أما غير ذات الحمل فلا يدل الكتاب إلا على أنهن لا نفقة لهن، لاشتراطه الحمل في الأمر بالإنفاق.
2881 -
ورضي الله عن فاطمة، فعن «عبيد الله - وهو ابن عبد الله بن عتبة - قال: أرسل مروان إلى فاطمة فسألها، فأخبرته أنها كانت عند أبي حفص، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمر علي بن أبي طالب على بعض اليمن، فخرج معه زوجها، فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها، وأمر عياش بن أبي ربيعة والحارث بن هشام أن ينفقا عليها، فقالا: والله ما لها نفقة إلا أن تكون حاملا، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا» فاستأذنته في الانتقال، فأذن لها، فقالت: أين أنتقل يا رسول الله؟ فقال: «عند ابن أم مكتوم» وكان أعمى، تضع ثيابها عنده ولا يبصرها، فلم تزل هناك حتى مضت عدتها، فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة، فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره بذلك، فقال مروان: لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة، فسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها، فقالت فاطمة حين بلغها ذلك: بيني وبينكم كتاب الله، قال الله تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] . . . {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] قالت: فأي أمر يحدث بعد الثلاث» . رواه مسلم وأبو داود والنسائي، وزعم أبو مسعود الدمشقي أنه مرسل، فقد بينت رضي الله عنها أن الكتاب إنما دل على
ما قالت، وأما قول عائشة رضي الله عنها: إن نقلتها إنما كان لكونها كانت في مكان وحش، فليس في حديثها ما يدل على ذلك، ولو كان فيه لما جاز لها تركه، بل قد تقدم عنها في مسلم «أنها قالت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثا، قال: «ليس لها سكنى ولا نفقة» وهذا يشملها وغيرها، وقد تقدم أيضا في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا نفقة لك إلا أن تكون حاملا» فعلل استحقاقها النفقة بالحمل، ولو كان استحقاقها النفقة بالطلاق لكان ذكر الحمل عديم التأثير، وما ذكر عن سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار فالجواب عنه كذلك، ثم قد خالف عمر وعائشة ابن عباس رضي الله عنهم.
2882 -
قال أحمد: روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا نفقة لها ولا سكنى. إذا طلقت ثلاثا.
2883 -
ويروى ذلك عن علي رضي الله عنه، وإذا وقع التنازع بين الصحابة وجب الرجوع إلى الله وإلى الرسول. انتهى. وفي السكنى لها روايتان (إحداهما) لا سكنى لها، وهي اختيار الخرقي، والقاضي وغيرهما، اعتمادا على حديث فاطمة المتقدم، (والثانية) لها السكنى، اعتمادا على قَوْله تَعَالَى:{أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق: 6] الآية، وقد يجاب عنه بأنه في الرجعية كما تقدم، هذا كله إذا كان الطلاق بائنا كما تقدم، أما إن كان رجعيا فلها السكنى والنفقة بلا نزاع، للآية الكريمة.
2884 -
وفي «خبر فاطمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة، فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة لها ولا سكنى» رواه أحمد. ولأنها في حكم الزوجات في الإرث والطلاق، وغير ذلك، فكذلك في النفقة، والله أعلم.