الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3436 -
فعن علقمة قال: كنا في جيش في أرض الروم، ومعنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وعلينا الوليد بن عقبة، فشرب الخمر، فأردنا أن نحده فقال حذيفة: أتحدون أميركم، وقد دنوتم من عدوكم، فيطمع فيكم؟
3437 -
وعن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى الناس أن لا يجلدن أمير جيش ولا سرية، ولا رجلا من المسلمين حرا وهو غاز، حتى يقطع الدرب قافلا، لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار، رواه سعيد.
3438 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه مثل ذلك. وقد أشعر كلام الخرقي أنه إذا رجع من أرض العدو أقيم عليه الحد، وهو كذلك، لعموم أمر الله ورسوله بإقامة الحدود، ولقصة عمر رضي الله عنه.
[قتل الأطفال النساء والرهبان والمشايخ في الحرب]
قال: وإذا فتح حصن لم يقتل من لم يحتلم، أو ينبت، أو يبلغ خمس عشرة سنة.
ش: إذا ظفر الأمير بالكفار لم يقتل صبيا.
3439 -
لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان، وفي رواية: فأنكر» . رواه الجماعة إلا النسائي، ولأن الصبي رقيق بنفس السبي، ففي قتله إتلاف مال بلا ضرورة، وإنه ممتنع والحال هذه بلا ريب.
والصبي هو من لم يبلغ، ويعرف البلوغ بواحد من ثلاثة أشياء (أحدها) : الاحتلام إجماعا، بشهادة النص بذلك، قال الله تعالى:{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59] .
3440 -
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتم بعد احتلام، ولا صمات يوم إلى الليل» .
3441 -
«وقال لمعاذ رضي الله عنه: «خذ من كل حالم دينارا» .
3442 -
وقال: «رفع القلم عن ثلاثة - ذكر منها - الصبي حتى يحتلم» . رواه أبو داود. (والثاني) إنبات الشعر الخشن حول القبل.
3443 -
لما روي عن عطية القرظي قال: «عرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة، فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خلي سبيله، فكنت ممن لم ينبت فخلي سبيلي» . رواه الخمسة وصححه الترمذي. وفي لفظ: فمن كان محتلما أو نبتت عانته قتل، ومن لا، ترك. رواه أحمد والنسائي.
(الثالث) بلوغ خمس عشرة سنة.
3444 -
لما «روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني» . رواه الجماعة، قال نافع: فحدثت عمر بن عبد العزيز بهذا الحديث فقال: هذا فصل ما بين الرجال وبين
الغلمان. فمن لم يوجد فيه علامة من هذه فهو صبي، وهذه العلامات يشترك فيها الذكر والأنثى، وتزيد الأنثى بالحيض والحمل.
قال: ومن حارب من هؤلاء أو النساء أو الرهبان أو المشايخ في المعركة قتلوا.
ش: هذا والله أعلم اتفاق.
3445 -
وقد روي «عن رباح بن ربيع رضي الله عنه أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها، وعلى مقدمته خالد بن الوليد رضي الله عنه فمر رباح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة مقتولة، مما أصابت المقدمة، فوقفوا ينظرون إليها، ويعجبون من خلقها، حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فانفرجوا عنها، فوقف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما كانت هذه لتقاتل» . فقال لأحدهم: «الحق خالدا، فقل له: لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا» » . رواه أحمد وأبو داود. وهذا يدل على أن المانع من القتل عدم القتال،
فمتى وجد القتال زال المانع، ولعموم:{فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] . وفي معنى القتال إذا كان لهم رأي فيه، لأن الرأي أبلغ من القتال. قال أبو الطيب:
الرأي قبل شجاعة الشجعان
…
هو أول وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس حرة
…
بلغت من العلياء كل مكان
ولربما طعن الفتى أقرانه
…
بالرأي قبل تطاعن الفرسان
3446 -
ولهذا قتل الصحابة رضي الله عنهم دريد بن الصمة، لأنه يدبر أمر الحرب. وقد فهم من كلام الخرقي أن النساء والرهبان والمشايخ إذا
لم يقاتلوا لا يقتلون، وهو كذلك، أما في النساء فلما تقدم.
3447 -
(وأما في الرهبان) فلما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال: «اخرجوا بسم الله، تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع» » . رواه أحمد.
3448 -
(وأما في المشايخ) فلما روى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انطلقوا بسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، أصلحوا، وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين» . رواه أبو داود، ولما تقدم في وصية أبي بكر رضي الله عنه: لا تقتلوا امرأة ولا صبيا، ولا كبيرا هرما.
3449 -
وعن راشد بن سعد قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الشيخ الذي لا حراك به» . رواه ابن حزم من طريق ابن أبي شيبة، وهو مرسل.
3450 -
وروى أيضا من طريق حماد بن سلمة قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض أمرائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقتلوا صغيرا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا» .
3451 -
وعن عمر رضي الله عنه أنه وصى سلمة بن قيس فقال: لا تقتلوا امرأة ولا صبيا ولا شيخا. رواه سعيد.
3452 -
ويحمل حديث سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا شيوخ المشركين، واستحيوا شرخهم» . رواه أبو داود والترمذي، وقيل: إنه صححه. (على الشيوخ) الذين فيهم قوة
على القتال، إذ عدم القتال مختص بالشيوخ الفانين، لما تقدم من النصوص، والخاص مقدم على العام (أو على شيوخ) لهم رأي في القتال، جمعا بين الأدلة، على أنه قد ذكر عبد الحق سنده، وأنه من رواية حجاج بن أرطأة وسعيد بن بشير، وقال: إنه لا يحتج بهما؛ ثم لو تعذر الجمع من كل وجه فحديثنا أولى، لعمل الشيخين عليه، وذلك دليل على أنه آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحكم الزمن والأعمى حكم الراهب ونحوه. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رباح إلى ذلك، حيث علل بكون المرأة لم تقاتل، وكذلك المريض الميؤوس من برئه، أما لو كان ممن لو كان صحيحا لقاتل فإنه يقتل، لأنه بمنزلة الإجهاز على الجريح، قال ذلك أبو محمد، وكذلك قال في العبيد لا يقتلون لحديث رباح، وقال في الفلاحين إذا لم يقاتلوا: ينبغي أن لا يقتلوا، قياسا لهم على الشيوخ والرهبان، ولأن الصحابة رضي الله عنهم لم يقتلوهم حين فتحوا البلاد، والخنثى المشكل لا يقتل
لاحتمال كونه امرأة، ذكره في الكافي.
قال: وإذا خلي الأسير منا وحلف لهم أن يبعث إليهم بشيء بعينه أو يعود إليهم فلم يقدر عليه لم يرجع إليهم.
ش: إذا أسر الكفار مسلما، وأطلقوه بشرط أن يبعث إليهم شيئا معلوما، أو يعود إليهم إن لم يقدر على ذلك، فإنه يلزمه الوفاء لهم، كما اقتضاه كلام الخرقي، لعموم:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} [النحل: 91]، {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34] ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] . ولما تقدم من نهيه صلى الله عليه وسلم عن الغدر.
3453 -
وقال: «إنه لا يصلح في ديننا الغدر» .
3454 -
وجعل ذلك صلى الله عليه وسلم من علامات المنافق، ولأن في الوفاء مصلحة للأسارى، وفي تركه مفسدة، لأنهم لا
يؤمنون بعده، والشارع بعث بجلب المصالح، ودرء المفاسد، ولأنه عاهدهم على مال، فلزمه الوفاء لهم، كثمن المبيع، أو كالمشروط في عقد الهدنة، فإن لم يقدر عليه، (فإن كان امرأة) لم ترجع إليهم، بل ولا يحل لها، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] الآية.
3455 -
وفي قصة الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش التي رواها البخاري وغيره من حديث أنس رضي الله عنه قال فيها: ثم جاء نساء مؤمنات، فأنزل الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10]، حتى بلغ:{بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] .
3456 -
وعن مروان والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما قالا: «لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط سهيل على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، وخليت بيننا وبينه، فكره المؤمنون ذلك، وامتعضوا منه، وأبى سهيل إلا ذلك، فكاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فرد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل، ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما، وجاء المؤمنات مهاجرات، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ
وهي عاتق، فجاء أهلها يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم، لما أنزل الله فيهن:{إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} [الممتحنة: 10]، إلى:{وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] .» رواه البخاري. فمنع الله سبحانه من رجوع النساء إلى الكفار، وامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من ردهن.
وقد اختلف في دخول النسوة في قضية الصلح، فقيل: لم يدخلن، لقوله في القصة: على أن لا يأتيك منا رجل إلا رددته. وقيل: دخلن فيه، لقوله في رواية أخرى: ولا يأتيك منا أحد. لكن نسخ ذلك أو بين فساده بالآية اهـ. (وإن كان رجلا) فهل يرجع إليهم؟ فيه روايتان:
(إحداهما) - وهي التي ذكرها الخرقي - لا يرجع أيضا كالمرأة، ولأن تمكنهم منه والبقاء في أيديهم معصية، فلم يجز كما لو شرط قتل مسلم، أو شرب خمر.
(والثانية) : يلزمه الرجوع إليهم وفاء بالعهد، لما تقدم في بعث المال، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاهد قريشا على رد من جاءه مسلما، وفى لهم بذلك، ولم ينهه الله سبحانه عن ذلك، وقول الخرقي: حلف. ذكره على سبيل المثال، وإلا المقصود الشرط.
قال: ولا يحل لمسلم أن يهرب من كافرين، ومباح له أن يهرب من ثلاثة.
ش: الأصل في ذلك قول الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65]، إلى قَوْله تَعَالَى:{وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66] ، أوجب سبحانه أولا على الواحد الثبات للعشرة، ثم رحم ضعفنا وخفف عنا فأوجب ثبات الواحد للاثنين، إذ هذا خبر في معنى الأمر، أو خبر عما استقر في حكم الشرع، وهذا أحسن، أو متعين هنا، إذ لو كان خبرا بمعنى الأمر لكان التقدير: إذا كان عشرون صابرون فليغلبوا؛ فيكون التكليف إنما هو للصابر فقط، والصبر واجب على المكلف، لا شرط في التكليف، وأيضا فيكون أمرا بالغلبة وذلك ليس إليهم إنما الذي إليهم الصبر والقتال والغلبة من الله تعالى، فإذا المعنى المقرر في حكم الشرع أن المائة الصابرة تغلب مائتين فلتصبر، وحيث غلبت المائة من المائتين فلعدم صبرها.
3457 -
وقد بين ذلك وفسره ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] ، كتب عليهم أن لا يفر واحد من عشرة، ولا عشرون من مائتين، ثم نزلت:{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] الآية، فكتب أن لا يفر مائة من مائتين. رواه البخاري.
وله أيضا في رواية، ولأبي داود قال: لما نزلت: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] ،
شق ذلك على المسلمين، فنزلت:{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] الآية، قال: فلما خفف الله عنهم من العدة نقص عنهم من الصبر بقدر ما خفف عنهم.
3458 -
ويروى عنه أيضا أنه قال: من فر من اثنين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فما فر. وعلى هذا يحمل ما ورد من النهي المطلق عن تحريم الفرار يوم الزحف، كقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا} [الأنفال: 15] الآية.
3459 -
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات» . قالوا: وما هن يا رسول الله، قال:«الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» » . متفق عليه.
(ويستثنى) من تحريم الفرار من المثلين فما دون (الفرار للتحرف) لمصلحة قتال بأن ينحاز
إلى موضع يكون القتال فيه أمكن، كما إذا كان في مقابلة الشمس، أو الريح فاستدبرهما، أو كان في وهدة أو في معطشة، فانحاز إلى علو أو إلى ماء، أو استند إلى جبل، أو نفر بين أيدي الكفار لتنتقض صفوفهم، ونحو ذلك مما جرت به عادة أهل الحرب، أو (الفرار للتحيز) إلى فئة من المسلمين، ليتقووا بها على عدوهم، وإن بعدت الفئة، حتى قال القاضي: لو كانت الفئة بخراسان، والفئة بالحجاز جاز التحيز إليها، وذلك لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [الأنفال: 15]{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا} [الأنفال: 16] إِلَى فِئَةٍ الآية.
3460 -
ويروى أن عمر كان يوما في خطبته إذ قال: يا سارية بن زنيم الجبل، ظلم الذئب من استرعاه الغنم. فأنكرها الناس، فقال علي رضي الله عنه: دعوه فلما نزل سألوه عما قال، فلم يعترف به، وكان قد بعث سارية إلى ناحية العراق ليغزوهم، فلما قدم ذلك الجيش أخبروا أنهم لقوا عدوهم يوم جمعة فظهر عليهم، فسمعوا صوت عمر رضي الله عنه فتحيزوا إلى الجبل، فنجوا من عدوهم، وانتصروا عليهم.
3461 -
ويروى عنه أيضا أنه قال: أنا فئة كل مسلم. وكان بالمدينة، وجيوشه بمصر والعراق والشام وخراسان. رواه سعيد.
3462 -
«وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحاص الناس حيصة، فكنت فيمن حاص، فقلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف؟ وبؤنا بالغضب، ثم قلنا: لو دخلنا المدينة فبتنا، ثم قلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا، فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج فقال: «من الفرارون؟» فقلنا: نحن الفرارون. قال: «لا بل أنتم العكارون، أنا فئتكم وفئة المسلمين» . قال فأتيناه حتى قبلنا يده» . رواه أحمد وأبو داود. وقوله: حاصوا
حيصة، أي: حادوا حيدة. ومنه قَوْله تَعَالَى: {مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} [فصلت: 48] .
وقول الخرقي: ومباح له أن يهرب من ثلاثة. ذكره على سبيل المثال، والمراد أنه يباح للمسلمين الفرار مما زاد على مثليهم. هذا هو المعروف، واختار أبو العباس تفصيلا ملخصه: أن القتال لا يخلو إما أن يكون قتال دفع أو طلب، (فالأول) كأن يكون العدو كثيرا لا يطيقهم المسلمون، ويخافون أنهم إن انصرفوا عنهم عطفوا على من تخلف من المسلمين، قال: فهنا قد صرح أصحابنا بأنه يجب عليهم أن يبذلوا مهجهم في الدفع حتى يسلموا، ونظير ذلك أن يهجم العدو على بلاد المسلمين، والمقاتلة أقل من النصف، لكن إن انصرفوا استولوا على الحريم، (والثاني) لا يخلو إما أن يكون بعد المصافة أو قبلها، فقبلها هي مسألة الكتاب، وبعدها حين الشروع في القتال لا يجوز الإدبار مطلقا إلا لتحرف أو تحيز، كما دل عليه قوله سبحانه:{إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] . وقصة بدر مرادة منها، والمشركون إذ ذاك
ثلاثة أضعاف المسلمين، مع أحاديث الفرار من الزحف، ومفهوم آية الأنفال الناسخة تحمل على ما قبل الشروع، إذ المفهوم يكتفى فيه بمطلق المخالفة، اهـ.
وظاهر كلامه أنه يباح لهم الفرار والحال هذه وإن غلب على ظنهم الظفر، وهو المعروف عن الأصحاب، عملا بإطلاق الآية الكريمة، ولأبي محمد في المغني احتمال بوجوب الثبات والحال هذه، لما فيه من المصلحة، وهو ظاهر كلامه في المقنع، وظاهر كلام الشيرازي، قال: إذا كان العدو أكثر من مثلي المسلمين، ولم يطيقوا قتالهم، لم يعص من انهزم، لأن الله تعالى جعل الرجل منا بإزاء الرجلين منهم، فإذا صاروا ثلاثة جاز للمسلم أن ينهزم منهم إذا خشي قهرهم، اهـ.
ولو غلب على ظنهم والحال هذه الهلاك فالفرار أولى، حذارا من كسر قلوب المسلمين، وإن غلب على ظنهم الهلاك في الثبات وفي الانصراف فالأولى أن يقاتلوا، ولا يفروا ولا يستأسروا، لينالوا درجة الشهداء المقبلين على القتال محتسبين، ويسلموا من تحكم الكفار عليهم، ولجواز أن
يغلبوا، قال الله تعالى:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249] ، ويجوز لهم أن يفروا لظاهر الآية، وأن يستأسروا على المشهور المختار من الروايتين فيهما.
3463 -
لأن خبيبا الأنصاري وابن الدثنة سلما أنفسهما للأسر عند العجز والغلبة، وامتنع من ذلك عاصم بن ثابت الأنصاري في سبعة من الصحابة رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - حتى قتلوا، وكان الكل محمودين والقصة في البخاري وغيره.
(والرواية الثانية) : يلزمهم القتال.
3464 -
لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من استأسر للمشركين من غير حاجة» . ذكره ابن حزم لكنه ضعيف، وهو اختيار الخرقي، قال: فإن خشي الأسر قاتل حتى يقتل.
قال: ومن آجر نفسه بعد أن غنموا على حفظ الغنيمة، فمباح له ما أخذ إن كان راجلا أو على دابة يملكها.
ش: يجوز للإنسان أن يؤجر نفسه على حفظ الغنيمة، ويباح له ما أخذ، لأنه أجر نفسه لفعل بالمسلمين إليه حاجة، فجاز كما لو أجر نفسه. [ليدلهم على الطريق ونحو ذلك، وهذا إذا كان راجلا أو على دابة يملكها، أما لو أجبر نفسه] على حفظ الغنيمة وأطلق، فإنه يجوز له أن يركب دابة من المغنم، حذارا من استعمال ملك الغير بغير إذن شرعي، ولا عرفي. فإن شرط في الإجارة ركوب دابة معينة، فقال الشيخان: يجوز، إذ ذاك بمنزلة الأجرة وإطلاق الخرقي يحتمل المنع. وقد فهم من كلام الخرقي بطريق التنبيه أنه لا يجوز لأحد ركوب دابة من المغنم، ولا ريب في ذلك في غير الغانمين، وكذلك في الغانمين في غير القتال، وأما في القتال فهل يجوز كما في السلاح، أو لا يجوز لتعرض الفرس للعطب غالبا بخلاف السلاح؟ على روايتين.
3465 -
وقد روى رويفع بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: «لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبتاع مغنما حتى يقسم، ولا يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه، ولا أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه» . رواه أحمد وأبو
داود.
قال: ومن لقي علجا فقال له: قف أو ألق سلاحك. فقد أمنه.
ش: الخرقي رحمه الله ذكر ما فيه اشتباه، إذ ذلك تنبيه على الواضح كأجرتك وأمنتك، ولا تخف ولا تذهل، ولا خوف عليك، ولا بأس عليك، ونحو ذلك مما يدل على الأمان، وقد ورد الشرع بأجرتك وأمنتك. قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم هانئ:«قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ» .
3466 -
وقال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» . وبقية الألفاظ في معناهما، وعند أصحابنا أن حكم: قف أو ألق