الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب القسامة]
ش: القسامة الأيمان يقسم بها أولياء الدم على استحقاق دم صاحبهم، أو يقسم بها المتهمون على نفي القتل عنهم، وهو مصدر يقال: أقسم يقسم قسامة إذا حلف.
3026 -
والأصل فيها ما «روى سهل بن أبي حثمة قال: انطلق عبد الله بن سهل، ومحيصة بن مسعود إلى خيبر، وهي يومئذ صلح، فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا، فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل، ومحيصة وحويصة ابنا مسعود، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال: «كبر كبر» وهو أحدث القوم، فسكت فتكلما، فقال:«أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم» ؟ قالوا: كيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال: «فتبرئكم يهود بخمسين يمينا» فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار؟ فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده» ، وفي رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يقسم خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع برمته» قالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف؟ قال: «فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم» . قالوا: يا رسول الله قوم كفار» . رواه الجماعة.
3027 -
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، «عن
أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أن القسامة كانت في الجاهلية، فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت في الجاهلية، وقضى بها بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على يهود خيبر.» رواه مسلم وغيره.
(تنبيه) : «يتشحط في دمه» أي يضطرب، «وكبر كبر» أي ليتكلم الأكبر، «وبرمته» يقال: أخذت الشيء برمته، إذا أخذته جميعه، والرمة الحبل، كأنه أعطاه بحبله الذي يكون فيه يقاد به.
قال: وإذا وجد قتيل فادعى أولياؤه على قوم لا عداوة بينهم ولا لوث، ولم تكن لهم بينة، لم يحكم لهم بيمين ولا غيرها.
ش: غير اليمين القصاص، أو الدية، ولا نزاع عندنا أنه لا يحكم لهم والحال هذه بذلك.
3028 -
لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» رواه مسلم وغيره، وظاهره أنه ليس على المدعى عليه غير اليمين، ولأن الأصل براءة الذمة، فلا يثبت شغلها إلا بدليل ولم يوجد، واختلف عن أحمد
- رحمه الله هل يحكم لهم باليمين على المدعى عليه. (فعنه) - وهو اختيار الخرقي - لا يحكم لهم بذلك، لأنها دعوى لا يقضى فيها بالنكول، فلم يستحلف فيها كالحدود، وإنما لم يقض فيها بالنكول حذارا من قتل نفس بأمر محتمل. (وعنه) - وهو اختيار أبي محمد وهو الحق - يحكم لهم بذلك، لعموم الحديث المتقدم، لا سيما والدماء مذكورة في أوله، وذلك قرينة دخولها في اللفظ العام، ولأنه حق لآدمي، فاستحلف فيه كبقية الحقوق، وعدم القضاء بالنكول ليس هو العلة في عدم الحلف في الحدود، وإنما العلة تمحض حقيقته لله تعالى، كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى فعلى هذه هل يحلف المدعى عليه يمينا واحدة، اعتمادا على ظاهر الحديث وكبقية الحقوق، وهو اختيار أبي محمد، وابن البنا، وأبي الخطاب، أو خمسين يمينا، لأنها دعوى في قتيل، فكان المشروع فيها خمسين يمينا، كما لو كان بينهما لوث؟ على روايتين، وحيث حلف المدعى عليه فلا كلام، وحيث امتنع لم يقض عليه بالقود، بلا نزاع عندنا، حذارا مما تقدم، وهل يقضى عليه بالدية؟ فيه روايتان، وإذا لم يقض فهل يخلى سبيله، أو يحبس؟ على وجهين. واعلم أن محل الخلاف في أصل المسألة في قتل العمد، أما قتل الخطأ فيستحلف فيه رواية واحدة، لأن موجبه مال. وقول الخرقي: وإذا وجد قتيل، وادعى أولياؤه على قوم. شرط هؤلاء القوم أن يكونوا معينين، فلو كانت الدعوى على
أهل مدينة ونحو ذلك لم تسمع، قياسا على سائر الدعاوي، وقوله: لا عداوة بينهم ولا لوث. يحترز عما لو كان بينهم ذلك كما سيأتي. . . وقوله: ولم تكن لهم بينة. يحترز عما لو كانت بينة، فإنها تبين الحق وتظهره، فيعمل بمقتضاها، والله أعلم.
قال: وإن كان بينهم عداوة ولوث، وادعى أولياؤه على واحد منهم، وأنكر المدعى عليه، ولم يكن للأولياء بينة، حلف الأولياء خمسين يمينا على قاتله، واستحقوا دمه إن كانت الدعوى عمدا.
ش: الأصل في هذه الجملة من جهة الإجمال ما تقدم من حديث سهل بن أبي حثمة، فإن القتيل كان من الأنصار، ولا ريب أن الأنصار ويهود خيبر كانوا متعادين، ولما ادعى أولياء الأنصاري القتل على اليهود، وأنكروا ذلك، ولم تكن لأولياء الأنصاري بينة، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:«أتحلفون وتستحقون قاتلكم» ، وفي لفظ قال:«يقسم خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع برمته» فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأولياء يقسمون على القاتل ويستحقونه. أما من جهة التفصيل فقول الخرقي: وإن كان بينهم عداوة ولوث تنبيه على أن القسامة المذكورة من شرطها ذلك، وهو كذلك بلا ريب، لأن الحديث ورد على مثل ذلك، وهو
المثبت للقسامة، فلا يتعداه، ولأنه مع العداوة ونحوها يغلب على الظن صدق المدعين، فتكون اليمين في جهتهم، إذ اليمين في جنبة أقوى المتداعيين، ولا نزاع عن إمامنا وأصحابنا أن الحكم يثبت بالعداوة الظاهرة بين المقتول والمدعى عليه، كنحو ما بين الأنصار وأهل خيبر، وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضا بالثأر، وكما بين أهل البغي وأهل العدل، وبين الشرطة واللصوص، ونحو ذلك، نظرا إلى واقعة الحديث، وما في معناها، من حيث أن لا فارق، فهو كقياس الشيرج على السمن، والأمة على العبد. واختلف عن إمامنا هل يقتصر على ذلك، وبه قطع جماعة من الأصحاب، وقال أبو الخطاب: إنه اختيار عامتهم، اقتصارا على مورد النص وما في معناه، أو يتعدى ذلك إلى كل ما يغلب على الظن صحة الدعوى، كتفرق جماعة عن قتيل، ووجود قتيل عند من معه سيف ملطخ بدم، وشهادة من لا يثبت القتل بشهادته، كالعدل الواحد، أو النساء أو الصبيان، أو الفساق ونحو ذلك، إناطة بغلبة الظن، لأن ذلك معنى مناسب، ولأن كثيرا من الأحكام يناط بها؟ على روايتين ثم قول الخرقي: عداوة ولوث، ظاهره أنه لا بد من الجمع بينهما، فيحتمل أن يريد أنه لا يكتفى بمجرد العداوة، بل لا بد من قدر
زائد، وهو (إما) ظهور العداوة كما تقدم، وعبر عن ذلك باللوث، (وإما) أن لا يكون في الموضع الذي وقع به القتل غير العدو، كما هو رأي القاضي في موضع، لكن منصوص أحمد أن ذلك لا يشترط، وكذلك وقع للقاضي في موضع، قال في قوم ازدحموا في مضيق، فافترقوا عن قتيل: إن كان في القوم من بينه وبينه عداوة، وأمكن أن يكون هو قتله، لكونه يقر به فهو لوث، (وإما) أن يكون بالقتيل مع العداوة أثر القتل. وقد اختلف عن أحمد هل فقد الأثر قادح في اللوث لضعف غلبة الظن إذا، إذ القتل لا يخلو غالبا من أثر، ولأن الواقعة التي وقعت في الأنصاري كان به أثر القتل، لأنه كان يتشحط في دمه قتيلا - وهذا اختيار أبي بكر - أو ليس بقادح، لأن القتل لا يستلزم الأثر، لأنه قد يغمه أو يعصر خصيتيه، ونحو ذلك - وهو اختيار القاضي وجماعة من أصحابه، الشريف وابن البنا، وأبي الخطاب والشيرازي وغيرهم؟ على روايتين (وإما) أن الواو بمعنى أو، ويكون مختاره الرواية الثانية، انتهى. وقوله: وادعى أولياؤه، ظاهره أنه لا بد من اتفاق جميع الأولياء في الدعوى على المتهم بقتله. فلو ادعى أحدهم أنه قتل، وقال آخر: بل مات حتف أنفه، أو ادعى أحدهم أن زيدا قتله، وآخر أن عمرا قتله، لم
تشرع القسامة، إذ مع ذلك تضعف غلبة الظن أو تزول، ومن ثم قال أبو البركات: إن ذلك قادح في اللوث، انتهى. وقوله: على واحد منهم، يحترز عما لو ادعوا القتل على جماعة، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، وقوله: وأنكر المدعى عليه، ولم تكن للأولياء بينة. لأن مع الإقرار أو البينة يثبت الحق وتزول القسامة. وقوله: حلف الأولياء، فيه أمران (أحدهما) أن البادئ باليمين هم أولياء المقتول، وهذا مذهبنا، لحديث سهل بن أبي حثمة، وحديث ابن عباس رضي الله عنهم:«لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» غايته عموم فيتخصص بذلك.
3029 -
وقول عبد الرحمن بن بجيد أن سهلا والله أوهم الحديث، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى يهود:«أنه قد وجد بين أظهركم قتيل فدوه» فكتبوا يحلفون بالله خمسين يمينا: ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده بمائة ناقة» .
3030 -
وكذلك حديث «أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، عن رجل من الأنصار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود وبدأ بهم: «يحلف منكم خمسون رجلا» فأبوا، فقال
للأنصار: «استحقوا» ، قالوا: نحلف على الغيب يا رسول الله، فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دية على اليهود، لأنه وجد بين أظهرهم» . رواهما أبو داود، لا يقاومان حديث سهل، لاتفاق الأئمة على إخراجه وصحته، ودعوى الوهم الأصل عدمه، لا سيما وسهل ممن حضر الواقعة وعرفها. قال في الصحيح:«فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ناقة حمراء، حتى أدخلت عليهم الدار، فقال سهل: فلقد ركضتني منها ناقة حمراء» . فإن قيل: ففي بعض الروايات عن سهل، عن رجال من كبراء قومه، وهذا يدل على أنه لم يشهد الواقعة، قيل: يجمع بين الروايات بأن يكون ابتداء القصة كان عن إخبار، ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة ولليهود كان عن مشاهدة، ثم لو ثبت أن الجميع كان عن غير مشاهدة، فسهل صحابي، ومراسيل الصحابة حجة، وقد قال: عن رجال من كبراء قومه، لا ريب أنهم من الصحابة، ثم حديث عبد الرحمن بن بجيد، والرجل الذي من الأنصار متعارضان،
إذ في حديث عبد الرحمن أن اليهود كتبوا يحلفون بالله خمسين يمينا، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم وداه، وفي حديث الأنصاري أن اليهود أبوا أن يحلفوا، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الدية عليهم.
3031 -
وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«البينة على المدعي، واليمين على من أنكر إلا في القسامة» رواه الدارقطني، وهذا نص يقطع النزاع إن ثبت. (الأمر الثاني) من هم الأولياء؟ فيه عن أحمد روايتان. .
(إحداهما) - وهي اختيار ابن حامد، وزعم أبو محمد أنه ظاهر قول الخرقي، من قوله: إذا خلف المقتول ثلاثة بنين جبر الكسر عليهم، وليس بالبين - أنهم الرجال الوراث، من ذوي الفروض أو العصبات، دون غيرهم، لأنهم المستحقون للقتل، المطالبون به، فاختصت اليمين بهم، كبقية الدعاوي ويؤيد هذا حديث عمرو بن شعيب المتقدم:«البينة على المدعي، واليمين على من أنكر إلا في القسامة» ، فظاهره أن في القسامة اليمين على المدعي، والمدعي هو المستحق للدم.
(والثانية) : واختارها الشريف وأبو الخطاب في خلافيهما، والشيرازي وابن البنا وشيخهم فيما أظن، أنهم العصبة وراثا كانوا أو غير وراث، لحديث سهل:«يقسم خمسون منكم» ، والظاهر أنه لم يكن له من الورثة خمسون رجلا، وفي الحديث قال:«فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن؛ «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟» قالوا: لا.» وهذا تصريح بأن الخطاب والجواب وقع لعصبة غير وراث، وهما حويصة ومحيصة، إذ هما ابنا عم القتيل. ولا نسلم أن الدعوى في القسامة إنما تكون من المستحقين للدم، بل تكون للعصبة مطلقا، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم منع عبد الرحمن من الكلام، وأذن لحويصة ومحيصة، ففي الحديث: فذهب عبد الرحمن ليتكلم، لمكانه من أخيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كبر كبر» ، فتكلم حويصة ومحيصة، وكأن المعنى فيها والله أعلم طلب الثأر، وذلك لا يختص الورثة، وهذا ظاهر لا خفاء به، ومن الغريب جزم أبي البركات بالرواية الأولى، مع مخالفتها لظاهر الحديث، وعلى هذه الرواية يبدأ من العصبة بالمستحقين للدم، فإن لم يبلغوا خمسين تمموا من سائر العصبات، الأقرب فالأقرب، فإن لم يوجد من نسبه خمسون رددت الأيمان عليهم، وقسمت بينهم، انتهى. وظاهر كلام أبي بكر في التنبيه أنهم العصبة الوراث.
وقول الخرقي: خمسين يمينا؛ للحديث وفيه لفظان، يقسم خمسون منكم، أتحلفون خمسين يمينا؛ وقوله: على قاتله، قد يقال: إنه يشمل القاتل عمدا أو خطأ، وقول الخرقي بعد: واستحقوا دمه إن كانت الدعوى عمدا؛ أي وإن كانت غير عمد فالدية، لما تقرر أن الواجب في غير العمد الدية، وهذا منصوص أحمد، وقول الأصحاب: لأنها دعوى قتل، فشرعت فيها القسامة كالعمد، وأخذ أبو محمد في المغني من هذه المسألة، ومما يأتي بعد، أن ظاهر كلام الخرقي أن القسامة لا تشرع في الخطأ، وقطع بذلك عنه في المقنع، فقال: وذكر الخرقي أن من شروط القسامة أن تكون الدعوى عمدا، ومال هو أيضا إلى ذلك، لأن من شرط القسامة اللوث، واللوث على الصحيح عندهم هو العداوة، وتبعد التهمة مع الخطأ، وهذا نظر حسن إلا أن كلام الخرقي ليس بالبين في ذلك، ولذلك لم أر أحدا من الأصحاب عرج عليه، وقول أبي البركات، وقيل: لا قسامة في الخطأ؛ يشير إلى قول أبي محمد، ولو اتضح له أن ذلك ظاهر كلام الخرقي أو نصه لصرح بذلك عنه، وبالجملة القول بالقسامة في الخطأ واضح إن قيل: اللوث ما يغلب على الظن صدق المدعي، أما إذا قيل: اللوث هو العداوة فقط ففي القسامة في الخطأ نظر انتهى. وقوله: واستحقوا دمه إن كانت الدعوى عمدا. هذا مذهبنا
أن القسامة قد توجب القصاص، لما تقدم في الحديث:«يقسم خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع برمته» .
3032 -
وفي لفظ لأحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسمون قاتلكم ثم تحلفون عليه خمسين يمينا ثم نسلمه» .
3033 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل بالقسامة رجلا من بني نصر بن مالك ببحرة الرغاء على شط لية، فقال القاتل والمقتول منهم» ، رواه أبو داود.
3034 -
وقول أبي قلابة في صحيح البخاري: «ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في إحدى ثلاث خصال، رجل قتل بجريرة نفسه فقتل، أو رجل زنا بعد إحصان، أو رجل حارب الله ورسوله» ، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال: أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم مردود بحديث سهل، وهو صحابي، وأعرف منه بالقصة لحضورها، ثم هو مثبت، والمثبت مقدم على النافي.
(تنبيه) : «الجريرة» الذنب والجرم الذي يجنيه الإنسان، «وبحرة الرغاء» البلدة.
قال: فإن لم يحلف الأولياء حلف المدعى عليه خمسين
يمينا وبرئ.
ش: هذا هو المذهب المعروف، لحديث سهل «فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم» أي يتبرؤون منكم، وفي لفظ:«فتحلف لكم يهود» ولأنها أيمان مشروعة في حق المدعى عليه، فبرئ بها كسائر الأيمان، وحكي (عن أحمد) رواية أخرى أنهم يحلفون ويغرمون الدية، لحديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار المتقدم، وهو إن صح لا يدل، لأن اليهود لم يحلفوا، فعلى المذهب لو نكل المدعى عليه عن اليمين لم يجب عليه القود، وهل تجب عليه الدية - وهو اختيار أبي بكر والشريف، وأبي الخطاب وأبي محمد - كبقية الدعاوي، أو لا تجب بل تكون في بيت المال؟ على روايتين، وعلى الثانية. . . هل يخلى سبيله، أو يحبس حتى يقر أو يحلف؟ على روايتين.
قال: فإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه، فداه الإمام من بيت المال.
ش: لما تقدم من أن النبي صلى الله عليه وسلم فدى عبد الله بن سهل لما لم يرض الأولياء بيمين اليهود، فإن تعذر الفداء من بيت المال لم يجب على المدعى عليه شيء، إذ الواجب عليه اليمين، ومستحقها امتنع من استيفائها. قال: وإذا شهدت البينة العادلة أن المجروح قال: دمي عند فلان. فليس ذلك بموجب للقسامة ما لم يكن لوث.
ش: لما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو يعطى الناس
بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» ولأنه خصم، فلم تكن مجرد دعواه لوثا كالخصم، والله أعلم.
قال: والنساء والصبيان لا يقسمون.
ش: لا نزاع أن الصبيان لا يقسمون، سواء كانوا من أهل القتيل أو مدعى عليهم، لأن الأيمان حجة للحالف، والصبي لا يثبت بقوله حجة، حتى إنه لو أقر على نفسه لم يقبل، فعلى هذا إذا كان مستحق الدم بالغا وصبيا فهل تشرع القسامة في حق البالغ، وهو المشهور، أو لا تشرع حتى يبلغ الصبي، وهو اختيار أبي محمد؟ فيه وجهان، وعلى المذهب يحلف البالغ ويستحق نصف الدية، وهل يحلف خمسين يمينا، قاله أبو بكر في الخلاف، أو خمسا وعشرين، وهو اختيار ابن حامد؟ فيه وجهان، وعلى الوجهين إذا بلغ الصبي حلف خمسا وعشرين، واستحق بقية الدية، وفيه وجه آخر أنه يحلف خمسين يمينا، كالبالغ ابتداء في وجه قوي، والحكم في المجنون والغائب، والناكل عن اليمين، كالحكم في الصبي. وأما النساء فلا يقسمون أيضا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما خاطب الرجال فقال:«يقسم خمسون منكم» الحديث، وزعم أبو محمد أن في الحديث «يقسم خمسون رجلا منكم» ولم أره، ولأن الأيمان في القسامة من المدعين نزلت
منزلة الشهادة، ولا مدخل للنساء في شهادة القتل، فعلى هذا إذا كان في الأولياء نساء أقسم الرجال، وسقط حكم النساء، فإن كان الجميع نساء فهو كما لو نكل الورثة وقد تقدم.
(تنبيه) : هل للخنثى المشكل مدخل في القسامة؟ فيه وجهان (أحدهما) نعم، وهو ظاهر كلام الخرقي، لأن سبب القسامة وهو الاستحقاق قد وجد، والمانع مشكوك فيه.
(والثاني) لا، إذ القتل لا يثبت بشهادته فهو كالمرأة.
قال: وإذا خلف المقتول ثلاثة بنين جبر الكسر عليهم، وحلف كل واحد منهم سبعة عشر يمينا.
ش: لما تقدم للخرقي أن النساء لا مدخل لهن في القسامة، أشار إلى أنها تشرع في حق الرجال الوارثين، وأنها تقسم بينهم على قدر إرثهم - ومن هنا قال أبو محمد: إن ظاهر كلام الخرقي أنها تختص بالوراث، وقد تقدم، فعلى هذا إذا خلف المقتول ابنين، حلف كل واحد منهما خمسا وعشرين يمينا، ولا كسر، وإن خلف ثلاثة بنين جبر الكسر عليهم، فحلف كل واحد منهم سبعة عشر يمينا، إذ تكميل الخمسين واجب، ولا يمكن تبعيض اليمين ولا حمل بعضهم عن بعض، حذارا من الترجيح بلا مرجح، فوجب تكميل اليمين المكسورة على الجميع، نظرا إلى أن ما لا يتم الواجب إلا به واجب.
قال: وسواء كان المقتول مسلما أو كافرا. حرا أو عبدا، إذا كان المقتول يقتل به المدعى عليه إذا ثبت عليه القتل، لأن
القسامة توجب القود، إلا أن يحب الأولياء أخذ الدية.
ش: أما المسلم الحر فلا نزاع فيه، لورود الحديث فيه، وأما الكافر والعبد ففي معناه، إذ المقتضى للقسامة اللوث، وهو موجود في قتلهما، وعلى هذا يحلف سيد العبد، ويستحق القصاص أو قيمته، ثم إن ظاهر كلام الخرقي أن القسامة لا تشرع إلا فيما يوجب القصاص، كذا فهم أبو محمد، واختار ذلك، فعلى هذا لا تشرع في غير العمد المحض، ولا في قتل غير المكافئ ونحو ذلك، والمشهور مشروعية القسامة في جميع ذلك، حتى إني لم أر الأصحاب عرجوا على كلام الخرقي، والذي يظهر مشروعيتها في غير الخطأ، لوجود اللوث المقتضي لها، بخلاف الخطأ، فإن اللوث وهو العداوة على المشهور لا يتأتى، والله أعلم.
قال: وليس للأولياء أن يقسموا على أكثر من واحد.
ش: لا نزاع عندنا أن القسامة [عندنا] لا تشرع على أكثر من واحد، إذا كانت الدعوى موجبة للقصاص، اعتمادا على الحديث، وهو قوله: صلى الله عليه وسلم «يقسم خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع برمته» وحذارا من أخذ أنفس بنفس واحدة، ببينة ضعيفة، وبيان ضعفها أن الحق هنا ثبت بقول المدعي مع يمينه، مع التهمة في حقه، وقيام العداوة المانعة من صحة شهادته على عدوه في حق لغيره، فما بالك في حق لنفسه، وفارق البينة، فإنها قوية بالعدد، وعدالة الشهود، وانتفاء التهمة في حقهم، لأنهم لا يثبتون لأنفسهم حقا، ولا عداوة بينهم وبين المشهود عليه، واختلف عن إمامنا هل تشرع القسامة على أكثر من