الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحد، إذا كانت الدعوى موجبة للدية؟ (فعنه) - وهو اختيار الخرقي، وأبي بكر والقاضي، وجماعة من أصحابه، الشريف، وأبي الخطاب، والشيرازي وابن البنا، وابن عقيل - لا تشرع، اقتصارا على مورد النص (وعنه) تشرع، لأنها بمنزلة البينة في إثبات القود، فكذلك في القسامة على أكثر من واحد، وإنما تركنا ذلك فيما إذا كانت موجبة للقصاص، للمحذور السابق، وقد انتفى هنا، فعلى هذا هل يحلف كل واحد من المدعى عليهم خمسين يمينا، أو قسطه منها؟ على وجهين.
[كفارة القتل الخطأ]
قال: ومن قتل نفسا محرمة، أو شارك فيها، أو ضرب بطن امرأة، حرة كانت أو أمة، فألقت جنينا ميتا، وكان القتل خطأ، فعلى القاتل عتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، توبة من الله عز وجل. . . وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله ما يدل على أن على قاتل العمد أيضا تحرير رقبة.
ش: الأصل في كفارة القتل في الجملة الإجماع، وقد شهد له قَوْله تَعَالَى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] الآية.
إذا تقرر هذا فقول الخرقي: من قتل، يشمل الذكر والأنثى، والحر والعبد، والمكلف وغير المكلف، والمسلم والكافر، والآية الكريمة صالحة لدخول جميع ذلك فيها إلا غير المكلف، فإنه لا يتناوله الخطاب التكليفي، فإذا وجوب الكفارة في ماله بضرب من القياس، وهو أن الكفارة حق مالي يتعلق بالقتل، فتعلقت بغير المكلف كالدية، وفيه شيء، إذ الدية لا تتعلق به، إنما تتعلق بالعاقلة على المذهب. وقوله: نفسا، يشمل الذكر والأنثى، والحر والعبد، والمسلم والكافر، والمكلف وغير المكلف، حتى لو قتل نفسه، أو عبده، أو إنسانا بإذنه، والكتاب العزيز شامل لجميع ذلك، إذ يدخل في {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا} [النساء: 92] الذكر والأنثى بعرف الشرع، والحر والعبد، والمكلف وغير المكلف، إذ الصبي ونحوه مؤمن حكما، وعبده والأجنبي بإذنه، وكذلك قد تدخل نفسه، ونازع في ذلك أبو محمد، واختار أن الكفارة لا تجب في قتله نفسه، وقال: الآية أريد بها إذا قتله غيره، بدليل قوله سبحانه:{وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وقاتل نفسه لا تجب فيه دية.
3035 -
بدليل عامر بن الأكوع، فإنه قتل نفسه خطأ ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بكفارة ولا دية، وفيه نظر، إذ هذه واقعة عين،
فيجوز أن يكون الحكم كان مقررا معروفا عندهم، ثم غايته أنه لم ينقل إلينا ذلك، وعدم النقل لا يدل على العدم. ويشمل كلام الخرقي أيضا القتل بمباشرة أو سبب، والآية صالحة لذلك، إذ المتسبب يصلح نسبة القتل إليه، وقوله: محرمة، يخرج منه القتل المباح، كقتل الحربي، والباغي، والزاني المحصن، والمستحق قتله قصاصا، ونحو ذلك، أما الحربي ونحوه فلا يدخل في الآية الكريمة، لخروجه من قوله:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا} [النساء: 92] وعدم دخوله في قوله سبحانه: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: 92] الآية، وأما من عداه فبالنظر إلى المعنى، إذ الكفارة وجبت ماحية أو زاجرة، وقتل من ذكر أمر مطلوب، فلا شيء يمحى ولا يزجر عنه. ويشمل كل نفس محرمة، وقد استثنى أبو محمد من ذلك نساء أهل الحرب وصبيانهم، ومن لم تبلغه الدعوة، إذ لا إيمان لهم ولا أمان، فلم يدخلوا في مقتضى الكتاب العزيز، وقد يقال: إن كلام الخرقي يخرج منه قتل الخطأ، فإنه على الصحيح لا يوصف بتحريم ولا إباحة، ويجاب بأنه لم يصف القتل بأنه محرم، بل وصف النفس بكونها محرمة، ولا ريب أن المقتول خطأ نفسه محرمة الإزالة، وأبو البركات كأنه استشعر ذلك فعدل عن «محرمة» إلى: بغير حق.
وقوله: أو شارك فيها، هذا هو المذهب المشهور أن
الكفارة تتعدد بتعدد القاتلين، لأنها من موجب قتل الآدمي، فكملت في حق كل واحد من المشتركين كالقصاص، (وعن أحمد) رواية أخرى أن على الجميع كفارة واحدة، وهي أظهر من جهة الدليل، للآية الكريمة، إذ هي تتناول الواحد والجماعة، والله سبحانه جعل الواجب كفارة واحدة، وكون القصاص يجب على كل واحد من المشتركين ممنوع، ولو سلم فذلك سدا للذريعة، وحسما للمادة، وقتل الخطأ ونحوه لا يقصد، فلا سد، ثم هو منقوض بالدية، فإنها لا تكمل في حق كل واحد من الشركاء على المذهب.
(تنبيه) : قال أبو محمد في المغني فيما إذا رمى ثلاثة بالمنجنيق، فرجع الحجر فقتل رجلا أن على كل واحد منهم عتق رقبة، لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم، لأن كل واحد منهم مشارك في قتل آدمي معصوم، والكفارة لا تتبعض، وغفل عن رواية أن على الجميع كفارة واحدة، مع أنه حكاه هنا عن أبي ثور، قال: وحكي عن الأوزاعي، وحكاه أبو علي الطبري عن الشافعي.
(وقوله) : أو ضرب بطن امرأة حرة كانت أو أمة، فألقت جنينا ميتا. قد تقدم ذلك في دية الجنين، فلينظر ثم، (وقوله) وكان القتل خطأ. يخرج العمد وشبهه، ولا نزاع أن في قتل العمد روايتان (إحداهما) - وهي
اختيار أبي بكر وابن حامد، والقاضي وولده أبي الحسين، والشريف وأبي الخطاب، والشيرازي وابن البنا - لا كفارة فيه، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] الآية. . . إلى قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] فإنه سبحانه قسم القتل إلى قسمين قسم أوجب فيه الدية والكفارة، وقسم جعل الجزاء فيه جهنم، وظاهر ذلك أنه لا كفارة فيه، يرشح ذلك أن الكفارة وجبت محوا لما حصل من ذهاب نفس مستحقة للبقاء، والعمد أعظم من أن يمحى ما حصل فيه من الإثم بذلك.
3036 -
ولأن ذلك قول ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. (والثانية) فيه الكفارة.
3037 -
لما «روى واثلة بن الأسقع قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا أوجب يعني النار بالقتل، فقال: «أعتقوا عنه، يعتق
الله بكل عضو منه عضوا من النار» رواه أحمد وأبو داود، ولأنه أعظم جرما، فالحاجة إلى تكفيره أبلغ، وهذه الرواية زعم القاضي والشريف، وأبو الخطاب في خلافيهما أنها اختيار الخرقي، وليس في كلامه ما يدل على ذلك، بل تقديمه يشعر بخلافه، وقد حكى أبو محمد عن القاضي أنه قال: يلزم الشهود والكفارة، سواء قالوا: أخطأنا أو تعمدنا. قال أبو محمد: وهذا يدل على أن القتل بالسبب تجب به الكفارة بكل حال، ولا يعتبر فيه الخطأ والعمد، قال أبو محمد: لأنه وإن قصد به القتل فهو جار مجرى الخطأ، في أنه لا يجب به القصاص. (قلت) : وهذا ذهول عن المسألة، بل متى قالت الشهود: تعمدنا القتل، وجب القصاص.
(تنبيه) : قال أبو محمد: ولا فرق بين العمد الموجب للقصاص وغيره، كقتل الوالد ولده، والسيد عبده، والمسلم الكافر ونحو ذلك، نظرا للعمدية، انتهى.
أما شبه العمد فوقع لأبي محمد رحمه الله في المقنع إجراء الروايتين فيه، وهو ذهول، فقد قال في المغني: لا