المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: - شرح الزركشي على مختصر الخرقي - جـ ٦

[الزركشي الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب النفقات] [

- ‌نفقة الزوجة]

- ‌[نفقة الوالدين والأولاد]

- ‌[نفقة الصبي أو الصبية إذا لم يكن له أب وكان فقيرا]

- ‌[نفقة الرقيق]

- ‌[نفقة المعتق إذا كان فقيرا]

- ‌[نفقة أولاد العبد والأمة]

- ‌[نفقة ولد المكاتبة]

- ‌[باب الحال التي تجب فيها النفقة على الزوج]

- ‌[نفقة المطلقة المبتوتة]

- ‌[نفقة المختلعة]

- ‌[نفقة المرأة الناشز]

- ‌[باب من أحق بكفالة الطفل]

- ‌[تخيير الغلام والأمة بين أبويه بعد البلوغ]

- ‌[الأحق بكفالة الطلفل بعد الأم]

- ‌[باب نفقة المماليك]

- ‌[كتاب الجراح]

- ‌[أنواع القتل]

- ‌[القتل العمد وموجبه]

- ‌[القتل شبه العمد وموجبه]

- ‌[القتل الخطأ وموجبه]

- ‌[المماثلة بين القاتل والمقتول من شروط القصاص]

- ‌[جناية الصبي والمجنون والسكران]

- ‌[القصاص بين الوالد وولده]

- ‌[قتل الجماعة بالواحد]

- ‌[اشتراك الأب وغيره في القتل العمد]

- ‌[اشترك الصبي والمجنون والبالغ في القتل]

- ‌[القصاص بين الذكر والأنثى]

- ‌[دية العبد]

- ‌[باب القود]

- ‌[شروط القصاص في الجراح]

- ‌[لا قصاص في المأمومة ولا الجائفة]

- ‌[باب ديات النفس]

- ‌[دية الحر المسلم]

- ‌[ما تحمله العاقلة من الدية]

- ‌[جناية الرقيق]

- ‌[المقصود بالعاقلة]

- ‌[حكم من وجبت عليه دية ولم تكن له عاقلة]

- ‌[دية الحر الكتابي]

- ‌[دية المجوسي]

- ‌[دية الحرة المسلمة]

- ‌[دية العبد والأمة]

- ‌[دية الجنين]

- ‌[الحكم لو رمى ثلاثة بالمنجنيق فرجع الحجر فقتل رجلا]

- ‌[باب ديات الجراح]

- ‌[جراح المرأة تساوي جراح الرجل إلى الثلث]

- ‌[حكم من وطئ زوجته وهي صغيرة ففتقها]

- ‌[دية الشجاج التي لا توقيت فيها]

- ‌[دية ما لم يكن فيه من الجراح توقيت]

- ‌[تعريف الحكومة]

- ‌[دية العبد والأمة والخنثى فيما ليس فيه توقيت]

- ‌[كتاب القسامة]

- ‌[كفارة القتل الخطأ]

- ‌[ما يثبت به القصاص]

- ‌[باب قتال أهل البغي]

- ‌[أنواع البغي]

- ‌[طرق دفع البغي]

- ‌[حكم القتيل من أهل العدل]

- ‌[الآثار المترتبة على قتال البغاة]

- ‌[كتاب المرتد]

- ‌[استتابة المرتد]

- ‌[أحكام الزنديق]

- ‌[استتابة تارك الصلاة]

- ‌[ذبيحة المرتد]

- ‌[الحكم بإسلام الصبي]

- ‌[حكم الأولاد إذا ارتد الزوجان ولحقا بدار الحرب]

- ‌[حكم من شهد عليه بالردة فأنكر]

- ‌[حكم من أقر بالردة ثم رجع أو أنكر]

- ‌[حكم ردة السكران]

- ‌[كتاب الحدود]

- ‌[حد الزنا]

- ‌[الموضع الذي يجب فيه الحد في الزنا]

- ‌[حكم اللواط]

- ‌[إتيان البهيمة]

- ‌[ما يثبت به حد الزنا]

- ‌[الرجوع عن الإقرار بالزنا]

- ‌[تكرار الزنا هل يوجب تكرار الحد]

- ‌[تحاكم أهل الذمة إلينا في الزنا]

- ‌[حد القذف]

- ‌[الحد في قذف الملاعنة]

- ‌[قذف أم النبي]

- ‌[قذف الجماعة بكلمة واحدة]

- ‌[إقامة الحد في الحرم]

- ‌[كتاب القطع في السرقة]

- ‌[مقدار النصاب في السرقة]

- ‌[ما لا قطع فيه في السرقة]

- ‌[محل القطع وكيفيته في السرقة]

- ‌[حكم السارق إذا عاد للسرقة بعد القطع]

- ‌[تلف الشيء المسروق]

- ‌[قطع النباش]

- ‌[القطع في سرقة المحرم كالخمر الخنزير والميتة وآلات اللهو]

- ‌[القطع في سرقة الأب والأم من ولدهما]

- ‌[حكم سرقة العبد من مال سيده]

- ‌[ما يثبت به حد السرقة]

- ‌[اشتراك الجماعة في السرقة]

- ‌[كتاب قطاع الطرق]

- ‌[المقصود بالمحاربين]

- ‌[عقوبة المحاربين]

- ‌[توبة المحارب قبل القدرة عليه]

- ‌[كتاب الأشربة وغيرها] [

- ‌حد الشرب]

- ‌[موت شارب الخمر أثناء الحد]

- ‌[كيفية إقامة الحدود]

- ‌[حكم العصير إذا أتت عليه ثلاثة أيام]

- ‌[حكم النبيذ]

- ‌[حكم انقلاب الخمر خلا]

- ‌[الشرب في آنية الذهب والفضة]

- ‌[التعزير]

- ‌[تعريف التعزير ومقداره]

- ‌[الصيال]

- ‌[حكم دفع الصائل]

- ‌[ضمان جناية الدواب وما أفسدته من الزروع]

- ‌[الحكم لو تصادم فارسان أو رجلان فمات الرجلان أو الدابتان]

- ‌[كتاب الجهاد]

- ‌[حكم الجهاد]

- ‌[فضل الجهاد]

- ‌[غزو البحر أفضل أم غزو البر]

- ‌[الغزو مع الإمام البر والفاجر]

- ‌[مدة الرباط في سبيل الله]

- ‌[إذن الوالدين في الجهاد]

- ‌[قتال أهل الكتاب والمجوس قبل الدعوة للإسلام]

- ‌[دعوة عبدة الأوثان قبل أن يحاربوا]

- ‌[دخول النساء مع المسلمين إلى أرض العدو]

- ‌[ما يجب على الجند تجاه الأمير في الجهاد]

- ‌[ما يفعله الإمام بالأسرى]

- ‌[حكم النفل من الغنيمة]

- ‌[استحقاق القاتل للسلب]

- ‌[إعطاء الأمان للكفار]

- ‌[سهم الفارس والراجل في الجهاد]

- ‌[الرضخ للعبد والمرأة في الجهاد]

- ‌[إعطاء الكافر من الغنيمة إذا قاتل مع المسلمين]

- ‌[إعطاء الطليعة والجاسوس والرسول من الغنيمة]

- ‌[التفريق بين الوالد وولده والوالدة وولدها في السبي]

- ‌[حكم ما أخذه أهل الحرب من أموال المسلمين وعبيدهم فأدركه صاحبه قبل القسمة]

- ‌[مشاركة الجيش وسراياه في الغنيمة]

- ‌[حكم الأكل من الغنيمة]

- ‌[تحريق العدو بالنار وقطع الشجر وقتل الدواب في الجهاد]

- ‌[حكم الزواج في أرض العدو]

- ‌[حكم المعاملة بالربا في أرض العدو]

- ‌[حكم الغلول من الغنيمة]

- ‌[إقامة الحد على المسلم في أرض العدو]

- ‌[قتل الأطفال النساء والرهبان والمشايخ في الحرب]

- ‌[حكم السرقة من الغنيمة]

- ‌[وطئ جارية السبي قبل قسمة الغنيمة]

- ‌[كتاب الجزية]

- ‌[من تقبل منه الجزية]

- ‌[مقدار الجزية]

- ‌[من لا تجب عليه الجزية]

- ‌[حكم إسلام من وجبت عليه الجزية]

- ‌[حكم من نصارى بني تغلب بالنسبة للجزية والزكاة ونحوها]

- ‌[أخذ العشور من أهل الذمة]

- ‌[حكم من نقض عهده من المشركين]

- ‌[كتاب الصيد والذبائح]

- ‌[شروط الصيد بالحيوان]

- ‌[حكم الصيد بالكلب الأسود]

- ‌[حكم أدرك الصيد وفيه روح فلم يذكه حتى مات]

- ‌[الحكم لو رمى الصيد فوقع في ماء أو تردى من جبل]

- ‌[الحكم لو رمى صيدا فأبان منه عضوا]

- ‌[نصب المناجل للصيد]

- ‌[حكم الصيد بالمعراض]

- ‌[حكم صيد السمك بالشيء النجس]

- ‌[ذبيحة المرتد وصيده]

- ‌[ترك التسمية على الصيد أو الذبيحة عمدا أو سهوا]

- ‌[صيد الكتابي]

- ‌[حكم أكل ما قتل بالبندق والحجر]

- ‌[حكم صيد المجوسي]

- ‌[حكم أكل السمك الطافي]

- ‌[ذكاة المقدور عليه من الصيد والأنعام]

- ‌[الحكم لو ذبح الشاة وفي بطنها جنين]

- ‌[ذبيحة الأعمى والأقلف والأخرس]

- ‌[ذبيحة الجنب]

- ‌[ما تستطيبه العرب وما تستخبثه من الدواب]

- ‌[المحرم من الحيوان]

- ‌[حكم أكل المضطر]

- ‌[حكم أكل الضب والضبع والثعلب]

- ‌[حكم أكل الصيد إذا رمي بسهم مسموم]

- ‌[حكم ما كان مأواه البحر وهو يعيش في البر فمات]

- ‌[وقوع النجاسة في مائع كالدهن وما أشبهه]

الفصل: قال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة:

قال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49]{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42]، وقال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] .

وهل الحكم بينهم (على طريق الوجوب) ، ويحتمله كلام الخرقي، للآية الأولى، (أو على طريقة التخيير) وهو المشهور، للآية الثانية، إذ صدرها:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] وكالمستأمنين، (أو إن اتحدت ملتهم خير) ؛ لأن الآية وردت في اليهود، وملتهم واحدة، وإن اختلفت وجب، كما لو تحاكموا مع مسلم، (أو يخير للآية) إلا أن يتظالموا في حقوق الآدميين، فيجب دفعا للظلم الواجب دفعه على كل أحد، لا سيما على الحكام المنتصبين لذلك، وهو مختار أبي البركات؟ على أربع روايات، وهل يحكم آن ويعدى آن خبرناه بطلب أحدهما، أو لا بد من اتفاقهما كالمستأمنين؟ على روايتين، والله أعلم.

[حد القذف]

قال: وإذا قذف بالغ عاقل حرا مسلما أو حرة مسلمة

ص: 305

بالزنا، جلد الحد ثمانين جلدة إن طالب المقذوف، ولم تكن للقاذف بينة.

ش: القذف محرم بالإجماع، للأذى الحاصل به المأمور بانتفائه شرعا، وقد نص الله تعالى ورسوله على القذف بالزنا، لتأكد تحريمه، قال سبحانه:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4]، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23] .

3150 -

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات» قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» متفق عليه.

ويجب الحد بالقذف بالزنا بالإجماع، للآية الكريمة، ووجوبه بشروط أربعة: اثنان منها في القاذف، واثنان في المقذوف؛ فأما اللذان في القاذف:(فأحدهما) : أن يكون مكلفا، وهو العاقل البالغ، إذ غيرهما لا يتعلق به حكم خطابي، لرفع القلم عنه، فلا حد على مجنون، ولا مبرسم، ولا نائم، ولا سكران، على ظاهر كلامه، وعموم كلام غيره

ص: 306

يقتضي أنه على الروايتين، ولا على صبي.

(الثاني) : أن لا يكون له بينة بما قاله على المقذوف؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] الآية، شرط سبحانه للجلد عدم البينة، وفي معنى البينة الإقرار من المقذوف، فإن كان القاذف زوجا اشترط شرط ثالث، وهو عدم لعانه، فإن لاعن فلا حد عليه، لقوله سبحانه:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] الآية.

وأما الاثنان اللذان في المقذوف: (فأحدهما) : أن يكون محصنا، والمحصن هنا فسره الأصحاب بالحر المسلم العاقل، العفيف عن الزنا، الذي يجامع مثله، وفي اشتراط سلامته من وطء الشبهة وجهان، وكذلك في اشتراط بلوغه روايتان، وهذا قد يؤخذ من كلام الخرقي مفرقا، فالحرية والإسلام نص عليهما هنا، والعفة عن الزنا تؤخذ من الشرط الثاني في القاذف.

وكونه يجامع مثله يذكره بعد، واقتصاره على ذلك يفهم منه أنه لا يشترط البلوغ، والعقل يؤخذ من نفيه الحد عن قاذف الطفل، والسلامة من وطء الشبهة لا يشترطها، وبيان ذلك، أما الحرية والإسلام، فلأن العبد والكافر حرمتهما ناقصة، فلا ينتهض لإيجاب الحد، والآية الكريمة وردت في الحرة المسلمة، وغيرهما ليس في معناهما، وأما العقل فلأن غير العاقل لا يعير بالزنا، لعدم تكليفه، والحد إنما

ص: 307

وجب دفعا للعار عن المقذوف، وأما العفة عن الزنا؛ فلأن غير العفيف لا يشينه القذف، والحد إنما وجب من أجل ذلك، وقد أسقط الله تعالى الحد عن القاذف إذا كانت له بينة بما قال، وأما كونه مثله يجامع؛ فلأن غير ذلك لا يعير بالقذف، لتحقق كذب القاذف، والقذف إنما وجب لذلك، وأقل من يجامع مثله أن يكون له عشر سنين إن كان ذكرا، أو تسع سنين إن كان أنثى، كذا ذكر أبو محمد تبعا لظاهر كلام الخرقي.

وأما اشتراط البلوغ على رواية قيل: إنها مخرجة، وليست بمنصوصة. فلأن غير البالغ غير مكلف أشبه المجنون.

وأما عدم اشتراطه على أخرى - وهو مقتضى كلام الخرقي، وقطع بها القاضي والشريف وأبو الخطاب في خلافاتهم، والشيرازي وابن عقيل في التذكرة - فلأن ابن عشر سنين ونحوه يلحقه الشين بإضافة الزنا إليه. ويعير بذلك، ولهذا جعل عيبا في الرقيق، وأشبه البالغ.

وأما اشتراط السلامة من وطء الشبهة وعدمه، فلعل مبنى ذلك على أن وطء الشبهة هل يوصف بالتحريم أم لا، وقد تقدم عن القاضي أنه وصفه بالتحريم، وأن ظاهر كلام الخرقي وجماعة عدم وصفه بذلك، وكذلك ظاهر كلام جماعة هنا أنه لا يشترط السلامة من ذلك.

(تنبيه) : ظاهر كلام الأصحاب أنه لا يشترط العدالة، بل لو كان المقذوف فاسقا لشرب خمر ونحوه أو لبدعة، ولم

ص: 308

يعرف بالزنا، فإن الحد يجب بقذفه، وقال الشيرازي: لا يجب الحد بقذف مبتدع ولا مبتدعة.

(الشرط الثاني) : في المقذوف مطالبته بالقذف، لأنه حق له، فلا يستوفى بدون طلبه كبقية حقوقه.

وهذا سواء قلنا: إنه للقاذف محض حق له، كما هو المنصوص، والمختار للأصحاب، أو قلنا: هو حق الله تعالى، وليست بالبينة، لأنه أذى للآدمي فيه حق، قطعا للأذى الحاصل له، مع أن مقتضى كلام أبي البركات نفي الخلاف رأسا، والقطع بأنه حق للآدمي، وهو الصواب، وبيان ذلك له محل آخر، وتعتبر استدامة الطلب إلى إقامة الحد، فلو طالب ثم عفى عن الحد سقط، على المذهب وعلى الرواية المحكية بأنه حق لله تعالى لا يسقط بالعفو.

(تنبيهان) : أحدهما: إذا وجب الحد بقذف من لم يبلغ لم يقم حتى يبلغ ويطالب، لعدم اعتبار كلامه قبل البلوغ، وليس لوليه المطالبة، حذارا من فوات التشفي، ولو قذف غائبا اعتبر قدومه وطلبه، إلا أن يثبت أنه طالب في غيبته، فيقام على المذهب، وقيل: لا، لاحتمال عفوه، ولو قذف عاقلا فجن أو أغمي عليه قبل الطلب، لم يقم حتى يفيق ويطالب، فإن

ص: 309

كان قد طالب ثم جن أو أغمي عليه جازت إقامته.

(الثاني) : يستثنى مما تقدم الوالد لا يحد بقذف ولده، والله أعلم.

قال: وإن كان القاذف عبدا أو أمة جلد أربعين، بدون السوط الذي يجلد به الحر.

ش: الإجماع على وجوب الحد على العبد بقذف المحصن، لشمول الآية الكريمة له، ثم مقدار الحد إن كان القاذف حرا ثمانون للآية الكريمة، وإن كان القاذف عبدا فأربعون، جعلا له على النصف من الحر، لأن ذلك مما يتبعض.

3151 -

وقد قال أبو الزناد: جلد عمر بن عبد العزيز عبدا في فرية ثمانين، قال أبو الزناد: فسألت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ذلك، فقال: أدركت عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، والخلفاء هلم جرا، فما رأيت أحدا جلد عبدا في فرية أكثر من أربعين. . رواه مالك في الموطأ.

3152 -

وقال سعيد: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، قال: حضرت عمر بن عبد العزيز جلد عبدا في فرية ثمانين، فأنكر ذلك من حضره من الناس والفقهاء، وهذا كنقل الإجماع

ص: 310

من الصحابة، والإنكار على من خالفهم، وهو يخص عموم الآية، وإن كان القاذف نصفه حرا فبحساب ذلك، على ظاهر كلام أحمد، لأن ذلك مما يتبعض، وقيل: هو كالعبد، لأن الإجماع إنما انعقد على الثمانين في الحر، فيبقى فيما عداه على أصل براءة الذمة، ولو قيل بالعكس لاتجه، لشمول الآية الكريمة للجميع، خرج منه العبد لأقوال الصحابة، فما عداه على العموم.

واشترط الخرقي أن يكون جلد العبد بسوط دون الذي يجلد به الحر، تخفيفا للصفة كما خفف في القدر، ولأبي محمد احتمال بتساويهما، وهو ظاهر كلام جماعة من الأصحاب، لأنه على النصف، ولا يتحقق التنصيف إلا مع المساواة.

قال: وإذا قال له: يا لوطي، سئل عما أراد، فإذا قال: أردت أنك من قوم لوط، فلا شيء عليه، وإن قال: أردت أنك تعمل عمل قوم لوط، فهو كمن قذف بالزنا.

ش: إذا قال له: يا لوطي، فعند الخرقي - وهو إحدى الروايتين عن أحمد رضي الله عنه أن هذا ليس بصريح في القذف،

ص: 311

لاحتماله له ولغيره، إذ يحتمل أنه منهم أي ينسب إليهم. وإذا احتمل واحتمل، والحد يدرأ بالشبهة، مع أن الأصل براءة الذمة، لم يحكم بأنه صريح، وعند ذلك يسأل عما أراد، فإن فسره بما لا يوجب الحد، كما إذا قال: أردت أنك من قوم لوط، أي تنسب إليهم، فلا حد عليه، لأنه فسر كلامه بما يحتمله مما لا يوجب حدا، وإن فسره بما يوجب الحد، كما إذا قال: أردت أنك تأتي الذكران؛ وجب الحد عندنا بلا ريب، لوجوب حد الزنا على فاعل ذلك كما تقدم، وهذا هو الضابط، وهو أن كل ما وجب حد الزنا بفعله، وجب الحد بالقذف به، وما لا، فلا، ومن ثم خرج الخلاف إذا قذفه بإتيان بهيمة، انتهى.

وكذلك إن فسره بما يشمل الوطء

ص: 312

وغيره، كقوله: أردت أنك تعمل عمل قوم لوط؛ لأن من أشهر أعمالهم إتيان الذكران.

(وعن أحمد) لا يقبل تفسيره في حال الغضب، لأن القرينة تكذبه، والمنصوص عن أحمد في رواية الجماعة - وعليه عامة الأصحاب - أن ذلك صريح في القذف، فلا يقبل قوله بما يحيله، لأن هذا اللفظ إذا أطلق لا يكاد يفهم منه إلا إتيان الذكران، وإرادة الانتساب إلى قوم لوط بعيدة جدا؛ إذ الظاهر أو القطع بأنهم لم يبق منهم أحد، والاحتمال البعيد وجوده كعدمه، ومن ثم بعد الشيخان قول الخرقي، فعلى هذا إذا قال: أردت أنك تعمل عمل قوم لوط غير إتيان الذكران، فهل يقبل منه، نظرا إلى أنه من باب إطلاق العام، وإرادة الخاص، وهو سائغ كثيرا، أو لا يقبل، لمخالفته الظاهر؟ فيه وجهان.

أما على قول الخرقي فيقبل منه بطريق الأولى، لأنه إذا قبل منه صرف اللفظ عن مقتضاه عرفا، فلأن يقبل منه إطلاق العام وإرادة الخاص أولى، هذا هو التحقيق، تبعا لأبي البركات. وأبو محمد في مغنيه يبني الوجهين على روايتي الصراحة وعدمها، فإن قلنا صريح لم يقبل، وإلا قبل، والله أعلم.

قال: وكذلك من قال يا معفوج.

ش: هذا التشبيه (يحتمل) أن يرجع إلى أصل المسألة السابقة، فعلى هذا إن فسره بما لا يوجب الحد، كما إذا قال: أردت أنك معفوج دون الفرج ونحوه، قبل منه عند الخرقي، ولم يقبل منه عند غيره، وعلى هذا جرى الشيخان.

ص: 313

(ويحتمل) أن يرجع إلى قوله: فهو كمن قذف بالزنا، فيجب الحد، ولا يقبل التفسير. ولعله أظهر، إذ المعفوج مفعول من عفج بمعنى نكح، فهو بمعنى منكوح أي موطوء.

(تنبيه) : قد أخذ من كلام الخرقي في هذه المسألة، وفي التي قبلها أن الحد لا يجب إلا بلفظ صريح، كقوله: يا زاني، أو يأتي باللفظ الحقيقي في الجماع، أما الألفاظ المحتملة كقوله لامرأة: يا قحبة، أو لرجل: يا مخنث، أو يقول لعربي: يا نبطي، يا فارسي، أو يعرض بالزنا، كأن يقول لمن يخاصمه: ما أنت بزان، ما يعرفك الناس بالزنا، يا حلال ابن الحلال، ونحو ذلك، فلا يجب به الحد، وهذا إحدى الروايتين، واختيار أبي بكر، وأبي محمد.

(والثانية) : يجب الحد بجميع ذلك في الجملة، وهي اختيار القاضي، وكثير من أصحابه في التعريض، وتحقيق الروايتين وتوجيههما له محل آخر، والله أعلم.

قال: ولو قذف رجل فلم يقم عليه الحد حتى زنا المقذوف، لم يزل الحد عن القاذف.

ص: 314

ش: نظرا إلى أن شرط وجوب الحد وهو الإحصان قد وجد، فلا عبرة بما يطرأ بعده، وصار هذا كما لو سرق عينا ثم ملكها، ونحو ذلك، وفي قوله: فلم يقم عليه الحد حتى زنى إشعار بأنه لو ثبت أنه كان زنى قبل القذف أن الحد يزول عن القاذف، وهو كذلك، لتبين زوال شرط الوجوب، والله أعلم.

قال: ومن قذف عبدا أو مشركا، أو مسلما له دون العشر سنين أو مسلمة لها دون تسع سنين؛ أدب ولم يحد.

ش: قد تقدم أن من شرط وجوب الحد إسلام المقذوف، وحريته، وكونه يجامع مثله، أو بالغ على ما تقدم، مع العقل، والعفة عن الزنا، والسلامة من وطء الشبهة على وجهيه، فمتى عدم واحد من هذه انتفى الوجوب، وإذا يؤدب زجرا عن عرض المعصوم، وكفا له عن أذاه.

(وعن أحمد) : لا يؤدب لقذف كافر، والأول المذهب بلا ريب، ولا عبرة بإيراد ابن حمدان في الكبرى المذهب الثاني، جعل الأول قويلا، (وعن أحمد) في أم الولد إذا كان لها ولد يحد قاذفها، وبه قطع الشيرازي، وقيل: يحد العبد بقذف العبد، ولا عمل على ذلك.

ص: 315

(تنبيه) : لا يحد والد لقذف ولده، نص عليه في رواية ابن منصور وأبي طالب، وهل يؤدب؟ لفظه في رواية ابن منصور: لا يحد، فيحتمل أنه يؤدب، ولفظه في رواية أبي طالب: ليس عليه شيء، لا يؤخذ لابن من أبيه حد، فيحتمل أنه لا يؤدب، وهو أظهر، وهل حكم الأم حكم الأب؟ فيه وجهان، أصحهما - وهو الذي قطع به أبو محمد في الكافي، وابن البنا - أن حكمها حكمه، وحكم الجد والجدة، وإن علوا حكم الأب، قاله ابن البنا والله أعلم.

قال: ومن قذف من كان مشركا، وقال: أردت أنه زنى وهو مشرك؛ لم يلتفت إلى قوله، وحد إذا طالب المقذوف.

ش: نظرا إلى الحالة الراهنة، وهو إذا مسلم، فيدخل في الآية الكريمة، ولو كان قال: زنيت وأنت مشرك، فهل يحد أو لا يحد؟ على روايتين، أصحهما وأنصهما الثاني، وعليها إذا قال: أردت قذفي في الحال، فأنكره، فهل يحد، وهو اختيار القاضي، أو لا يحد، وهو اختيار أبي الخطاب؟ فيه وجهان، وأبو محمد يحكي الروايتين فيما إذا قال: زنيت في شركك، ولعل مدرك ذلك أنه وصل قوله بما يبطله، ومدرك الأول أن الواو هل هي للحال أو عاطفة؟ وقوله: إذا طالب المقذوف، زيادة إيضاح، وإلا لا بد من شروط الوجوب في كل موضع، والله أعلم.

قال: وكذلك من كان عبدا.

ش: أي إذا قذفه بعد أن أعتق وقال: أردت أنه زنى وهو عبد.

ص: 316