الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا، إذ الخاص يقضي على العام، فعلى الأول تجب مؤجلة على العاقلة بلا ريب، وعلى الثاني هل تجب على القاتل مؤجلة أو حالة؟ على قولين لأبي بكر.
[القتل الخطأ وموجبه]
قال: والخطأ على ضربين، أحدهما أن يرمي الصيد، أو يفعل ما يجوز له فعله، فيئول إلى إتلاف حر، مسلما كان أو كافرا.
ش: لما فرغ من تعريف العمد وشبهه، أشار إلى تعريف الخطأ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك، وهو على ضربين، خطأ في الفعل وهو الذي ذكره الخرقي، ولا ريب أن الخطأ واضح فيه، وقد قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن القتل الخطأ أن يرمي الرامي شيئا فيصيب غيره، لا أعلمهم يختلفون فيه. وقوله: مسلما كان أو كافرا. تنبيه على أنه لا فرق في ذلك بين المسلم والكافر، كما دل عليه قَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: 92] الآية، ولا بد من تقييد الكافر بأن يكون له عهد، كما في الآية الكريمة، وقوله: أو يفعل ما يجوز له فعله. مفهومه أنه إذا فعل ما ليس له فعله، كأن يقصد رمي آدمي معصوم، أو بهيمة
محترمة، فيصيب غيره، أن الحكم ليس كذلك، فيكون عمدا، وهو منصوص أحمد في رواية الحسن بن محمد بن الحارث، على ما ذكره القاضي في روايتيه، وخرجه أبو محمد على قول أبي بكر فيمن رمى نصرانيا، فلم يقع به السهم حتى أسلم أنه عمد، يجب به القصاص، والذي أورده في المغني مذهبا أن هذا أيضا خطأ، إناطة بعدم قصد من قتل، وهو مقتضى قول المجد، قال: أن يرمي صيدا أو هدفا أو شخصا، فيصيب إنسانا لم يقصده.
قال: فتكون الدية على العاقلة، وعليه عتق رقبة مؤمنة.
ش: الخطأ لا قود فيه اتفاقا، كما أشعر به قَوْله تَعَالَى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء: 92] الآية، ولأن شبه العمد إذا لم يجب القود فيه كما تقدم، ففي الخطأ أولى، وتجب الدية فيه على العاقلة اتفاقا حكاه ابن المنذر، وقياسا على شبه العمد، وقد ثبت بالنص، وعلى القاتل عتق رقبة مؤمنة، لعموم «لا يجني جان إلا على نفسه» مع {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] .
(تنبيه) : تقدير الآية الكريمة والله أعلم: فالواجب تحرير رقبة
مؤمنة، ودية مسلمة إلى أهله، ومن يتعلق به الواجب ليس في الآية ما يدل عليه، ولا يصح أن يقدر (فعليه تحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) لأن الدية ليست عليه، نعم إن قيل: الدية عليه، وأن العاقلة تحملها عنه، صح ذلك، لكن المعروف خلافه.
قال: والوجه الآخر أن يقتل في بلاد الروم من عنده أنه كافر، ويكون قد أسلم وكتم إسلامه، إلى أن يقدر على التخلص إلى بلاد الإسلام، فيكون على قاتله عتق رقبة مؤمنة بلا دية؛ لأن الله تعالى قال:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] .
ش: هذا الضرب الثاني من ضربي الخطأ، وهو الخطأ في القصد، ولا نزاع في كون هذا ونحوه خطأ، ولا نزاع أيضا في وجوب الرقبة على القاتل، للآية الكريمة، ووقع النزاع في الدية، والمشهور عن إمامنا، ومختار عامة أصحابنا - الخرقي، والقاضي، والشيرازي، وابن البنا، وأبي محمد وغيرهم - عدم وجوبها مطلقا، لما أشار إليه الخرقي، وهو أن الله سبحانه ذكر (أولا) قتل المؤمن خطأ، وأن فيه الكفارة والدية، ثم ذكر (ثانيا) إذا كان من قوم عدو لنا وهو مؤمن، وأن فيه الكفارة، ولم يذكر الدية، ثم ذكر (ثالثا) إذا كان من قوم بيننا وبينهم ميثاق، أن فيه الكفارة والدية، فظاهر الآية الكريمة أن القسم الثاني لا دية فيه (وعن أحمد) رواية أخرى تجب الدية على العاقلة، ودليلها يظهر من الكلام على الآية
الكريمة، وذلك أن (من) في قوله {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} [النساء: 92] يحتمل أن تكون لبيان الجنس، فيكون ظاهر الآية الكريمة عدم وجوب الدية فيمن تقدم ذكره، كما ذكره الخرقي، ويلحق به من أسلم ودخل دار الحرب، للاشتراك في أنه قصد قتل حربي، وإنما لم تجب الدية والحال هذه والله أعلم لأن الشارع له حرص عظيم على قتل أهل الحرب من غير تثبت، إذا بلغتهم الدعوة، فلو أوجبنا الدية في هذه الحال، ربما توقف فيمن يقتله منهم، ويحتمل - وهو الذي قدمه البغوي أن تكون (من) ظرفية، كقوله سبحانه؛ {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} [فاطر: 40] فإذًا معنى الآية: فإن كان في قوم عدو لكم وهو مؤمن، وهذا يشمل ما قاله الخرقي، وما إذا تترس الكفار بمسلم، وخيف على المسلمين إن لم يرموا فرماهم فأصاب المسلم، وهذا رواية ثالثة لإمامنا، وللمفسرين قول آخر، وهو الذي قطع به الزجاج، والزمخشري، أن المعنى في الآية الكريمة أن يسلم الرجل في قومه الكفار، وهو بين أظهرهم فيقتل، ولا دية لأهله لأنهم كفار محاربون، فلا يستحقون الدية، فانتفاء الدية كان لعدم
مستحقها، لا لعدم قبول المحل لها، ولهذا أوجب الله سبحانه وتعالى بعد في من بيننا وبينهم ميثاق الدية، لوجود مستحقها، (ومن) أيضا على هذا القول لبيان الجنس وروايتنا الثانية تتوجه على هذا القول.
2907 -
ويؤيد ذلك ما روى محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: «اختلفت سيوف المسلمين على اليمان أبي حذيفة يوم أحد، وهم لا يعرفونه فقتلوه، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين» . رواه أحمد، وفي لفظ رواه الشافعي قال:«فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بديته» .
2908 -
وأيضا عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل خطأ فديته مائة من الإبل» مختصر، رواه الخمسة إلا الترمذي.