الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يلحقهم الغوث فهم محاربون، لعدم لحوق الغوث لهم، وهو يرجع إلى الأول، غايته أنه نقح كلام الخرقي، وأحمد رحمه الله توقف عن الجواب في المسألة.
وقول الخرقي: يعرضون للقوم السلاح، مفهومه أنهم لو عرضوا بغير سلاح لم يكونوا محاربين، وهو كذلك.
ويدخل في السلاح كل ما أتى على النفس أو الطرف، وإن لم يكن محددا، كالحجر والعصا، وقوله: فيغصبونهم المال مجاهرة؛ مفهومه أنهم لو أخذوا المال خفية، أو على وجه الخطف فليسوا بمحاربين، وهو كذلك. وأنه لو خرج الواحد والاثنان على آخر الركب فأخذوا منه شيئا فليسوا بمحاربين، وإن خرجوا على عدد يسير فقهروهم فهم محاربون، والله أعلم.
[عقوبة المحاربين]
قال: فمن قتل منهم وأخذ المال؛ قتل، وإن عفا صاحب المال، وصلب حتى يشتهر، ودفع إلى أهله، ومن قتل منهم ولم يأخذ المال؛ قتل ولم يصلب، ومن أخذ المال ولم يقتل؛ قطعت يده اليمنى، ورجله اليسرى في مقام واحد، ثم حسمتا وخلي.
ش: مذهب أحمد رحمه الله أن قاطع الطريق إذا قتل وأخذ المال قتل وصلب، وإن قتل ولم يأخذ المال؛ قتل فقط، وإن أخذ المال ولم يقتل؛ قطعت يده اليمنى، ورجله
اليسرى، وإن لم يأخذ المال ولم يقتل؛ نفي، لما تقدم عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
3205 -
وذكر الزجاج أنه روي في التفسير أن أبا بردة الأسلمي كان عاهد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يعرض لمن يريد النبي صلى الله عليه وسلم وأن لا يمنع من ذلك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع من يريد أبا بردة، فمر قوم يريدون النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بردة، فعرض أصحابه لهم فقتلوهم وأخذوا المال، فأنزل الله على نبيه، وأتاه جبريل وأعلمه أن الله عز وجل يأمره أن من أدركه منهم قد قتل وأخذ المال؛ قتله وصلبه، ومن قتل ولم يأخذ المال؛ قتله، ومن أخذ المال ولم يقتل؛ قطع يده لأخذ المال، ورجله لإخافته السبيل. اهـ.
وفي ثبوت هذا نظر، فإنه قد ثبت عن ابن عمر وغيره رضي الله عنهم أن الآية نزلت في غير هذا، ولا يغرنك قول أبي محمد في الكافي أن قضية أبي بردة رواها أبو داود، فقد قال هو في المغني قيل رواها أبو داود.
قلت: والقطع أنها ليست في سنن أبي داود، وإلا لذكرها ابن الأثير في جامع الأصول وغيره.
والمعتمد في ذلك على قول ابن عباس رضي الله عنهما، وهو إن خالف ظاهر الآية الكريمة لكن يرجحه أن قوله موافق للقاعدة الشرعية، من أن العقوبات على قدر الإجرام. ولهذا اختلف حد الزاني والسارق والقاذف وغيرهم، بخلاف ظاهر الآية الكريمة. . فإن ظاهرها أن من حارب حصل فيه هذا التخيير من القتل أو القطع، وإن لم يقتل ولا أخذ المال. وأيضا عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير الحق» . وهذا قد يعترض عليه بأنه عموم، والآية تخصه. وكون العقوبة تختلف باختلاف الجرم مسلم، ولكن الشارع رأى أن هذه المفسدة العظيمة جزاؤها هذا الجزاء، سدا للذريعة، وحسما للمادة، ثم إن صاحب الشرع لم يذكر القتل أو القطع فقط في مقابلة مجرد المحاربة، وإنما خير بين عقوبات، والأمر في ذلك موكول إلى الأئمة والحكام الذين عليهم إقامة الحدود، وتخييرهم تخيير مصلحة، لا تخيير استشفاء، فهم لا يفعلون إلا ما يرون أنه أصلح، فإذا رأوا توزيع العقوبات
على قدر الإجرام وجب ذلك عليهم، وإن رأوا أن هذا المحارب وإن لم يقتل لا يندفع شره إلا بالقتل، ككبير محاربين يجمعهم قوله، ويفرقهم عدمه، ونحو ذلك وجب قتله، وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فيسأل أولا عن صحة سنده، فإن صح فهو معارض بنص القرآن. اهـ.
(وعن أحمد) رواية أخرى: أن من قتل وأخذ المال؛ يقتل لقتله، ويقطع لأخذه المال، لأن كلا منهما لو انفرد لأوجب ذلك، فإذا اجتمعا وجبا معا كالزنا والسرقة.
(وعنه) أيضا فيمن قتل ولم يأخذ المال: أنه يصلب مع القتل، والمذهب الأول.
وقول الخرقي: قتل وإن عفى صاحب المال: يعني أنه يقتل حتما، ولا يدخله العفو، قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم، وذلك لأنه أجري مجرى الحدود، فلم يدخله العفو كبقيتها، ولهذا قلنا على إحدى الروايتين: لا يعتبر التكافؤ بين القاتل والمقتول، بل يؤخذ الحر بالعبد، والمسلم بالذمي، والأب بالابن، واعتبرناه على أخرى، نظرا إلى أن الحد فيه انحتامه، بدليل أنه لو تاب قبل القدرة سقط الانحتام، وبقي القصاص. ولعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يقتل مسلم بكافر» .
فعلى هذه إذا فاتت المكافأة قطعت يده ورجله إن كان قد أخذ المال، وإلا نفي، وأغرم دية الذمي أو قيمة العبد، وهذا اختيار أبي الخطاب، والشريف والشيرازي وغيرهم، وهو أمشى على قاعدة المذهب.
وقوله: وصلب حتى يشتهر، هذا أحد الوجهين، واختيار أبي محمد، وأبي الخطاب، وشيخه في الجامع.
وقال: إنه ظاهر كلام أحمد، لأن المقصود من الردع للغير والزجر إنما يحصل بذلك.
(والثاني) وقاله أبو بكر: يصلب قدر ما يقع عليه اسم الصلب، اعتمادا منه على أن أحمد لم يوقت الصلب. ونظرا إلى إطلاق الآية الكريمة، وظاهر كلام الخرقي أن صلبه بعد قتله، وهو كذلك، إذ هو تتمة للحد، وكمال له، ولهذا قلنا: إذا مات قبل أن يقتله، أو قتل لغير المحاربة لم يصلب على أشهر الوجهين، إذ الحد قد فات بموته، كبقية المحدودين، وإنما قطعت يمنى يدي من أخذ المال لما تقدم في السارق، وإنما قطعت يسرى رجليه لتتحقق المخالفة المأمور بها، وإنما حسمتا لما تقدم في السارق.
(تنبيه) : إذا كان القتل شبه عمد فقال أبو محمد: ظاهر كلام الخرقي أنه يقتل بذلك.
(قلت) : وفي هذا نظر، فإنه متى اعتبر إطلاق الخرقي دخل فيه قتل الخطأ، وقد جعله أصحاب الخلاف محل وفاق، قاسوا عليه إذا فاتت المكافأة، والله أعلم.
قال: ولا يقطع منهم إلا من أخذ ما يقطع السارق في مثله.
ش: لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا قطع إلا في ربع دينار» . وقد يتخرج لنا عدم اشتراط ذلك، من رواية عدم اعتبار المكافأة، ومن ثم قلت: إن الأمشى على المذهب اعتبارها.
(تنبيه) : ويشترط الحرز، وانتفاء الشبهة في المال المسروق، والله أعلم.
قال: ونفيهم أن يشردوا، فلا يتركون يأوون في بلد.
ش: يعني من لم يقتل من المحاربين، ولم يأخذ المال، فإنه ينفى كما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما، ثم إن النفي الكلي هو التشريد.
وهذا هو المذهب المجزوم به عند القاضي وغيره، لظاهر الآية.
(وعن أحمد) : نفيهم: تعزيرهم بما يردعهم من تشريد وغيره.
(وعنه) : نفيهم: حبسهم.
وعلى الأول إذا شردوا لم يتركوا يأوون في بلد، لظاهر {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33] فظاهره نفيهم عن جميعها، ولا يتأتى إلا بما قلناه.
(تنبيه) : قال أبو محمد: ولم يذكر أصحابنا قدر مدرة نفيهم، فيحتمل أن يتقدر ذلك بما تظهر فيه توبتهم، ويحتمل أن