الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب القطع في السرقة]
ش: وهو مشروع بشهادة النص والإجماع، قال الله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38] .
3157 -
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا» والله أعلم.
[مقدار النصاب في السرقة]
قال: وإذا سرق ربع دينار من العين، أو ثلاثة دراهم من الورق، أو قيمة ثلاثة دراهم طعاما كان أو غيره، وأخرجه من الحرز قطع.
ش: لا نزاع عندنا أن القطع لا يكون إلا في نصاب، فلا قطع في القليل.
3158 -
لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا» .
وفي رواية قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا» متفق عليهما. . وفي رواية قال: « «اقطعوا في ربع
الدينار، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك» ، وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم، والدينار اثنا عشر درهما. رواه أحمد، وهذا يقيد إطلاق الآية الكريمة.
3159 -
ويصرف قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: «لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده» عن ظاهره، أن المراد بذلك ما يساوي ثلاثة دراهم.
3160 -
ففي الحديث قال الأعمش: كانوا يرون أنه بيض الحديد، وأن من الحبال ما يساوي دراهم. وهذا نقل للإجماع، أو قول قريب منه، أو أن المراد البيضة والحبل على ظاهرهما، وأن ذلك وسيلة إلى القطع، لأنه إذا سرق التافه تدرج إلى ما هو أعلى منه، إلى أن يسرق نصابا فيقطع.
واختلف عن إمامنا رحمه الله في قدر النصاب، ولا نزاع عندنا أن الفضة أصل في القطع وفي التقويم، وأن أقل نصابها ثلاثة دراهم.
3161 -
لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع يد السارق في مجن قيمته ثلاثة دراهم. وفي رواية:
ثمنه ثلاثة دراهم» . رواه الجماعة. والأصل عدم القطع فيما دون ذلك، إذ قد علم أن إطلاق الآية الكريمة ليس بمراد.
3162 -
وعن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: إن سارقا سرق في زمن عثمان أترجة، فأمر بها عثمان أن تقوم، فقومت بثلاثة دراهم، من صرف اثني عشر درهما بدينار، فقطع عثمان يده. . رواه مالك في الموطأ، وهذا ظاهر في أن التقويم حصل بهما.
واختلف عن أحمد في المذهب: هل هو أصل في القطع بنفسه؟
(فعنه) : نعم، وهو المذهب، لحديث عائشة المتقدم.
(وعنه) : لا، ولعل ذلك يحتج له برواية أحمد في حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم: وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم، فعلى هذه يقوم بالدراهم، فما يساوي منه ثلاثة دراهم قطع به، وإن لم يبلغ ربع الدينار، [وما لم يساو ثلاثة دراهم لم يقطع به، وإن بلغ ربع دينار] ، (وعلى المذهب) أقله ربع دينار، فلو كان دونه وساوى ثلاثة دراهم لم يقطع، لعموم حديث عائشة رضي الله عنها:«لا قطع إلا في ربع دينار» ، ثم على هذا هل هو
أصل في التقويم، وهو اختيار ابن عقيل في تذكرته، وأبي محمد في كافيه، لأنه أحد النقدين، فكان التقويم به كالأجزاء، وأن ما كان أصلا في القطع، كان أصلا في التقويم كالأجزاء، أو ليس بأصل في التقويم، وإنما الأصل الدراهم، وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار أكثر الأصحاب، القاضي والشيرازي، والشريف وأبي الخطاب في خلافيهما، وابن البنا؛ لأن التقويم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما حصل بها، وكذلك عثمان رضي الله عنه قوم بها؟ على روايتين؛ فعلى الأولى متى بلغت قيمة المسروق أدنى النصابين قطع.
وعلى الثانية الاعتبار بالدراهم فقط؛ وسواء كان المسروق طعاما أو غيره، بعد أن يكون مالا، لما تقدم عن عثمان رضي الله عنه، ولما سيأتي إن شاء الله تعالى في حديث الثمر. وإنما يجب القطع إذا أخرج ذلك من حرز مثله.
3163 -
لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، قال:«سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثمر المعلق، فقال: «من أصاب منه بفيه من ذي حاجة، غير متخذ خبنة؛ فلا شيء عليه» . رواه الترمذي والنسائي، وأبو داود، وزاد:«ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن؛ فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة» ، وللنسائي في رواية قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: في كم تقطع اليد؟ قال: «لا تقطع في تمر معلق، فإذا ضمه
الجرين قطعت في ثمن المجن، ولا تقطع في حريسة الجبل، فإذا ضمها المراح قطعت» » .
3164 -
وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين المكي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا قطع في تمر معلق، ولا في حريسة جبل، فإذا آواه المراح أو الجرين، فالقطع فيما بلغ ثمن المجن» رواه مالك في الموطأ، فنفى صلى الله عليه وسلم القطع في التمر المعلق، وفي حريسة الجبل، لعدم الحرز فيهما، وأوجب القطع فيما ضمه الجرين أو المراح، لوجود الحرز فيهما، والأحراز تختلف باختلاف الأموال، وبيان ذلك له محل آخر.
هذا بيان كلام الخرقي مجملا، أما بيانه مفصلا فقوله: وإذا سرق، يخرج منه المنتهب والمختلس، والغاصب والخائن، فلا قطع على واحد منهم.
3165 -
لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع» رواه الخمسة وصححه الترمذي؛ ولأن الله ورسوله إنما أوجب القطع على السارق، وهؤلاء ليسوا بسارقين، ويخرج منه أيضا جاحد العارية، وهو إحدى الروايتين، واختيار ابن شاقلا، وأبي الخطاب في الهداية، وأبي محمد، لما تقدم من أن الشارع إنما أوجب القطع على السارق، وجاحد العارية ليس بسارق، ولدخوله في الخائن، وقد أسقط عنه الشارع القطع.
(والرواية الثانية) وهي أشهرهما، وبها قطع القاضي في جامعه، وأبو الخطاب والشريف في خلافيهما، وابن البنا وغيرهم: يقطع.
3166 -
لما «روت عائشة رضي الله عنها قالت: كانت مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أسامة ألا أراك تشفع في حد من حدود الله عز وجل» ، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال:
«إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها» رواه مسلم وغيره.
وفي رواية قالت: «استعارت امرأة - تعني حليا - على ألسنة أناس يعرفون ولا تعرف هي، فباعته، فأخذت، فأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطع يدها، وهي التي شفع فيها أسامة بن زيد، وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال» . . . رواه أبو داود والنسائي.
3167 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما «أن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها فقطعت يدها» . . رواه أبو داود والنسائي وقال فيه: «كانت تستعير متاعا على ألسنة جاراتها وتجحده، وفي رواية: كانت تستعير الحلي للناس وتمسكه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتتب هذه إلى الله ورسوله، وترد ما تأخذ على القوم» ثم قال: «قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها» ، وهذه الألفاظ منها ما هو ظاهر، ومنها ما هو صريح في أن القطع كان لجحد العارية، وتسميتها
سارقة في الصحيح؛ دليل على أن جاحد العارية يسمى سارقا، والاعتبار بالتسمية الشرعية. اهـ.
ويخرج من كلامه أيضا الطرار، وهو الذي يبط الجيب أو غيره، ويأخذ منه، وهذا أيضا إحدى الروايتين.
(والثانية) : يقطع، وإليها ميل أبي محمد، وبني القاضي في روايتيه الخلاف على أن الجيب والكم هل هما حرز مطلقا، أو بشرط أن يقبض على كمه، ويزر جيبه، ونحو ذلك.
وقوله: ربع دينار من العين، أو ثلاثة دراهم من الورق؛ ظاهره أن يكون ذلك خالصا من الغش، أما إن كان فيه غش، فلا قطع حتى يبلغ ما فيه نصابا، وهل يكفي وزن التبر منهما، أو تعتبر قيمته بالمضروب؟ فيه وجهان، المذهب منهما الأول.
وقوله: أو قيمة ثلاثة دراهم، قد تقدم أن من مذهب الخرقي أن الذهب أصل في القطع، وليس بأصل في التقويم، ثم إن أبا محمد قال: إذا قومنا بذلك قومنا بالمضروب، لأن الإطلاق إنما ينصرف إليها دون المكسرة.
وقوله: طعاما كان أو غيره. قد تقدم أنه يشترط أن يكون مالا، ليخرج الحر، ولا نزاع في ذلك في غير النائم والمجنون، أما فيهما فروايتان، ويدخل في ذلك العبد، بشرط أن يكون صغيرا أو نائما، أو مجنونا، أو أعجميا لا يميز بين سيده وبين غيره.
وقد استثني من ذلك ما لا يتمول عادة كالماء ونحوه، والمحرم كالصليب ونحوه، والتابع لغيره كإناء الخمر ونحوه، على خلاف في الجميع، واستقصاء ذلك له محل آخر.
وقوله: وأخرجه من الحرز، مفهومه أنه لو أتلفه في الحرز، أو أكله أنه لا قطع عليه، وهو كذلك، نعم لو ابتلع جوهرا ونحوه وخرج به ففي القطع ثلاثة أوجه، ثالثها: إن خرج قطع وإلا فلا.
وقوله: وأخرجه، سواء أخرجه بنفسه، أو كان الإخراج ينسب إليه، كأن تركه في ماء فخرج به، أو على دابة فخرجت به، أو دفعه لمجنون فأخرجه، ونحو ذلك، ومقتضى كلامه أن الإخراج يترتب الحكم عليه، ولو ملكه بعد ذلك بهبة أو غيرها وهو كذلك.
(تنبيه) : «الخبنة» ما تحمله في حضنك، وقيل: هو ما تأخذه في خبنة ثوبك، وهو ذيله وأسفله.
«والجرين» : موضع التمر الذي يجفف فيه، مثل البيدر للحنطة.
«والمجن» : الترس.
«وحريسة الجبل» : فعيلة بمعنى مفعولة، أي ليس فيما يحرس بالجبل إذا سرق قطع، لأنه ليس بموضع حرز.
«والمراح» بضم الميم: الموضع الذي تأوي إليه الماشية ليلا.
«والخائن» : اسم فاعل من خان، وهو يشمل الخيانة في الوديعة وفي غيرها.
«والمنتهب» : اسم فاعل من انتهب الشيء استلبه ولم يختلسه.
«والمختلس» : اسم فاعل من اختلس الشيء اختطفه. قاله ابن فارس.
«والسرقة» : فسرها أبو محمد بأنها