الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما بال البهيمة؟ قال: «لئلا يقال هذه وهذه» ، وقيل: لئلا تلد خلقا مشوها، وبه علل ابن عقيل، وعلى هذين يباح الأكل، وقيل القتل لئلا تؤكل.
3135 -
«قيل لابن عباس رضي الله عنهما لما ذكر الحديث: ما شأن البهيمة؟ قال: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا، ولكن أراه كره أن يؤكل لحمها أو ينتفع بها، وقد فعل بها ذلك» . . رواه أبو داود والترمذي، واعلم أن محل الخلاف حيث شرعنا قتلها، أما إن لم نشرعه فلا ريب في جواز أكلها، والله أعلم.
[ما يثبت به حد الزنا]
قال: والذي يجب عليه الحد ممن ذكرت من أقر بالزنا أربع مرات، وهو بالغ صحيح عاقل، ولا ينزع عن إقراره حتى يتم عليه الحد، أو يشهد عليه أربعة رجال من أحرار المسلمين عدول، يصفون الزنا.
ش: ملخص ذلك أن الحد لا يجب إلا بأحد شيئين؛ إقرار أو بينة، فإن ثبت بإقرار اشترط أن يقر أربع مرات، فلو أقر دونها لم يجب الحد.
3136 -
لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: «أتى رجل من أسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فناداه: يا رسول الله، إن الآخر قد زنى، يعني نفسه، فأعرض عنه، فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله، فقال له ذلك، فأعرض، فتنحى الرابعة، فلما شهد على نفسه أربع مرات دعاه، فقال: «أهو به جنون» ؟ قال: لا، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«اذهبوا به فارجموه» متفق عليه.
3137 -
وعن جابر رضي الله عنه «أن رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا، فأعرض عنه، حتى شهد على نفسه أربع شهادات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبك جنون» ؟ قال: لا، قال:«أحصنت» ؟ قال: نعم، فأمر به فرجم» . . رواه أبو داود والترمذي والنسائي. وظاهر هذا: أن الحكم مرتب على الأربعة، وقد جاء أصرح من هذا.
3138 -
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «جاء ماعز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا مرتين، فطرده، ثم جاء فاعترف بالزنا مرتين، فقال: «شهدت على نفسك أربع مرات، فاذهبوا به فارجموه» .
3139 -
وعن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه قال: «كان ماعز بن مالك يتيما في حجر أبي، فأصاب جارية من الحي، فقال له أبي: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت، لعله يستغفر لك، وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرج، فأتاه فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأقم علي كتاب الله؛ حتى قالها أربع مرات، قال صلى الله عليه وسلم: «إنك قد قلتها أربع مرات فبمن» ؟ قال: بفلانة. قال: «هل ضاجعتها» ؟ قال: نعم، قال:«هل باشرتها» ؟ قال: نعم، قال:«هل جامعتها» ؟ قال: نعم، قال: فأمر به أن يرجم» ، وذكر الحديث. . . رواهما أبو داود، وهذا ظاهر وصريح في أن الأربع علة في ترتب الحكم عليها.
3140 -
وفي المسند «أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال له بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك إن اعترفت الرابعة رجمك؛ وقوله النبي صلى الله عليه وسلم لأنيس: «واغد يا أنيس إلى
امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» ونحو ذلك واقعة عين، إذ يحتمل أنه أحاله على ما عرفه من شرط الاعتراف، وكذلك قول عمر رضي الله عنه: الرجم حق على من أحصن، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف، يرجع إلى الاعتراف المعهود كالبينة، وشرط اعتبار الإقرار أن يكون من مكلف، وهو العاقل البالغ، فلو أقر المجنون أو الصبي فلا عبرة بإقرارهما، إذ لا حكم لكلامهما، وقد رفع القلم عنهما.
3141 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « «رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يبرأ» رواه أبو داود.
3142 -
وفي الحديث «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لماعز: «أبك جنون» ؟ قال: لا، وفي رواية في الصحيح أنه سأل قومه:«أتعلمون بعقله بأسا، تنكرون منه شيئا» ؟ فقالوا: ما نعلمه إلا وفي العقل، من صالحينا فيما نرى» ، انتهى.
ومما في معنى المجنون من زال عقله بنوم، أو إغماء، أو شرب دواء، أو سكر، هذا ظاهر كلام الخرقي، وأقره عليه أبو محمد، وجزم بذلك.
ومقتضى كلام أبي البركات: جريان الخلاف فيه، وفي بعض نسخ الخرقي: وهو صحيح بالغ عاقل، وعلى ذلك شرح القاضي وأبو محمد، وفسر القاضي ذلك بحقيقته، وهو الصحة من المرض، فلا يجب على مريض في حال مرضه، وإن وجب عليه أقيم عليه بما يؤمن به تلفه، وهذا فيه نظر، فإن الحد إما أن يجب ويؤخر استيفاؤه إلى حين صحته، أو يجب ويستوفى منه على حسب حاله، فعلى كل حال ليس الصحة شرطا للوجوب، قاله أبو محمد.
ويحتمل أن يريد بالصحيح الذي يتصور منه الوطء، فلو أقر بالزنا من لا يتصور منه الوطء؛ كالمجبوب، فلا حد عليه، وهو كالذي قبله، لأن هذا فهم من قوله: عاقل.
(قلت) : ويحتمل أن يريد بالصحيح الناطق فلا يقبل إقرار الأخرس، لأنه إن لم تفهم إشارته فواضح، وإن فهمت فهي محتملة، وذلك شبهة تدرأ الحد، وهذا احتمال لأبي محمد، والذي قطع به القاضي الصحة، ويحتمل أن يريد بالصحة الاختيار، وأراد الصحة المعنوية فلا يصح إقرار المكره، ولا نزاع في ذلك. واعلم أنه يشترط في الإقرار أن يذكر حقيقة الفعل لتزول الشبهة.
3143 -
وفي قصة ماعز «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «أنكتها» ؟ قال: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حتى غاب ذلك منك في
ذلك منها» ؟ قال: نعم، قال:«كما يغيب الميل في المكحلة والرشاء في البئر» ؟ قال: نعم، قال:«هل تدري ما الزنا» ؟ قال: نعم، أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من أهله حلالا» . . رواه أبو داود.
3144 -
وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما «قال: لما أتى ماعز النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت» ؟ قال: لا يا رسول الله، قال:«أنكتها» ؟ قال: لا يكني، قال: نعم، فعند ذلك أمر برجمه» ، انتهى.
ولا يعتبر أن يكون في مجالس، لأن أكثر الأحاديث ليس فيها تعريض لذلك، ويعتبر في استقرار الإقرار دوامه، أن لا ينزع عنه حتى يتم عليه الحد، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، انتهى.
وإن ثبت الزنا بالبينة اعتبر أن يكون أربعة، وهذا إجماع في الجملة والحمد لله، وقد شهد له قَوْله تَعَالَى:{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] الآية، وقوله سبحانه:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] ،
وقَوْله تَعَالَى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] .
3145 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه «أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو أني وجدت مع امرأتي رجلا، أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» رواه مسلم ومالك في الموطأ. اهـ.
ويعتبر في الأربعة شروط: (أحدها) : أن يكونوا رجالا، فلا يقبل فهم امرأة، ولا خنثى مشكل بحال، لأن لفظ الأربعة اسم لعدد المذكرين، فظاهره الاكتفاء بأربعة، فلو أقمنا المرأتين مقام الرجل خرجنا عن ظاهر الآية لاشتراط خمسة.
(الثاني) : أن يكونوا من المسلمين، فلا تقبل شهادة أهل الذمة، كما لا تقبل روايتهم، ولا أخبارهم الدينية.
وسواء كانت الشهادة على مسلم أو ذمي، ولا عبرة برواية حنبل في قبول
شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض.
(الثالث) : أن يكونوا أحرارا، فلا تقبل شهادة العبد، للاختلاف في شهادته في سائر الحقوق، وذلك يؤثر شبهة في عدم قبوله في الحد، لاندرائه بالشبهة.
(وعن أحمد) لا يشترط ذلك، ولعله أظهر، لدخوله في عامة النصوص. (الرابع) : أن يكونوا عدولا، فلا تقبل شهادة فاسق، كما لا يقبل خبره، وكبقية الشهادات بطريق الأولى. وقد قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] الآية، ولا مستور الحال، وإن قبلناه في الأموال، احتياطا لهذا الباب وتضييقا له.
(الخامس) : أن يصفوا الزنا، فيقولوا: رأيناه غيب ذكره في حشفته أو قدرها في فرجها؛ لما تقدم عن ماعز، وإذا اعتبر ذلك في الإقرار ففي البينة أولى.
3146 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: «جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا، فقال: «ائتوني بأعلم رجل منكم» فأتوه بابني صوريا فنشدهما: «كيف تجدان أمر هذين في التوراة» ؟ قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما. قال: «فما يمنعكم أن ترجموهما» ؟ قالوا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل؛ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم -
بالشهود، فجاء أربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما» . . رواه أبو داود.
وهل يعتبر مع ذلك أن يذكروا (المكان) لاحتمال الاختلاف، فتكون شهادة أحدهم على غير الفعل الذي شهد به الآخر، (والمزني بها) لاحتمال الاختلاف في إباحتها، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لماعز:«فبمن» ؟ وهو اختيار القاضي، أو لا يعتبر ذلك، كما لا يعتبر في الإقرار، ولهذا لم يذكر المكان في قصة اليهود، ولا المزني بها في أكثر الأحاديث، وهذا اختيار ابن حامد؟ على وجهين، وأجراهما أبو البركات في الزمان والمكان، وهو واضح، وكلام أبي محمد يقتضي أنه لا يشترط ذكر الزمان بلا خلاف.
(السادس) : أن يشهدوا كلهم في مجلس واحد، ذكره الخرقي في غير هذا الموضع، فقال: إن جاء الأربعة متفرقين، والحاكم جالس في مجلس حكمه لم يقم، قبلت شهادتهم، وإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم كانوا قذفة، وعليهم الحد.
3147 -
وذلك لما روي أن أبا بكرة ونافعا، وشبل بن معبد شهدوا عند عمر رضي الله عنه على المغيرة بن شعبة بالزنا، ولم يشهد