الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المماثلة بين القاتل والمقتول من شروط القصاص]
قال: ولا يقتل مسلم بكافر.
2909 -
ش: لما روى أبو جحيفة قال: قلت لعلي: يا أمير المؤمنين هل عندكم سوداء في بيضاء ليس في كتاب الله؟ قال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة ما علمته، إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن، وما في هذه الصحيفة، قال: قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: فيها العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مؤمن بكافر. رواه أحمد والبخاري، والنسائي والترمذي.
2910 -
وعن قيس بن عباد قال: «انطلقت أنا والأشتر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقلنا له: هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم – شيئا لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا إلا ما في هذا، وأخرج كتابا من قراب سيفه، فإذا فيه: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده، من أحدث حدثا فعلى نفسه، ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة، والناس أجمعين» رواه أحمد وأبو داود والنسائي، قال بعض الحفاظ: رجاله رجال الصحيحين.
2911 -
ولأبي داود وأحمد عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه، وهذا نحوه يخص {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: 178]{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] .
2912 -
وقوله صلى الله عليه وسلم «العمد قود، من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين، إن أحبوا قتله، وإن أحبوا الدية» على أن {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178] إنما ورد - والله أعلم - في المسلمين، بدليل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178]
فخاطب المسلمين، ثم قال سبحانه:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] والكافر ليس بأخ للمسلم {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [المائدة: 45] شرع من قبلنا ولا نسلم أنه شرع لنا، ولو سلم فقد ورد شرعنا بخلافه، ثم قد قيل: إن فيها ما يدل على إرادة المسلمين، وهو قوله سبحانه:{فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] ولا كفارة للكافر ولا صدقة.
2913 -
وما روى ابن البيلماني «أن النبي صلى الله عليه وسلم أقاد مسلما بذمي، وقال: «أنا أحق من وفى بذمته» رواه الدارقطني. مردود (أولا) بضعفه، فإن أحمد قال في رواية الميموني: ليس له إسناد. وقال في رواية بكر بن محمد عن أبيه: الحق فيمن ذهب إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقتل مؤمن بكافر» وإن احتج بحديث البيلماني محتج فهو عندي مخطئ، وإن حكم به حاكم ثم رفع إلى آخر رده، وهذا مبالغة في ضعف الحديث، وأن مثله لا يسوغ معه الاجتهاد، وقال الدارقطني: ابن البيلماني ضعيف، لا تقوم به حجة (وثانيا) بأنه حكاية
فعل لا عموم له، فيحمل إن صح على أنه قتله وهو كافر ثم أسلم.
واعترض على دليلنا بأن قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده» لا بد فيه من تقدير، وإلا يلزم أن ذا العهد لا يقتل في عهده مطلقا، إذ يقتل بالذمي والمعاهد، والتقدير: ولا ذو عهد في عهده بحربي والقيد في المعطوف قيد في المعطوف عليه، وأجيب (أولا) بالمنع، وأن العطف إنما يقتضي التشريك في أصل الحكم، لا في توابعه، والعطف في أنه لا يقتل، من غير نظر إلى تعيين من يقتل به، كما تقول: مررت بزيد قائما وعمرو، أي ومررت بعمرو، ولا يلزم أن يكون قائما (وثانيا) أنه ليس المراد والله أعلم أنه لا يقتل إذا قتل، بل (في)(إما ظرفية) كما هو الأصل فيها، أي ولا ذو عهد ما دام باقيا في عهده، نبه – صلى الله عليه وسلم أن العهد لا يقتضي العصمة مطلقا، كما في الذمة، بل في زمن العهد خاصة، (أو سببية) .
2914 -
كما في الصحيح «أن امرأة دخلت النار في هرة» . أي ولا ذو عهد بسبب عهده، نبه – صلى الله عليه وسلم بذلك على أن العهد سبب لعصمة الدم، وناسب ذكر ذلك هنا، لئلا يتوهم من عدم قتل المسلم بالكافر التساهل في قتل الكافر، فبين – صلى الله عليه وسلم أنه وإن لم
يقتل المسلم بالكافر، لكن لا يقتل المعاهد، ما دام له عهد. انتهى.
وقول الخرقي: ولا يقتل مسلم بكافر. يستثنى منه صورتان (إحداهما) إذا قتله أو جرحه وهو كافر ثم أسلم، فإنه يقتل به على المنصوص، نظرا لابتداء الحال، وفيه احتمال، اعتمادا على إطلاق الحديث (والصورة الثانية) إذا قتله في المحاربة، على إحدى الروايتين، ومفهوم كلامه أن المسلم يقتل بالمسلم، والكافر بالكافر، وهو كذلك في الجملة، إذ لا بد من عصمة المقتول.
(تنبيه) : «فلق الحبة» هو شقها للإنبات، «وبرأ النسمة» البرء الخلق، والنسمة كل ذي روح، «والتكافؤ» التماثل والتساوي، أي أنهم متساوون في القصاص والدية، لا فضل لشريف على وضيع، ولا كبير على صغير، ونحو ذلك، «وهم يد على من سواهم» أي أنهم مجتمعون يدا واحدة على غيرهم، من أرباب الملك فلا يسع أحدا منهم أن يتقاعد عن نصرة أخيه المسلم، «ويسعى بذمتهم أدناهم» أي أدنى
المسلمين إذا أعطى أمانا، فعلى الباقين موافقته، وأن لا ينقضوا عهده «وأحدث حدثا» الحدث الأمر الحادث، والمراد هنا الجناية والجرم، «وآوى محدثا» آواه ضمه إليه وحماه، والمحدث الذي يجني الجناية.
قال: ولا حر بعبد.
ش: لمفهوم {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: 178] .
2915 -
ولما روى الدارقطني بإسناده عن إسماعيل بن عياش، عن الأوزاعي، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، «أن رجلا قتل عبده متعمدا، فجلده النبي صلى الله عليه وسلم ونفاه سنة، ومحا اسمه من المسلمين، ولم يقده به، وأمره أن يعتق رقبة» . وإسماعيل بن عياش حجة في الشاميين على الصحيح.
2916 -
وعن علي رضي الله عنه: «السنة أن لا يقتل حر بعبد» . رواه أحمد، وهو منصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2917 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقتل حر بعبد» رواه الدارقطني.
2918 -
وروى أيضا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يقتلان الحر بالعبد، ولأن القصاص لا يجري بينهما في الأطراف، فكذلك في النفس، كالأب مع ابنه، وبهذا يتخصص (النفس بالنفس)«العمد قود» «المسلمون تتكافأ دماؤهم» ونحوه.
2919 -
وما في السنن من حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه» وفي رواية:
«ومن خصى عبده خصيناه» محمول على من قتل من كان عبده، أراد – صلى الله عليه وسلم والله أعلم أن يبين أن إنعامه بالعتق لا يمنع القصاص، جمعا بين الأدلة ولأن في الحديث:«ومن جدع عبده جدعناه» وقد نقل الإجماع أن ذلك لا يجب.
وعموم كلام الخرقي يقتضي أن الحر لا يقتل بالعبد، وإن كان الحر ذميا، وهو كذلك كما سيأتي، ويستثنى من عموم كلامه إذا قتله أو جرحه وهو رقيق، ثم أعتق، وإذا قتله في المحاربة على رواية، ومفهوم كلامه أن الحر يقتل بالحر، وهو كذلك بلا ريب، وأن العبد يقتل بالعبد، وهو المذهب بلا ريب، لعموم قوله سبحانه:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178]{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]، وقوله: صلى الله عليه وسلم «المسلمون تتكافأ دماؤهم» ونقل (عنه) جماعة القصاص بينهم إذا استوت قيمتهم، مراعاة لجانب المالية، مع إعمال القصاص في الجملة، قال في المغني: وينبغي أن يختص هذا بما إذا كانت قيمة القاتل أكثر يعني انتفاء القصاص، وكذلك ذكر أبو البركات
الرواية، ويستثنى من عموم المفهوم المكاتب لا يقتل بعبده.
قال: وإذا قتل الكافر العبد عمدا فعليه قيمته، ويقتل لنقض العهد.
ش: أي أن الكافر لا يقتل بالعبد المسلم، لما تقدم من أن الحر لا يقتل بالعبد، وهو يشمل المسلم والكافر، وإذا انتفى القصاص وجبت الدية، ودية العبد قيمته كما سيأتي، ويقتل الكافر لنقضه العهد، إذ مما ينتقض به عهد الكافر قتل المسلم، هذا هو المذهب المنصوص.
2920 -
لما روي أن ذميا كان يسوق حمارا بامرأة مسلمة، فنخسه فرماها، ثم أراد إكراهها على الزنا، فرفع إلى عمر رضي الله عنه، فقال: ما على هذا صالحناهم، فقتله وصلبه.
2921 -
وروي في شروط عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى عبد الرحمن بن غنم أن ألحق بالشروط: من ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده. وقيل (عنه رواية أخرى) لا ينتقض العهد بذلك،