الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3565 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: «حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: يوم خيبر - لحوم الحمر الأهلية، ولحوم البغال، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير» . رواه أحمد والترمذي. قال: وهي التي تعلق بمخاليبها (الشيء) وتصيد بها.
ش: كالعقاب، والبازي، والصقر، والشاهين، والحدأة، والبومة، ونحو ذلك.
[حكم أكل المضطر]
قال: ومن اضطر إلى أكل الميتة فلا يأكل منها إلا ما يأمن معه الموت.
ش: أي: الميتة التي نص الله تعالى على تحريمها في الآية الكريمة، وإباحتها في حالة الاضطرار في الجملة إجماع والحمد لله، وقد شهد له قَوْله تَعَالَى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173]، وفي آية المائدة:{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3]
ولا نزاع في إباحة ما يؤمن معه الموت، كما أنه لا نزاع في تحريم ما زاد على الشبع، لانتفاء الاضطرار المبيح إذا، وفي الشبع روايتان أنصهما - وهي ظاهر كلام الخرقي، واختيار عامة الأصحاب -: ليس له ذلك، لأن الله سبحانه حرم الميتة أولا، ثم أباح ما اضطررنا إليه بقوله تعالى:{فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: 173]، وفي آية أخرى {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] ، ومع أمن الموت لا اضطرار، ويؤيده ذلك قوله سبحانه:{غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [البقرة: 173]، أي: ولا عاد سد لجوعه.
(والثانية) - وهي اختيار أبي بكر فيما حكاه عنه الشيخ وغيره، والذي رأيته في التنبيه ظاهره الرواية الأولى -: له ذلك.
3566 -
لما روى جابر بن سمرة رضي الله عنه «أن رجلا نزل الحرة ومعه أهله وولده، فقال رجل: إن ناقة لي ضلت، فإن وجدتها فأمسكها. فوجدها فلم يجد صاحبها، فمرضت فقالت امرأته: انحرها. فأبى، فنفقت، فقالت: اسلخها حتى نقدد حتى شحمها ولحمها ونأكله. فقال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فسأله فقال: «هل عندك غنى يغنيك؟» قال: لا. قال: «فكلوه» . قال: فجاء صاحبها فأخبره الخبر، فقال: هلا كنت نحرتها؟ قال: استحييت منك.» رواه أبو داود، فأطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكل، ولم يقيده بما يسد الرمق.
وفرق أبو محمد بين ما إذا كانت الضرورة مستمرة - كحال الأعرابي - فيجوز له الشبع، اتباعا لإطلاق الحديث، إذ لو اقتصر على سد الرمق عادت الضرورة إليه عن قرب، وأفضى إلى ضعف بدنه، وربما أدى ذلك إلى تلفه، وبين ما إذا لم تكن مستمرة فلا يجوز له الشبع، لانتفاء المحذور المتقدم، وعملا بمقتضى الآية.
إذا تقرر هذا، فمعنى الاضطرار أنه متى ترك الأكل خاف التلف.
قال أحمد: إذا كان يخشى على نفسه، سواء كان من جوع، أو يخاف إن ترك الأكل عجز عن المشي، وانقطع عن الرفقة فهلك، أو يعجز عن الركوب فيهلك. ومقتضى هذا أنه يجوز له الشبع إذا كان سد الرمق يقطعه عن الرفقة، أو يعجزه عن الركوب (فيهلك) ، وهو مقتضى كلام الخرقي، وظاهر الآية الكريمة، لأنه والحال هذه مضطر.
ولم يفرق الخرقي رحمه الله بين الحاضر والمسافر، وهو كذلك، اعتمادا على ظاهر الآية، ولأن الاضطرار قد يكون في الحضر في سنة المجاعة.
(وعن أحمد) أنه قال: أكل الميتة إنما يكون في السفر. قال أبو محمد: يعني أنه في الحضر يمكنه السؤال. قال: وهذا من أحمد خرج مخرج
الغالب، إذ الغالب وجود الطعام الحلال في الحضر، ودفع الضرورة بالسؤال، قلت: وظاهر هذا التقرير أن الميتة لا تباح لمن يقدر على دفع الضرورة بالمسألة. وقد قال أبو محمد: إنه ظاهر كلام أحمد، اهـ.
وكلام الخرقي في شموله للمسافر يشمل السفر الجائز والمحرم، وهو اختيار صاحب التلخيص، وقال عامة الأصحاب: لا يباح للعاصي بسفره تناول الميتة بحال، وأصل هذا أن قَوْله تَعَالَى:{غَيْرَ بَاغٍ} [البقرة: 173] ، هل هو غير باغ على المسلمين، أو غير باغ على مضطر آخر بالاستئثار عليه، أو بمن أكلها تلذذا؟ فيه ثلاثة أقوال للمفسرين. وكذلك في قوله - سبحانه -:{غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} [المائدة: 3] ، هل التجانف بالسفر أو بالزيادة على سد الرمق؟ فيه أيضا قولان.
ويرجح ظاهر إطلاق الخرقي بقوله تعالى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] ، فإنه أطلق فيه، وبقوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] ، وبأن أكل الميتة عزيمة واجبة، حتى لو امتنع كان عاصيا، كما هو المشهور من الوجهين لهذه الآية، وهو ظاهر كلام أحمد.
3567 -
قال في رواية الأثرم - وقد سئل عن المضطر يجد الميتة ولم يأكل، فذكر قول مسروق: من اضطر فلم يأكل ولم يشرب فمات دخل النار. وعلى هذا اعتمد صاحب التلخيص، وقد يقال أن أصل هذا الخلاف أن المسكين إذا امتنع من المسألة حتى مات هل يأثم أم لا؟ قال القاضي: كلام أحمد يقتضي روايتين، فإن قلنا: يأثم، وجب الأكل، وإن قلنا: لا يأثم لم يجب الأكل.
(تنبيه) : حكم جميع المحرمات حكم الميتة فيما تقدم في الجملة. (والحرة) : أرض تركبها حجارة سود. (وضلت)، أي: ضاعت. (ونفقت)، أي: ماتت.
قال: ومن مر بثمرة فله أن يأكل منها ولا يحمل، فإن كان عليها محوطا فلا يدخل إلا بإذن.
ش: اختلفت الرواية عن إمامنا في هذه المسألة (فروي عنه) إباحة ذلك مطلقا، أعني: سواء كان محتاجا أو لم يكن،
وسواء أكل من المعلق أو من المتساقط، وهذه ظاهر كلام الخرقي، واختيار القاضي وغيره، قال القاضي في خلافه الصغير: اختاره عامة أصحابنا. وقال أبو الخطاب في هدايته: عامة شيوخنا.
3568 -
وذلك لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من دخل حائطا فليأكل ولا يتخذ خبنة» . رواه الترمذي وابن ماجه.
3569 -
وعن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، قال:«سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يدخل الحائط فقال: «يأكل غير متخذ خبنة» . رواه أحمد، (وعنه) : لا يحل له ذلك مطلقا إلا بإذن المالك. حكاها ابن عقيل في التذكرة.
3570 -
لعموم: « «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام» . متفق عليه.
3571 -
وعن العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضرب نسائهم، ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم» . أخرجه أبو داود. وغاية هذين عموم فنخصه بما تقدم.
(وعنه) جواز ذلك من المتساقط دون غيره.
3572 -
لما «روى رافع بن عمرو، قال: كنت أرمي نخل الأنصار، فأخذوني فذهبوا بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رافع لم ترم نخلهم؟» قلت: يا رسول الله الجوع. قال: «لا ترم، وكل ما وقع، أشبعك الله وأرواك» .» وقد يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم علم أنه يسقط من نخلهم ما يشبعه، وكيف لا يحصل له الشبع، وقد حصل له دعاء النبي صلى الله عليه وسلم -
ومع حصول ذلك فلا حاجة إلى الرمي، لأنه نوع إفساد.
(وعنه) : يحل له ذلك لحاجة، ولا يحل لغير حاجة.
3573 -
لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن التمر المعلق، فقال: «ما أصاب منه من ذي الحاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن أخرج منه شيئا فعليه غرامة مثليه، والعقوبة» » . رواه الترمذي وحسنه.
(وعنه) : إن كان مضطرا أكل وإلا لم يأكل. . حكاها القاضي في الجامع وغيره، وهي ظاهر كلامه في رواية أبي طالب، وسئل إذا لم يكن تحت الشجرة شيء يصعد؟ فقال: لم أسمع يصعد، فإن اضطر أرجو أن لا يكون به بأس. (وهذه الرواية) قد تحمل على أن المراد بالضرورة الحاجة، لأن أبا محمد صرح بأنه هنا لا يعتبر حقيقة الاضطرار، والظاهر حملها على ظاهرها، وأن المراد بالضرورة هنا: الضرورة المبيحة للميتة، ولهذا قال القاضي هنا - بعد أن ذكر الرواية -: وعندي أنه يباح له الأكل إذا احتاج إلى ذلك، مثل أن تشتهي نفسه الثمرة وتلتهف عليها، ولا شيء معه لشرائها، ولا يجد من يبيعه إياها نسيئا.
لا يقال: فلا فائدة في هذه المسألة على هذه الرواية، لأن غير الثمرة تباح أيضا عند الضرورة، لأنا نقول: فائدة ذلك أن الثمرة تباح مجانا حيث أبيح تناولها.
(وعنه) : يباح ذلك في السفر دون الحضر، قال في الرواية صالح - وسئل عن ذلك: إنما الرخصة للمسافر، وهذه
الرواية قد تحمل على رواية اشتراط الحاجة. واعلم أن هذا الخلاف كله في الأكل بفيه دون الحمل كما صرح به الخرقي، وشهدت به الأحاديث، وهو أن لا يتخذ خبنة، وهي ما تحمله في حضنك؛ وقيل: هو أن يأخذه في خبنة ثوبه، وهو ذيله وأسفله. ثم شرط جواز الأكل حيث قيل به أن لا يكون على الثمرة حائط، نص عليه أحمد والأصحاب، قال أحمد: لأنه شبه الحريم.
3574 -
وبأنه استند في ذلك إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما: إن كان عليها حائط فهو حريم، فلا تأكل، وإن لم يكن عليها حائط فلا بأس. وسيأتي في الحديث ما يرشد إلى ذلك أيضا. (نعم) إن كان مضطرا جاز له الدخول والأكل، وفي معنى الحائط الناطور، قاله غير واحد من الأصحاب، وقال في المغني: قال بعض أصحابنا: الناطور بمنزلة المحوط.
وظاهر كلام الخرقي أن هذا الحكم مختص بالثمرة، فلا يثبت هذا الحكم لغيرها من مال الغير، ولا نزاع في ذلك إلا في صورتين، فإنه قد اختلف عن إمامنا فيهما، (إحداهما) : الزرع، (فعنه) المنع كغيره من الأموال، وقال: إنما رخص في الثمار، وقال: ما سمعنا في الزرع أن يمس منه، وذلك لأن الثمار النفوس تتشوف إليها رطبة، بخلاف الزرع.
(وعنه) يأكل من الفريك، إذ العادة جارية بأكله رطبا فأشبه الثمرة. قال أبو محمد: وكذلك الحكم في الباقلاء والحمص، وشبههما مما يؤكل رطبا، فأما الشعير وما لم تجر العادة بأكله فلا يجوز الأكل منه.
قلت: ولهذه المسألة التفات إلى ما تقدم في الزكاة من أنه يوضع لرب المال عند خرص الثمرة الثلث أو الربع، ولا يترك له شيء من الزرع إلا ما العادة أكله فريكا.
(تنبيهان) : «أحدهما» : قد علم أن الخلاف إنما هو في الفريك، وأبو محمد ألحق بذلك ما في معناه كما تقدم، وهو حسن، والشيخان في مختصريهما وغيرهما يحكون الخلاف في الزرع على الإطلاق.
(الثاني) ظاهر كلام أحمد أن الخلاف في الزرع حيث
رخص له في الثمرة، وأبو البركات جعل الخلاف على الرواية الأولى، وظاهر كلامه المنع على ما بعدها مطلقا.
(الصورة الثانية) : شرب لبن الماشية، فيه أيضا روايتان، (إحداهما) : له أن يحلب ويشرب ولا يحمل، اختارها أبو بكر.
3575 -
لما روى الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن له فليحتلب وليشرب، وإن لم يكن فليصوت ثلاثا، فإن أجابه فليستأذنه، فإن أذن له، فليحتلب وليشرب ولا يحمل» . رواه أبو داود والترمذي وصححه، وقال ابن المديني: سماع الحسن من سمرة صحيح.
3576 -
وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتى أحدكم حائطا فأراد أن يأكل فليناد: يا صاحب الحائط. ثلاثا، فإن أجابه وإلا فليأكل، وإذا مر أحدكم بإبل فأراد
أن يشرب من ألبانها فليناد: يا صاحب الإبل، أو يا راعي الإبل. فإن أجابه وإلا فليشرب» . رواه أحمد وابن ماجه.
(والثانية) : ليس له ذلك، نص عليه.
3577 -
مفرقا بينه وبين الثمر؛ لأن أكل الثمر فعله غيره واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
3578 -
ومستدلا على المنع هنا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما وقال: هو أجود إسنادا، وهو ما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحلبن أحدكم ماشية أحد إلا بإذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى
مشربته فينتقل طعامه، وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم، فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه» » . متفق عليه.
(قلت) : وقد يحمل على ما إذا كان صاحبها فيها، توفيقا بين الحديثين.
(تنبيهان) : «أحدهما» : الخلاف أيضا في الماشية حكاه أبو البركات على الرواية الأولى، وينبغي أن يكون حيث أبيح الأخذ.
(الثاني) : إذا جوزنا الأكل من الثمار وغيرها، فقال أبو محمد: الأولى أن لا يأكل إلا بإذن، للخلاف والأخبار الدالة على التحريم.
(قلت) : وينبغي أن يتقيد جواز الحلب والشرب من الماشية بما إذا صوت بصاحبها ثلاثا فلم يجبه، كما في الحديث، وقد نص أحمد على ذلك فقال: ناد ثلاثا، فإن أجابك وإلا فاشرب.
قال: ومن اضطر فأصاب ميتة وخبزا لا يعرف مالكه أكل الميتة.
ش: هذا منصوص أحمد، وبه قطع عامة الأصحاب، منهم أبو محمد في المغني، لأن الميتة منصوص عليها، ومال الغير مجتهد فيه، والمنصوص عليه أولى، ولأن حق الله تعالى مبني على المسامحة والمساهلة، بخلاف حق الآدميين.
ولأبي محمد في المقنع احتمال بجواز أكل طعام الغير، بشرط أن لا تقبل نفسه الميتة، وبه جزم في الكافي لأنه والحال هذه عليه ضرر في أكل الميتة، وإنه منفي شرعا.
قال: فإن لم يصب إلا طعاما لم يبعه مالكه أخذه منه قهرا، ليحيي به نفسه، وأعطاه ثمنه، إلا أن يكون بصاحبه مثل ضرورته.
ش: إذا لم يجد المضطر إلى طعام الغير فلا يخلو إما أن يكون صاحبه مضطرا إليه أيضا أو لا، فإن كان صاحبه مضطرا إليه فهو أحق به، وليس لأحد أخذه منه، لمساواتهما في الضرورة، ويرجح المالك بالملك، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك حيث قال:«ابدأ بنفسك» . وإن لم يكن مضطرا إليه لزمه أن يبذل للمضطر ما يسد رمقه على المذهب، أو قدر شبعه على رواية بقيمته، لما فيه من إحياء نفس آدمي معصوم، أشبه بذلك منافعه في إنجائه من الغرق ونحو ذلك، فإن امتنع من ذلك فللمضطر أن يأخذ منه ما يسد رمقه أو قدر شبعه ولو قهرا، حتى لو قتل صاحب الطعام فهو هدر، ولو قتل المضطر ضمنه صاحب الطعام، لأنه والحال هذه مستحق له دون مالكه، ويلزمه عوض ما أخذ، فإن كان معه في الحال وإلا لزمه في ذمته.
وقول الخرقي: فإن لم يصب إلا طعاما لم يبعه مالكه، إلى آخره، ظاهره أنه لو وجد ميتة وطعاما وامتنع صاحبه من بذله له ببيع أو غيره لم يجز له أخذه منه قهرا، وهو كذلك، لأنه لم يتعين طريقا لإحياء نفسه. (وقوله) : لم يبعه مالكه أخذه قهرا، مقتضاه أنه لو باعه له لم يكن له أخذه منه قهرا وهو واضح، وفي معنى ذلك إذا بذله له مجانا.
وكلام الخرقي يشمل ما إذا باعه له بأكثر من ثمن المثل، وهو مختار أبي محمد في المغني، وجوز القاضي والحال هذه أخذه قهرا وقتاله عليه، وعلى كلا القولين لا يلزمه أكثر من ثمن مثله، لأنه صار مستحقا له بذلك. (ثم قول الخرقي) : لم يبعه. يريد البيع الشرعي، فلو امتنع المالك من البيع إلا بعقد ربا كان للمضطر أخذه قهرا، على ظاهر كلام الخرقي، ونص عليه بعض الأصحاب، معللا بأن عقد الربا محظور لا تبيحه الضرورة، والمقاتلة والحال هذه طريق أباحه الشرع، نعم إن لم يقدر على قهره دخل في العقد ملافظة وعزم على أن لا يتم عقد الربا، بل إن كان نسأ عزم على أن العوض الثابت في الذمة يكون قرضا، وقال بعض المتأخرين: لو قيل: إن له أن يظهر معه صورة الربا ولا يقاتله، بل يكون بمنزلة المكره فيعطيه من عقد الربا صورته لا حقيقته لكان أقوى.
وقوله: وأعطاه ثمنه. وبعضهم يقول قيمته؛ والأجود