الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تنبيه) : لم يقدر أحمد النقص على هذه الرواية، فينبغي أن يكتفي بما يعد في العرف نقصا، والله أعلم.
[باب القود]
ش: القود القصاص، والقتل يقع على ثلاثة أضرب، (واجب) وهو قتل المحارب، والزاني المحصن، والمرتد، وتارك الصلاة بشرطه، وكذلك في الدفع عن حرمته، وعن نفسه في رواية، (ومباح) وهو القتل قصاصا أو دفعا عن النفس في رواية (ومحظور) وهو القتل عمدا بغير حق، وهو من الكبائر العظام، والجرائم التي تقرب من الشرك بالله المستعان، حتى إن العلماء اختلفوا في قبول توبة من فعل ذلك، على قولين هما روايتان عن الإمام، وإن كان المشهور عنه وعن غيره قبول ذلك تفضلا من الله وإحسانا، وبسط ذلك لا يليق بهذا المكان.
قال: ولو شق بطنه فأخرج حشوته فقطعها، فأبانها منه، ثم ضرب عنقه آخر فالقاتل هو الأول.
ش: الحشوة بكسر الحاء وضمها الأمعاء، فإذا قطع حشوته وأبانها منه، أو فعل به فعلا لا تبقى الحياة معه، ولا حياة مستقرة فيه، فقد صيره في حكم الميت، فيعطى حكمه، وإذًا القاتل هو الأول، ولا شيء على الثاني من قصاص أو دية نعم عليه التعزير، لارتكابه المحرم.
قال: ولو شق بطنه ثم ضرب عنقه آخر، فالثاني هو القاتل، لأن الأول لا يعيش مثله، والثاني قد يعيش مثله.
ش: ضابط ذلك أن يفعل به فعلا يجوز بقاء الحياة معه، ثم يقتله آخر، فالثاني هو القاتل، لأنه المفوت للنفس جزما، قال أبو محمد: وكذلك الحكم إذا لم يجز بقاؤه مع الجناية، إلا أن فيه حياة مستقرة كخرق المعى وأم الدماغ.
2936 -
لأن عمر رضي الله عنه لما جرح سقوه لبنا فخرج، فعلم أنه ميت، فقيل له: اعهد إلى الناس، فعهد إليهم، وجعل الخلافة في أهل الشورى فقبل الصحابة عهده وعملوا به.
قال: وإذا قطع يديه ورجليه ثم عاد فضرب عنقه قبل أن تندمل جراحه، قتل ولم تقطع يداه ولا رجلاه في إحدى الروايتين، والرواية الأخرى قال: إنه لأهل أن يفعل به كما فعل.
ش: الرواية الأولى هي المشهورة عن أحمد، واختيار الأكثرين الخرقي وأبي بكر، والقاضي في خلافه وفي روايتيه،
والشريف، وأبي الخطاب في خلافيهما، وابن عقيل والشيرازي.
2937 -
لما روى عبد الله بن يزيد الأنصاري رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النهبى والمثلة» ، رواه البخاري، والمثلة تشويه خلقة القتيل، كجدع أطرافه، وقطع مذاكيره، ونحو ذلك، وإذا فعل به مثل ما فعل فقد مثل به فيدخل في النهي.
2938 -
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا قود إلا بالسيف» رواه ابن ماجه، إلا أن أحمد قال: ليس إسناده بجيد، ولأن القصاص أحد بدلي النفس، فدخل في حكم النفس كالدية (والرواية
الثانية) نقلها الأثرم وهي أوضح دليلا، لقول الله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] ولحديث أنس بن مالك رضي الله عنه المتقدم «أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين، فأخذ اليهودي فأقر فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بالحجارة» ، متفق عليه، فرتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الرض على اعترافه.
2939 -
وعنه صلى الله عليه وسلم: «من حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه» وهذه الأدلة أخص من حديث المثلة، قال أبو العباس رحمه الله: هذا أشبه بالكتاب والسنة والعدل؛ (فعلى هذه الرواية) متى اقتصر على ضرب عنقه فهو أفضل، وإن قطع ما قطعه الجاني أو بعضه، ثم عفا مجانا فله ذلك، فإن عفا إلى الدية لم يجز إذ جميع ما فعل بوليه لم يوجب إلا دية، فإن فعل فله ما بقي من الدية، فإن لم يبق شيء فلا شيء له، (وعلى الأولى) إن فعل به مثل ما فعل فقد أساء ولا شيء عليه، فإن
قطع طرفا ثم عفا إلى الدية كان له تمامها، وإن قطع ما يوجب دية ثم عفا لها لم يكن له شيء، وإن قطع ما يجب به أكثر من دية ثم عفا، فهل يلزمه ما زاد على الدية، أو لا؟ فيه احتمالان، وكذلك لو تساوى العضوان في الدية، واختلفا في المحل، كأن قطع يده فقطع الولي رجله ثم قتله، فهل يلزمه ضمان الرجل لعدم استحقاقها له بوجه، أو لا يلزمه لتساويهما في الضمان؟ فيه احتمالان أيضا.
ويستثنى على هذه الرواية إذا قتله بمحرم كتجريعه الخمر، واللواط، والسحر، وفي النار خلاف.
وقول الخرقي: قبل أن تندمل جراحه، احترازا مما إذا اندملت كما سيأتي، وقوله: قتل، أي بالسيف، لأنه الآلة التي يشرع القصاص بها.
قال: فإن عفا عنه الولي فعليه دية واحدة.
ش: لا خلاف في هذا نعلمه في المذهب، لأنه قاتل قبل استقرار الجرح، فدخل أرش الجراحة في أرش النفس، كما لو حصل ذلك بالسراية.
قال: ولو كانت الجراح برأت قبل قتله، فعلى المعفو عنه ثلاث ديات، إلا أن يريدوا القود فيقيدوا ويأخذوا من ماله ديتين.
ش: إذا قطع يديه ورجليه وبرأ ذلك ثم قتله، فقد استقر حكم القطع، فللولي أن يقتص من الجميع بلا نزاع، وله أن يعفو عنه ويأخذ ثلاث ديات، دية لنفسه، ودية للرجلين، ودية
لليدين، وله أن يقتص منه في النفس، ويأخذ منه دية الأطراف، وله أن يقتص منه في الأطراف ويأخذ دية النفس، وله أن يقتص في بعض الأطراف، ويأخذ دية بعضها، إذ حكم القطع استقر، فلا يتغير حكمه بالقتل بعد ذلك، والله أعلم.
قال: ولو رمى حر مسلم عبدا كافرا، فلم يقع به السهم حتى أسلم وعتق، فلا قود وعليه دية حر مسلم إذا مات من الرمية.
ش: لا نزاع في وجوب دية حر مسلم إذا مات من الرمية، لأن الإتلاف حصل لنفس حر مسلم، واختلف في وجوب القود، فنفاه الخرقي، وتبعه القاضي، وابن حامد، فيما حكاه تلميذه، إذ الرمي جزء من الجناية، ولا ريب في انتفاء المكافأة حال الرمي، وإذا عدمت المكافأة في بعض الجناية، عدمت في كلها، إذ الكل ينتفي بانتفاء بعضه.
وأثبته أبو بكر، وابن حامد فيما حكاه ابن عقيل في التذكرة، وهو ظاهر كلام أحمد، لقوله في رجل أرسل سهما على زيد، فأصاب عمرا: هو عمد، عليه القود؛ فاعتبر الحظر في ابتداء
الرمي، وذلك لأنه قتل مكافئا له ظلما عمدا، فوجب القصاص، كما لو كان حال الرمي كذلك، يحققه لو رمى مسلما فلم يصبه السهم حتى ارتد ومات، فإنه لا قصاص عليه، وملخص ما تقدم أن سبب السبب - وهو الرمي - هل حكمه حكم السبب الذي هو الإصابة أم لا؟ يخرج على قولين، ولهذا شبه بما إذا تعددت الأسباب كما يذكر في مسألة التجاذب، هل يناط الحكم بالجميع أو بآخرها؟ على قولين، فترتب الحكم على الجميع شبه قول أبي بكر، وتعلق الحكم بالآخر، وهو المشهور، شبه قول الخرقي.
قال: وإذا قتل رجل اثنين، واحدا بعد واحد، فاتفق أولياء الجميع على القود، أقيد لهما، وكذلك إن أراد أولياء الأول القود، والثاني الدية أقيد للأول، وأعطي أولياء الثاني الدية من ماله، وكذلك إن أراد أولياء الأول الدية، والثاني القود.
ش: إذا قتل واحد جماعة فرضي أولياؤهم بأخذه بجميعهم، أخذ بهم، لرضاهم بدون حقهم، أشبه ما لو رضي صاحب اليد الصحيحة بالشلاء، وإن طلب أحدهم القصاص، والآخر الدية، فلهم ذلك، سواء كان من رضي بالقود حقه متقدما أو متأخرا.